Home»National»الوعي عملة صعبة ليست في متناول كل شرائح المجتمع

الوعي عملة صعبة ليست في متناول كل شرائح المجتمع

0
Shares
PinterestGoogle+

الوعي عملة صعبة ليست في متناول كل شرائح المجتمع

محمد شركي

الذي دفعني للكتابة  في هذا الموضوع هو أسف وحسرة  بعض الغيارى بسبب عدم استجابة شرائح من المجتمع لدعوات المقاطعة سواء تعلق الأمر بمقاطعة بعض المواد الاستهلاكية بسبب ارتفاع أسعارها أو تعلق  بمقاطعة بعض المهرجانات الفنية بسبب ما يهدر في تنظيمها من أموال كان الأولى أن تصرف فيما يحتاجه المجتمع خصوصا شرائحه الهشة التي تعاني من العوز والمرض  والجهل …

ومعلوم أن هذه المقاطعة عبارة عن مؤشر على وجود وعي في المجتمع . والوعي لغة هو الفهم وسلامة الإدراك ، وهو في علم النفس شعور الإنسان بنفسه وبما يحيط به . ومعلوم أيضا أن قيمة المجتمعات البشرية تقاس بدرجة الوعي السائد فيها. وغالبا ما نتعرض لموضوع الوعي من خلال ما نجريه من مقارنات بين مجتمعنا ومجتمعات أخرى حين نثمن سلوكها و في المقابل نتقد سلوكنا في مواقف معينة، وقد صار هذا دأبنا كل يوم  كلما لاحظنا ما يستوجب النقد فيما يصدر عنا من تصرفات ومواقف غير مقبولة ، وإن كان البعض يتخذ من ذلك مواضيع للتسلية  والهزل والعبث يتقاسمها مع غيره عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يغير ذلك من سلوكهم شيئا ، ودون أن يكون لذلك قيمة مضافة تضاف إلى رصيد وعي مجتمعنا، ذلك أن الاقتصار على سرد تخلفنا مقارنة مع  تقدم وتطورغيرنا  لغاية التندر به لا غير لا يكفي لتحقيق الوعي المنشود.

ومع تقديرنا لشعور أولئك الغيورين الذين تأسفوا لعدم استجابة بعض الشرائح لدعوة مقاطعة بعض المهرجانات في الظرف الاقتصادي الحالي الصعب الذي تمر به البلاد ،وهي أحوج ما تكون لما رصد لتنظيم تلك المهرجانات من أموال من شأنها أن توظف لتغطية مصاريف حاجات ضرورية وملحة تتعلق بالقطاعات الحيوية مثل قطاع الصحة وقطاع التعليم وغيرها ، نقول لهم إن الوعي عملة صعبة ليست في متناول كل شرائح المجتمع .

فلو أننا بحثنا في الشرائح التي تحضر تلك المهرجانات لوجدنا معظمها يفعل ذلك عن طريق التقليد الأعمى أو عن طريق الغياب التام عما يدور في المجتمع ، وما تتداوله الشرائح الواعية التي تحمل هموم المجتمع ، وتصبو إلى إنماء رصيد الوعي الاجتماعي فيه من أجل نقلة نوعية تنتقل بالمجتمع من مستوى ثقافي وحضاري لا يرضي التطلعات إلى مستوى مأمول .وقد يشعر البعض بالأسى والحزن لوجود مثل تلك الشرائح التي لا تعي  نفسها  ولاغيرها ، ولا تميز بين ما ينفعها ويخدمها وبين ما لا طائل وراءه، لكنهم حين يتأملون  جيدا حالها يرون أن الأسى عليها مضيعة للوقت لأنها وإن كانت سوادا وأكثرية فلا فائدة ترجى منها لذاتها قبل أن ترجى لغيرها ،وعليها يصدق قول القائل :  » حفنة من نحل خير من قراب ذباب  » وهو مثل يضرب لعدم جدوى الكثيرغير النافع وفائدة القليل النافع .

ولمن أسف  شديد  الأسف لإقبال تلك الشرائح على المهرجانات ،وهي في أمس الحاجة إلى ما رصد لها من أموال لتطبيبها أو لإطعامها أو لتعلميها… نقول إن وعي القلة الواعية هو الذي يؤرق كثيرا المشرفين والمنظمين لتلك المهرجانات حتى وإن تظاهروا بأنهم راضون بكثرة حضور الشرائح غير الواعية  فيها لأنهم يودون في أعماقهم لو أن الشرائح الواعية تقبل عليها لتكسبها مصداقية  التي يحلمون بها ولم يدركوها بحضور الكثرة غير الواعية .ولا بد من الإشارة إلى أن الوعي لا علاقة له بالمستوى التعليمي لأنه قد يوجد أصحاب مستويات علمية عالية بعلامة صفر في الوعي ، وفي المقابل يوجد من لا مستويات تعليمية لديهم ولكن بعلامات متميزة في الوعي .

ولقد تداولت الشريحة الواعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسخرية واستهزاء ما عمدت إليه الجهات المنظمة لتلك المهرجانات من إغراءات لاستدراج الجمهور لحضورها كرد فعل على مقاطعتها ولإثبات نجاحها المزيف والتمويه المكشوف على فشلها .

ولقد أثبت سلوك المقاطعة سواء المتعلق ببعض المواد الاستهلاكية أو بالمهرجانات، وهو سلوك حضاري راق  لا ينقص من قيمته  الكبرى ما قاله البعض عنه من أصحاب المصالح أن مجتمعنا قد قفز وعيه قفزة نوعية  غير مسبوقة ، ستعقبها إن شاء الله تعالى  قفزات  نوعية أخرى والتي  ستخلق واقعا جديدا من شأنه دفن الماضي المتجاوز على حد تعبير المرحوم عبد الكريم غلاب  في روايته  » دفنا الماضي « .

وإن مقاطعة المهرجانات، وفيها من ضحالة المواد المحسوبة على الفن من يدعو إلى استهجانها لخلوها التام مما يرقى بالأذواق ويهذبها ، تعبر عن وعي كبير ووازن لدى الشريحة المقاطعة التي لم تعد تقبل التخدير أو التنويم لصرفها عما هو أهم وأنفع  ، وما هو أخطر وأدهى ، ذلك أن إلهاء مجتمع يعاني من خصاصة مهولة في شتى المجالات ،لا تشبع المهرجانات جياعه ، ولا تداوي مرضاه ، ولا تغني معوزيه ، ولا ترقى به عن تخلف يعاني منه.

وأخيرا نقول لشريحة الغيارى المقاطعين للمهرجانات لقد حققتم نصرا كبيرا بوعيكم على خصوم و أعداء الوعي الذين يكرسون التخلف  لخلق المناخ المناسب للتمويه على فسادهم وإفسادهم ، ولخدمة مصالحهم ومصالح من يوظفهم لتنويم أو لتخدير المجتمع ، ولتمديد الأوضاع الراهنة  الفاسدة التي لم يعد المجتمع يقبلها أو يطيق الانتظار أكثر لزوالها ، فهنيئا لكم فأنتم حفنة النحل الذي يعطي عسلا فيه شفاء للناس ، فلا تبتئسوا بجراب الذباب الذي يستعذب القذارة  ويتناقلها فيما بينه ، ولا بصنّاع ومنتجي القذارة .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *