Home»National»إذا كانت الحقيقة هي مرجعية القرآن الكريم فواقع البشر هو مجال تطبيقه

إذا كانت الحقيقة هي مرجعية القرآن الكريم فواقع البشر هو مجال تطبيقه

0
Shares
PinterestGoogle+

 

في مقال سابق ، وردا على عبارة طائشة لأحد العلمانيين في برنامج بدون حرج على فضائية مدي 1 سات ، وهي عبارة :  » الجانب الميثولوجي للقرآن  » بينت مرجعية القرآن الكريم ، التي هي الحق والحقيقة لدحض هذه العبارة الطائشة . وكان المقال عبارة عن بداية سلسلة مقالات لدحض أباطيل العلمانية التي تحاول إلصاق تهم الأسطورة ، والخيال بالقرآن الكريم ، وهو كتاب منزه عن كل الأباطيل من خرافات وأوهام وأساطير . وهو كتاب ينطلق من واقع الناس،  ومن حقائقهم الملموسة المحسوسة خلاف ما يتهمه به الجاهلون به ، والحاقدون عليه بدافع الجحود،  والإنكار تعصبا  للإلحاد وللعلمانية التي يتنكر لها واقع البشر بالأدلة  الدامغة  التي لا يستطيع إنكارها إلا جاحد معطل لطاقة عقله .

فإذا ما بدأنا بفاتحة الكتاب ، أو أمه ، وما سميت الفاتحة أم الكتاب إلا لأنها تعتبر الفكرة العامة للكتاب بتعبير أهل  الديداكتيك. فالفاتحة تضمنت القضايا الجوهرية في القرآن الكريم ، ففيها علم الله عز وجل خلق هذه القضايا الجوهرية التي ستتكرر في طول الكتاب وعرضه إجمالا أوتفصيلا . فالبسملة في الفاتحة تتضمن اسم الجلالة الله ، وهذه حقيقة تنفي أساطير الآلهة عبر العصورإلى نهاية إلى نهاية العالم . ووصف الله تعالى بالرحمة في البسملة  بصيغتين من صيغ المبالغة ، علما بأن صيغ المبالغة تدل على الكثرة ، عبارة عن طمأنة البشرية بعد إلغاء أساطير الآلهة بأن انفراد الله عز وجل بالألوهية  مصحوب بالرحمة المطلقة ، فلا يخشى منه ظلم لتفرده بالألوهية ، كما كان حال الآلهة المتصارعة  فيما بينها على حساب البشرية ،وفق ما تقصه الأساطير التي مرجعيتها الخيال مقابل ما يقصه القرآن الكريم ذو المرجعية  التي قوامها الحقيقة . وبعد البسملة التي تتكرر في كل السور باستثناء سورة التوبة من أجل تأكيد ألوهية الله عز وجل دون غيره ، واقتران هذه الألوهية بالرحمة المطلقة،  تبدأ فاتحة الكتاب بحمد الله عز وجل ، ولا يكون الحمد إلا مقابل العطاء ، وعطاء الله واضح وجلي فهو هذا الكون الذي خلقه بكل ما فيه ،واستحق من أجله الحمد . وفي عبارة الحمد  : (( الحمد لله رب العالمين )) إشارة  إلى الربوبية  بالنسبة لكل ما يحتويه العالم من كائنات حية، وجامدة، عاقلة ، وغير عاقلة . والإشارة إلى الربوبية تأكيد للألوهية ، بل  توضيح لأجرأة الألوهية ، ذلك أن الله عز وجل ليس مجرد إله ،كما كان الناس يتصورون الآلهة في أبراجها العاجية تهتم بمشاكلها ، وصراعاتها كما صورتها الأساطير، بل هو إله  يرب العالمين ويرعاهم ، ويوجد في واقعهم باستمرار ، ولا يغادرهم . وفي هذه الآية قطع للطريق على كل بشر تسول له نفسه أن يتأله ، أو يدعي شيئا مما يدخل ضمن اختصاص الله عز وجل ، ذلك أن الجميع مخلوقات الله رب العالمين . فما في العالم مخلوق يقابل الخالق الذي هو الله عز وجل  . وأما قوله سبحانه : (( الرحمان الرحيم )) فهو طمأنة للعالمين بأن الذي  خلقهم والذي هو ربهم إنما يعاملهم برحمة مطلقة، تم التعبير عنها بصيغتي مبالغة كما مر بنا لتوكيد إطلاقها  وشمولها للعالمين دون استثناء . وأما قوله تعالى : (( ملك يوم الدين )) ففيه إشارة إلى ملكية الله تعالى للآخرة على غرار ملكيته للدنيا ، إذ لا تكتمل الألوهية والربوبية إلا بامتلاك الدارين معا ، وهو أمر لم يرد في أساطير الآلهة التي كان شأنها دنيويا فقط  . وأما قوله تعالى : (( إياك نعبد )) فيدل على الغاية من خلق البشر،  وهي طاعة الخالق لأن من مقتضيات العبودية الطاعة ، وهو أمر مألوف عند البشر، وقد مارسوا الاستعباد على بعضهم البعض بسبب ضلالهم قبل أن يتولاهم خالقهم بلطفه ، ويكشف لهم حقيقة مخلوقيتهم ، التي لا تخول لهم استعباد بعضهم البعض ، وبذلك أخرجهم من عبادة بعضهم إلى عبادة خالقهم الجدير بالعبادة. وأما قوله تعالى : (( وإياك نستعين )) فهو مربط الفرس كما يقال بالنسبة لنا ونحن نقارب موضوع مجال تطبيق القرآن الذي هو واقع البشر . فعندما يعلم الله البشر طلب العون منه في فاتحة الكتاب ، ويفرض ذلك عليهم  في خمس صلوات في اليوم والليلة،  لا يعلمهم طلب عون ميثولوجي  بل طلب عون حقيقي وواقعي . فالبشر في حياته يحتاجون إلى طعام وشراب وهواء ووقاع ….من أجل البقاء إلى أجل معلوم ، ولا قدرة لهم على توفير ظروف الحياة بكل ما فيها إلا بطلب العون من خالقهم، وخالق الحياة وموفر ظروفها للبشر . فالناس يقفون في صلواتهم خمس مرات بين يدي خالقهم يسألونه العون كما علمهم في فاتحة الكتاب ، وقد لا يبالون بما وراء طلبهم من عون يستفيدون منه يوميا وواقعيا  . فالناس يأكلون ،ويشربون ، ويكسبون ، وينامون ، ويستريحون ، وينجبون  ، وينجيهم  الخالق سبحانه من المهالك ،ويشفيهم من الأمراض والعلل ، ويوفر لهم أسباب العيش  يوميا، وقد لا يخطر ببالهم أن ذلك عبارة عن استجابة من ربهم لطلبهم العون منه كما علمهم في فاتحة الكتاب . فقوله تعالى : (( إياك نستعين )) دليل على واقعية القرآن الكريم  لا على ميثولوجيته كما زعم العلماني بدون حرج  . فلا يوجد عون فوق سطح الأرض له طبيعة ميثولوجية ، ذلك أن الله عز وجل خلق الكون بأرضه وسمائه ، وهو كون حقيقي،وواقعي ملموس، ومحسوس ، ولا يمكن أن يشك في واقعيته إلا مخبول أو معطل لعقله ، أو منكر جاحد لا حجة معه . وتحرك البشر في كون محسوس ، وهم أجساد محسوسة،لا يكون إلا تحركا محسوسا يقتضي عونا محسوسا عبر أسباب محسوسة . وطلب البشر العون من خالقهم وهم يتحركون في الكون المحسوس لا يمكن أن يكون هذا العون إلا محسوسا . فالله تعالى خالق الكون المحسوس جعل التحرك فيه محسوسا وفق أسباب محسوسة  وراءها فعل الله عز وجل ، وهو عونه الذي أمر خلقه أن يطلبوه منه. فالبشر يطلبون أقواتهم من خالق الأقوات عن طريق اتخاذ الأسباب، التي هي عون الخالق للبشر فيصلون إلى أقواتهم بعون الخالق سبحانه الذي هيأ الأسباب لا بقدرتهم ،لأنهم مخلوقات عاجزة لا قدرة لها إلا بعون من خالقهم القادر جل شأنه . والجاحدون بألوهية وربوبية الله  عز وجل من علمانيين وملحدين وغيرهم  يصيبون ما يصيبون من الحياة، وهم يعتقدون أنهم هم الذين حصلوا على ما حصلوا عليه بقدرتهم وإرادتهم ، وأن الأسباب التي مكنتهم مما حصلوا عليه ليس وراءها خالق هيأها لهم . وهم لا يعبئون بعونه لأنه اتصف بالرحمة المطلقة ، لذلك فهو يعين من سأله ، ومن لم يسأله جهلا ، وحتى تكبرا،أو استعلاء ، لذلك كان رحمانا ورحيما . ولا يمكن أن يحرم من لم يسأله العون ،لأن ذلك ينقض صفة الرحمة المطلقة فيه . وأما قوله تعالى : (( اهدنا الصراط المستقيم )) فهو طلب العون أيضا ، إذ الهداية عبارة عن توفيق في ممارسة الحياة بشكل صحيح . وقد يقصر البعض الهداية في جوانب دون أخرى من الحياة ، والحقيقة أنها هداية تشمل كل ما في الحياة ما ظهر وما بطن ،وما علم وما جهل   . فمن هداية الله عز وجل للبشر أنه هداهم إلى سبيل العلم ، فاستقامت حياتهم بهذا السبب الذي هو من عند الله وبيده . فالبشرية اليوم تعيش تطورا ماديا راقيا بفضل سبب العلم الذي هو ثمرة هداية الله عز وجل . والصراط المستقيم هو صراط الحياة  وفق إرادة الخالق ، وهي الحياة الناجحة . والحياة الناجحة هي حياة لا تخرج عن إرادة الخالق . وإرادة الخالق هي كما جاء في الفاتحة : (( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) فالذين يخوضون غمار الحياة ، إما أن يكونوا من المنعم عليهم بالهداية  من خالقهم فيتصرفوا في هذه الحياة وفق إرادته سبحانه ، وإما أن يكونوا من المغضوب عليهم فيتصرفوا في هذه الحياة خلاف إرادته ، وإما أن يكونوا من الضالين ،فيتصرفوا بسبب ضلالهم في هذه الحياة بعكس ما أراد لهم خالقهم . وبيان ممارسة البشر للحياة بهذه الأساليب  أنهم جميعا  وبرحمة خالقهم المطلقة ينالون أنصبتهم من العيش  طعاما وشرابا ولباسا ومسكنا …وغير ذلك عن طريق الأسباب التي يسرها الله عز وجل للجميع وفق قوانين مضبوطة ، ولكنهم يختلفون  في شكر ما حصلوا عليه ، فمنهم  من يستخدم ما ناله في طاعة خالقه أي يتصرف فيما أنعم الله به عليه وفق إرادة خالقه سبحانه ، وهؤلاء  هم المنعم عليهم ، ذلك أن النعمة  هي أن يعترف فيها للمنعم سبحانه من خلال طريقة التصرف فيها الموافقة لإرادته . ومنهم من يستخدم النعم في مخالفة إرادة خالقه عمدا وعن قصد ، وهو يقر في قرارة نفسه بنسبة النعمة للمنعم سبحانه ، وهذا هو المغضوب عليه الذي أسخط ربه بمعصيته من خلال سوء التصرف في النعمة التي أنعم بها عليه. ومنهم من يستمتع بالنعم دون أن يكترث بالمنعم سبحانه ، وهذا هو الضلال، إذ لا يهتدي صاحبه إلى حقيقة ما به من نعم فيحسن التصرف فيها . وأخيرا أقول إن واقعية القرآن الكريم هي على غرار  الواقعية المرصودة في فاتحة الكتاب التي هي عصارة القرآن الكريم . ولنا وقفات  مقبلة مع  تجليات هذه الواقعية من خلال نصوص القرآن الكريم لدحض مقولة من قال بميثولوجية القرآن الكريم بدون حرج  على قناة ميدي1 سات ، والتي تعلم البعض التجاسر على الخالق سبحانه وعلى دينه عن جهل مركب أو مكعب .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *