Home»Femme»موجات النسوانية العاتية، هل إلى حدود من سبيل؟

موجات النسوانية العاتية، هل إلى حدود من سبيل؟

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

موجات النسوانية العاتية، هل إلى حدود من سبيل؟

بقلم: عبد المجيد بنمسعود

إن الذي يتابع الحركات النسوانية في المملكة المغربية خلال العقود الأربعة الأخيرة على الأقل- وهي فترة مخضرمة بين قرنين، يمثل نصفها الأول العقدان الأول والثاني في نهاية القرن العشرين، ويمثل نصفها الثاني العقدان الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين- لا بد أن يلاحظ بوضوح وجلاء، التطور النوعي والعميق الذي سجلته تلك الحركة أو الحركات على مستوى المكاسب المستهدفة من خلال ما بذلته من جهود حثيثة ومضنية، كما يسجل ما صاحب ذلك التطور وساوقه من تنامي واشتداد وتيرة الصراع الذي خاضته النسوانيات ضد منظومة القيم التي قام عليها نسيج المجتمع المغربي، بحيث كان ذلك الصراع يزداد شراسة عبر مختلف المراحل والمحطات، منوعا أساليبه وأدواته ومداخله، وكلما تمكن من احتلال مساحة أو رقعة داخل جغرافيا المجتمع الأصيل ومنظومته القيمية الثقافية، إلا واشرأب إلى رقعة أخرى أو سع منها وأبعد، ففي جعبته ثورة لا تهدأ، وطموح لا ينتهي، إلا عندالمحطة التي يتم له فيها ما يريد من اجتثاث الثوابت واقتلاع المقومات الأصيلة التي قام عليها كيان المجتمع المغربي، وشكلت حقيقة وجوده. وكل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن هناك نية وسبق إصرار على إحداث تحول نوعي في المرجعية الفكرية التي توجه المجتمع، بل وفي الترسانة القانونية التي تؤطر حركة الناس، وتوجه سلوكهم وتصرفاتهم، وترهن علاقاتهم، فيصير المجتمع بعد حين من الدهر، نتيجة تلك الجهود المحمومة، إلى صورة تختلف تماما عن صورته المألوفة التي يؤثثها الإسلام، وتضبطها قيمه ومعاييره التربوية والثقافية، صورة تسبح في محلول الثقافة الغربية البعيدة عن الدين، جملة وتفصيلا.

وإن ما يعرفه المشهد الثقافي والحراك الاجتماعي في تجليه النسواني ليكشف بسفور وجلاء، عن أن أشواطا هامة قد قطعت في المسار المحدد الذي تشقه الحركة النسوانية في المجتمع المغربي، بكثير  من الجرأة، مستثمرة في ذاك مخلفات القذف والتشويه الناجمة عن الحملات المسعورة ضد كل ما له علاقة بالإسلام، عقيدة وشريعة وتصورا عاما للحياة، والرامية إلى التشويش على جاذبيته باعتباره مشروع المستقبل، والملاذ الآمن للبشرية مما تسدر فيه من غي، وما تغرق فيه من فجور وطغيان.

ومستثمرة في نفس الوقت ضعف واحتشام الأصوات المنافحة عن المرجعية الإسلامية، وتقاعس الحراس عن حماية الثوابت، وتحجيم المتبجحين بمناقضتها وطمسها واجتثاثها، لفائدة اجتياح المد التغريبي المناوئ لمقتضيات الالتزام بدين الإسلام ، ولو في حدوده الدنيا.

ولا بد أن نشير هنا إلى أن الحركة النسوانية تمثل رأس الحربة في المخطط العلماني والعولمي الرامي إلى إحداث الانقلاب المنشود في المجتمع المغربي، والمجتمعات الإسلامية بعامة، باعتبار موقعها المركزي ودورها الحيوي داخل ذلك المخطط الشامل، وهي مركزية تستمد قوامها وعناصرها من طبيعة المرأة باعتبارها مخلوقا يختزن طاقات هائلة، ويمتلك ترسانة من الأدوات الفعالة، والتي يمكن استعمالها في كل اتجاه. فليس عبثا أن يقول حافظ إبراهيم رحمه الله:

والأم مدرسة إذا أعددتها      أعددت شعبا طيب الأعراق

وعكس الأمر يسمح لنا بالقول:

والأم مدرسة إذا أهملتها       أهدرت شعبا طيب الأعراق

فباستخدام المرأة أداة للهدم والإفساد، ومطية للغواية والفتنة، أمكن إتلاف ميراث حضاري ضخم، ونسف قلاع شامخة من المجد والرفعة، وتفتيت جبال من المفاخر والمكارم، أنفقت فيها جهود وأوقات غالية، وقضت في سبيلها نفوس عزيزة.

ولا بد من الإشارة أيضا إلى حقيقة ينبغي أن يعيها الجميع، وهي أن الحركة النسوانية في المجتمع المغربي تبني مخططاتها على أساس رؤى وتصورات مبتوتة الصلة بأي عنصر أو مقوم من مقومات الثقافة التي شكلت جوهر وجود المجتمع المغربي، بل إنها، أكثر من ذلك، تتبجح وتجاهر بعدائها للدين الإسلامي، وبالتنصل من أي اعتراف أو التزام بحكم من أحكامه، ولو على سبيل المصانعة والمداراة، خاصة في المرحلة الراهنة التي تشعر فيها تلك الحركة بالزهو والانتشاء، لما حققته من مكاسب على مستوى تغيير التصورات السائدة في صفوف النساء، وكذا على مستوى القوانين المؤطرة لوضع المرأة وما يرتبط بها، أي باعتبارها محورا لها امتدادات وتداعيات تمس أوضاعا شتى داخل المجتمع.

وفي مقابل هذا التنكر لأحكام الشرع الإسلامي، من قبل الحركة النسوانية، واستنكافها وتأففها من كل ما درج عليه المجتمع المغربي من قيم وأخلاق عبر العصور، نجد هذه الحركة تعبر عن ولائها التام، واعتزازها العميق بما يسمى المواثيق الدولية، وما تنص عليه من قيم وقوانين درج أساطين المنظمات الدولية على وسمها بالكونية، وإضفاء طابع القداسة عليها بعد انتزاعه من الدين، لنكون في نهاية الأمر أمام دين بديل، خص من طرف هؤلاء الأساطين بكل ما لذ لهم من صفات ونعوت، من قبيل الحداثة والعصرية، وما إلى ذلك.

 وتكرما من الحركة النسوانية ومن يؤطرها، وتلطفا منهم، فإنهم يعبرون عما يمكن أن يعتبر مرونة وتنازلا منهم، وذلك بفرضهم قاعدة الاحتكام إلى تلك المواثيق الدولية وقيمها الكونية، وترجيح كفة هذه الأخيرة في تعارضها مع القيم الإسلامية التي امتزجت مع كيان الناس عبر القرون، وشكلت عنوان وجودهم وشاكلتهم الثقافية.

ولقد خاضت الحركة النسوانية، مؤطرة من كبار منظريها ومناضليها داخل التيار العلماني العام، معارك شرسة، استثمرت فيها كل ما وضع رهن إشارتها من وسائل وإمكانيات على مستوى الدعم اللوجستي، والدعائي والإعلامي، بما في ذلك إتاحة فرص ثمينة للتسلل إلى المؤسسات الحيوية الكبرى التي تؤطر عملية إنتاج كل ما له علاقة بهوية الوطن، وما يرتبط بذلك من اختيارات وقرارات وتشريعات.

وحتى لا يبقى هذا المقال رهين التعميم وعرض المقولات العامة، أرتأيت أن أعرض لنموذج من تلك المعارك، التي لايزال ضجيجها وصخبها يملأ الآذان، وهي معركة الدفاع عن الحريات الفردية، باعتبارها أحد المكاسب الهامة والخطيرة التي يعتبر النجاح في حسمها، علامة على كسب الحركة النسوانية بخاصة، والحركة العلمانية بعامة لشوط كبير من الرهان ضد كل ما هو أصيل، وكل ما له صلة بقيم الإسلام وتصوراته وأحكامه.

لقد دأبت ناشطات الحركة النسوانية، في سعيها المحموم لترسيم جهازها المفاهيمي ورؤيتها لقضايا المجتمع، على تكثيف الندوات والمناظرات، والأنشطة الدعائية، بهدف حمل مكونات المجتمع على تشرب وامتصاص ما تدعو إليه من أفكار وقناعات، والانتقال في نهاية المطاف من وضع يتسم بالاستغراب والاستنكار، والوقوف منها موقف الرفض والاستهجان، إلى موقف يتسم بالمطاوعة والملاينة، ثم الاستئناس والاطمئنان، ويساعد على ذلك إدامة الطرق والقصف الإعلامي والدعائي المتنوع الأشكال والألوان.

وإن المتابع لكل ذلك الزخم العلماني العاتي، لا بد أن يلحظ بأنه يضع نصب عينيه ربح رهان يكتسي عندهم أهمية حيوية ومصيرية، وهو شرعنة الواقع الفاسد المتمثل في الممارسات الخارجة عن الشرع، لأن ذلك وحده هو الكفيل بشرعنة وجودهم داخل المجتمع، وتحريرهم من وصمة مخالفته والشذوذ عن مساره وسياقه الثقافي. إنهم يستحثون الخطى، ويستفرغون الوسع، ليبلغوا المستوى المنشود، من تغلغل التصورات والممارسات اللادينية، الذي تصبح هذه الأخيرة بموجبه ثقافة سارية. ولأجل ذلك تجد أن من أولى لأولوياتهم تحقيق المطابقة والانسجام، بين انحرافات الواقع وخروقاته، وبين نصوص وأحكام القانون.

في أحدى الندوات التي نظمت من قبل بعض النسوانيات مؤخرا، جرت الدعوة بشكل سافر وصارخ إلى إطلاق الحريات الفردية، ممثلة في ممارسة ما أسمينه بالعلاقات الرضائية، وفي ممارسة  ما أطلقن عليه:  » الإجهاض الآمن »، لما ينتج عن تلك « العلاقات الرضائية » التي تستنكف تلك النسوانيات عن تسميتها باسمها الشرعي الوارد في الشرع الحكيم بأصليه: القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وهو الزنا، لما في هذا اللفظ من حمولة قدحية منفرة، وموحية ببشاعة العلاقة الخارجة عن إطار الزواج الشرعي. وظاهر أن ذلك يندرج في سياق عملية المكر والاحتيال على وجدان وعقل الإنسان المسلم، وسلخه مما درج على استعماله من مفاهيم ومصطلحات شرعية تؤثث وعيه، وتشكل ميزانه الحق الذي يزن به الأشياء، ويميز به الخبيث من الطيب.

لقد طالبت إحدى تلك النسوانيات المشاركات في الندوة برفع تجريم  » العلاقات الرضائية » بين الراشدين، على حد تعبيرهن، وقالت بصيغة الدارجة في مكروفون جريدة هسبرس الإلكترونية: » الواقع فارض راسو، هما يمارسو حق طبيعي، فين ضر المجتمع هذه المسألة؟ المجتمع أخذ رهانا هو رفع التحفظات على الاتفاقيات الدولية، وهي الأولى بالتطبيق، في حالة تعارضها مع القوانين الوطنية »

وعبرت نسوانية أخرى بقولها معرفة:  » العلاقات الرضائية هي علاقة بين شخصين راشدين، وهما اللي يتحملوا مسؤولياتهم فيها، والقانون ما خصوش يجرم هذه العلاقات »

وأردفت هذا الكلام بمطالبتها بما أسمته: » حق المرأة في امتلاك جسدها. وعبرت نسوانية سبق لها أن تقلدت منصب وزارة الأسرة والتضامن في حكومة سابقة، بأن هذه الندوة تجري تحت شعار: » « جسدي حريتي » وتحدثت رابعة عن إطلاق عريضة حول تملك الجسد، وعن » ضرورة أن يكون القانون متلائما مع الواقع المجتمعي » وتعجبت مما سمته مفارقة، تتمثل في: » تجريم القانون لمجموعة من الممارسات أصبحت اجتماعية عادية ومقبولة، ولا يمكن العيش بدونها، وأن القانون لا يزال يؤرخ ويقنن لمجتمع قديم وعتيق جدا » .

وأجملت أخرى مطالب النسوانيات فيما يلي:

  • ضمان حرية النساء
  • عدم تجريم الإيقاف الإرادي للحمل غير المرغوب فيه.
  • عدم تجريم الحق في إقامة علاقات رضائية بين راشدين.
  • ملاءمة جميع القوانين مع الاتفاقيات الدولية.

وفي نشاط آخر، أطره واحد من أبرز من يمثلون طليعة « النضال » في سبيل هدم ثوابت الأمة المغربية، وإعادة هيكلة المجتمع على أساس المرجعية العلمانية والحداثية: محمد عصيد، تحدث هذا الأخير، بجرأته المعهودة، في نفس الموضوع، واصفا الوضع الذي يعيشه المجتمع،بأنه « سكيزوفرينيا »  » بين قوانيننا وبين مقولنا، وبين السلوك الفعلي، وما وضعناه في المقررات الدراسية »، وأنه يمثل تناقضا بين القانون الجنائي وبين الدستور، مما يظهر وكأن الدستور وضع للواجهة الخارجية، بينما القانون الجنائي وضع للضبط والرقابة الداخلية ».

 ويضيف عصيد أمرا قد يريد به إضافة جديد في سياق تبرير الممارسات الشاذة، والمطالبة بحماية أصحابها وضمان حقهم في الفساد والإفساد، وذلك في معرض سرد أوجه التناقض التي يرى أنها تطبع الواقع المعيش. يتعلق هذا الأمر بالتناقض بين القانون والعلم. فبعد أن قال بأننا في عصر الثورات العلمية التي غيرت بنية التفكير، وغيرت النظرة إلى المجتمع، تساءل عن نظرة العلم للمثليين اليوم، وأجاب فيما فحواه أن هذه الفتوحات العلمية في هذا المجال قد أنصفت فئة المثليين، وكشفت عن الظلم الذي يعامل به هؤلاء، بسبب محاسبتهم على أمور تتعلق بطبيعتهم.

وطالب عصيد في مداخلته أو مرافعته، بضمان الحق في اختيار نمط الحياة، دونما قيد أو شرط، وفي معزل من أي إملاء من المجتمع.

إن الذي ينظر في هذه التصريحات بعين الرشد ويضعها في ميزان الحق والعدل، لا بد أن يخلص إلى الحقائق التالية:

1 – أن هذه الموجة ضمن سلسلة موجات المكر العلماني والحداثي، يثبت أصحابها بما لاشك فيه، أنهم يتموقعون خارج المجتمع الذي يعيشون فيه بأجسادهم لا بأرواحهم،  » كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم » وأنهم ينكرون بشكل سافر وبدون أدنى مواربة، كل ثوابت الأمة، ويشمئزون من كل ما له صلة بميراثها وتقاليدها، وأعرافها وقوانينها.

2 – أن هؤلاء يفتقرون إلى أي رؤية واضحة الملامح، يمكن أن نلمح فيها ما يصلح لأن يندرج في إطار موقف فلسفي محترم، له دعاماته وأركانه، إلا أن يكون موقفا فلسفيا بالمعنى الفج والمنحط، لأنه لا يملك ما يمكن إدخاله في حساب المقولات الفلسفية التي تحتمل المناقشة، ويمكن التعامل معها على أساس مبادئ المنطق المتعارف عليها إنسانيا. فكلام هؤلاء، نساء ورجالا، لا يكاد يخرج عن هرطقات مادية، وهلوسات شهوانية، لا يتميز فيها مثقفهم عن عاميهم إلا بشقشقات لفظية، خالية من أي معنى أصيل.

3 – أنهم بتجاوزهم الخطوط الحمراء المتعارف عليها وطنيا، والتي تقتضي اللباقة مراعاتها في جميع الأحوال، يعطون الانطباع أنهم مسنودون من قوى خفية تخول لهم اختراق الحدود، دونما تهيب أو تخوف، أو توقع لأي مساءلة أو حساب، فضلا عن العقاب.

4 – أنهم يتبنون المفهوم الفج للحرية الذي يفتح المجتمع- إن ساد واستشرى – على فوضى عارمة تضيع في خضمها الحقوق، وتنسف المبادئ، ويسود التصادم والتناحر والشقاق، وتنتفي سلطة الأخلاق، ويصبح الناس أمام قانون الغاب الذي يغيب فيه صوت الفطرة، ويرشح في كيان المجتمع للتلاشي والاندثار. فالعقلاء على مر العصور، يدركون أن تضحية أفراد المجتمع بكثير من رغباتهم شرط لاستتباب الأمن والعدل فيه، وشرط لاستمراره، ونمائه وازدهاره.

5 – أنهم يعولون في خطابهم اللامنطقي على تحريف المصطلحات عن مواضعها، هروبا من إدانتهم ووصمهم بالإجرام اللذين يترتبان حتما على الحفاظ على المصطلحات الشرعية، كالزنا واللواط والشذوذ، فيقال لهم زناة ولوطيون شواذ، وعاهرون وعاهرات، ومنحرفون ومنحرفات، وقس على ذلك اقترافهم لجميع الموبقات التي يدانون بها، بناء على المصطلحات الشرعية التي توجب لهم تلك الإدانة. فالأمر إذن يتعلق بلعبة قذرة، ممجوجة ومكشوفة لكل لبيب.

فهل رضا الزاني والزانية باقتراف فاحشة الزنا ينفي عنهم صفة الإجرام لمجرد ذلك الرضا أو التراضي؟ إن اعتماد هذا المفهوم المغلوط، أي  » رفع تجريم عن ما سموه العلاقات الرضائية » كما جاء في مطالب النسوانيات الغريبة،  من شأنه أن يطبع المجتمع مع هذه الجريمة، فنصبح أمام مجتمع بهيمي،يفتقد حتما إلى أي ملمح من ملامح الإنسانية التي تفصل مجتمع الإنسان عن فصائل الحيوان، فضلا عن كونه يسوق المجتمع في طريق البوار، كما أسلفنا القول. فالنسوانية التي أدلت بتساؤلها الإنكاري  » : : » الواقع فارض راسو، هما يمارسو حق طبيعي، فين ضر المجتمع هذه المسألة؟ « ، تغمض عينيها، أو هي بالأحرى، لتسلط الهوى على عقلها وقلبها، لا تستطيع إدراك ورؤية الأضرار الشنيعة، والخسائر الفادحة التي تتخلف عن فاحشة الزنا، من ضياع الأنساب، وضياع حقوق المخلوقات البريئة التي تكون ثمرة مرة وحصادا وبيلا لتلك العلاقات التي سماها هؤلاء الجهال رضائية. فإذا كان الواقعون تحت سلطان الشهوات يرضونها، فإن الله سبحانه وتعالى الذي كرم الإنسان وأراده أن يعيش كريما، وطاهرا سليما من الأمراض والعقد والوساوس والمخاوف، لا يرضى لعباده السقوط في مهاوي الفساد والانحراف، وحمأة الرذائل والمعاصي والمنكرات.

6 – أنهم ينظرون إلى الجسد باعتباره كتلة من الغرائز والشهوات، ولا أثر لشيء اسمه الروح فيه، ومن ثم فقصارى وجود الإنسان في هذا الكون، إنما هو الإغراق في تلك الشهوات، والاستجابة الكاملة لنداء الغرائز الصارخة كيفما اتفق، وبلا حدود ولا سدود، ولا يأبهون البتة بما ينجم عن ذلك من آثار وخيمة على ذلك الجسد نفسه الذي تتمحور حياتهم حوله، فعلاقتهم بذلك الجسد علاقة عبودية يرسفون في أغلالها بلا هوادة، في مشهد يشبه الانتحار والفناء.

فما أطلقت عليه إحدى النسوانيات في تلك الندوة  » حق المرأة في امتلاك جسدها« ، لايعدو أن يكون مقولة فجة ممعنة في الغباء، فهل امتلاك الجسد يكون بتعريضه للأخطار الناتجة حتما عن المعاصي والموبقات، وإيراده موارد الهلكة المترتبة عن الفواحش.  فهل امتلك ألوف أو ملايين المصابين بالسيدا وغيرها من الأمراض الناتجة عن الزنا، الذين تنهش تلك الأوبئة أجسادهم وتنخر عظامهم، هل امتلك هؤلاء أجسادهم؟ إن الواقع يقول بأنهم قد افتقدوها إلى الأبد، وفقدوا معها وجودهم، وأورثوا أنفسهم ألوان الألم والعذاب، في الدنيا والآخرة.

7 – أن دعاة الحريات الفردية، ينكرون البتة حق المجتمع في الوجود، وفي السلامة والتطور، والتماسك والقوة، لأن إطلاق العنان لتلك الحريات، يفضي حتما إلى نفي المجتمع ككيان يقوم على التوازن الذي لا يتحقق بغير سيادة القيم والأخلاق. وهذه هي المعادلة الذهبية التي عبر عنها أحمد شوقي رحمه الله بإلهام فريد في بيته الشعري الخالد:

 إنما الأمم الأخلاق ما بقيت        فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

8 – أنهم ينظرون إلى القانون ووظيفته نظرة بدائية وسطحية، فبالنسبة إليهم ينبغي أن يكون القانون عبدا طيعا للمجتمع، ومرآة عاكسة لصوره، مهما كان نصيبها من السوء والاعوجاج، والانحراف عن الفطرة، وبذلك فلتذهب وظيفة القانون التي يناط بها الضبط والتهذيب والتنظيم لدواليب المجتمع، إلى العدم. فالتي قالت: ب » ضرورة أن يكون القانون متلائما مع الواقع الاجتماعي« ، ومن يشاطرها القول في التيار النسواني » العلماني، يجهلون وظيفة القانون السامية التي تتمثل في تأطير المجتمع وضبط مساره، ومواكبته بالتصحيح كلما تعرض للاختلال، وليس في جعل نفسه غطاء للواقع الاجتماعي على علاته وكبواته، بل رغم فساده وانحلاله. إنهم يتوخون من القانون أن يكون شاهد زور يشهد لهم بالاستقامة والصلاح، ويغض الطرف عن عما يمارسونه في حق المجتمع من جرائم، وفي حق سفينته من خروق. إنهم يقلبون الآية تماما،  ويعكسون الميزان، بجعلهم الواقع الاجتماعي حاكما على القانون. يريدون من الواقع الاجتماعي الآسن، والمليء بالأوبئة والقاذورات، أن يلقي بقاذوراته وأزباله على القانون، فيتحول القانون بذاته إلى مزبلة كبرى تتلقى ما يلقي الواقع الاجتماعي به إليها.

ومما يثير القرف والغثيان، أن الناشطة التي طالبت بضرورة تلاؤم القانون مع الواقع الاجتماعي، تحدثت عما أسمته  » مفارقة »، تتمثل في  » تجريم القانون لمجموعة من الممارسات أصبحت اجتماعية عادية ومقبولة، ولا يمكن العيش بدونها، ولكن في نفس الوقت نرى أن القانون لا يزال يؤرخ ويقنن لمجتمع قديم وعتيق جدا » .

إذن ففي منظور هذه النسوانية الحداثية ومن لف لفها وجرى جريها، أن فاحشة الزنا بجميع أنواعه، ما دامت قد انتشرت وعم بها البلاء، وأقبل الناس عليها بنهم وسعار، فالموقف المناسب في هذه الحال، ليس هو بذل الوسع في شن حملة تطهير تطهر المجتمع من وبائه، يتضافر فيها العمل التربوي التهذيبي، ولكن الموقف الصائب في منظور هؤلاء الحداثيين المهووسين بنشر الفساد والانحلال، هو أن يركع القانون بخشوع وإجلال أمام سعادة الواقع الاجتماعي المبجل، وأن يرفع قبعته له، تعبيرا عما يساهم به ذلك الواقع من إنتاج ظواهر السوء، وما يتسبب فيه من وابل اللعنات التي تنزل على من رضي باستفحال تلك الظواهر وتفاقمها بين ظهراني الناس.

9 – أن من أخص خصائص من مردوا على نشر الفواحش باسم الدفاع عن الحريات الفردية، وتحت لافتة الحداثة والعصرنة والتفتح، فقدانهم التام لوازع الحياء، فما كان لأحد من هؤلاء رجالا كانوا أو نساء أن ينطقوا بعشر معشار ما نطقوا به إلا أن يكونوا قد تعروا تماما من لباس الحياء، وتنصلوا من أدنى ذرة من ذراته.

فمرافعة عصيد عن حق المثليين في ممارسة حياتهم كما يريدون، باسم العلم، خير دليل على نموذج فريد من التبجح والتطاول،ضدا على شرف المجتمع وهيبته واعتباره.

إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :  » إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى:إذا لم تستح فاصنع ما شئت » ، يمثل وجها من وجوه الإعجاز العلمي في مجال تشخيص حقيقة النفس البشرية، عند انسلاخها من الحياء. فانهدام حاجز الحياء، إيذان بانفتاح أبواب المجتمع على مصاريعها أمام طوفان الفساد وطغيان أمواجه، الأمر الذي يفرض على المسؤولين في البلاد،  وشرفاء الأمة جميعا، كل من موقعه، أن يطلقوا برنامجا واسع النطاق، يؤطره العلماء والمربون، يكون عنوانه الحياء، وهدفه استرجاع الحياء إلى كيان الشعب، وذلك بإحداث ثورة ثقافية شاملة، تستهدف إعادة الهيكلة والبناء، وإعادة الروح إلى جسم المجتمع الذي اعتراه الكسل والخمول، وبات مثخنا ومخدرا من فرط تكالب السموم عليه.

إن مساحات من أرض الوطن باتت تئن تحت ضربات معاول الفساد والتمييع، وبات من أقدس المهمات، تحرير تلك المساحات، وهي فسيحة شاسعة، من جحافل السوء وألوية الطغيان.

وليس زادا للوفاء بهذه المهمة العصماء، إلا ماء القرآن وشريعة الرحمن، تسقي الأرض الجدباء، وتعيد إليها الرواء والبهاء. « والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ».

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.