Home»National»من مظاهر التخلف ابتذال المفاهيم.

من مظاهر التخلف ابتذال المفاهيم.

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

من مظاهر التخلف ابتذال المفاهيم.

هناك مصطلحات وصِفاتٌ توحي بمجرد سماعها بوجوب التقدير والاحترام اتجاه حامليها، من قبيل دكتور وعالم وفيلسوف وأستاذ وباحث وغيرها من المصطلحات والصفات، إلا أنه يُلاحظ أن بعضا من هذه الصفات تفقد مضمونها المثالي من خلال ربطها التدريجي بتصرفات ومواقف عدد من الذين يندرجون تحتها أو المفروض أن يكونوا كذلك،  فبعدما نال المعلم من التبجيل والاحترام ما جعله في وقت من الأوقات قدوة لأفراد المجتمع كله حتى كاد أن يكون رسولا، أصبحت صفة المعلم تحمل مضمونا قدحيا لأسباب متعددة أهمهما تخلي مجموعة من رجال ونساء التعليم عن المبادئ السامية التي تؤطر هذه المهنة التي لا يمكن إلا أن تكون شريفة، وقد أصبح هذا الوصف القدحي ينطبق شيئا فشيئا على جل هذه الصفات خاصة في المجتمعات المتخلفة التي يمكن أن يندرج ضمنها المغرب دون حرج، بحيث لا يمكن أن يُذكر مجال أو قطاع من هذه القطاعات إلا وتمت المبادرة بالقدح فيه من خلال إعطاء أمثلة للتصرفات المشينة وغير المشرفة لبعض المنتمين إليه.

وما يهمنا اليوم هو إلقاء الضوء على صفة الباحث، حيث أن سماع المصطلح يوحي باستفراغ الجهد في موضوع البحث وفي المنهجية المتبعة والأدوات المستعملة، وعدم التسرع في الإدلاء بالنتائج قبل التحقق منها، ومن ثم وجب الأخذ برأيه والعمل به لأنه خبير بدقائق الميدان الذي يبحث فيه، أو هكذا يفترض أن يكون، إلا أن الواقع يفرز من حين لآخر حالات شاذة تزيغ عن القاعدة من خلال ابتذالها لمفهومي الخبرة والبحث واستعمالهما بغرض تمرير مضمون لا يمت لهما بصلة.

وبما أنني لست لا باحث ولا خبيرا، فإني سأكتفي بحالتين ترد لهما مقالات على صفحات إحدى الجرائد الإلكترونية الواسعة الانتشار مع الأسف الشديد.

 الحالة الأولى تتعلق بشخص يختتم مقالاته ب »خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي » همه الوحيد هو التطبيع مع كل ما ينافي قيم المجتمع المغربي وعاداته الإيجابية من خلال النبش في قمامة كل ما هو سلبي ومحاولة إدراجه ضمن الواقع الذي لا يرتفع ومن ثم ضرورة التعامل معه كما هو، وللتمثيل على ذلك يمكن الرجوع إلى إحدى مقالاته بتاريخ 19 يناير 2019 حيث يختزل العلاقة بين الرجل والمرأة في العلاقة الجنسية من خلال دخوله في مقارنات لو كان يعرف معنى للحياء ما ذكرها ولا استشهد بها ولا وصفها بالعلمية وما هي بالعلمية لو كان يولي أدنى تقدير للعلم والتفكير العلمي، ولا استنتج من خلالها بأن المرأة أحق بالتعدد من الرجل. أيمكن لعاقل على وجه الأرض أن يعتبر هذا النوع من الهراء بحثا وخبرة، سوى أنه استغلال لصفتي الباحث والخبير للنصب على الفئات المجتمعية التي لم تُنصفها المدرسة المغربية في أخذ حقها ولو في حده الأدنى من المعرفة والتفكير العلمي الذي يمكِّنها من التصدي لمثل هذه الترهات. لهذا فإني أدعو المسؤولين على الإعلام للوقوف بالمرصاد لكل من ينتحل صفة مهما كانت، خاصة عندما تستَعمل بهدف إرهاب الرأي العام واستمالته بأي شكل من الأشكال، كما أهيب برئاسة الحكومة ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي ما فتئت تتخذ إجراءات حازمة في شأن خطباء زَلَّتْ ألسنتهم بقصد أو غير قصد عن الخطاب الرسمي، أن تواجه كل من يستهدف ثوابت الدين الإسلامي التي أصبحت تُعقد ندوات وتسخر أقلام لتقويضها، بنفس الحزم ونفس العزيمة، وإلا  فإن استباحة الحرمات إذا ما استمرت بنفس الوتيرة ستأتي على الأخضر واليابس، ويومئذ  لا ينفع الندم، كما يتعين حرص الجهات المعنية بتخويل صفة باحث على عدم ابتذال هذه الصفة وعدم تخويلها لأي كان إلا إذا استوفى مجموعة من الشروط العلمية والأخلاقية التي تمنعه من اعتماد الشطط في استعمالها لكونها تمنحه سلطة معنوية تسمح له بالمساهمة في توجيه المجتمع التوجيه الخاطئ.

أما الحالة الثانية فتتعلق بشخص يُصدِّر عناوين مقالاته بباحث مغربي، وهمُّه ضرب كل عمل إحساني وإدراجه ضمن نوع من التواطؤ مع الدولة التي تتملص من توفير حقوق هذه الفئة بما يكفلها لها الدستور، ويستند في قوله هذا إلى رأي من سماهم بالفاعلين المحليين في مرحلة أولى ثم إلى تصريحات رئيس « مرصد دادس » ليصف العمل الإحساني بِدَاء فقدان المناعة الإيدز أو داء فقدان الفعالية المجتمعية. لا أريد أن أناقشه في هذين الرأيين أو ما يشابههما، إلا أني أتساءل في مرحلة أولى عن علاقة المقال بتصدير عنوانه بباحث مغربي وأين يَكمُن مجال البحث في الوقت الذي لجأ فيه إلى استنساخ تصريحات فاعلين محليين مجهولي الهوية، وإلى مسؤول عن جمعية أُطلق عليها اسم مرصد؛ ثم في مرحلة ثانية عن مصدر المصداقية التي جعلته يتبنى أفكار رئيس المرصد ويروج لها بخصوص كيفية إجراء العمل الإحساني، حيث يتعين حسب ما نقله عن رئيس المرصد المشار إليه توجيهه إلى بناء مدارس ومؤسسات تكوينية أو مشاريع مدرة للدخل وعدم الاكتفاء ببناء المساجد التي نعتها بدُورِ العبادة؛ وفي هذا الصدد أقول للسيد الباحث أنه لو كان يعرف معنى هذه الصفة ويحترمها لَعَلِم أن نفس المنطق الذي سمح له بتبني فكرة التواطؤ لدى أولئك الذين يُقدِّمون مساعدات خيرية تقي سكان بعض المناطق لسعات الجوع وقر البرد، ينطبق على بناء المدارس والمساهمة في المشاريع المدرة للدخل، لأن ذلك من مهام الدولة وليس من مهام الأشخاص، ولو كان يعلم أن هذه الصفة تكليفا لا تشريفا لما صدَّر بها عنوان مقال كهذا، وإنما كان عليه أن يَنْزِل إلى الميدان ويتعرف على الاحتياجات الفعلية للساكنة ويُقيِّم مدى تلبية الأنشطة الخيرية والإحسانية لهذه الاحتياجات وخاصة الآنية منها عوض التسرع بوصفها بأنها تعزز ثقافة التسول والاتكالية، كما كان عليه أن يرصد بالأرقام الإمكانات الذاتية والموضوعية للجهة المعنية، واعتمادها في بناء تصور فعال يُشرك جميع الفعاليات على اختلاف مشاربها من أجل النهوض بها وبساكنتها ويكون بذلك عنصرا فاعلا ، عوض اكتفائه بالانتقاد المجاني الذي لا يزيد المشاكل إلا تعقيدا بحيث يضيف إلى المشاكل المرتبطة بقساوة الطبيعة مشكل النعرات العرقية والحزبية والعقدية؛ وإذا تبين له من خلال البحث أن بناء المدارس والمشاريع المدرة للدخل أهم من بناء المساجد وتقديم الأغطية والأغذية فعليه وعلى من معه بالإقدام على تجسيد هذه المشاريع ومن ثم إقناع أهل الإحسان عمليا بصواب نتائج بحثه وخطأ تصورهم للعمل الإحساني، مما يعطي له الحجة والمصداقية لإملاء أفكاره وتصوره عليهم في مجال الإحسان، وإلا فمن الأولى أن يترك جانبا الانتساب إلى ميدان البحث المغربي الذي لا يخلو من أهله الذين إما أنهم مهمشون وإما أن تواضعهم يمنعهم من الظهور. وما عدى هذا فكل من سمح لنفسه أن يحجر على أناس انخرطوا في عمل ما انطلاقا من قناعاتهم الدينية أو الشخصية أو الحزبية ويكتفي بإعطائهم التوجيهات والدروس فيما يصلح وما لا يصلح دون الانخراط الفعلي في تجسيد الأفكار التي يؤمن بها، إنما يعبر عن اختلال وتخلف في تفكيره يُدرِجانه ضمن الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) (سورة الصف) وقوله تعالى: » أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ » ( الآية 44 من سورة البقرة) صدق الله العظيم.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *