Home»International»تمسك الفرنسيين بلغتهم، حجة لنا للتمسك بلغتنا

تمسك الفرنسيين بلغتهم، حجة لنا للتمسك بلغتنا

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم
تمسك الفرنسيين بلغتهم، حجة لنا للتمسك بلغتنا
وأنا أتصفح مجموعة من الجرائد الإلكترونية، لفت انتباهي مقالين على نفس الجريدة، الأول بعنوان » مائة مثقف يدعون إلى حماية الفرنسية من « الاستعمار الأنجلو-أميركي » والثاني تحت عنوان  » تدريس المواد العلمية بلغة أجنبية ».
موضوع المقال الأول يدور حول نداء موجه للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في شأن » حماية اللغة الفرنسية من الاستعمار الأنجلو-أميركي »، دق من خلاله هؤلاء المثقفون ناقوس الخطر الذي يحدق باللغة الفرنسية وتراجع استعمالها أمام توسع وانتشار اللغة الأنجلو-أمريكية، بل بلغت جدية الأمر عندهم إلى حد دعوة الرئيس الفرنسي إلى إعطاء المثل من خلال التخلي عن استعمال هذه الأخيرة في الخارج، وطالبوا ب »وضع حد للمشروع الآثم الذي يزعم تدريس مواد عامة في المؤسسات التربوية باللغة الأنجلو-أميركية ». والغريب في الأمر أن من بين الموقعين على هذا النداء الكاتب المغربي المجنس فرنسيا الطاهر بنجلون.
والمقال الثاني يُشَرْعِنُ فيه صاحبه لتدريس المواد العلمية بالمغرب باللغة الفرنسية في انتظار استعمال الإنجليزية، معتمدا في ذلك على مجموعة من التبريرات الواهية من مثل استحالة اعتماد مجلس أعلى للترجمة، وصعوبة الاستعانة بالدول العربية التي قطعت أشواطا في هذا المجال بسبب عدم الاستقرار الأمني، وباستناده على ما أسماه بالملتقى العلمي التربوي الذي نُظِّم بالثانوية التأهيلية عبد الرحمن بلقرشي حول موضوع « الانتقال الثانوي-الجامعي، الصعوبات والعوائق » الذي يَخلُص من خلاله إلى أن العائق الأساس الذي يعترض التلاميذ-الطلبة هو اللغة، ليستنتج من ذلك استنتاجا عجيبا مفاده أن الحل يكمن في التدريس المرحلي باللغة الفرنسية في انتظار إعداد أساتذة المواد العلمية باللغة الإنجليزية، ليدعو في النهاية بطريقة غير مفهومة إلى عدم جعل قضية التعليم قضية هوية ووطنية وصراع سياسي.
وتعقيبا على المقال الثاني أقول بأن التحديد الدقيق للمنطلقات أساس في الإدلاء بأية حلول ومقترحات، فإذا كنا ننطلق من كون التربية والتعليم لا تندرج ضمن المقومات الضرورية للحفاظ على الهوية وخصائص الشخصية الوطنية، ومن كون اعتماد آلية الترجمة من وإلى العربية مستحيلة التحقق، وأنه لا يمكن الاعتماد على الدول العربية ذات السبق في المجال بسبب عدم الاستقرار الأمني؛ فإن الكلام في الموضوع يصبح لاغيا لأن كل الأبواب سُدت والحل الوحيد المتبقي هو الخنوع للتدريس بالفرنسية لكون الإعداد للتدريس باللغة الإنجليزية لا يعدو أن يكون ذرا للرماد في العيون إلى حين.
الحقيقة التي لا ينبغي تجاهلها هو أن التربية والتعليم لا يمكن تحييدهما، لأنهما العمود الفقري الذي تستند عليه كل الأمم في تثبيت هويتها ومقومات وطنيتها، ولو كان ذلك ممكنا ما كان للرئيس الفرنسي أن ينادي بالخصوصية الفرنسية، ولما قام المثقفون المئة المشار إليهم أعلاه بالمطالبة بالوقوف أمام انتشار اللغة الأنجلو-أمريكية، وإلا فالعلاقة الجدلية بين اللغة والهوية لا ينكرها إلا جاهل أو مُستَلَب، ولعل القارء يجد دليلا فيما أقول في كتابات عديد من اللغويين العرب المرموقين من أمثال عبد السلام المسدي وعبد القادر الفاسي الفهري وعبد العالي الودغيري وغيرهم كثير.
ونقول للذين ينافحون عن التدريس المرحلي بالفرنسية على غرار الأستاذ حسن أوريد، في أفق التدريس باللغة الإنجليزية في استبعاد تام للعربية، ما هي الضمانات التي تقدمونها للتدريس مستقبلا بالإنجليزية؟ وما هي مدة هذه المرحلة؟ وما هي الضمانات القمينة، وهي الأهم، بإصلاح مجال التربية والتعليم بغض النظر عن اعتماد أو عدم اعتماد الإنجليزية؟
على الذين ينحون هذا المنحى عن حسن نية أو سوئها، أن يعلموا أن غدا لناظره قريب، وأن الندم لا يجدي أصحاب النيات الحسنة ولا المراوغة تجدي أصحاب النيات السيئة، لأن مؤشرات الفشل المقصود أكبر من أن تُحصر في عنصر اللغة حتى وإن افترضنا جدلا أن أهميتها تُختزل في دورها الوظيفي المحض المتمثل في نقل المعارف العلمية مجردة من كل تأثير ثقافي وقيمي. وفيما يلي بعض هذه المؤشرات على سبيل المثال لا الحصر:
الضعف في مستوى تكوين عدد كبير من الأساتذة سواء تعلق الأمر بالمادة المدرسة أو باللغة الفرنسية بالنسبة للذين أُقحموا إقحاما بميدان التربية والتعليم بشكل خاص.
النقص المهول في عدد الحصص الفعلية التي يقضيها التلميذ داخل الفصل، بسبب الالتحاق المتأخر بالمؤسسات في بداية السنة الدراسية والانصراف المبكر في نهايتها، ناهيك عن التغيبات التي تسبق أو تلي كل عطلة مدرسية.
العدد المرتفع للتلاميذ بالقسم الواحد.
النقص الهائل في العدة التجريبية في الثانوي والتأهيلي وانعدامها الشبه الكلي بالابتدائي.
الاستغناء عن التفويج في المواد العلمية ومن ثم ضرب منهجية تدريس هذه المواد في الصميم لكونها تعتمد على التجربة أساسا.
انعدام التكوين المستمر، واتخاذه إن وجد أشكالا فولكلورية في عدد من الحالات…
ولهذه الاعتبارات وغيرها كثير نقول لأصحاب هذا المنحى، كيف يمكن أن نتصور أن التلميذ الذي لا يفهم المادة العلمية عن طريق العربية المتداولة داخل الأقسام، وهي في جلها عبارة عن خليط بين الفصحى والدارجة المستعملة في حياته اليومية، أن يفهمها باستعمال اللغة الفرنسية الغريبة عنه استعمالا وثقافة، اللهم إلا إذا كان الهدف هو خلق لغة هجينة تجمع بين العربية والفرنسية والدارجة ولم لا الأمازيغية، لنصبح كالغراب الذي لا هو أتقن مشية الحمامة ولا هو احتفظ بمشيته الأصيلة.
لذلك أختم بالقول بأن هذا النوع من الحلول لا يمكن إلا أن يعمق تبعيتنا للمحتل الفرنسي، من خلال اعتماد الحلول السهلة التي تُمنِّي أبناءنا بمستقبل لا يعدو أن يكون « كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا »، ولا أَشُكُّ لحظة واحدة في أن مصير التدريس بالفرنسية مآله الفشل، ولا يزيدنا إلا ارتهانا وتبعية يصعب التخلص منها كلما تقدم الزمن، شأننا في ذلك شان الذي يلج الرمال المتحركة، حيث كلما تم التغلغل فيها إلا وصعب الانفلات منها، كما هو الشأن بالنسبة لصاحبنا الذي صدق أنه أصبح كاتبا فرنسيا حتى صار يدافع وينافح عن اللغة الفرنسية في الوقت الذي لا يعدو أن يتعدى هو ولا كتاباته الدرجة الثانية في الواقع الفرنسي إذا تم استثناء أُلائك السياسيين الدهاة الذين يستغلونه وغيره من المغفلين أو المنبطحين في تمرير مخططاتهم .
يقول المثل العربي « ما حك جلدك مثل ظفرك » لذا فالحل الوحيد الذي لا بد منه، طال الأمد أم قصر، هو الانطلاق من هويتنا وقيمنا ولغتنا وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك، وهذا لن يتسنى دون إيجاد منطلقات موضوعية أهمها سيادة طبقة سياسية تُقدِّر خطورة الوضع الارتهاني الذي يراد حبسُنا داخله، وتمتلك من الحكمة ما تستنهض به همم الأفراد والجماعات لمواجهة كل الخطط السرية والعلنية التي تَكَلَّف بها أناس من أبناء جلدتنا ممن يَحسِبون السراب ماء أو يجتهدون في تسويقه كذلك. ولهؤلاء أقول لا يمكن أن نكون أقل وطنية تجاه لغتنا من وطنية الفرنسيين أنفسهم تجاه لغتهم، ذلك أن مبدأ النفعية الذي يُروَّج له عندنا أولى من أن يُعمل به عندهم لكون الإنجليزية تعتبر اللغة الثانية الأكثر تداولا لديهم، وأن نسبة 39% منهم يتقنون استعمالها، كما أن كل أبحاثهم تنشر بالإنجليزية ليعترف بها عالميا. لذلك فإذا كان لنا أن نقتدي بالفرنسيين فمن الأولى أن نقتدي بهم في كيفية التشبث بثقافتهم وهويتهم ولغتهم على الرغم من وجود قواسم مشتركة كثيرة بين الفرنسية والإنجليزية ورغم تواجد هذه الأخيرة في مختلف مناح حياتهم الاقتصادية والسياسية والعلمية، لا أن نتبعهم شبرا بشبر حتى وإن أدخلونا إلى جحر ضب دخلناه.
الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *