Home»National»قراءة في كتاب: « التأصيل الشرعي للتعامل مع غيرالمسلمين » للعلامة الدكتور مصطفى بن حمزة – الجزء الأول-

قراءة في كتاب: « التأصيل الشرعي للتعامل مع غيرالمسلمين » للعلامة الدكتور مصطفى بن حمزة – الجزء الأول-

4
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي
من أجمل ما قيل في العلامة مصطفى بن حمزة أنه فرادى علمية، ورجل مواقف، وعالم شديد المراس في الحق، واسع الاطلاع، خبير بالشريعة الإسلامية، فاقه لعلوم العصر، مطلع على فكر الغرب ومنظوماته، قارئ نهم لا يسقط الكتاب من بين يديه حتى أثناء مرضه، متواضع، مرح، بشوش، جمع بين الشراسة في الحق والدفاع عن الإسلام، وبين التعليم والتوجيه وتربية الأجيال، وبين التمكين للقرآن حتى يحفظ ويتلى ويرتل من طرف النساء والرجال والأطفال وذلك ببناء المساجد ودور القرآن التي تشرف على تحفيظ كلام الله وتدريس علومه.
وعلى غرار ما قمنا به مع مؤلفات الدكتورة زينب عبد العزيز التي نشرت حصريا بموقع وجدة سيتي، ارتأينا أن نتناول شخصية العلامة مصطفى بن حمزة لاعتبارات عدة منها:
– أنه علامة مغربي أصيل وفي هذا إبراز لأحد أهم علماء المغرب العاملين والمتميزين.
– أنه أسس بفكره مدرسة متميزة تعتمد العلم والحوار والانفتاح على جميع الثقافات
– أنه صخرة عاتية انكسرت أمامها رياح التغريب والتفسيخ والبلطجة الفكرية التي يتزعمها ملاحدة وعلمانيون بمنظومات مختلفة يريدون بها دحر الإسلام.
– أن أفكاره بنت منظومة أمنية حقيقية تأسست على الاعتدال والدعوة إلى نشر الإسلام الحقيقي الذي يملك جميع مقومات النجاح في محق الأفكار الغريبة المتطرفة البعيدة كل البعد عن روح الرحمة وقيم التسامح.
– أنه أسس لمنهج عصري حديث فريد من نوعه في التفسير والتعاطي مع آيات الكتاب العزيز يعتمد فيه على المنطق.
– أن فتاواه تذكرنا بمنهج الأولين والتي تأخذ في الاعتبار المقاصد والظروف والملابسات والمكان والزمان، وقد كان سباقا في بعضها كجواز تبرع المسلم بأعضائه لغير المسلم. وقد اعتلى منابر مهمة في الإفتاء كموقع إسلام أونلاين العالمي وبرنامج الشريعة والحياة بقناة الجزيرة القطرية.
– أن سعيه لتشييد معالم الحضارة والعمران في ارتباطهما بالقرآن والدراسات والبحوث الإنسانية بجهة الشرق يعد سابقة قد نظيرها في بلاد المغرب.
إن أول كتاب سنتناوله بالعرض والقراءة هو كتابه الماتع، الفريد في نوعه، والذي هو لبنة سدت فراغا قاتلا في بيت الجاليات المسلمة في بلاد المهجر ألا وهو كتابه: « التأصيل الشرعي للتعامل مع غير المسلمين » وهو من منشورات المجلس العلمي الأعلى، ولأهميته ترجم إلى لغات عدة منها الفرنسية والانجليزية والإيطالية والصينية، ولو علمت جميع دول العالم أهمية هذا الكتاب لقامت بترجمته فورا لما يسديه من خدمة شرعية فكرية وتربوية للجاليات المسلمة المقيمة بها.
في المبحث الأول يبدأ العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة ، كما هو مقتضى الحال في جميع البحوث الأكاديمية العلمية، بذكر مسوغات الكتابة في هكذا موضوع إذ يعتبر من أهم الدوافع إلى ذلك ما تعتقده بعض الدوائر بأن الإسلام لا يؤمن بالحوار والتعايش والتساكن، ولذلك راحت تغذي مشاعر الخوف وتعمل على تنشيطها بتفسير خاص لأحداث التاريخ المتوترة وأحداث فردية دامية معاصرة ارتكبها أصحابها دون سند شرعي، والتي من خلالها راحت تصور الإسلام على أنه تواق إلى الصدام ويرنو إلى استئصال خصومه.
وبما أن القرآن الكريم هو أصل الأصول ومنبع التشريع والحكم الفصل في قضايا الناس، والسراج المنير الذي ينير طريق الأمة في تعاملها مع ذاتها ومع غيرها، لم يكن العلامة بن حمزة يملك خيارا من أن يجعل البداية، بداية التأصيل، من كلام الله إذ بدأ بسرد جملة من الآيات الكريمة التي تقطع الشك باليقين بأن القرآن الكريم قد حسم في المسألة فكشف الطريق جليا واضحا لا ضباب فيه ولا دخان، في مواقف متباينة منطقية حسب طبيعة موقف الآخر من الإسلام. أولها الموقف الإنساني العام أي موقف الإسلام من كل البشر، وقد تحدد ذلك بموجب قول الله تعالى: (لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مومنين) وقوله: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) أي أن مشيئة الله تعالى كما يقول العلامة بن حمزة اقتضت أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم على نحو من خلقهم مختلفين في مداركهم وصورهم وألسنتهم وألوانهم ولغاتهم، ليخلص إلى أن توهم إمكان تنميط الناس وجعلهم على موقف واحد يخالف مقتضى الحكمة والمشيئة، وذلك حتى يظل التعارف والحوار والتفاهم فعلا مطلوبا من الإنسان،
وأما الموقف من أهل الكتاب فتميز بالموضوعية والعدل والإنصاف، وفي معرض حديث القرآن عن الأمانة والخيانة التي كانت فيهم، يقول العلامة، ذكر أن منهم أشخاصا هم في قمة الأمانة والنزاهة كما فيهم آخرون خائنون للأمانة إذ قال الله تعالى: ( ومن أهل الكتاب من إن تامنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تامنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما) كما قال فيهم: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولائك من الصالحين)، كما تحدث عن القسيسين والرهبان الذين التزموا خط النبوة حديثا منصفا في قمة الروعة حيث قال: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين).
كما لمح في نفس الفصل إلى لطائف هامة كإيمان المسلم بجميع الرسل الذين برأهم القرآن من النواقص والاتهامات بما فيهم أنبياء بني إسرائيل، كما دافع عن طهارة مريم عليها السلام وذكر عفتها ووصفها بالصديقة، وبرأ اليهود من دم عيسى عليه السلام وأشاد بعفة يوسف، كما أرخ لجرائم فرعون في حق بني إسرائيل ولمحرقة النصارى في الأخدود، وجعل انتصار الروم يوما يفرح به المؤمنون، ونهى عن سب آلهة المشركين والجدال مع أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن…كما جعل أصل التعامل مع المخالفين هو البر إليهم والإحسان إليهم ما لم يصدر عنهم سلوك عدواني تجاه المسلمين… إلى غير ذلك مما يؤسس للسلوك الحضاري تجاه غير المسلمين.
وافتراضا لما قد يثيره البعض من أن القرآن قد تحدث عن التبديل والتغيير الذي طرأ على بعض الكتب السماوية يجيب فضيلة العلامة، شافيا وكافيا، بأن القرآن لا ينتقد أصل الديانتين اليهودية والمسيحية بل تحدث عن أفعال البشر وتصرفهم في الوحي بما لا يقبله المنهج العلمي في النقل للنصوص، وكي يدعم تفسيره ذلك جاء بأقوال مفكرين وفلاسفة غربيين من أمثال باروخ سينوزا وببعض النصوص من التوراة، ليخلص إلى أن المسيحية ما كانت ستعيش صراعا وتفرقا لو أنها استمعت للقرآن الكريم وأخذت بالنقد الصريح الذي وجهه إليها.
وفي آخر المبحث الأول يطرح العلامة قضية الجهاد التي اعتبرها البعض المبرر الكافي الدال على عداوة الإسلام لخصومه وسعيه إلى محوهم واستئصالهم، حيث يجيب الأستاذ بأن الجهاد يعد من ضرورات الدولة ومستلزماتها وليس وسيلة إلى حمل الناس على الإسلام، حيث لا توجد دولة مهما صغر حجمها لا تتوفر على
مؤسسة للدفاع العسكري كي تحمي وجودها ولأن امتلاك السلاح قد يكون سببا في إلغاء الحرب لا استدعائها، وأما حديث القرآن عن الجهاد، يقول، هو أشبه بالحديث الذي يلقى في الأكاديميات العسكرية التي تدرس قوانين إعلان الحرب وإنهائها وعقد السلم واستعمال الأسلحة المحرمة وغير المحرمة…وما إلى ذلك.
كما اعتبر من السذاجة توهم أن دولتي الروم والفرس كانتا ستسمحان ببروز الإسلام، وقد سرد العديد من الأحداث والوقائع التي تدل بما لا يترك مجالا للشك على تربص الروم والفرس بالإسلام ومحاولين استغلال أي فرصة لضربه وكسر شوكته.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.