Home»National»هكذا تكلم العلامة مصطفى بن حمزة السلفية الجامعة – من سلفية الفئة إلى سلفية الأمة – الحلقة الثانية

هكذا تكلم العلامة مصطفى بن حمزة السلفية الجامعة – من سلفية الفئة إلى سلفية الأمة – الحلقة الثانية

1
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي
انتهى الجزء الأول بالحسم في أن دائرة أهل السنة والجماعة واسعة تستوعب الوحدة الإسلامية، وقد أسعفت بالالتقاء على مشاريع بناء الأمة وخدمة المعرفة ونشر قيم الإسلام، كما ذكر المفكر الإسلامي العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة.
وفي القسم الثاني من الكتاب تحدث العلامة عن النموذج المغربي على اعتبار أن المغاربة جزء من الأمة وقد وسعهم مفهوم أهل السنة والجماعة، وتاريخهم الزاخر بخدمة القرآن بتفسيره وضبط قراءاته، ونشر علومه، وما قدموه من خدمة جليلة للسنة النبوية، جعلهم على منهج أهل السنة والجماعة.
وعلى غرار ما فعله الإمام أحمد وابن تيمية في عصره، حارب المغاربة الفرق الكلامية وحسموا في أمرهم مثل التشيع والاعتزال وغيرهما، وقد ساعدهم في ذلك اعتناقهم للعقيدة الأشعرية التي تتميز بقدرتها على الحجاج مذهبا في العقيدة لمواجهة آراء الفرق، وقد استمدوا حرصهم على السنة من المذهب المالكي فقها وعقيدة والذي تميز برفضه البات والمطلق للبدع. وقد ساعد في توطين ذلك وجود مذاهب أخرى سنية كمذهب الإمام الأوزاعي والإمام أبي حنيفة.
ومن مبررات أخذ المغاربة للمذهب المالكي الذي لا يقبل بالبدعة والشذوذ أبدا، واعتماد العقيدة الأشعرية في تثبيت السلم الاجتماعي والسياسي، إلى الحديث عن اختيارات أخرى، يبرز العلامة أن سنية المغرب ليست مجرد دعوى يسهل ادعاؤها، وإنما هي توصيف لواقع راسخ وسمة ثابتة يشهد لها أكثر من شاهد، منها اختياراتهم للقراءة والتفسير وعنايتهم الخاصة بالقرآن والسنة والعلوم المتفرعة عنهما.
إن القراءة التي انتهجها المغاربة جاءت نتيجة مسار حافل بالعناية بالقرآن الكريم حتى أنهم وضعوا له نظاما مجتمعيا فريدا، وأحدثوا تقاليد داعمة تدل على حجم الاهتمام والاحتفاء به، وهي تقاليد مبهرة لا يوجد مثلها في بلاد الإسلام، ويسرد المفكر الإسلامي العلامة بن حمزة عدة مظاهر لذلك ليس أقلها تخصيص سن الخامسة كسن التحاق الأطفال بالكتاتيب (وهو سن لم يتم اختياره اعتباطا وإنما له ما يبرره في السنة النبوية).
ونظرا لطبيعة القرب من الأندلس قرأ المغاربة برواية ابن عامر الشامي، وقد استمرت هذه القراءة في المغرب مدة تزيد عن القرن، ثم قرؤوا بقراءة حمزة بن حبيب الزيات، إلى أن استقروا على قراءة نافع والتي كان الباعث من ورائها كونها قراءة سنية حيث كان نافع يقرأ القراءة التي تمثل طريقة أداء رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي أخذها عن سبعين تابعيا، ولكونها منسجمة مع الفقه المالكي على اعتبار أنها قراءة أهل المدينة.
وأما عن التفسير فقد كان اختيارهم له منسجما مع الانتماء لأهل السنة والجماعة والابتعاد عن أهل البدع والفرق الكلامية على رأسها المعتزلة، ولذلك اعتمدوا على تفسير يحقق هذا التوجه وهو تفسير « المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز » لابن عطية، حيث حرره صاحبه من البدع والإسرائيليات والأفكار المنحرفة التي بثثتها الفرق الكلامية في بعض كتب التفسير. وقد نحى هذا المنحى آخرون حيث عمدوا إلى تطهير بعض التفاسير القيمة مما علق فيها من بدع وأفكار دخيلة عن منهج أهل السنة والجماعة من أمثال عمر بن محمد السكوني وابن المنير المالكي.
وبما أن السنة النبوية خادمة للقرآن الكريم، فقد اهتم بها المغاربة اهتمامهم بالقرآن، حيث اهتموا بالحديث رواية ودراية، وبكتابة السيرة النبوية ودراستها، وبالشمائل المحمدية وغيرها مما له علاقة بالسنة النبوية. وإذا كان البعض يتهم المغاربة بأنهم لم يكونوا دار حديث وأنهم دار فقه مذهبي، فإن للعلامة كلاما آخر، حيث عمل على إثبات زيف هذا الادعاء وتهافته وبطلانه، وذلك لكون الدعوى بانفصال الفقه عن الحديث والقرآن دعوى باطلة لأنها تقوم على الإيهام بأن أئمة المذاهب اشتغلوا بالفقه دون السنة مما يجعل الأئمة خارجين عن منهج السلف على رأسهم الإمام مالك، كما يثبت بأنها دعوى قديمة إذ أعلنها كبار المستشرقين مثل شاخت. كما رد على ادعائهم بخلو المغرب من المحدثين، معتبرا هذه الدعوى هادفة إلى إلغاء تاريخ المغاربة الطويل في صحبتهم للسنة، مثبتا بأن صلة المغاربة بالحديث قديمة قدم اعتناقهم للإسلام على اعتبار أن الإسلام الذي بلغهم أصلا هو قائم على الكتاب والسنة معا. وذاكرا ومقرا بأن الذي تأخر في بلاد المغرب هو علم الحديث الاصطلاحي بما فيه من نقد الأسانيد وجمع الروايات ومعرفة العلل.
وردا على الزعم القائل بعدم وجود محدثين، وأن المغاربة ليس لهم سند عال في الحديث باستثناء رواية يحيى بن يحيى للموطإ ، يسرد العلامة مجموعة من المحدثين المغاربة الذين اتصلوا بكبار المحدثين في المشرق ورووا عنهم الحديث، كما يذكر أن الحافظ الذهبي ترجم للحفاظ فأورد أسماء 748 محدثا مغربيا ضمن 1167 من الحفاظ من مختلف بلاد الإسلام واقتصر على من سماه حافظا دون من كان محدثا فقط. كما يذكر أن الدكتور محمد بن عبد الله التليدي قد تتبع أسماء المحدثين المغاربة ومصنفاتهم في معجم أسماء تراث المغاربة في الحديث النبوي الشريف وعلومه، فأحصى في الجزء الأول منه 1213 محدثا.
ويعترض العلامة على اعتبار علو الإسناد منفردا كمعيار للحكم على المغاربة في علاقتهم بالحديث، ويذكر أهم معيارين في تثبيت ذلك والدلالة على علو كعب المغاربة في الحديث، وهما اتصال المغاربة بكبار المحدثين أثناء تصنيفهم لمصنفات الحديث ومشاركتهم لهم في ذلك، وهو ما جعلهم أقرانا لهم. ومعيار مرويات المغاربة التي تقع على أوثق الأسانيد التي رويت بها كتب الحديث، من ذلك رواية أكثر من عشرين رجلا من المغرب للموطأ أخدا عن الإمام ملك كما يقول القاضي عياض.
وأما عن علو كعب المغاربة في التأليف في السيرة وشروح الصحاح والشمائل المحمدية فيكشف العلامة الغطاء عن مؤلفات ومصنفات لم يسبق لنا أن سمعنا بها قط.
هذا، وسنفرد لموضوع التدين المغربي واتهامه بالابتداع مقالا خاصا لأهمية الموضوع ولجهل الكثير من النخب به، خصوصا بعدما شاع وداع من أن بدعا كثيرة تقع في مساجد المملكة منها قراءة القرآن جماعة، وتحية المسجد والإمام يخطب، وتكرير الأذان يوم الجمعة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.