Home»Enseignement»اختيارات التوجيه المدرسي والمهني والجامعي بين طموحات التلاميذ والطلبة وإكراهات الواقع

اختيارات التوجيه المدرسي والمهني والجامعي بين طموحات التلاميذ والطلبة وإكراهات الواقع

0
Shares
PinterestGoogle+
 

اختيارات التوجيه المدرسي والمهني والجامعي

بين طموحات التلاميذ والطلبة وإكراهات الواقع

بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.

مقدمة:

يجمع المتتبعون والمهتمون بمنظومة التربية والتكوين على أن التوجيه التربوي يعد   قاطرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويتمثل من حيث التعريفات النظرية في مجموعة عمليات تربوية وإدارية وتقنية تسعى إلى مساعدة التلاميذ على بلورة مشاريعهم الشخصية والقيام باختيارات حرة وواعية مدرسية أو مهنية حتى يتمكنوا من تحقيق الأهداف التي يرسمونها لأنفسهم من أجل الاندماج في الحياة العملية، مؤهلين وقادرين على مواجهة متطلبات الحياة اليومية.

ومعلوم أن منظومة التربية والتكوين تنبني على مكونين أساسيتين هما التلقين وتبليغ الدروس المقررة، من ناحية، وفق برامج ومناهج محددة، والتقويم والامتحانات في كل المستويات الدراسية حسب تعليمات وتقنيات معينة، من ناحية أخرى، وذلك منذ أن تطأ قدم التلميذ المؤسسة التعليمية إلى غاية مغادرته لها، ناجحا ومحققا نتائج إيجابية مدرسيا ومهنيا، أو فاشلا مفصولا عن الدراسة أو مكرها على مغادرة الأسلاك الدراسية دون تأهيل معرفي ولا مهني؛ حيث يمر عبر مسار دراسي طويل، أحيانا منبسط، وأحايين متشعب، تكتنفه منعرجات ومنحدرات وعقبات، وأحايين أخرى تعترضه صعوبات وحواجز تختلف باختلاف المستويات الدراسية وأهميتها من حيث مضامين المقررات وعمليات الاختبارات والامتحانات وعمليات التوجيه المدرسي والاختيارات المتاحة حسب المستويات الدراسية.

فما هي اختيارات التوجيه المدرسية والمهنية والجامعية المتاحة للتلاميذ والطلبة عبر مساراتهم التعليمية والتكوينية في مختلف الأسلاك؟ وما هي طموحات التلاميذ والطلبة خلال هذه المسارات؟ وما هي الإكراهات الميدانية والواقعية التي تقف أمام اختيارات وطموحات التلاميذ والطلبة؟

سنحاول مناولة هذه الأسئلة المحورية بالدراسة والتحليل انطلاقا من الممارسة الميدانية لمختلف المهام المنوطة بأطر التوجيه التربوي، في تواصل مستمر مع الفاعلين التربويين والطلبة والتلاميذ وأولياء أمورهم، واعتمادا على التقارير المنجزة سنويا في هذا المجال، ومراجع تقنية وإحصائية ذات الصلة بالموضوع اعتمادا كذلك على ميولات ورغبات التلاميذ والطلبة سواء المعبر عنها على بطاقات الرغبات أو بطاقات الترشيح الخاصة أو طلبات إعادة التوجيه أو المصرح بها بعد مدة زمنية.

I.             العملية التربوية والتعليمية:

يرتبط التلاميذ بالأساتذة بمختلف المستويات الدراسية، ومنذ انطلاق كل موسم دراسي، من خلال علاقات تربوية أهدافها التلقين وتبليغ المعارف المنصوص عليها بالمقررات الدراسية وفق طرائق بيداغوجية، وتعليمات حول سيرورة الإنجاز، وكيفية التقويم التربوي ووسائله ومراحله وأنواعه والقرارات المترتبة عنه. وتتوزع العملية التربوية بين حصص عامة تخص المواد الأدبية عموما، وحصص خاصة تهم المواد العلمية ومواد التفتح. ويمكن تسجيل بكل جلاء، وفي جميع المستويات الدراسية، رجحان كفة حصص المواد الأدبية ومنذ السلك الابتدائي إلى نهاية سلك البكالوريا. ويعتمد تلقين المواد الأدبية لتلاميذ القسم مجتمعين، في حين تنص التشريعات المعمول بها على تدريس المواد العلمية (علوم الحياة والأرض والفيزياء والكيمياء) باعتماد الأفواج حتى يستفيد التلاميذ من الأشغال التطبيقية في هاتين المادتين.

ويتم تقييم التحصيل الدراسي عند التلاميذ، حسب الأسلاك والمستويات الدراسية كتابيا وشفويا، اعتمادا على اختبارات المراقبة المستمرة والامتحانات الموحدة والبحوث والأعمال المنزلية والاستظهار والمشاركة في تنشيط حصص الدروس.

وتتخذ مجالس الأقسام قرارات معينة في حق التلاميذ بناء على معدلات سنوية، تتوزع بين الانتقال إلى المستوى الأعلى والتوجيه، في مراحل التوجيه، إلى نوع دراسي أو مهني ( بعد قبول التلميذ(ة) في مباراة)،  والرسوب الذي يتفرع إلى تكرار القسم أو الفصل عن الدراسة.

II.             مستويات التوجيه المدرسي:

تحدد التشريعات التنظيمية بسلك التعليم الثانوي ثلاثة مستويات للتوجيه المدرسي، تتوزع بين السنة الثالثة ثانوي إعدادي وسلك الجذوع المشتركة والسنة الأولى من سلك البكالوريا. ويلاحظ أن الشعب الدراسية ذات الاستقطاب المحدود خلال هذه المراحل تمثل ما يناهز ثلثي الاختيارات المتاحة للتلاميذ.

أما التوجيه إلى التكوين المهني فيتم بناء على نجاح المترشح(ة) في مباراة تنظمها المؤسسات التكوينية حسب التخصصات والمقاعد المتوفرة.

ويرتقب إرساء عملية التوجيه النشيط في آخر السنة الثانية من سلك البكالوريا لتوجيه الطلبة حاملي شهادة البكالوريا نحو مسالك التعليم الجامعي ذي الاستقطاب المفتوح.

III.             عمليات الإعلام المدرسي والمهني والجامعي:

تنظم خلال كل سنة دراسية عمليات الإعلام المدرسي والمهني والجامعي، التي يشرف عليها أطر التوجيه التربوي بالمناطق التربوية وقطاعات الاستشارة والمساعدة على التوجيه، والتي تهدف إلى تزويد المتعلمات والمتعلمين بمعلومات حول الشعب والمسالك الدراسية والتخصصات المهنية بسلك التعليم الثانوي والدراسات الجامعية، وذلك اعتمادا على الدعائم والوثائق الإعلامية المتوفرة، من كتيبات ومطويات وملصقات.

وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن هذه الدعائم الإعلامية ترد على المؤسسات الثانوية متأخرة، وذلك حوالي أوائل شهر أبريل من السنة الدراسية، والتلاميذ في غمرة البذل والاجتهاد لإتمام المقررات واستيعاب الدروس والتمرينات استعدادا لاختبارات المراقبة المستمرة والامتحانات الإشهادية.

في هذه الظروف الضاغطة لا يتوفر التلاميذ على متسع من الوقت للاستفادة بما فيه الكفاية من عمليات الإعلام المدرسي والمهني والجامعي.

IV.             طموحات التلاميذ والطلبة:

من حق كل فرد/تلميذ أو طالب…، أي يطمح ويبني مشروعه المدرسي والمهني، ويرى مستقبله بعيون وردية.

من هذا المنطلق، يتم تسجيل عدة تصريحات لدى التلاميذ تترجم طموحاتهم يعبرون، من خلالها، عن رغباتهم الجامحة في متابعة نوع من الدراسة يمكنهم من تحقيق الأهداف التي يرسمونها لأنفسهم في جميع المجالات الحياتية الاجتماعية والثقافية وغيرها، وفق   ميولاتهم وقدراتهم الفكرية والجسمية. إلا أن هذه الطموحات تصطدم بعقبات وصعوبات ملموسة وإكراهات واقعية من كل الأشكال والأنواع تتمثل عموما في الانتقائية الشديدة المطبقة على ولوج عدة تخصصات دراسية وتكوينية سواء عند الالتحاق بالتعليم الثانوي التأهيلي أو خلاله أو عند الالتحاق بالمؤسسات الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر أو عند الالتحاق بالتكوين المهني في جميع مستوياته  .

V.             التوجيه إلى المؤسسات الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر والمؤسسات المهنية:

بعد حصول التلاميذ على شهادة البكالوريا، يلتحقون بمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح أو بمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود. ويتم التسجيل بالمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، إلى حدود الساعة وعموما، دون شروط تذكر، أما ولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، فيتم بناء على مساطر متعددة ومتباينة وأحيانا دقيقة: فمن هذه المؤسسات من تكتفي بدراسة ملفات الترشيح، ومنها من تضيف مباريات متعددة الأنواع والأساليب، فمن الكتابي إلى الشفوي إلى إجراء مقابلة مع لجنة متخصصة، إلى الأشغال التطبيقية إلى التربية البدنية، إلى التعبير الفني إلى الروائز إلى الفحوصات الطبية وغيرها.

أما ولوج المؤسسات المهنية فيتم بناء على مباراة كتابية يخضع لها المترشحون حسب نوع الدبلوم المهني الممنوح.

ويلاحظ أن نسبة مهمة من الطلبة حاملي شهادة البكالوريا العلمية، يتوجهون نحو كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، لعدة أسباب منها ضعف مستواهم التحصيلي في اللغة الفرنسية، وتخوفهم من عدم القدرة على مسايرة دراستهم.

VI.             الاختيارات والإمكانات المتاحة:

فتلاميذ السنة الثالثة ثانوي إعدادي يجدون أنفسهم أمام قيود، تتمثل في الانتقائية التي تكبح الانتقال إلى المستوى الموالي، كما يواجه الناجحون منهم نسبا محددة تقف أمامهم وتحول دون توجههم إلى أنواع الدراسات التي يرغبون فيها: فمن بين أربعة جذوع مشتركة، اثنان منها تخصص لولوجها نسب هزيلة جدا لا تستجيب لطموحات التلاميذ.

أما بسلك الجذوع المشتركة فتخضع خمسة عشرة شعبة من بين إحدى وعشرين منها لقيود النسب المحددة سلفا حسب المقاعد المتوفرة.

وأما بالسنة الأولى من سلك البكالوريا، فتخضع جميع الشعب إلى المتابعة المسترسلة في نفس الممرات إلا اثنتان منها تمنحان فرصة التوجيه إلى التلاميذ بحيث توجه نسبة محددة إلى مسلكين من بين خمسة.

وأما التلاميذ الحاصلون على شهادة البكالوريا، فنسبة ضئيلة منهم تتوجه، وفق مساطر دقيقة، إلى مؤسسات تكوين الأطر، والغالبية الساحقة تلتحق بالدراسات الجامعية بالكليات ذات الاستقطاب المفتوح.

VII.             إكراهات وحواجز ملموسة:

يتبين أن الواقع المعيش المدرسي والتكويني لا يعكس مستوى الطموحات عند التلاميذ والطلبة. فكثير من التلاميذ يشعرون بحدة المشاكل والصعوبات الضاغطة التي تحول دون ميولاتهم الشخصية وتحقيق الأهداف التي يسطرون لأنفسهم، والتي تقف حواجز مانعة أمامهم لاعتناقهم تخصصات، خصوصا، علمية وتقنية تمكنهم من تحقيق ذاتهم واستغلال طاقاتهم وقدراتهم الفكرية والجسمية والإبداعية، للإسهام في رفع المردودية الإنتاجية في المجالات العلمية والصناعية والتقنية. وتتمثل هذه الصعوبات، كما يحددها التلاميذ والطلبة، وعيا منهم، في مجموعة  إجراءات ومساطر، من جهة، وواقع مدرسي ومهني وجامعي وتكويني ملموس واندماج في الحياة العملية، من جهة أخرى، نعرضها بتفصيل وفق الفقرات التالية:

1.     نسب النجاح والتوجيه:

لقد صرح الميثاق الوطني في الدعامة السادسة: التوجيه التربوي والمهني، ضمن البند 100 على أنه  » يستبعد العمل بنسب النجاح المحددة مسبقا كشرط للانتقال من سلك تربوي إلى آخر. وعلى عكس ذلك، يستند تدرج المتعلمين إلى استحقاقاتهم فقط، بناء على تقويم مضبوط وعلى اختياراتهم التربوية والمهنية المحددة… ». وقد اتضح أن نسب النجاح والتوجيه المحددة مسبقا تؤدي بشكل مباشر إلى ظاهرة الانقطاع عن الدراسة مما حذا بالبرنامج الاستعجالي 2009-2012 ، إلى إرساء مشروعين مهمين، وهما: « توسيع العرض التربوي للتعليم الإلزامي » و »محاربة التكرار والانقطاع عن الدراسة ».

إن نسب النجاح تبقى شبحا ملازما للتلميذ والطالب، يطاردهما في جميع المراحل الدراسية والتكوينية. فمنذ ولوج الطفل/التلميذ المدرسة والحديث جار صباح مساء حول الانتقال إلى المستوى الموالي، انطلاقا من تفكير أحادي الأبعاد، دون ربط الانتقال بالتحصيل ومستوى الاستيعاب ومدى درجة التحكم في المعارف والكفايات المبرمجة سنويا. وكلما صعد التلميذ درجة، كلما زاد وعيه بثقل النسبة، وكلما انتابه الخوف وتسرب إليه الذعر. لهذه الوضعية الملموسة، ومن شدة الخوف وأسباب ذات الصلة، يلاحظ في كثير من الحالات، أنه كلما اجتاز بعض التلاميذ مرحلة، كلما تضاءلت مردوديتهم المدرسية، وأصبح شبح الفشل حقيقة يعيشها كل تلميذ وبشكل واقعي آخر السنة الثالثة ثانوي إعدادي، حيث يشاهد نسبة النجاح بعينيه مرتين: مرة تخص النجاح والانتقال، ومرة تخص التوجيه إلى شعبتين خاصتين.

أما التلاميذ الذين وقعت اختياراتهم على تخصص أو تخصصات مهنية، فتواجههم انتقاءات شديدة الوطأة ونسب للقبول أشد وطأة، نظرا لعدة أسباب لا يتسع المجال للخوض فيها.

أما التلاميذ المحظوظون وأولئك الذين شملتهم نسبة النجاح إلى سلك الجذوع المشتركة خصوصا منها العلمية والتكنولوجية، فتقف أمامهم نسب أخرى تحول دون توجههم إلى تخصصات علمية وتقنية يرغبون فيها، قد تتوافق وقدراتهم الفكرية والمعرفية، نظرا لحيثيات يتم التطرق إليها لاحقا.

وتستمر النسب المحددة سلفا لصيقة بالتلميذ / الطالب خلال مسيرته الدراسية والتكوينية، خصوصا ذي التخصص العلمي والتقني، سواء على صعيد النجاح إلى المستويات الموالية أو ولوج مؤسسات عليا أو تكوينات أو اندماج في الحياة العملية.

وهكذا يجد التلاميذ حاملو شهادة البكالوريا أنفسهم أمام نظام الحصيص الذي يحدد مسبقا عدد المقاعد المتوفرة بأغلب المسالك العلمية والتقنية، على الخصوص، بالمؤسسات التكوينية، حيث يتم تطبيق أساليب الانتقاءات الشديدة المتمثلة في معدلات محددة للترشيح، غالبا ما تكون مرتفعة، كم تتمثل في مراحل متعددة تمر منها المباريات المنظمة، كتابية وشفوية…. وإجراءات ومساطر كثيرة ومتطلبات مادية وغيرها.

2.     البنية التربوية والمقاعد المحدودة:

من المعلوم أن نسب النجاح  والتوجيه ترتبط بالبنية التربوية وعدد المقاعد المحدودة بالمؤسسات المستقبلة. ولفسح المجال للتلاميذ بجميع الأسلاك الدراسية، صرح الميثاق الوطني للتربية والتكوين بالدعامة الأولى: تعميم تعليم جيد في مدرسة متعددة الأساليب، في البند 27 على أنه » تبذل كل الجهود لاستقطاب جميع المتمدرسين، وضمان تدرجهم الدراسي على نحو متواصل، مواظب ومكلل بالنجاح على أوسع نطاق، للقضاء تدريجيا على الانقطاع والفشل الدراسي….. ».

إلا أنه يلاحظ أن من بين الإكراهات الأساسية التي تعترض الانتقال وقرارات التوجيه إلى مختلف أنواع الدراسة وفي جميع المستويات، مسألة البنية التربوية والمقاعد المحدودة بالمؤسسات المستقبلة، إذ يتم التنصيص صراحة على تشكيل عدد محدد من الأقسام ذات التخصصات العلمية وخصوصا التقنية، حيث إن الأمر يتعلق بأطر التدريس والقاعات المتخصصة. وهكذا يتم إقصاء ترشيحات تلاميذ إلى الدراسة العلمية والتقنية المتمثلة في العلوم الرياضية والتكنولوجيا والفنون التطبيقية وعلوم الاقتصاد والتدبير والعلوم الفيزيائية والعلوم الزراعية، والحالة هذه أن أغلبهم يستحقون ويبدون جانية واضحة لمسايرة دراستهم في الشعب والمسالك الدراسية التي يرغبون فيها.

وللاستجابة لتطلعات التلاميذ، وضع البرنامج الاستعجالي بشكل عام من بين الأولويات ثلاثة   مشاريع واضحة المعالم تتناول صراحة:  » توسيع العرض التربوي للتعليم الإلزامي »، و »تأهيل العرض التربوي بالثانوي التأهيلي »، و »تحسين العرض التربوي في التعليم العالي ».

فالتدابير المعتمدة في إطار هذه المشاريع سوف تؤدي إلى استقطاب جميع التلاميذ والطلبة وفق طموحاتهم ورغباتهم وتوجهاتهم على اختلافاتها.

3.     مستوى التحصيل الدراسي عند التلاميذ في المواد العلمية واللغة الفرنسية:

 

يستفاد من تصريحات التلاميذ أنفسهم والمدرسين في عدة مناسبات ولقاءات، أن التحصيل الدراسي عند التلاميذ لا يرقى إلى المستويات المقبولة في المواد العلمية، حيث إن التلاميذ لا يتمكنون من المنهج العلمي والتحليل المنسجم والمنطقي، إذ تبدو عدة ثغرات في تسلسل المقاطع التحليلية للسير نحو النتائج المطلوبة، انطلاقا من استيعاب المصطلحات والمعارف إلى التطبيق والتحليل والتأويل وإصدار الأحكام.

أما بخصوص مادة اللغة الفرنسية، التي تدرس بها عدة تخصصات علمية وتقنية مدرسية ومهنية وتكوينية وجامعية، فيجزم الأساتذة أن أغلب التلاميذ والطلبة لا يتحكمون في كثير من المناحي المرتبطة باللغة الفرنسية وذلك من قبيل القراءة والكتابة والتعبير والتراكيب.

استنادا إلى هذين المكونين الأساسيين، تتشكل لدى التلاميذ بعض مواقف الرفض أو العزوف عن التوجه إلى التخصصات التقنية والتكنولوجية على الخصوص.

ويعتبر ضعف المستوى المعرفي في اللغة الفرنسية أحد الأسباب المؤدية بالطلبة الحاملين لشهادة البكالوريا العلمية أو التقنية إلى التسجيل بكليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، تخوفا من فشلهم في المسالك العلمية.

4.     المحارف والأشغال التطبيقية:

ومما لا شك فيه أن العملية التعليمية الخاصة بالتخصصات التقنية والتكنولوجية على الخصوص، تعتمد الأشغال التطبيقية كمنهج أساسي للتدريس والتكوين، التي تتم داخل محارف متخصصة ومجهزة بوسائل ديداكتيكية ناجعة من الأدوات والآلات تضمن العمل الميداني والتجارب، للوقوف عمليا على مختلف الأهداف المسطرة للحصص الدراسية والتكوينية. كما أنه أصبح من المستحيل عدم الاستغناء عن الوسائل المعلوماتية من حواسيب وبرانم متخصصة وغيرها لتنشيط دروس التخصصات التقنية والتكنولوجية.

ويسجل، بجلاء، أن غياب محارف وقاعات متخصصة وعدم توفر وسائل ديداكتكية مناسبة وناجعة يؤدي بشكل مباشر إلى عدم تفاعل المتعلمين والمتدربين مع المضامين التقنية والتكنولوجية، وبالتالي التقاعس والشعور بالملل والنفور من هذه الأنواع من التخصصات المدرسية والمهنية والتكوينية.

5.     المخابر والتجارب المخبرية:

وتعتبر التجارب المخبرية الخاصة بمواد الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض العمود الفقري  للعمليات التعليمية والتكوينية في المجال العلمي. ومعلوم أن هذه التجارب تتم في مخابر وقاعات خاصة معدة لهذا الغرض، تضم أدوات ووسائل وأجساما من مختلف الحالات الفيزيائية تستعمل من أجل أهداف محددة للتجريب والتفسير والتوضيح والوقوف حقيقة على الظواهر العلمية المدروسة.

إلا أن غياب هذه المخابر أو القاعات المتخصصة أو عدم توفرها على الأدوات والوسائل الديداكتيكية اللازمة للتجارب العلمية، يحط من قيمة العملية التعليمية والتكوينية في المجال العلمي، ما يؤدي بالمتعلمين والمتدربين إلى الملل وعدم الاهتمام، الشيء الذي ينتج عنه انحدار التحصيل الدراسي وتقهقر التكوينات العلمية، ويؤثر بشكل سلبي على المسارات الدراسية والتكوينية اللاحقة للتلاميذ/الطلبة.

6.     عدم تعميم مادتي التكنولوجيا والمعلوميات:

ما تزال عدة مؤسسات ثانوية تنتظر استفادة تلامذتها من مادتين أساسيتين ترتبطان بالمجالين التكنولوجي والإعلاميائي، وهما مادة التكنولوجيا ومادة الإعلاميات.

ومعلوم أن هاتين المادتين تعتبران عصب التخصصات العلمية والتقنية، حيث تضعان بين يدي  المتعلم والمتدرب سلاحا قويا لمواجهة مختلف الوضعيات في الحياة الدراسية والمهنية.

وبديهي أن كل متعلم لم يسبق له أن تعايش مع مفاهيم ومصطلحات تكنولوجية ومعلوماتية، لن يغامر، ولن يقدم على التخصصات التقنية والتكنولوجية، خصوصا وأنه يعلم أنه لن يضاهي أقرانه في هذه التخصصات الذين يفوقونه مستوى، إلى حد ما على الأقل، من حيث المعرفة والتعامل في المجالين التكنولوجي والمعلومياتي، خصوصا أن التوجهات العالمية للإنتاج والتنمية أضحت تركز أساسا على التقنيات الحديثة، التكنولوجية والصناعية والتقنية عموما.

7.     المنح والطاقة الاستيعابية للداخليات والأحياء الجامعية:

بالنظر لطبيعة الحياة الاجتماعية، فأغلب المدن الصغيرة والقرى والمداشر تبعد عن المدن الكبرى مسافات لا يستهان بها، يستحيل على التلميذ قطعها يوميا نظرا لصعوبات جمة تواجهه: الحر، البرد، النقل….

وبالنظر لتواجد المؤسسات الثانوية التقنية والعلمية، والمؤسسات الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر، بالمدن الكبرى، فإن التلاميذ والطلبة لا يمكنهم اعتناق التخصصات العلمية والتقنية والتكنولوجية، على الخصوص، إلا باستفادتهم من منحة دراسية تضمن لهم الإيواء والتغذية.

وبديهي أن عدد المنح الدراسية المخولة بسلك التعليم الثانوي، يطابق الطاقة الاستيعابية للداخليات المنشأة.

وهكذا يظهر جليا، من ناحية، أن عدم إنشاء داخليات بالعدد الكافي، لن يشجع على انتشار التعليم التقني والتكنولوجي والعلمي ( التكنولوجيا، علوم الاقتصاد والتدبير، العلوم الرياضية-ب-، العلوم الزراعية)، ولن يقبل على هذه التخصصات، تلاميذ الوسط القروي والمناطق النائية عن المدن الكبرى.

ومن ناحية أخرى، يبدو أن منح الدراسة الجامعية لا تفي بحاجيات الطلبة الدراسية والمعيشية، في ظل تزايد متطلباتهم اليومية، وعدم توفر أحياء جامعية تستوعب أعداد الطلبة الوافدين من مناطق نائية على المؤسسات الجامعية، الأمر الذي يحول دون متابعتهم دراستهم بشكل عاد، خصوصا، في التخصصات العلمية والتقنية التي تتطلب مثابرة ومواظبة.

8.     الآفاق الدراسية والتكوينية:

من المعلوم أن المدرجات والقاعات المتخصصة بالمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح تشهد اكتظاظا كبيرا يؤدي بالطلبة إلى عدم مسايرة الدراسة والتحصيل بالشكل المطلوب، ما يسهم في مغادرة العديد منهم الدراسة نحو مجالات أخرى تمنحهم إمكانات التكوين وتمكنهم، بشكل أو بآخر، من الاندماج في الحياة العملية، بالرغم من عدم قناعتهم واقتناعهم الشخصي وعدم استقرارهم النفسي.

ونظرا لأسباب متباينة، منها ضعف التحصيل الدراسي في مادة اللغة الفرنسية، ونظام الحصيص المتشدد، والانتقاء الشديد المطبق لولوج دراسات وتكوينات معينة علمية وتقنية، يجد بعض الطلبة حاملي شهادة البكالوريا العلمية والتكنولوجية أنفسهم مرغمين على متابعة دراستهم الجامعية بمسالك لا تمت لتخصصاتهم بصلة، ما يزيد من تقليص حظوظهم في الاندماج في الحياة العملية وفق تكويناتهم الأصلية، وما يحد من إقبال تلاميذ/طلبة آخرين على هذا النوع من الدراسة والتكوين.

9.     آفاق الاندماج في الحياة العملية:

نظرا لعدم توفر إحصاءات دقيقة لحاجيات سوق الشغل في مختلف القطاعات، تحدد بجلاء علاقة الموازنة بين العرض والطلب، ونظرا لعدم وضع إستراتيجية محددة الأهداف، فإن العلاقة الوظيفية التبادلية بين المنظومة التربوية والتكوينية والدراسة والتكوين المهني والاندماج في الحياة العملية تبقى ضعيفة، إذ أن سوق الشغل يشهد حراكا متجددا ودينامية مستمرة يجب ضبطها لمواكبة التطورات العلمية والتقنية المتجددة، وذلك بالالتجاء، كلما دعت الضرورة، إلى تعديل البرامج والمناهج الدراسية، وتحديث الأساليب والتجهيزات التكوينية، وتوسيع قاعدة الاندماج في سوق الشغل، بشكل متدرج ومنتظم، يمتص اليد العاملة المؤهلة في القطاعات الإنتاجية ضمانا لنمو مضطرد وتنمية بشرية مستدامة.

خاتمة:

ولتحرير اختيارات التوجيه المدرسي والمهني والجامعي، ما يتعلق منها، خصوصا، بالمسالك العلمية والتقنية وعلى الأخص التكنولوجية، بشكل يستجيب لطموحات التلاميذ والطلبة فإن المقترحات التالية تبدو مشجعة ومحفزة لإقبال التلاميذ/الطلبة على هذه التخصصات:

·        وضع مقررات وبرامج تعليمية ترتبط بالبيئة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للتلميذ وتمتح من المجالات الخدماتية والإنتاجية العلمية والتقنية والفنية المواكبة للتقدم العلمي والتكنولوجي؛

·        إرساء مناهج وطرائق بيداغوجية تستأثر باهتمام التلميذ وتجعل منه متعلما مساهما في العملية التربوية، منتجا وفعالا، لا مستهلكا سلبيا؛

·        استبعاد العمل بنظام الحصيص، وذلك بإلغاء النسب المئوية المحددة مسبقا، سواء تعلق الأمر بالنجاح من مستوى إلى آخر، أو بالتوجيه المدرسي والمهني والجامعي، واعتماد ميولات التلاميذ/الطلبة وقدراتهم ومؤهلاتهم المعرفية والجسمية، استجابة لطموحاتهم ومشاريعهم الشخصية، وذلك عن طريق تأهيل المؤسسات الثانوية التأهيلية، وإنشاء داخليات وأحياء جامعية  تستوعب أكبر عدد ممكن من التلاميذ والطلبة، وإحداث مؤسسات جامعية وتوسيع عروضها ما أمكن؛

·           تحسين ظروف الدراسة والتكوين بالمؤسسات التعليمية الثانوية والجامعية عن طريق محاربة الاكتظاظ، واعتماد حصص الأشغال التطبيقية في محارف ومخابر مجهزة بوسائل وأدوات ناجعة، والتركيز على التمارين والتداريب العملية الهادفة إلى ترسيخ المضامين الدراسية النظرية؛

·        ضمان تكافؤ الفرص التعليمية وفرص التوجيه إلى الشعب العلمية والتقنية، خاصة، وذلك بتعميم مادتي التكنولوجيا والمعلوميات، ورفع حصص مادة اللغة الفرنسية، وتجويد مضامينها، ووضع برامج ومناهج معممة وموحدة على جميع الأصعدة سواء بالتعليم الخصوصي أو العمومي، وسواء بالحاضرة أو البادية، ومراقبة سير إنجازها وفق التوجيهات والتشريعات الرسمية، مع اعتماد أساليب انتقاءات مرنة تنبني على روائز وأدوات قياس علمية وموضوعية؛

·        وضع نظام ناجع للتقييم التربوي والإشهاد، وذلك باعتماد مواضيع تقييمية تتلاءم ومستويات التحصيل الدراسي الحقيقية عند التلاميذ، وتتوفر فيها جميع مواصفات المواضيع الاختبارية، كما أن تقييم الامتحانات يجب أن يتسم بالموضوعية، دون اعتماد قيود التحكم في النتائج والقرارات المترتبة عنها والتوجهات المحددة سلفا؛

·        إحداث مؤسسات جامعية ذات طابع تقني وتكنولوجي تستوعب جميع الطلبة حاملي البكالوريا التقنية والتكنولوجية الميكانيكية والكهربائية، وذلك في جميع المجالات الخدماتية والصناعية والفلاحية والفنية وغيرها؛

·        إحداث مهن متطورة، وذلك عن طريق القيام بإحصاءات، بكيفية مستمرة، لمختلف الحاجيات المرتبطة بالتطور الاجتماعي والاقتصادي؛

·        تسريع وتيرة الإدماج في الحياة العملية، عن طريق محاربة بطالة حاملي الشواهد مباشرة بعد تكوينهم وتأهيلهم  وفق التطور الاقتصادي والاجتماعي، ضمانا لتنمية مستدامة في جميع المجالات الحياتية الخدماتية منها والصناعية والتكنولوجية والفنية وغيرها؛

نهاري امباركNHARI Mbarek

المراجع:

v    الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 2000، المغرب؛

v    الميثاق الوطني للتربية والتكوين، من التوجهات إلى إجراءات التفعيل، عالم التربية، العدد 12/ 2002، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.

v    البرنامج الاستعجالي 2009-2012، المغرب؛

v    تقرير تركيبي، أجرأة المشروعE3P7  ، دجنبر 2008؛ المغرب.

v    قانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي؛ الجريدة الرسمية عدد 4798، 21 صفر 1421الموافق ل 25 ماي 2000، المغرب.

v    المذكرات التنظيمية لمجال التوجيه التربوي:17 و18 و19 ، بتاريخ 18 فبراير 2010، المغرب.

v    المذكرة رقم 90 بتاريخ 21 مايو 2007 ، الإطار التنظيمي لعمليات التوجيه وإعادة التوجيه بالتعليم الثانوي، المغرب.

v    ذ. مصطفى محسن، مدرسة المستقبل، رهان الإصلاح التربوي في عالم متغير، الكتاب السادس والعشرون، منشورات الزمن 2009، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.

v    د.عبد النبي رجواني، حول إصلاح التعليم، مساءلة الخطاب ودعوة الاستشراف، منشورات الزمن 2007، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. Hamid
    24/03/2016 at 16:45

    السلام عليكم، انا عندما اتذكر ايام الدراسة ابكي كتيرا ، لانه عندما كنت في السنة التالتة اعدادي اخطات كتيرا عندما اخترت سلك الاداب ، لكنني حصلت على بكالوريا علوم انسانية. لكنها لم تفيدني بشيء.

  2. hicham
    16/10/2016 at 09:19

    أنا لأن في السنة الثالثة إعدادي لا أعرف هل أكمل دراسة أم علي الذهاب إلى التكوين المهني

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.