Home»Enseignement»الهدر المدرسي وهدر القيم والثوابت أيهما أهون؟

الهدر المدرسي وهدر القيم والثوابت أيهما أهون؟

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الهدر المدرسي وهدر القيم والثوابت أيهما أهون؟

كثيرا ما يتم التعبير في الوثائق الرسمية لوزارة التربية الوطنية عن الفشل الدراسي بالهدر المدرسي، إلا أن كلا من مصطلحي الفشل والهدر يفتقران إلى الدقة التي تسمح بالتشخيص الدقيق لمكامن الخلل ومن ثم اتخاذ الإجراءات والحلول الملائمة  لتفادي أو لنقل للحد من خطورة النتائج المترتبة عليهما، لهذا لجأتُ إلى لسان العرب الذي أفَدْتُ منه أن الفشل يعني الخيبة وعدم تحقيق ما كان يأمل، ويقال فشِل الشخص إذا تراخى وجبُن، أما فيما يتعلق بالهدر والهدَرُ فهو من فعل هدَر، والهدر والهادر يعني الساقط الباطل، ويقال ذهَب دَمُه هَدَرًا إذا لم يؤخَذ بثأره ولم تُؤدَّ فيه دية، وذهَب سعيُه هَدَرًا أي باطلاً، والهَدَرُ الأَسقاط من النَّاس لا خير فيهم.

انطلاقا من هذه المعاني يمكن القول أن الفشل أو الهدر لا يقتصر على الدراسة، وإنما يَطالُ مجالات حياتية متعددة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الفشل في استثمار الوقت وهدره، والفشل في استغلال مرحلة الشباب وهدرها، والفشل في التصرف في المال وهدره،  وبصفة عامة الفشل في استغلال الفرص المتاحة وإهدارها والتي يمكن أن ندرج ضمنها فرصة التمدرس وإهدارها دون تحقيق الأهداف المتوخاة منها والتي يمكن إجمالها في اكتساب الكفايات والقيم التي تجعل ممن  أنهى دراسته أو على الأقل الجزء الأهم منها  مواطنا صالحا لنفسه ومجتمعه.

 وقد يتبادر إلى الذهن أنه كل ما ارتقى الفرد في مستويات التمدرس إلا وتميزت شخصيته بسمات الصلاح التي يتعين أن تتمظهر في تصرفاته وتحركاته وتوجهاته، مما يمكن معه القول بأن كل من سَلِم من آفة الهدر وتغلب على العوائق التي يمكن أن تتسبب في انقطاعه عن الدراسة، واستطاع أن يُنهي مختلف مراحل دراسته بتفوق، يمكن القول إذن أن هذا الفرد وأمثالُه، لا يمكن إلا أن تَلبِسهم صفة الصلاح لأنفسهم ولمجتمعهم، ليكونوا بذلك أمثلة يُقتدى بها في تحقيق أحلام وآمال الأمة، إلا أن السؤال الذي يتلازم مع هذه الفرضية، هو إلى أي مدى ينطبق هذا على واقعنا المعيش؟

للإجابة على هذا السؤال من موقع غير المختص فإني أنطلق من معاينة هذا الواقع لأستقي منه أمثلة حية تُبين أي الفريقين أصلح، أهُم الذين كانوا ضحية الهدر المدرسي؟ أم هم الذين استطاعوا النجاة منه وأنهوا مسارهم الدراسي بنجاح؟

ففي الفريق الأول نجد أولئك الذين عانوا من مختلف مستويات الهدر، من الأمي الذي لم يلج المدرسة نهائيا، إلى الذي ولجها لكنها لفظته خلال أحد مستويات الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي أو حتى الجامعي، وهؤلاء في الحقيقة هم الذين تتكون منهم القاعدة العريضة لليد العاملة في الفلاحة والبناء والتجارة والصيد البحري والنظافة ومختلف الحِرف والخدمات بمختلف تشعباتها دون الدخول في تفاصيلها، مع العلم أن كل المهن والحرف والخدمات ضرورية للمجتمع ولا يمكن الاستغناء عنها لا كليا ولا جُزئيا. ومن ثم فعلى الرغم من ازدراء البعض لهذه الفئة أو الفئات فإن الخدمات الكثيرة والأساسية التي يقدمونها للبلاد والعباد لا يمكن معها إلا يُصنفوا في خانة المواطنين الصالحين ولو نسبيا.

أما في الفريق الثاني فنجد كل الذين تبوأوا الأدوار الطلائعية في مختلف مجالات الحياة كالطب والهندسة والتعليم والسياسة …وهؤلاء يمكن تصنيفهم على الأقل إلى ثلاث فئات، فئة نَدَبَت نفسها للقيام بكل ما يخدم المصلحة العامة للأمة وعلى رأسها قيمها وثوابتها وهويتها العربية الإسلامية المنصوص عليها في الدستور قولا وفعلا،  فتجدهم يحاضرون ويكتبون ويشاركون في كل عمل أو نشاط يتوخى خير المغرب والمغاربة؛ وفئة اكتفت بالحد الأدنى في أداء واجبها، في الوقت الذي يتعين عليها الالتحاق بالفئة الأولى وتعضيدها  لتوعية المجتمع ومحاربة الظواهر الهدامة الواردة علينا من مشارق الأرض ومغاربها، وفئة ثالثة وهي تلك التي تجمع كل تلك العناصر التي تربت في أحضان الغرب وتشبعت بقيمه خاصة تلك التي لا تتوافق مع قيم المجتمع المغربي المستمدة أساسا من الشريعة الإسلامية، وذلك إما من خلال احتكاكها المباشر معه أثناء فترة دراستهم ببلاد الغرب، أو من خلال عملية الاستلاب والانبهار أو الولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده بحسب تعبير ابن خلدون، وهذه الفئة تعمل بكل ما في وسعها ليل نهار لسلخ المجتمع عن قيمه وثوابته، وخطرها يفوق بكثير خطر أولئك الذين شملهم الهدر المدرسي وأصبحوا يعيشون على هامش المجتمع، ذلك أننا تجد فيهم من ينوب عن الحكومة الفرنسية للدعوة إلى الفرنكوفونية ويصر على إحلال الفرنسية مكان اللغة الوطنية في مختلف المرافق العامة، ومنهم من يدعو إلى العلمانية، ومن خلالها التمكين للإباحية  والمثلية  والفِرق الهدامة، ومنهم من يدعو إلى التخلي عن العربية في التدريس لصالح الدارجة ليفسح المجال للغة مستعمر الأمس، بل ومنهن من تدعو كما ورد أخيرا في مقال على صفحات إحدى الجرائد الإلكترونية إلى إلغاء مؤسسة العدول مصرحة بالحرف بأنه « يستحيل أن تتحقّق المساواة بين النساء والرجال في ظلّ استمرار مؤسسة العُدول » ويا ليتها اكتفت بهذا المطلب بل تجاوزته إلى التطاول عن النص القرآني المتعلق بالإرث حيث قالت كما ورد في المقال « طريقة توزيع الإرث هي من ضمن العوامل التي تساهم في تفقير النساء » وطالبت بإزالة القدسية عن رابطة الزواج ومنهم ومنهم…

وإذا كان الفريق الأول ضحيةً للهدر المدرسي، فإن الفريق الثاني يعمل على فرض نوع آخر من الهدر يمكن أن نطلق عليه اسم « الهدر القيمي » لأنه يروم هدر كل القيم والثوابت التي يقوم عليها المجتمع المغربي والمنصوص عليها في صدر الدستور. وبعودتنا إلى تعريف الهدر في لسان العرب نجده مرتبط بعدم الأخذ بالثأر وعدم أداء الدية، ومن ثم يحق التساؤل عن أي الفريقين يتعين عليه أداء « الدية » وأيهما يُسمح له ب »الأخذ بالثأر »؟

وبما أن الفريق الأول ضحية للهدر المدرسي كما أسلفنا، فإن مغادرته للمدرسة فعل اضطراري وغير قصدي، بحيث أن الذي يغادر المدرسة غالبا ما يكون مرغما على ذلك، بينما « الهدر القيمي » الذي يمارسه الفريق الثاني هو فعل واع وعن سبق إصرار، ومع ذلك فالفريق الأول هو الذي يؤدي « الدية » للفريق الثاني من خلال خدمته في جميع مناحي الحياة، حيث يوفر له الطعام والملبس والمشرب والمسكن من خلال اشتغاله بالمجالات المشار إليها أعلاه، ويتكلف حتى بتخليصه من قمامته وزبالته، بينما الأصل هو أن يُمكنه الفريق الثاني من « ديته » عن الهدر المدرسي أولا ثم عن عمله الدؤوب على هدر قيمه من جهة ثانية، وذلك برجوع هذا الفريق بكل مكوناته السياسية والاقتصادية والثقافية عن غيها وتمكينه من حقه في الحفاظ على ثوابته وقيمه وهويته من جهة، ومن حقه في العيش الكريم الذي يتلاءم  مع حقوق العباد وحقوق الإنسان التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية التي لا تقبل الاستعباد والاسترقاق تحت مسميات الحرية والحقوق الكونية من جهة أخرى، تماشيا مع قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه « متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ »

وختاما أقول قد يهون الهدر المدرسي ولا يهون هدر قيم وثوابت الأمة لأن بدونها لا يمكن أن تقوم للأمة قائمة ما عدى السقوط في أحضان مستعمر الأمس الذي لا يمكن أن يرضى لنا سوى التبعية والمراتب الخلفية في مصاف الأمم.

استعمال مصطلحي « الدية » و »الثأر » استعمال مجازي.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *