Home»National»في مواجهة الصورة

في مواجهة الصورة

0
Shares
PinterestGoogle+

كان على الإنسان أن ينتظر دهورا قبل أن يتعرف على ملامح وجهه التي يتحكم الآخر في طريقة تسويقها إليه.
وهكذا،كان صدور القرار بأن فلانة،،تاعواجث،، أو الشاب فلان،،ذاعواج،،(وسيمة أو وسيم)يأتي نن الآخر دائما ليكون بمثابة جرعة لحظوظ المعنيين في انفتاح الآفاق أمامهما،خاصة في امتحان الزواج.
لم تنته وصاية الآخر في تقرير درجات الحسن في الوجوه إلا بعد ظهور أولى المرايا التي حررت الناس، ومكنتهم من التعرف على ذواتهم مباشرة،حيث سمحت لهم هذه المرايا بامتلاك أدوات المحاججة في حالة صدور أحكام قيمة غير مقنعة.
لعل الجيل الذي عاش عقود الستينات وماتلاها،يتذكر كيف كانت أمهاتنا يتجاهلن بعض حاجيات الأنثى باستثناء،،ثيسيث،، وهي مرآة صغيرة مستديرة مكونة من جزئين يسمحان لها بالإغلاق ويحميانها من الأعطاب.
كان صانع هذه المرآة من الذكاء،بحيث زودها بحلقة تسمح بحملها،مما دفع النساء إلى تعليقها مع باقي ،،الحلي الثقيل،،الذي كان رنينه ينطلق مع بداية كل حركة.
لقد حلت،،ثيسيث،،كثيرا من معاناة المرأة، حيث سمحت لها بالتعرف على قسمات وجهها، وكل مافيه من آيات الحسن أو الأعطاب الخلقية ،التي ارتبط بعضها بفترة الوحم السلبي الذي ينعكس في بقع غريبة أو تشوهات أحيانا، تفضح تقصير الزوج في تلبية رغبة عابرة،لكنها قد ترهن عمرا بأكمله.
كما أن ،،ثيسيث،،كانت تسمح للمرأة بتوزيع مواد زينتها بما يحافظ على التناسق ،حيث يترك السواك والإثمد و،،اللوز الحار،،بصمات لا تخفى عن العين،ناهيك عن تصفيف الشعر واختيار اللباس المناسب لكل مقام.
لقد صار للمرآة مكان إلزامي في كل البيوت، استجابة لنرجسية الإنسان التي تعلو على كل ما سواها من الميول والرغبات،حتى أصبح العديد من الناس يعرضون سحناتهم في الفضاء الأزرق بشكل فج ينتظرون عبارة إطراء كاذبة في الغالب من فلان أوعلان ،وهم أحرار في ذلك على كل حال !
غير أن المرآة لم تستجب لكل رغبات الناس المتجددة،حيث أنها لا تحفظ صورة صاحبها إلا مادام أمامها،فكان لابد من بديل،ولم يتأخر هذا البديل الذي تولت الصورة الفوتوغرافية القيام به.
كانت ،،المصورة،، متواضعة أول الأمر، وكان لها طقوسها ومراحلها،مما جعل سكان البوادي والمدن الصغيرة يسافرون في البداية نحو أقرب المدن التي يصطف فيها الزبناء حول رجل يحشو رأسه في وعاء جلدي مرتبط بالآلة العجيبة لالتقاط الصور بعد التقيد بمجموعة من التعليمات وتوفر أشعة الشمس اللازمة !
كانت الدولة قد شرعت في تدعيم عملية التوثيق الإداري الذي بدأه المستعمر،لذلك أصبحت الصورة مطلوبة عند إنجاز بعض الوثائق الرسمية.
كانت الصور الأولى تتطلب كثيرا من الانتظار الذي يفرضه التوضيب،بل كثيرا ماتطلب الأمر تجربة أخرى بسبب فشل المحاولة السابقة،لكن ذلك لا يساوي الفرحة التي تتيحها رؤية الصورة لأول مرة،إلى درجة أن التقاط صور إدارية كان في حد ذاته خبرا يتناقله البدو ويحولونه إلى حديث ذي شجون تتناسل معه الآراء والتأويلات !
ماكاد الناس يألفون الصورة الفوتوغرافية ،حتى انتشرت آلات التصوير الفردية ،لينفسح المجال في توسيع دائرة خدمات المصورة ،من خلال تجاوز الصورة النمطية إلى التقاط المناظر الطبيعية…
لم يتوقف التصنيع عن إخراج الجديد، فجاء عهد ،،الكاميرا،،الذي وضع حدا لعهد آلات التصوير،لكن امتلاك الكاميرا كان في البداية حكرا على طبقة معينة،من ضمنها عمالنا بالخارج الذين كانوا يحرصون على جلب هذه الآلات لتوثيق الحفلات المختلفة.
وللتاريخ،فإن استخدام ،،الكاميرا،،قد تسبب في العديد من الخصومات والمشاجرات أحيانا بسبب توجس البعض من استخداماتها التي قد تسرق من الناس بعض ما لا يرغبون في خروجه للعلن !
ما كاد الناس يتكيفون مع منجزات،،الكاميرا،،حتى حل شيطان التكنولوجيا بين ظهراننا: إنه الهاتف الذكي الذي أبى إلا أن يتحدى الجميع ليقوم بكل أدوار الخير والشر مستجيبا لرغبات ونزوات مالكه.
لقد أصبح مجال الصورة مشاعا بفضل الهواتف الذكية،وأصبحت الصورة تسبق رغبة صاحبها، بل لقد صار بالإمكان تحويلها إلى حجة عليه.
وهكذا أصبحت صورنا تسلب منا في الأماكن العمومية والحفلات وفي المصليات،بل إن المواكب الجنائزية قد جردت من هالتها ،وأصبحت الهواتف تتنافس لالتقاط صور النعوش والمقابر في تحد سمج لمشاعر الحزن !
لقد حولت هذه الهواتف أصحابها إلى مرضى جدد ،يلتقطون الصور حيثما حلوا:في المقاهي والحانات ومراكز التسوق ،بل إن البعض لا يتردد في التقاط صور الغير في غفلة منه،مما يهدد خصوصية الناس وعلاقتهم التي تتعرض للاختراق السافر !
لقد سمح لنا الغرب،،الكافر،،كما يحلو لنا أن ننعته بأن نقطف شيئا من ثمار التكنولوجيا،لكننا نفضل توظيفها في التخريب،بينما جوانبها المفيدة فوق كل حصر،فهل يحاول أحدنا أن يحاسب نفسه عندما يتطفل على حياة الآخرين وهو يلتقط صورا قد تدمر أسرة بكاملها حتى لا نستعرض كل ما يحدث من مظاهر التخلف التي نأبى إلا أن نلبسها؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *