Home»National»إسقاط الفساد إنما يكون بالصلاح

إسقاط الفساد إنما يكون بالصلاح

0
Shares
PinterestGoogle+

إذا ما كانت الأمة مجمعة على إدانة الفساد بكل أشكاله فإنها تصير طرائق قددا فيما يخص إسقاطه . ومعلوم أن الفساد وهو نقيض الصلاح يعني اختلال الحياة بعد تعطيل ضوابطها التي تصون صلاحها ، وتجعلها تسير سيرها الطبيعي العادي وفق إرادة الخالق جل جلاله . وقد تفاسد الأنظمة الفسدى شعوبها بالإساءة إليها فتفسد هذه الشعوب على أنظمتها بالثورة على فسادها. والفساد سلوك بشري متأصل في الطبيعة البشرية ، وهي طبيعة أنكرها ملائكة الرحمان في قول الله تعالى على ألسنتهم حين أخبرهم بخلق الإنسان في الأرض : (( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها )) وما فساد الإنسان في الأرض سوى الإخلال بضوابط الحياة التي تحافظ على صالحها وهو الأصل فيها لأن خلق الله عز و جل يستحيل فيه الفساد، ولذلك يكون الأصل فيه صلاحا والفساد عارضا واستثناء. والفساد إذا حل بأفق من آفاق الحياة أو مجال من مجالاتها انتشر في غيره نظرا للطبيعة الجدلية لهذه الآفاق أو المجالات . ففساد المجال السياسي يعني بالضرورة الفساد في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . فالنظام الفاسد سياسيا تصيب عدوى فساده الاقتصاد والاجتماع والثقافة . ولنا أمثلة في الأنظمة العربية الفاسدة الساقطة والتي هي في طريق السقوط ،ذلك أن مبدأ فسادها السياسي كان من خلال الإخلال بضوابط الوصول إلى الحكم والمكث فيه المدد القانونية المعروفة . فمعظم أنظمتنا الفاسدة وصلت إلى السلطة عن طريق العنف من خلال انقلابات عسكرية ظاهرها إصلاح وإنقاذ وباطنها فساد يحل مكان فساد. وبعد ذلك كانت الانتخابات الفاسدة التي تقارب نسبها المئوية المائة في المائة عن طريق التزوير ، وبعد ذلك كان فساد المدد الرئاسية التي تتجاوز المرة الثانية إلى مرات عديدة ، وإلى رئاسة مدى الحياة ، وبعد ذلك كان فساد انتقال السلطة عن طريق توريث الرئاسة للأبناء . فهذه السلسلة المتوالية من الفساد السياسي تنعكس على فساد الاقتصاد والاجتماع والثقافة . وأول ما سجل عن الأنظمة الفاسدة سياسيا فسادها الاقتصادي حيث راكمت ثروات هائلة لفائدتها وفائدة أسرها والمقربين منها ، وهو ما أفسد اقتصاد بلدانها .

وموازاة مع فساد السياسة والاقتصاد يفسد الاجتماع حيث تجعل الأنظمة الفاسدة شعوبها طائفتين هذه من شيعتها وتلك من عدوها ، وهو أمر يعكسه واقع البلاد العربية التي ما زالت أنظمتها الفاسدة لم تسقط بعد بسبب التفرقة بين الشعوب ، حيث تحتمي هذه الأنظمة بشيعتها ضد عدوها . وبفساد الاجتماع تفسد الثقافة حيث تتضارب آراء الشعب الواحد بسبب التفرقة التي تشيعها الأنظمة الفاسدة فيه ، وتكون النتيجة هي ثقافة مناصرة للفساد مكرسة له ، وأخرى مناهضة له . وقد يبدو للبعض أن فساد السياسة لا يمس الثقافة ، وهذا وهم كبير ذلك أن الفساد السياسي يوظف متن ضمن ما يوظفه الفساد الثقافي ، فيصير الفن مثلا ، وهو جزء من الثقافة خادما للفساد السياسي أقل ما يقدمه له من خدمة هو تخدير الشعوب وصرف أنظارها عن الفساد السياسي ، ومحاولة حملها على التطبيع مع الثقافة الفاسدة تحت شعارات مضللة . وعندما تستيقظ الشعوب من غفلتها وتتنبه إلى الفساد بكل أشكاله ، ويحصل بينها إجماع على إدانته فإن ذلك لا يعني أنها امتلكت وسائل إسقاطه ، أو تغييره نظرا لاختلاف طرق ووسائل معالجته. وسبب ذلك أن الشعب الواحد غير متجانس فيما يخص الضرر اللاحق به بسبب أنواع الفساد ، ذلك أن الفئة التي لحق بها الفساد الاقتصادي تفضل وسيلة إسقاط الفساد الخاص بالاقتصاد دون التفكير في العلاقة الجدلية بين هذا النوع من الفساد و أنواع الفساد السياسي والاجتماعي والثقافي . وفئة أخرى لحق بها فساد آخر تحاول إسقاطه بطريقة منعزلة عن إسقاط غيره من أنواع الفساد الأخرى، وبهذا تختلف مقاربات إسقاط الفساد في البلد الواحد عند الشعب الواحد بغض الطرف عن تجنيد الأنظمة الفاسدة لفئة من الشعب لمنع زوال الفساد أو تعطيله ، وبهذا أيضا يتعذر إسقاط الفساد ، وتتنكب طرق إسقاطه الصحيحة . وفي كثير من البلاد العربية كانت الخطوة الأولى لإسقاط الفساد هو التظاهر السلمي الذي يسحب البساط من تحت أقدام الأنظمة الفاسدة والتي لم تدخر جهدا في اتهام هذا التظاهر أو هذا الحراك بالخيانة العظمى من خلال نسبته إلى الأجندات الأجنبية المعادية لها حسب زعمها . فإذا ما سقط قناعها ، وانكشف تهافت اتهامها للحراكات السلمية لجأت إلى أسلوب خلط الأوراق من خلال تسريب عناصر إفساد التظاهر والحراك من أجل تحويله من حراك سلمي إلى حراك عنيف يوفر لها الذريعة لاستعمال العنف ، وهو ما وقع ولا زال في الدول العربية التي تعرف هذا الحراك . وقد يفسد التظاهر أو الحراك السلميان عن طريق فئات متربصة تتحين الفرص لتصفية الحساب مع الأنظمة ، وتركب التظاهر والحراك من أجل ذلك ، بل تحاول نسبته لنفسها ، وتحويره لفائدة أهدافها المكشوفة دون مراعاة حقوق الطبع كما يقول أصحاب المؤلفات . فكم من حراك شباب تحول بين عشية وضحاها إلى حراك طيف سياسي أوديني فأعطى الأنظمة الفاسدة الذريعة للإجهاز عليه باعتباره حراك شبابي تحول بقدرة قادر إلى حراك تصفية حسابات سابقة بين طائفة ونظام على حساب هذا الحراك الشبابي العفوي البريء الذي حركه الفساد ولا شيء غير الفساد ، ولا شيء مما يحرك أصحاب الحسابات الطائفية والحزبية السابقة مع الأنظمة .

