Home»National»الوجه الآخر لأحداث العيون

الوجه الآخر لأحداث العيون

0
Shares
PinterestGoogle+

خلال الندوة التي عقدتها الجريدة الإلكترونية الغراء  » وجدة سيتي  » حول الإعلام و قضية الصحراء و حظيت بشرف الحضور فيها, أشرت في بداية مداخلتي إلى أن هناك لغزا يلف هذا الوضع فقررت التريث و التوقف عن الكتابة مؤقتا لمراجعة كرونولوجيا الأحداث و الإدمان على قراءة العديد من الكتابات التحليلية لعلني أكتشف ذلك الخيط الخفي الذي ضاع في متاهة التطورات السريعة و المتلاحقة للأوضاع بمنطقتنا التي تعرف تصعيدا خطيرا من طرف خصوم وحدتنا الترابية. و في غمرة هذا الغبار المتطاير, اطلعت على خبر يقول بأن مسيرة مليونية ستنظم باتجاه مدينة سبتة المحتلة, و أن هذا الخبر قد خلق رجة في الأوساط الاسبانية التي شرعت في الاستعداد لمواجهة هذه المسيرة.

و كمواطن مغربي بدأت أترقب المسيرة, و أتساءل عما سيترتب عنها سياسيا و أمنيا, و عن ردود الأفعال من طرف الاسبانيين خصوصا و أن ما يفوق مليون مواطن مغربي يقيمون بهذا البلد يعيش أغلبهم أوضاعا أسوء من تلك التي كانوا يعيشونها في بلدهم الأصلي, و هل سيكون مصير هذه المسيرة كمصير الإضراب الذي أعلنته النقابات المغربية في المعامل و المقاولات الاسبانية و تم التراجع عنه بنفس السرعة التي اتخذ بها القرار؟ و هل يتوفر منظموا هذه المسيرة على الإمكانات المادية و البشرية التي تؤهلهم لتأطير هذه الميسرة المليونية ؟ تلكم مجموعة من الأسئلة التي انضافت لذلك اللغز, فاستقر رأيي على ضرورة اختراقه من خلال عدد من المعطيات الذي ظهرت عقب أحداث العيون و لم تنل ما تستحقه من اهتمام, لأن كل أصابع الاتهام توجهت نحو الحزب الشعبي الاسباني و المخابرات الجزائرية أي أن عناصر خارجية هي التي كانت وراء اندلاع الأزمة. و إذا كان هذا أمر مفروغ منه و لا جدال فيه لأن المغرب يوجد في حالة حرب مع الجزائر و أوساط فاشستيسة بإسبانيا منذ استرجاع أراضيه, فماذا عن وضعنا الداخلي؟ و أسلوب إدارة ملف الصحراء؟
في استجواب صحفي أجرته جريدة اسبانية مع الأستاذ العربي المساري القيادي البارز في حزب الوزير الأول و الذي اكتسب خبرة سياسية واسعة من خلال تقلده لمنصب السفير في عواصم عديدة و نشرته جريدة  » أخبار اليوم  » المغربية يوم الاثنين 29-11-2010 عدد 301 يقول عن أسلوب إدارة ملف الصحراء < لقد تبين أننا نكرر سياسة ادريس البصري, فهل معنى هذا أننا يجب أن نشتري الصحراويين جميعا؟> و عما إذا كانت الديمقراطية هي أصل الشكل, يجيب الأستاذ المساري: < نعم هذا هو أصل الشكل.. أعتقد أننا لا نساهم عندما لا نعزز الديمقراطية الحقيقية>.

و من بين العوامل الخطيرة التي كشف عنها الأستاذ المساري, و التي أججت أحداث العيون يقول: < ما معنى ترك خيام كثيرة تتكاثر قرب مدينة العيون على مرأى من السلطات دون رد فعل؟ لقد تبين أن هناك أناسا تحركوا ضد عائلة ولد الرشيد> و أضاف قائلا في جانب آخر < فهل الفولكلور الذي أتى به حزب الهمة يساعد على بناء الديمقراطية… فليطلبوا من فؤاد عالي الهمة أن يحل المشكل الآن و يخرج المغرب من هذه الوضعية الصعبة>.
إن قراءة هذا الخطاب السياسي يغنينا عن فك رموزه لطابعه المباشر, و لكنه يكشف الوجه الآخر لأزمة أحداث العيون, و يسلط الضوء على عوامل جوهرية تعمد الخطاب الحكومي إخفاءها, و آثر الخطاب الحزبي سياسة الهروب للأمام. و الآن دعونا نرتب القضايا التي طرحها الأستاذ المساري, هناك:

– استمرار أسلوب ادريس البصري في إدارة ملف الصحراء
– عدم تعزيز النهج الديمقراطي في المغرب

– عدم تحمل السلطات مسؤوليتها في مدينة العيون
– المؤامرة المدبرة ضد عائلة ولد الرشيد
– مسؤولية حزب الهمة في إفساد الديمقراطية و أحداث العيون
فأسلوب إدارة ملف الصحراء شكل إلى عهد قريب أحد المواضيع المحرمة على الصحافة الوطنية و لا يزال هذا الملف من احتكار الإدارة الترابية بالمغرب مما دفع الكثير من الأصوات إلى المطالبة بجعل قضية الصحراء, قضية وطنية بالفعل, و فتح المجال أمام الهيئات السياسية و النقابية و جمعيات المجتمع المدني للمساهمة في تأطير مواطنينا بالصحراء, و التأثير في الرأي العام الدولي للوقوف في وجه الأطروحة الانفصالية, إلا أن تراكم أخطاء السنين الماضية و في مقدمتها التركيز على شيوخ القبائل و منحهم امتيازات خيالية, خلق شرخا عميقا في المجتمع الصحراوي, و اتسعت الهوة بين فئة قليلة احتكرت خيرات مناطقنا الصحراوية, و غالبية كبيرة من الشباب لا تختلف مشاكلهم الاجتماعية عن نظرائهم في باقي أرجاء المملكة كالفقر و البطالة, مما دفعهم إلى التمرد على الأسلوب الإقطاعي الذي تسلكه تلك الفئة الثرية التي فقدت الكثير من تأثيرها, و أصبح هؤلاء الشباب فريسة سهلة لكل الرياح التي تهب على مناطقنا الجنوبية بما فيها التأثر بالأطروحة الانفصالية. و ساهم في تفاقم هذا التمرد تساهل الدولة في تطبيق القانون, الشيء الذي أفقدها هيبتها حتى أصبحنا نتحدث بمصطلحات غريبة مثل انفصاليي الداخل, بل و أصبحت أعلام الانفصاليين ترفع في الجامعات المغربية و في العاصمة الرباط أمام أنظار الهيئات الدبلوماسية الأجنبية و الصحافة الدولية…

أما عن الديمقراطية في المغرب, فقد أكدت في عدد من مقالاتي أن هامش الحرية عرف تطورا لا يستهان به خصوصا و أنني من الجيل الذي عايش سنوات الجمر و الرصاص, و لكن هذا الهامش ما فتئ يعرف تراجعا اتخذ في بعض الأحيان طابع الخطورة دفعت الكثير من المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان إلى مراجعة مواقفها من بلدنا, فالمحاكمات المجانية للصحافة و المبالغة في الأحكام الصادرة في حقها, و استمرار الاختطاف السياسي و التعذيب و التضييق على الرأي المعارض و غيرها, كلها أخطاء جعلت المغرب يراوح مكانه, و غطت على عدد من المكتسبات الإيجابية التي تحققت في بلدنا, و يظل الإشكال السياسي هو متى سيتخطى المغرب مرحلة ما سمي بالانتقال الديمقراطي إلى مرحلة دولة الحق و القانون و احترام الحقوق الجماعية و الفردية للمواطن المغربي و الفصل بين السلط و التوزيع العادل للثروات و محاربة الرشوة و نهب أموال الدولة و الشطط في استعمال السلطة و ضمان الحد الأدنى من العيش الكريم للمغاربة.

في كل التدخلات التي عبرت عنها الحكومة بعد أحداث العيون عبر ناطقها الرسمي السيد خالد الناصري الذي أصبح وجهه مألوفا لدينا بعد غياب طويل, أكدت على أن الأحداث كانت اجتماعية, و أنه تم استغلالها سياسيا من طرف الخصوم, لكن تصريح الأستاذ العربي المساري العضو القيادي في حزب الوزير الأول يقلب كل المعطيات, فعندما يقول بأن السلطات و حزب الهمة كانا طرفين أساسيين في الأحداث يشكل في اعتقادي معطى أخطر بكثير مما قامت به المخابرات الجزائرية أو الحزب الشعبي الاسباني, أي بعبارة أخرى أنه لو لم يتوفر الدعم من الداخل لما اتخذت تلك الأحداث مسارها المأساوي المعروف. ألم تكن الإدارة الترابية على علم بمئات المخيمات المنصوبة بضواحي العيون؟ لماذا لم تتحرك وزارة الداخلية و الحكومة؟ و السلطات بمدينة العيون هل كانت تنتظر إشارة التدخل من جهة ما؟ و ما هي طبيعة المؤامرة التي دبرت ضد عائلة ولد الرشيد؟ و ما هو حجم مساهمة حزب البام فيها؟ إن كل هذه الأسئلة يجب أن نجد لها جوابا في التحقيق الذي كلفت به اللجنة البرلمانية حتى تكتسب مصداقيتها أمام الرأي الوطني و الدولي. و إذا تأكدت حقيقة المؤامرة يجب محاكمة كل الأطراف التي ساهمت في ذلك لأننا أصبحنا أمام انفلات سياسي خطير يتاجر بالقضية الوطنية لأغراض حزبية ضيقة, فالمغاربة لن يقبلوا بهذه المقامرة السياسية في الوقت الذي بكوا فيه بدموع وطنية حارة و هم يشاهدون كيف تم ذبح عدد من شبابنا في القوات العمومية و التمثيل بجثثهم من طرف عصابات مافيوزية.

و إذا كان الهمة في نظر الأستاذ العربي المساري قد أفسد الديمقراطية, فإنني أستسمحه إذا خالفته الرأي لأقول بكل صراحة إن كافة الأحزاب المغربية و من ضمنها حزب الاستقلال تتحمل كامل المسؤولية في إفساد الديمقراطية, فمن الانتخابات التي أصبحت القيادات الحزبية حريصة على أن تضع في مقدمة اللوائح محترفين متخصصين في شراء الذمم و الاستثمار في الانتخابات التشريعية و الجماعية و مرورا بالصراعات المحتدمة بين أعضاء المكاتب السياسية للحصول على مقاعد وزارية و امتيازات مادية و استمرار الانشقاقات و التوالد المستمر لتنظيمات شبحية و انتهاءا بتغييب الصراع الايديولوجي المعبر عن التفاوت الطبقي الصارخ في المغرب و الابتعاد عن المشاكل التي تكتوي بها الطبقات الفقيرة مما جعل كل هذه الأحزاب معزولة عن الجماهير. و كم أتشوق لذلك اليوم الذي ستتجرأ فيه وزارة الداخلية فتقدم النسبة الحقيقية لتمثيلية كل الأحزاب و النقابات للشعب المغربي. فالحزب الشعبي الاسباني الذي اجتمعت كل الهيئات السياسية و النقابية على إدانته يمثل حسب آخر استطلاعات الرأي 52% من المواطنين الاسبان, فهل باستطاعة أحزابنا و نقاباتنا أن تصل هذه النسبة؟
إن المسيرة المليونية باتجاه مدينة سبتة التي أعلنت عنها المنظمات الشبابية للأحزاب تم تأجيلها لأنها فشلت فشلا ذريعا في تعبئة المواطنين و خصوصا الشباب منهم, فهذه المنظمات أفرغتها الأحزاب من محتواها الشبابي, و حرصت على تحويلها لجمعيات و نوادي تقدم فروض البيعة و الولاء للقادة الذين لا يأتيهم الباطل لا من أمامهم و لا من خلفهم, و غدت هذه التنظيمات الشبابية وجها آخر لعملة حزبية واحدة.

إن حضور ما يقارب ثلاثة ملايين مواطن في مسيرة الدار البيضاء لم يكن استجابة لدعوة الأحزاب و لكن حركهم الشعور الوطني الراسخ في هذه الأمة, و لضمان وحدتنا الترابية على المسؤولين في المغرب أن يراجعوا أنفسهم لأن الخصوم يسعون لتشديد الحصار على المغرب, و هذا ما يتطلب تعزيز الجبهة الداخلية من خلال الحرص على إصلاح المشهد السياسي, و تحمل الدولة كامل مسؤوليتها في محاربة السمسرة السياسية و التمسك بالخيار الديمقراطي و احترام حقوق الإنسان و حرية التعبير و سن سياسة اقتصادية و اجتماعية قائمة على حسن توزيع الثروات و إصلاح المشهد الإعلامي, و الحرص على ربط الجسور مع البرلمانيين الأوروبيين و أحزابهم السياسية عبر منتخبين حقيقيين يحملون هاجس هذا الوطن فماذا سننتظر من برلمان مغربي يفضل أغلب أعضاءه التوجه نحو شركاتهم و ضيعاتهم و لا يكلفون أنفسهم حتى اجتياز كيلومترات معدودة لحضور جلسات البرلمان؟
و ماذا ستقدم قيادات سياسية مشلولة لا تتقن سوى الخطابات و المناورات في الكواليس و الهرولة نحو المكاسب المادية؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه.
إن سلسلة الأخطاء المرتكبة حان الوقت لوضع حد لها, فالخصوم لا يرحمون, و مع ذلك أقول شكرا للمخابرات الجزائرية و للحزب الشعبي الاسباني, و للبرلمان الأوروبي لأنهم أعادونا إلى أجواء الوطنية التي عشناها أيام المسيرة الخضراء, فرب ضارة نافعة.

وجدة 8-12-2010
الأستاذ عزوز زريبة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *