Home»National»حب على مقياس الفضاء الأزرق ـ الحلقة الثالثة

حب على مقياس الفضاء الأزرق ـ الحلقة الثالثة

0
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح الادريسي
الحلقة الثالثة:
الشبح الأسود:
أما سامية ،وبعد أن فتحت الشاشة الزرقاء،تغير لونُها تماما.
انه هنا ،في صفحتها يقف أمامها ،ظِلا لا تتبين ملامحَه ،كعادته دائما.
لا تعرف له اسما عدا بعض الرموز التي لا تفهم لها معنى ،والتي تتغير من اطلالة الى أخرى.
وهي تحار من أين يعرفها ،وهي بدون صورتها الحقيقية.
هل هو مريضٌ مغرم بالأقنعة فقط؛أو بصفحات الفتيات ليس الا؟
لكن كلامه دافئٌ ،يخاطب فيها الأنثى، ولا شيء غير الأنثى.
تريد أن ترُد لكنها لا تعرف كيف تخاطب فيه الذكورة، ولا شيء غير الذكورة.
وهو لا يريد ان يسمع منها غير حديث الجسد.
كل قاموسها عبارةٌ عن تسريحات شعر،قفزات شاطئية،ضحكات هستيرية،موسيقى صاخِبة..
لا تعرف الشاب ،من هو ؛لكن كل شيء في خلاياها يعرف ؛لأنها خلايا بيضاء وحمراء فقط؛ولا مكان فيها لخلايا زرقاء،باردة كالثلج.
رغم ظاهرها الأزرق، لكونها من الجيل الأزرق؛ولا خيار لها في هذا.
بماذا تردّ عليه ؟
لا تعرف ،ولا تريد أن تسأل ،حتى لا يضيعَ منها احساس داخلي تتمنى لو يدوم.
احساس المرأة بالرجل كرجل؛احساس حواء بآدم اذ « طفقا يخْصِفان عليهما من ورَق الجنة ».
رغم هذا التيه الأزرق، فهناك شيء ما لا يغرَقُ، ولا يفنى في الأنثى وفي الذكر.
ألم تعد حمامةُ نوح عليه السلام، ببعض الطين في أظافرها؟
اليابسة هنا اليابسة قريبةٌ؛هكذا صرخ كل من بالفلك.
كذلك ،ورغم الطوفان الأزرق، يظل احساس ما، كامِنا في الانسان ،المتحول عن أحاسيسه الطبيعية.
زالت الصُّفرة من وجه سامية تدريجيا ،وهي تُغلق الشاشة.
الحصة الموالية حصةُ التاريخ:
تصوروا حصة التاريخ ،كيف انحط مجدها، حتى دخلت فصلا ليس بينه وبين التاريخ أيُّ رابط.
يتحدث الاستاذ ،لوحده، عن العراق المهاجَم من طرف المغول.
يتحدث عن بغداد ،وكأنها فتاةٌ جميلة مطاردة من طرف وحوش كاسرة ؛ يروي عن مكتبات بغداد حينما دخلتها جيوش المغول،بأقدامهم القذرة ورائحة أجسادهم النتنة،وسيوفُهم تقطُر دما.
يصف كتبَ بغداد، وكأنها شعبٌ كامل يبكي ؛ثم يُهدَرُ كل مدادها في دِجلة .
كل الشاشات الذكية ،بالقسم، مُشَغلة ؛والتلاميذ منصرفون عن هولاكو خان، الى الفيسبوكان؛أليس هذا من هذا؟
ألم يداهم الثاني كل خزاناتنا ،ليس مُهدرا دمها، بل عاصِما كتبَها من الناس.
لا أحد يدخل خزانة ليقرأَ ،وان فعل عُد كائنا خرافيا ،يعيش خارج العصر.
فيسبوكان على وزن هولاكوخان،وكلاهُما قضى على ما قضى.
تحاول سامية أن تنسى شبح الفيسبوك ،لكنها لا تستطيع، فهو هنا ؛حتى في درس الأستاذ .
انه هنا على وشك مهاجمتها وإهدار صَبْرها .
انه هنا تشعر به في خلاياها،التي حافظت على ألوانها الآدمية.
هي تشعر به ،لكنها في نفس، الوقت لا تقوى على الخروج من البحر الأزرق الى الشاطئ ،لتبُثَّ الشمسُ الدفءَ في اوصالها.
ويتشعب الدرس ،كما تتفرق ومضاتُ الشاشات وتتقاطع:
دروس أخرى على هامش درس الأستاذ .
دروسٌ وقواميس وأحلام وآهات ؛كل هذا وراء وراء ،والأستاذ واقف يخطب ،وكأنه طارق بن زياد يوم فتح الأندلس:
أيها الناس اين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم.
كأن الأستاذ يقولها لهؤلاء التلاميذ الغرقى في بحارهم الزرقاء.
ولعله فكر في حرق هذه الهواتف كلها ،كما فعل طارق مع السفن التي اقلت جيوشه الى تراب النصارى.
من أقصى زاوية في القسم يُفسبك مراد لحسناء ،في المقعد الأمامي:
اياك أن تفعليها ثانية ،لقد ضبطتك معجبة بابتسامة أحدهم ؛هل ترينَني مكشِّرا؟
تفسبك حسناء مجيبة:
وأنت ماذا كنت تقول لإحداهن ،وهي في « السيلفي »؛لقد تحادثتما طويلا؛أكيد أن موضوع حديثكما لم يكن الحب القديم المتخلف؛وهنا الخطر.
الخطر في الحب ألصرعة، الذي يدوم دقائق فقط،ويقع فيه ما يقع.
في ركن قصِي ايضا ،يفسبك مصطفى لاحسان في قسم آخر:
نحن في زمن الهجوم على بغداد من طرف المغول؛وأنتم؟
تفسبك ضاحكة:
لا نحن نصيح مع أرخميدس :وجدتها وجدتها. نحسب الوزن والكثافة في درس الفيزياء.
يرد:ومتى تحسبون الخِفة ورقصة الراب؟
ربما، ربما سيحصل.
تومض احدى الصفحات الفيسبوكية وتقول:
في اي جغرافية توجدون؟ نحن نصعد نحو قواعد الفيزياء الكونية.
تتلقى إجابة نحن في العالم الأزرق ،وقوانينه ؛لكن على خلفية من هجمات المغول على العراق.
ينهي الأستاذ درسه فتنطفئ كل الشاشات،وينتهي « الشات ».
ماذا استفدتم يا ابنائي؟
لعلكم تألمتم كثيرا لمداد الكتبِ، وهو يسيل عبر دجلة بغداد؛قصائد ونصوصا أدبية، ومتونا فقهية وسِيرا.
يعم صمتٌ ثقيل القسم.
يرفع أحدهم اصبعه ليجيب.
نعم تفضل يقول الأستاذ:
نعم تألمتُ كثيرا ،لكن ليس لكتب لم يسبق لي أن رايتها ،ولا سمعت عنها،ولا تمنيت ذلك؛ولكن لعطب اصاب هاتفي.
لا عليك يقول الأستاذ ،المهم الألم ،و ها أنت قد تألمت ؛لأن فقدان الألم يعني فقدان الاحساس ،وهذا خطير .
وأنتِ يا لمياء ،هل تألمت لخزانات بغداد؟
تألمت فعلا ،لأنني تصورت لو أن كتبها كانت رقمية ،كما اليوم في الأنترنيت ،لما استطاع المغول اهدار مدادها.
لو كانت مُخزنة في السحاب ،وبحراس من غوغل ،لما حصل لها ما حصل.
نعم هذا ذكاءٌ منك ؛لكن هل يكتب كتبا من هو غارق في الطوفان الأزرق؟
ألا يكون كل همه النجاة من الغرق؟
هذا اذا أحس بكونه يغرق يغرق.
المهم أنكِ فكرت جيدا ،ومن داخل العالم الأزرق؛المهم أن نحافظ على جذوة التفكير؛فالإنسان، بدون تفكير، لا تصنيف له في خلائق الله؛لأن كل الكائنات لها طريقة ما تدبر بها حياتها.
لنواصل النقاش:
ما رأيكم أن يطرح كل واحد منكم سؤالا على غوغل ،له علاقة بهولاكو؛وفي الحصة المقبلة ،يُطلعنا على خلاصة ما توصل اليه من اجابات؟
ايوجد هولاكوحتى في الفيسبوك يا استاذ؟
نعم نعم الفيس ،كما يُطبِق على حاضرنا،يطبق حتى على ماضينا.
دق جرس منتصف النهار.
خرج الجميع،وسالت الشوارع بالتلاميذ العائدين الى منازلهم.
لا ،هذا غير صحيح سالت بالفيسبوكيين؛لأن كل شاشات الهواتف اشتعلت إلا المعطوبة؛ألا تمر العودة الى المنازل عبر الذهاب بعيدا في الفيسبوك؟
ولو لدقائق،ولو اثناء المشي ؛أو ركوبا في السيارات،بالنسبة للبعض.
عائدٌ الى الفيسبوك ،على وزن عائد الى حيفا.
في عائد الى حيفا،محاكمةٌ من غسان كنفاني لمفهوم العودة الى حيفا؛حيث ترك الزوجان سعيد وصفية ابنهما، منذ عشرين عاما،لضرورات الحرب.
هو يرى أن مفهوم العودة لا يُحيل على الماضي فقط؛بل على المستقبل .
العودة الى حيفا هي قضية الانسان الفلسطيني ،وحتى العربي،حين يكون عليه أن يصنع مستقبله.
ماذا ؟ فلسطين ،عرب،قضية ومستقبل. ماهذا الهراء في زمن الرؤوس الزرق.
لا عودة من الفيس الا الى الفيس.
يدوي منبه السيارة فيقفز سامي هلعا؛كاد الفيسبوك يقتله.
لم يكن يقطع الطريق ،كما يبدو؛بل كان يقطع العلاقة مع سامية ،في صفحتها.
لماذ؟
لأنها ضحِكت كثيرا حين ضبطه أستاذ الرياضيات متلبسا بعشق فيسبوكي ،يدوم وقت الفرض فقط.
ضحكت تشفيا ؛لأنه بدَّل تسريحة شعره ارضاءً لليلى.
عد أنت الى حيفا يا كنفاني ،واحرق رجالك في الشمس مرة أخرى.
فلا عودة الا الى الفيس.
حتى العودة الى المنزل ،ماهي الا حاملٌ للعودة الى الفيس.
من يتحدث عن فلسطين؟
نحن، لأن الحنين انغرس في قلوبنا انغراس النخل.
سيان الحنين الى حب زمان ،والحنين الى المفتاح الصدئ ،والباب الخشبية في حيفا.
سيان عند عنترة العبسي القتال والسلم؛لأن عبلة حاضرة فيهما معا.
وما لمعان السيوف الا بعضٌ من ثغرها الباسم.
أن تحن الى حب زمان،الى عروبة الجزيرة ،هو نفسه حنينك الى حيفا ويافا ،وكل فلسطين.
ان لم تحب ليلى ،كما أحبها المجنون،فلن تحب فلسطين، بعيدا مُهاجرا وعائدا لبناء المستقبل.
هذا من ذاك،والا فلماذا يهدم الفيسبوك أركان فكرنا ،كما فعل معنا هولاكو في بغداد؟
هل يخوض الفيسبوك حروبا وهمية ضد الحب؟
هل أنشأ لغته وقواميسه فقط لسواد عيوننا؟
هل شغلنا عن الناس، وعن أنفسنا، فقط لنعشق محيطاته الزرقاء،ونغوص فيها الى القاع؟
يا هذا هل أنت عائد الى المنزل لتناول وجبة الغذاء،أم تكتب كتابا في الفلسفة ؟
انتبه الى طريقك ،حتى لا يضيع منك كلُّ شيء.
وبعد فَسْبكات وفسبكات مضادة ،وصل جميع الطلبة الى منازلهم؛مُنهَكين عِلمًا ؛أما قسم سامي وسامية فقد أفقدهم هولاكو شهية الأكل؛تألموا لسقوط بغداد سنة 1258 .
وماذا عن سقوطها سنة2003؟ لا لا هذا سؤال لا يُشجع عليه الفيس.
حتى أستاذ التاريخ طلب مساءلة غوغل عن هولاكو وليس عن بوش.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *