مهمة بين الجنة و النار
أخذت القلم و بدأت تتفرس وجوها أضناها التفكير في مستقبل مجهول و هاجس الهجرة إلى الخارج يلح عليهم بإصرار فتذكرت شيئا راودها ليلة كاملة : طيبوبتها التي فهمت ضعفا لا ترغب فيه الإدارة ، حز في نفسها ذلك و أظهرت تقاسيم وجهها ألما لاحظته تلميذتها النجيبة فابتسمت لها كأنها تواسيها و تقول لها بلغة العين : » انتبهي أستاذتي لصحتك ، فنحن ما زلنا نحتاج إليك . »
فهمت الأستاذة الكلام و هزت لها رأسها تثني عليها و أدارت ظهرها إلى السبورة فكتبت بخط عريض سؤال النص : لم أصبحت الصبية شغوفة بالموسيقى؟
هناك … من زاوية القسم انفجر صوت تلميذ في براءة الطفولة مجيبا : » أصبحت الصبية شغوفة بالموسيقى لأن الأستاذ راضها بأسلوبه و حيلته حتى أسلس قيادتها »
تجمدت هنيهة قبل أن تضع له التقدير على جوابه و قالت بصوت لا تسمعه إلا نفسها المكلولة : » الأسلوب … و الحيلة … هما ما أقصد حتى أسلس قيادة هذا الجيل الجميل » و تذكرت ما للكلمة الطيبة من أثر ، بل هي الشجرة التي أصلها ثابت في الأرض و فرعها في السماء …
ركزت نظراتها ، الممتزجة رضى و حزنا ، على وجه التلميذ و كأن الزمن توقف لحظة فاحمرت خجلا من جوابه الذي كان عزاء لها . تزاحمت الكلمات في جوفها و أحست رغبة في البكاء ، كانت تود لو أطلقت لها العنان حينما أسمعها المسؤول كلاما آلمها . لم تستطع أن تفهمه أن دورها الحقيقي محاربة ظاهرة الهدر المدرسي ، لهذا أجهدت نفسها لتصرف الصبية عن التفكير في الهجرة التي أصبحت حلمهم الوردي و كابوسها المفزع …
لم تستطع أن تقول له إنها قصدت أن تمتص غضب الإدارة على هؤلاء التلاميذ و السخط و تضييق الخناق عليهم بشكل مبالغ فيه و آثرت أن تكون حضنا دافئا لهم يشجعهم للعودة إلى القسم في الغد و شعلة الأمل عندهم لا تنطفئ .
كان الصمت يخرسها فأدارت ظهرها و لاحظت تلميذها يسرق النظرات إليها ، خيل إليها أنه طفلها فلذة كبدها ، فهمت من عينيه الهم الذي يحمله جسده الصغير ، اشتعل بداخلها هاجس الأمومة و تيقنت عندها أن مهمتها رسالة نبيلة تتقاضى عليها الراتب الشهري لصناعة الأجيال و رعايتها كي تنمو و تترعرع
و تزهر و تفوح عطرا … قد يكون لها فيه نصيب … من يدري ؟
فهذه الأجيال في رأيها ليست حيوانات السرك تروض … بل هي براعم تحتاج إلى نور الشمس … نور العلم … دفئ الأستاذة … كلمة طيبة في حقهم …
و هي أضعف الإيمان .
هكذا تيقنت كم هو سهل أن تجعل تلاميذها يخافونها فقط بكتابة تقرير ينتهي بأحدهم إلى الانقطاع عن الدراسة عشرين يوما لتحقيق رغبة الإدارة لا أكثر ، فما هي العبرة من ذلك ؟ هل هي العنف ضد التلاميذ ؟ !
أهذه هي مهمتكم معشر نساء و رجال التربية و التعليم ؟ تلك المهمة التي تفصلها بين الجنة و النار شعرة واحدة .
كما أنها تأكدت كم هو صعب أن تجعل تلاميذها يحترمونها حينما تكون قريبة منهم ترعاهم و تحتضنهم فتكون بذلك تحارب الهدر المدرسي لتحقيق رغبة الوطن و ما أسماها من رغبة .
و في هذا اليوم قررت أن توجه هذا الكلام لكل أستاذة هي أم لتلاميذها بمناسبة ذكرى الثامن مارس و أملها أن يفهم قصدها أنها لا و لن تلعب لعبة الجلاد و الضحية مع تلاميذها فقط لإرضاء الإدارة .
و الســـــلام .
لبيبة المرابــــط
2 Comments
شكراااا لك استاذتي المحترمة على الموضوع الاكثر من راااائع.
لقد لفت انتباهي هذا الموضوع و رايت بانه ينطبق على انسانة اعرفها,هي بدورها استاذة يحبها الكل لكن ادارة المؤسسة التي تدرس بها تؤول طيبوبتها الى ان لا سيطرة لها على القسم,و لكن الحقيقة انها بلطفها و حنانها تستطيع ان تسيطر على اقسام و اقسام.
فبصفتي تلميذتها ,فاوضح لكم نيابة على باقي التلاميذ بان الاستاذة /لبيبة المرابط / تسعى بكل ما لها من طاقة الى تعليمنا و تربيتنا
و في الاخير اقدم لك استادتي تحياتي على استمرارك في سلوكك الرااائع و وفقك الله و جازاك الله على اخلاصك في عملك
تحيــــــــــــــــــــــــاتي
تلميذتك المخلصة ’’ صفاء الصوفي’’
ces ginial