ومما أجهض التظاهرات والحراكات السلمية أيضا أنواع من التسللات لعصابات تستخدمها جهات مغرضة ذات صلة وثيقة بنوع من أنواع الفساد تخشى كساده أو زواله ، لذا تحاول التأثير على كل تظاهر يناهضه لحمله على الانحراف من تظاهر سلمي إلى تظاهر عنيف تتمناه الأنظمة الفاسدة لتجعل منه حبل نجاة لها . وهكذا بدأت الحراكات والتظاهرات أول الأمر حضارية أرغمت الأنظمة على الاستجابة الفورية لمطالبها ، ولكنها بسبب المؤامرات مما مر ذكره تحولت إلى أساليب فاسدة تروم إسقاط الفساد ، علما بأن الفساد لا يعالج بالفساد المماثل . وهكذا صار التظاهر والحراك في كل وقت وحين وبأشكال ممجوجة مبالغ فيها، و أجهز على نتائج الحراكات والتظاهرات الحضارية الأولى ، وأفرغها من دلالاتها ، وأعطاها دلالات أخرى فجة كانت بمثابة حبال نجاة تقدم مجانا لأنظمة سدت في وجهها سبل النجاة من السقوط . وبهذا انقلبت الحراكات والتظاهرات الحضارية المتزنة إلى أشكال تسيب وفساد حتى أن بعض البلاد العربية التي تمر بها هذه الحراكات عرفت أنشطة اللصوصية والسرقة الموصوفة ، والجريمة المنظمة حيث استغلت عصابات الإجرام واللصوصية خوف الأنظمة الفاسدة من الحراكات الحضارية السلمية التي تجعلها في وضعية شرود إذا ما فكرت في استعمال العنف ، فسعت في الأرض فسادا الشيء الذي جعل فئات عريضة من الشعوب التي كانت تتعاطف مع الحراكات السلمية تتوجس منها خيفة لما اعتراها من انحرافات عن طريق نشاط العصابات الإجرامية المتسللة إليها ، والطوائف المغرضة التي تركبها لحاجة في نفس يعقوب .

ولقد قدمت هذه العصابات والطوائف خدمة كبيرة للأنظمة الفاسدة التي وجدت في تحركاتها المفسدة المريبة أو المغرضة ذريعة للالتفاف على الحراكات الحضارية الناضجة . وإذا ما وقفنا وقفة تأمل ونقد بناء وواقعي وموضوعي بعيد عن الغوغائية والعاطفة لسبل وطرق إسقاط الفساد فإننا نكتشف أن الحراكات والتظاهرات الحضارية التي تستهدف إسقاط الفساد أوقعتها الجهات الفاسدة و المغرضة المتسللة والمخترقة في الفساد من حيث لا تشعر . ولهذا لا بد للذين احتضنوا الحراكات الحضارية أن يوفروا لها الوقاية من الجراثيم الملوثة على اختلاف أنواعها والتي تكرس الفساد وتوفر له ظروف الاستمرار والاستفحال.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *