Home»National»ما مدى انسجام مدينة وجدة مع تسميتها بعاصمة الثقافة العربية؟

ما مدى انسجام مدينة وجدة مع تسميتها بعاصمة الثقافة العربية؟

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

ما مدى انسجام مدينة وجدة مع وصفها بعاصمة الثقافة العربية؟

من المعلوم أن ما يميز الشخصية السوية والفعالة عن الشخصية المتذبذبة والمهزوزة، هو مدى انسجام قولها مع فعلها، ومعتقداتها مع التجسيد العملي لها على أرض الواقع، وهذه الشخصية يمكن أن تكون شخصية فردية تهم فردا بعينه كما يمكن أن تكون شخصية جماعية يشترك فيها أفرادُ تجمُّعٍ بشري معين سواء كان أسرة أو قرية أو مدينة أو دولة أو أمة؛ ولهذه الشخصية ارتباط وثيق بهوية الكائن المعني تسمو بسموها وتنحط بانحطاطها.

وفي هذا السياق فإن لمدينة وجدة شخصية وهوية لا يمكن أن تنبني مقوماتها إلا على أصول الثقافة العربية لكونها مُنحت صفة مدينة الثقافة العربية، وإلا كان على المسؤولين عدم القبول بهذه الصفة.

 سبب هذا الكلام هي مجموعة من المظاهر المخلة بما ينبغي أن تكون عليه هذه الشخصية، هذه المظاهر التي تتعارض مع الهوية العربية التي تنبني أساسا على التشبث بالعربية لغة في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

 فعندما نرى اعتماد غير العربية في شوارع المدينة على سبيل المثال نجتهد في إيجاد مبررات من قبيل جهل أهلها وانبهارهم بالغرب دون أن نعفي المسؤولين عليها من اتخاذ القرارات اللازمة لحذف كل مظاهر التلوث اللغوي الذي تعج به المدينة، أما حينما يتعلق الأمر بالمجال الثقافي فإن الأمر أكبر من أن توجد له تبريرات سوى تلك التي توحي بالتواطؤ مع الجهات الأجنبية وخاصة الفرنسية منها لإفراغ شخصية وهوية المدينة من مضمونها، وإلباسها هوية هجينة أساسها التضارب والتضاد بين القول والفعل، والتنافر بين المعتقد والعمل حتى ندخل في دائرة المستهدفين فِعليا بقول الله عز وجل في سورة الصف » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ».

 وحتى لا أُتهم بالافتراء أسوق مثال المعرض المغاربي للكتاب الذي نُظم من قبل وكالة جهة الشرق بشراكة مع وزارة الثقافة والاتصال، والوزارة المنتدبة لدى وزير الخارجية والتعاون الدولي المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، وولاية جهة الشرق، ومجلس جهة الشرق، ومجلس جماعة وجدة، والاتحاد المهني للناشرين بالمغرب، والمعهد الفرنسي بالمغرب-وجدة، وأطرح في شأنه الأسئلة التالية:

  • ما الدوافع التي أدت إلى الاقتصار على معرض مغاربي دون معرض عربي في الوقت الذي تعتبر فيه المدينة عاصمة للثقافة العربية؟
  • ما هي الأسباب والدوافع التي أقحمت المعهد الفرنسي بالمغرب – وجدة في هذه التظاهرة بالذات؟
  • ما هي الوسائل المسخرة لتوفير الكتاب العربي الجاد وتيسير اقتنائه؟

هذه عينة من جملة الأسئلة التي يمكن طرحها، والتي نجد إجابتها في الواقع العملي للمعرض، حيث ابتداء من البرنامج الذي كُتب باللغة الفرنسية، ومرورا باستئثار المعهد الفرنسي بفضاء مهم تم تسخيره لتقديم أنشطة للأطفال باللغة الفرنسية خدمة لها وترسيخا لهويتها الثقافية، وانتهاء بضعف وهزالة المضامين المعروضة وارتفاع أثمانها والاقتصار على عرض بعض العناوين دون بيعها، يمكن القول بأن المعرض أساء إلى الثقافة العربية أكثر مما خدمها، فلقد كان على المنظمين للمعرض استثناء المعهد الفرنسي على الأقل احتراما لخصوصية التظاهرة، وتبقى السنة بأكملها مجالا لإجراء أنشطة مشتركة شريطة التزامها بالحد الأدنى من احترام الشخصية والهوية العربيتين للمدينة، كما أنه كان من الممكن إبداء أدنى احترام لهوية المدينة بالتواصل مع جمهورها باستعمال اللغة العربية في برنامجها والتي تعتبر من أهم ركائز الهوية الوطنية كما ينص على ذلك دستور البلاد، وأخيرا كان من المفروض عدم الاقتصار على معرض مغاربي وتنظيم معرض عربي للكتاب يتم فيه توفير العناوين التي تعبر بصدق عن الثقافة العربية وتعمل جاهدة على خدمتها مع تخصيص غلاف مالي يساهم في تخفيض ثمن الكتاب وتيسير اقتنائه من قبل مختلف الفئات إذا كانوا فعلا يريدون خدمة الثقافة العربية من خلال النهوض باللغة العربية واستعمالها الاستعمال السليم، لأنه كما يقول العياشي الدراوي في كتابه سؤال التجديد بين الفلسفة واللغة: « إن أية لغة تتقوى بالاستعمال السليم حتى تسود على غيرها، كما أنها تضعف بالإهمال إلى درجة الانقراض وفسح المجال لغيرها، فتضعف الهوية الموصولة بها والجماعة أو (الأمة) الحاملة لها، مهيئة الظروف لشتى ضروب الاختراق، وصنوف الغزو المعنوي والمادي، والفكري والحضاري » مما نستنتج معه أنه بدون إعطاء العربية مكانتها، لا يمكن لمثل هذا النوع من التظاهرات إلا المساهمة بشكل من الأشكال في إضعافها، مما يؤدي بالضرورة إلى خدمةٍ أكثر لثقافة الغرب والانغماس بشكل أعمق في أحضانها علما أننا  أصبحنا نعاين عددا من تمظهراتها في واقعنا المعيش، حيث يتم تسخير عدد من أبنائنا  لخدمتها وبذل الجهد والوسع لتقويض كل ما يمت لثقافتنا وهويتنا بصلة.

في الأخير أرجو أن تعمل الجهات المعنية قبل انقضاء مدة اعتبار مدينة وجدة مدينة للثقافة العربية على محو كل المظاهر التي تذهب في منحى تقويض الملامح العربية والإسلامية للمدينة، مع تنظيم معرض للكتاب العربي بكل ما يزخر به من تنوع يخدم الاعتزاز باللغة والثقافة العربيتين.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *