Home»National»قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 11 بقلم عمر حيمري

قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 11 بقلم عمر حيمري

0
Shares
PinterestGoogle+

. أقرت زليخة  بما نسب إليها من مراودتها  ليوسف  ، والإقرار كما يقول فقهاء القانون هو سيد الإثبات . إن إقرار زليخة بظلمها وادعائها ظلما على يوسف عليه السلام  – لما حصحص الحق – هو في الواقع سنة وقانون  تجري  على اساسه  في هذا الكون  الحرب  بين الحق والباطل دون انقطاع إلى يوم القيامة وإن تغير القائمون بها والفاعلون لها ولكن تبقى النتيجة  في النهاية هي ، هي نفسها ظهور الحق وانتصاره  وانسحاب  الباطل .

  تأكد الملك من براءة  يوسف عليه السلام  ، وأعجب  بحكمته عليه السلام وبإخلاصه ووفائه  لسيده ، رغم ما تعرض له من إغراءات شهوانية لا يثبت أمامها إلا من رحم الله  ومن تعذيب في السجن بضع  سنين ،  فأراد أن يقربه  إليه  ويستخلصه لنفسه  ويعوضه عن معاناة  السجن  ، خصوصا وأن الملوك والسلاطين وكل حكام الأرض ، هم في أمس الحاجة لمثل هذه النماذج من الرجال المخلصين ، ليقفوا بجانبهم  ويساندوهم ويشدوا من أزرهم  ويشيروا عليهم ويوجهونهم ،  فبهم  يثبت ملكهم وتقوم دولهم ويستقر نظام الحكم  في أرضهم  ، ولا غنى  للحكام عن مثل هؤلاء  وإن كانوا قلة  في أي زمان وأي مكان  [  وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ] ( يوسف آية 54)  فكان  جواب يوسف عليه السلام وبدون أدنى تردد أو تفكير [ اجعلني على خزائن الأرض  إني حفيظ عليم ] ( يوسف آية 55 ) يبدو أن يوسف عليه السلام كان يعلم بحكم  انتمائه للقصر  وإقامته وعيشه  فيه  منذ أن اشتراه عزيز مصر وهو صبي  ، وبحكم قربه من أصحاب القرار والحكام في المملكة  ومعاشرته لهم . أن للملك خزائن عديدة في الأرض ، يخزن فيها الطعام  ويذخره  لوقت الحرب والحاجة  والشدة  ويبدو كذلك ، أنه كان يعلم علم اليقين ، أن الخزنة  والقائمين على  تسيير الاقتصاد  ، كانوا فاسدين وغير مخلصين  ولا  محافظين على الأمانة و لا المهمة التي أوكلت إليهم ،  بل كانوا خائنين  ، وأنه  ربما يكون قد عايش بعضهم في السجن  ، أو في القصر ، وعلم  منهم وعنهم  الشيء  الكثير ، وهذا ما  يحدث في كل زمان  ومكان ،  فغالبا ما يتسرب بعض المفسدين الوصوليين  وخائني الأمانة ، إلى مراكز  القرار  ، فيتحكمون في اقتصاد البلاد وفي أرزاق العباد  ويعيثون في الأرض  فسادا  ودمارا على المستوى الاقتصادي  والإداري والسياسي والاجتماعي . إذن ، لا بد للملك  أو الحاكم  ،  من رجال ثقات أمناء ،  يعتمد عليهم ويوكل إلهم مهمة  تدبير الاقتصاد  وتسيير خزائن الأرض ، ويوسف  عليه السلام يعلم  أهمية هذا المنصب  ، ولذلك لم يتردد ، في قبول طلب الملك  وعرض خدمته عليه ، معززا طلبه بكونه كفئ  مناسب للمنصب  ومحافظ أمين  على خيرات البلاد ،  ولم يكن  من المفسدين  ولا الخائنين ، وله من القدرة والخبرة  ما يكفي للتسيير الإداري ،  كما له العلم بالتسيير  الاقتصادي ، ولا سيما اقتصاد  الأزمات  والنكبات  ، الذي  يصاحب في الغالب فترات الجفاف والقحط  وأيام الحرب .  وكابن البادية  ، كان من الطبيعي ، أن  يكون قد عانى من آثار الجفاف ومن ما كان يسببه  الجفاف من معاناة  ومتاعب له ولقبيلته  ولأهل البادية بصفة عامة ، الشيء الذي  أكسبه  بدون شك ، الكثير من الخبرة  والتجربة  والعلم  بكيفية التعامل مع سنوات الجفاف وآثارها ، ولهذا  تجرأ على طلب الخدمة دون تردد  . فهو  يرى نفسه مؤهلا وقادرا على إخراج أهل مصر من كارثة المجاعة ، التي تنتظرهم والمقبلة عليهم  والتي تنبأ بها  انطلاقا من تأويله  لرؤيا الملك  , عرض يوسف عليه السلام  نفسه على خدمة  الملك ، وهو يعلم أن المناصب مسؤولية  وتكليف  وليست  بتشريف  . إنه لم يطلب  خزائن  الأرض  ليملكها  ويستغلها استغلالا  خاصا ، بل للمحافظة عليها  وتنميتها  وتكثيرها وتوزيعها توزيعا عادلا  لا غبن فيه بين الناس .  إن يوسف عليه السلام بحكم تجربته العيش في مجتمع قبلي بدوي  يساند قانون العبودية ويقدسه  وقد يستعبد الإنسان  في هذا النوع من المجتمعات بشبهة أو تهمة السرقة فقط  أو  بوجود شيء ما ليس له  في حوزته أو بين متاعه  [ قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبن قالوا جزاؤه من وجد في رحله  فهو جزاؤه  كذلك  نجزي  الظالمين  ]  ( يوسف آية 75 ) إذن إن يوسف عليه السلام  كان على بينة  و على علم  ودراية  كاملة  ، بأن  من  يملك  قوت الناس ويتحكم في أسبابه  ملك الناس  واستعبدهم  ثم أذلهم ، ولذلك  فهو يريد الثورة على هذا العرف القبلي الجائر وتحرير الناس منه  ، كما يريد أن يعتقهم  من المفسدين الجاثمين  على رقابهم  والمتسلطين عليهم ، وذلك بتحرير اقتصادهم  وقوتهم  وجعلهم يتحكمون في أرزاقهم بأنفسهم  .

مكن الله ليوسف عليه السلام ، واستجاب له  الملك  فأطلق يده في  أرض  مصر يدير اقتصادها ويسير إدارتها كيف يشاء ، فصارت له اليد العليا  والسلطة الكاملة فيها  ، يفعل ما يريد ويشاء وهذا بفضل الله ورحمته على يوسف ، لأنه كان من المحسنين المومنين الذين  يخافون الله ويتقونه  والله لا يضيع  أجر عباده  الصالحين المحسنين ، بل ما  يدخره الله لهم من أجر وثواب في الآخرة أعظم درجة .  وهذا قانون إلهي يتكرر كذلك عبر الزمان والمكان ،  كلما تكررت نفس الصفات والمعاملات  وتكرر نفس الصلاح في العباد لقوله تعالى : [ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ] ( يوسف آية  56- 57 ) .

ملك يوسف عليه  السلام  مفاتيح مصر وأصبح يقوم على أمرها  الاقتصادي  والتجاري  والإداري وعاد إليه شأن  توزيع الثروة  والصدقة والهدية ، لا ينازعه فيه  ولا عنه أحد ، واضطرت القبائل  بسبب القحط والجفاف  للتمويل من مصر  والاتجار مع يوسف عليه السلام ، فساق الله وهو الغالب وبيده  تدبير الأمر كله إخوة يوسف  إلى مصر لمقايضة بضائعهم بالطعام  ،  كما تفعل القبائل الأخرى ، وهنا تكون المفاجأة  إذ يلتقي الإخوة بيوسف فيعرفهم وهم له منكرون [ جاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ] ( يوسف آية 58 ) وذلك لما طرأ على يوسف من تغيرات في الجسم  والهيئة ، ومن تغير في البنية  ،  وتحول في الجسد ، ومن أثر النعمة والعزة التي بدت عليه  ومن  أثر الجاه والسلطان  الذي ظهر عليه .

 وهنا أطرح سؤالا يبدو لي وجيها ومشروعا وهو : لماذا أخفى سيدنا يوسف عليه السلام شخصيته عن إخوته  ولم يبدها لهم ؟ وكان من باب المنطق  أن يظهر شخصيته لإخوته ويعرفهم على نفسه  ويبادر بسجنهم  والانتقام منهم أو على الأقل يلومهم ويؤنبهم ،  ولكنه لم يفعل ـ إنها أخلاق النبوة العالية ـ  واكتفى بأن طلب منهم أن يحضرا أخا  لهم من أبيهم وهو يعلم  مكانة هذا الأخ من أبيه ، الذي لن يقوى على فراق ابنه  من فرط حبه له ، كما يعلم  أن ذلك سيسبب للأب حزنا كبير وسيذكره  بفقيده  يوسف ، زيادة على ذلك المصاعب والمتاعب  التي ستحصل لإخوته بسب  هذا الشرط  التعجيزي ،  الذي اشترطه يوسف عليه السلام على الإخوة وهو إحضار الأخ  من البادية  ، وكان بالإمكان أن يوفر على الأب والإخوة كل هذه المشقة النفسية والمادية  وتعب السفر ومواجهة  مخاطر الطريق  وآفاتها  . ( يتبع )ر

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *