Home»National»بؤرة الزمان والمكان وحلول الإمكان في قصيدة البستان لمحمد علي الرباوي إشارات أولية

بؤرة الزمان والمكان وحلول الإمكان في قصيدة البستان لمحمد علي الرباوي إشارات أولية

0
Shares
PinterestGoogle+

بؤرة الزمان والمكان وحلول الإمكان
في قصيدة البستان لمحمد علي الرباوي
أ

لِفنا مع الشاعر محمد علي الرباوي الحديث عن الذات ومعاناتها مجردة، مطوقة بأحاسيس الفواجع والمآسي، لكن تطالعنا أخيرا قصيدة له، يناجي فيها « رباويه »، ويخاطب فيها الحس المرهف لهذا الشخص: الذات/ الآخر، ويحكم عليها بالانصياع لذاته الأولى بالفعل ورد الفعل.
نص (البستان)1 جاء تتويجا لمجموعة من القصائد المدونة في مجموعات شعرية للشاعر، وأخرى منشورة. وفيه يعود محمد علي الرباوي إلى ذاتيه، ومآنسته لها، لأنه لا يكتب إلا وقد جاشت أحاسيسه وتعطلت مكنوناته عن السكون. يقول: » فحين أشعر أني متوتر وإني أغضب لأبسط سبب، فتلك غالبا علامة على ميلاد قصيدة التي يزدحم إيقاعها بداخلي. »2 هذا الزخم والازدحام الداخلي، لا ينتج فقط القصائد الذاتية، بل يتعدى ذلك إلى (الحلول) في ذوات الكائنات الإنسانية ليحول شعرا إنسانيا طامعا لابتكار أسس جديدة، ومفاهيم عالمة.. لذا نجده يطرح مصطلح « المسؤولية » بدل الالتزام في الشعر: » لأن مصطلح الالتزام مع ما يحمله من حمولة فلسفية لا يحقق ما نريد، لهذا ترى أن نستبد به مصطلح المسؤولية. » 3
لعل هذا ما جعله يصدر قصيدته Ach Tuesday، باعتبار مسؤولا، ومحلولا في أحزان الشعب الإسلامي حيثما كان:
هي ذي قندهار بقامتها الباسلة،
تمخر الصخر ليلا.4
ومرة ثانية، في قصيدة « باتنة » مدافعا عن وجدة شاملة، دافعا ذاته إلى تغطية أحزان الأجواء العربية المكهربة، ليحكم على نفسه بلقياها (باتنة) متضجرا، متأسفا على المآسي:
لها أن تمارس حزني الذي خبأته السنون بصدري، وأعطته حق التسكع في قطرات دمي.5 إذن، فنيويورك، باتنة، وجدة.. تتحول نقطا أولى استهلالا للوصول إلى (الرباوي) يناجه ويسائله التحولات الطارئة في الزمان والمكان: يسائله موجة السخط المنحطة التي لازمت (الموضا) والدوافن الشنيعة، إنه التحول الحضاري الذي خطه الآخرون، فجعلوه يسكن الغابات القلقة، بعيدا عن البستان: رمز الخضرة واليمن والرحابة واللاحزن..
والقلق هو ذلك الشعور الذي لم يأنس إلا بمصاحبته هو، يدق بابه كل حين، صادرا عنه، وله موجات التوتر واللاسكون، والمرجع الأساس في ذلك هو ما يلاقيه من جراء المعاناة الشخصية من جهة، والتذمر الاجتماعي من جهة ثانية.
ثنائية الزمان والمكان:
تندرج هذه الثنائية ضمن المشروع الخطابي الذي يوجهه الشاعر في قصيدته (البستان) إلى ذاته.

والبؤرة الزمنية أو نقطة المحور هي قوله:
والبستان بعيد بعدي عني
وعبره، تتجلى الخطوط العريضة للنص الشعري، الماقبل، والمابعد.. فما قبل البستان هناك الغابات الملتفة، والحل الأخير هو الوصول عبر مجاهل الصحراء المتوهجة:
الانطلاقة الوصول
غابات الحزن البستان عبر مجاهل
الصحراء.
ما هي الوسيلة التي توصل محمد علي الرباوي إلى (الرباوي)= الكامن هناك –فيه- الذي لن يصل إليه إلا بمساهمة (المعجزة) أو بمساعدة المخلوق (الجني):
قلت: اركب صهوة هذا العفريت
من الجن الغاضب
يطو بذاتك هذي الثكلى
فالحقيقة مرة والوصول إليها عبر مجاهل الصحراء مغامرة، والحيلولة دون ذلك تواطؤ للنفس مسامرة:
وأنا ما زلت بهذي الأبراج
في جوف الجمر تبارز نفسي نفسي
وتهددها في جوف الجمر.
وحكاية التوهج بالجمر، لأرض ذاته الحبلى، واحتراقه بها ذاو:
اشتعلت أخيرا
وها أنذا أحترق

تقول انطلق
أيها الرجل المر6
ويتساءل منذ البداية حول سبب الإسراع في الخطو، هذا التساؤل جاء نتيجة، وسيرا وراء تساؤلاته العدة والفذة، التي تجيش بها مجاميعه الشعرية. وهذا التساؤل المثبت مكلف بخلق التواصل الإيجابي مع القارئ، وتحريكه مع النص بالرغم من معرفة المرسِل لنتائج هذا التساؤل. وهو تساؤل إنكاري يخص به الحديث عن الزمن المتدبدب:
الوقت قصير
والدنيا صعبة
ولا سبيل إلى الإسراع، لأن البستان بعيد، وبعده لن يجلب له غلا التغيب التكراري، والتشذب بين أغصان الحزن وفواجع الألم. القصيدة – إذن- ثلاثية المقصد، وحتمية هذه الثلاثية تنبني على الترادف حينا والتناقض حينا آخر. وما توفيقية الشاعر هذه إلا دليل ثان على التوهج الداخلي » إضافة » إلى إحساسه بالمسؤولية الذاتية والموضوعية (الواقع).. مجرد الحديث عن الزمن والمكان، حديث في واقع الشاعر، وحديث في سيرورة المتن الشعري عنده كافة، فهو دائم التصوير النفسي للحالات الشاذة:
1

– تنصرف أنوال
تحت حوافر خيل الصمت
تصغر رقعة وطني7
2- أبحث في كل شوارع وجدة
عن قنديل يحمل بين غلائله طفلا أخضر8
3- مر من هذي المقهى
في هذا الحي الضائع.9
4- قد رحلت أشجار الشارع، قد رحلت كل مقاهي الشارع..10
وغيرها من النماذج التي تتضح بها أشعار محمد علي الرباوي الدالة على المكان. فالمكان عنده الرمز الأول للتحول، والتحول عنده ماض بين الحقيقة والخيال، بين الهدي والتيه والضلال، وما بحثه عن البستان رمز الخصب والسماحة والرحابة والحب والنقاء والطموح… إلا بحث تطور ليتحكم فيه الزمان الغائب بكل معانيه.
لذا فالشاعر يعمق الحزن، ويعبر عنه بدلالات متعددة، إذ الغابة وهي رمز الالتفاف والغموض والغربة، أضاف إليها لفظة القلق الوهاج، وهي صفات ذات مدلولات عميقة تنبع من ذات الحزن القاطن في (الرباوي):
يا رباوي
أي الساكن في غابات القلق الوهاج.
وفي ظل هذا البحث عن البستان/ الخلاص، يناشد الرباوي ذاته ألا تسرع، وكأنه يقصد تخطي هول الزمان، والحلول في دائرة المكان الحي / الذات:
الوقت قصير
والدنيا صعبة
فالوقت (الزمان) موقف متذمر، وحيف ضمني لذات الشاعر التي لم يترك لها فرصة الخلاص، والدنيا بدلالتها (المكان / الزمان/) صعبة ووعرة المرور، والشاعر رغم كل ذلك لا زال يحترق في جوف الجمر، ولن يستطيع حتى العفريت أن يحقق له مبتغاه.
إن الشاعر محمد علي الرباوي، يفصل في قصيدته هاته المرادفات، ويحقق من خلالها مدلول البعد عن البستان، بعيدا عن الحقيقة العميقة، والكل مطوق بحبال الشجن والحزن، الكل ذابل في قبور الليل الداكن الداجي..

فمحاولات الشاعر إذن لم تصب الهدف، بل شجبت رؤياه للعالم، وحالت دون تحقيق الصحو المثالي:
فالغابة متوهجة وسط القلق الوهاج
والليل مصاحب للدجى والعويل
والأبراج يمخرها الرعب الصاخب
والعفريت على صهوته يحمل الغضب
والزمن ضائع بين أوراقه وتبتله بأزهار الدفلى.
وأخيرا مصيره الصحراء سبيل القلب للوصول عبر المجال:
لن يصل القلب إليه
إلا عبر مجاهل هذي الصحراء
هذه مجمل المقصديات الثلاثية التي هدف إليها الشاعر، ثلاثية تجمع بين الرديف ومرادفه (الغابة/ القلق/ الوهاج..) ومحمد علي الرباوي لا زال ضائعا وسط صحرائه الأولى التي تساءل عن هجيرها، ومدى تأثير الجسد الثائر:
يا هذا الجسد المرشوق بعاصفة الحزن القارس، ما فعلت
بشوارعك الأيام؟
أترى ما زال هجير الصحراء يهز بحارك هزا…؟11
إذا حوالنا بعد هذه الإشارات الخفيفة أن نصوغ النص الشعري الذي تناولناه صياغة تحليلية، سنكون أمام خط مغلق، أو دائرة حلزونية، تنطلق من الضياع لتنتهي إلى الضياع: الضياع الأول تمثله غابات القلق الوهاج، أما القلق الثاني فتشكله مجاهل الصحراء.
وبين بين، وسط الضياعين، تطغى المآسي الإنسانية الذاتية للشاعر، فالقلق ولد لديه الحزن والألم، والأهم في هذا الضياع هو الجنون:
رد علي : أنا المجنون، فلا
تستغرب إن جئت البستان على
ظهر الوجناء
الذات والذات الأخرى.
كما سبقت الإشارة، إن الشاعر محمد علي الرباوي يخاطب في هذا النص، الذات الأخرى له، ذات الشاعر الكامنة في شعوره الثاني، وهو إذ= ذاك ينحني طائعا متطوعا لها، مناجيا إياها بكامل الأوصاف الحقة، والحقيقة عنده هي الحب والعشق الدفين البعيد:
والبستان بعيد، بعيد عني
فالذات الأولى المرسِلة سائلة مستنكرة عن سبب الإسراع في الخطى، والذات الثانية المشتعلة، مدافعة عن نفسها، رادة سبب الإسراع إلى كون الزمن قصير والدنيا صعبة. فتقترح الأولى استغلال جن من العفريت، أو عفريت من الجن يسهل مأمورية البحث عن البستان، فيكون التعقيب جنونيا خاصا. وفي الأخير تلتحم الذاتين في الموضوع نفسه لتأكيد الضياع والبعد:
والبستان بعيد، بعيد عنك
فتحول الخطاب من الذات الأولى حول البعد على الذات الثانية، عبر استبدال ياء المتكلم بكاف الخطاف الخطاب دليل رمزي على التوحد والحلول الكامن وراء اتحاد الذاتين:

تساؤل عن حقيقة السرعة
الذات ( الشاعر) الذات 2 (الرباوي)

تعقيب معقلن
الذات 2 الذات 1
تساؤل خرافي (الجن)

إذن إذا كان الشعر غير لغة النثر، فإن الشاعر محمد علي الرباوي قد خلص في هذا المتن الشعري إلى تحقيق جملة من الحقول المعرفية (الذاتية)، وحول هذه الخصوصية تزامن وتناسب المكان والزمان عنده. ولم يكن أمام ذاته أو ذات المخاطب (الشاعر ذاته) سوى تحقيق التواصل الأخير: وهو لا سبيل للوصول إلى البستان إلا عبر مجاهل الصحراء، والضياع نفسه حل، ولا حل عنده إلا القلق المتوتر المتوهج:
رد علي بصوت مهتاج:
الوقت قصير
والدنيا صعبة
والبستان بعيد بعدي عني

الهوامش:
1- البستان: قصيدة لمحمد علي الرباوي، العلم الثقافي، السبت 12 يناير 2002 ص-5.

2- مجلة المشكاة، العدد 11، س 3، ص- 112.

3- مجلة المنعطف، الأدب الإسلامي أدب غير ملتزم، محمد علي الرباوي، ع-2، 1991.

4- العلم الثقافي، السبت 24 نونبر 2001، ص-5.

5- العلم الثقافي، السبت 15 دجنبر 2001، ص- 5.

6- الولد المر، محمد علي الرباوي، منشورات المشكاة، وجدة، ط -1، 1985، ص- 23. 24.

7- أطباق جهنم، محمد علي الرباوي، منشورات المشكاة، ص- 79.

8- الرمانة الحجرية، محمد علي الرباوي، منشورات المشكاة، ص- 39.

9- الولد المر، ص- 36.

10- الأحجار الفوارة، محمد علي الرباوي، منشورات المشكاة، ص- 83.

11- نفسه، ص- 13.
محمد دخيسي أبو أسامة (2002)

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *