Home»National»يحيى عمارة: تجربتنا الشعرية المغربية منفتحة على الفلسفة

يحيى عمارة: تجربتنا الشعرية المغربية منفتحة على الفلسفة

1
Shares
PinterestGoogle+

هند عبدالحليم محفوظ / جريدة الحياة
يحيى عمارة شاعر وناقد، يعمل أستاذاً للأدب العربي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الأول في وجدة (المغرب). يطرح في شعره أسئلة تتراوح بين التأصيل والتحديث، وضرورة أن نكون في علاقة نقدية مع أنفسنا ومع الآخرين ومع الكون والأشياء وهذا هو جوهر الحداثة. أصدر خمسة دواوين هي: «فاكهة الغرباء»، «لن أرقص مع الذئب»، «ترميم المسافات» (ديوان مشترك)، «فوضاي تكتب نثرها»، «لا تقيد يد الورد». ومن كتبه النقدية: «فواكه الشعري والمعرفي»، «الشعر المغربي المعاصر… قضايا وتجارب».

هنا حوار معه:

 ما هي مقومات الإبداعية الشعرية الحداثية… هل هي في الاشتغال على مفاهيم وأنساق تفكك المفهوم الكلاسيكي لشكل الكتابة الشعرية، أم في خلق رؤى جمالية جديدة؟

– الشعر حداثة برؤى وأزمنة مختلفة، وبما أنها تنطلق من تحولات مجتمعية وفكرية وحضارية، فكذلك مفهوم الشعر في ارتباطه بالحداثة، يتحدد انطلاقاً من تجربة الشاعر ورؤيته إلى الأشياء والأكوان والحيوات. من هنا، نعد الحداثة في الشعر تفكيكاً للأدبيات الكلاسيكية وتأسيساً لرؤى جمالية جديدة لم تألفها الذائقة الشعرية العربية بعامة والمغربية بخاصة.

 هل يعني ولعك بالأشكال الشعرية الأكثر تحرراً، عدم شغفك بالأشكال الإبداعية الأخرى كالقصيدة العمودية الحديثة مثلاً؟

– حين أريد أن أعبر شعرياً، لا ألتفت إلى المعنى والمبنى، بقدر ما أسعى إلى قول ما أحس به، مع مراعاة معايير الشعرية وما تسعى إليه الكتابة الجديدة. تأسيساً على ذلك، أحاول أن أرسخ تجربتي في الجمع بين المضمون والشكل من دون استحضار إشكالية التقيد والتحرر في الكتابة الشعرية. أعتقد أن هذه الإشكالية شوشت كثيراً في النقد العربي قديماً وحديثاً جمالياً ومعرفياً وأيديولوجياً. بيد أن هذا لا يعني التخلي نهائياً عن الأشكال الشعرية المتداولة سابقاً والآن، بخاصة الشكل العمودي الخليلي، أو الشكل التفعيلي النازكي/ السيابي/ الصبوري إن صحّ التعبير. بل نحن ننطلق من عنصر حداثي يقول: الحداثة هي أن تكون في عصرك، لا أن تنقل العصور القديمة إلى عصرك، أو تقفز أنت إلى الوراء، وكن شاعراً بالنثر وفق ما يقول بودلير.

 عناوين دواوينك غامضة… فهل الحياة في الشعر غامضة كما في الواقع؟

– تجربتي تعتمد على جعل العنوان مدخلاً رئيساً للبنيات النصية الدلالية والجمالية التي تنطلق منها القصيدة. في صميم السياق، لقد قادتنا التجربة نحو بنى لغوية ودلالية متعارضة مع التقاليد، ومع الموروث الشعري الكلاسيكي، ومع المحاكاة والتكرار، الأمر الذي جعل تجربتنا تنزع إلى الغموض، بوصفه مجالاً خاصاً بالشعر على حد تعبير بول فاليري، وبوصفه صورة جمالية تتأسس على الموقف الآتي من صراع الحياة والحلم، وهنا يحيا الشعر بغموضه، ليس لترسيخه أو للهروب من الحياة، بل لنقل تلك التصدعات والتشققات والثغرات التي تعاني منها نفسية الإنسان في الواقع، ويعبر عنها الشاعر تعبيراً مختلفاً عن السائد، بمعنى أنها تقدم واقعاً من مستوى آخر. وهنا تكمن فاعلية القصيدة في التأثير – أي في تغيير طرقنا المألوفة، في المعرفة وفي الحياة.

 الموت والحزن حاضران في قصائدك… ما مصدر هذا الإحساس بالفقد والخسارة؟

– يقول ديدرو: «الشعراء يولدون بعد الأزمات والمآسي الكبيرة»، والشاعر صديق الفيلسوف، بخاصة إذا كان يتبنى أفكار الحداثة الشعرية، وتتمظهر الصداقة في طرح السؤال أو الأسئلة منبثقة بعد الأزمة والبؤس، نحن جيل كنا نتمنى إخراج الوجود العربي من عنق زجاجة الهزيمة والنكسة والتراجع، لكن خاب ظننا وأصبحنا تائهين في أسئلة وجودية يتبادل فيها الفلسفي والشعري السؤال حول الموت مثلاً الذي أصبح يفرض نفسه علينا، فالتطاحن والصراع وأنواع القتل اليومي والهمجي وبروز تيمة الموت في الحياة اليومية، جعلنا نطرق هذا الموضوع، لأننا نحس بانتمائنا للتيار الوجودي الذي أصبح الموت عند أصحابه من الموضوعات الرئيسية، كما أن الألم البليغ الآتي بسبب الذاكرة الموشومة بالمآسي والهزائم والأوضاع المتردية، لا يمكن الشاعر أن يفر من تيمات الموت والحزن التي قال عنها الشاعر الألماني الكوني يوهان فولفغانغ غوته: «من هذا كله تحوم ذكرى حول قلب لما يزل غامضاً، يحس الحقيقة في أعماقه كما هي دوماً ويتحول وضعه الجديد إلى ألم بليغ». أعتقد أن جوهر الكتابة يعود إلى تجربة الألم، وتجربة الألم تعود إلى سؤال الموت الشائك والمحير.

 وصف هايدغر اللغة بأنها «مأوى الفكر»… ما طبيعة علاقتك باللغة؟ وهل تواكب استعارات الواقع وتناقضاته؟

– تجدد الفكر يقتضي تجديد اللغة. اللغة هي الظاهرة الأولى في كل عمل فني يستخدم الكلمة أداة للتعبير. وهي كل شيء بالنسبة إلى الشاعر، فما يصنع إذا كان لا يحيا لغته. إذا كان لا يحياها ولا يحييها مع نبضات قلبه على حد تعبير الشاعر الناقد العربي يوسف الخال. فالعلاقة الموجودة بيني وبين اللغة هي علاقة كينونة تكاملية، فما أبحث عنه أجده في اللغة، وما تريده اللغة تجده في ذاتي، تلك الذات التي تتكون مني ومن الآخر، وكلانا يحمل تصدعات وتشققات وصراعات وتناقضات.

 هناك حضور للبعد الصوفي في شعرك، فهل هذا ولع بالغوص في الغامض والمجهول أم تجربة روحية منفصلة عن ظاهر الحياة متصلة بباطنها؟

– لا بد أن نشير إلى مسألة معرفية متعلقة بمفهوم الشعر المعاصر، تتمثل في أن الخطاب الصوفي الشعري الفلسفي وليس الممارساتي ساهم في رفع شأن القصيدة العربية المعاصرة، بحيث لا أحد ينكر إبداعات الصوفيين الشعراء والمفكرين في تغيير بنيات اللغة معنى ومبنى من جهة، وعبروا عن قضاياهم ومعاناتهم تعبيراً جديداً لم يعهده المتلقي العربي. من هنا، فالتأثر بلغة الصوفيين وليس بممارساتهم الروحية بالنسبة إلينا ناتج من وجود عنصر الدهشة في اللغة الصوفية التي تفتح دروباً لامتناهية في طَرْق إدراك الكون وتبني عوالم رمزية، إضافة إلى أن اللغة الصوفية تعبر عما كان يعيشه الصوفي من قلق وغربة، غربة عن الواقع والمجتمع والناس وغربة عن النفس، وهذا نراه في رحلة مستمرة ودائمة، وهذا يلتقي مع جوهر الشعر الحداثي الذي يسعى إلى أفق مجهول.

 في ديوانك «فوضاي تكتب نثرها» هناك انتقال بين الشعري والنثري وتنوع للتراكيب والاهتمام بالتصوير الشعري… فهل نجحت في كتابة نصك الخاص بين أبناء جيلك في الأقل؟

– علّمتني ماهية الشعر أن أكتب ما أحس به وأحلم به، شريطة أن أحاول ما أمكن أن أكون شاعراً تحب القصيدة أشعاره وترضى عنه. مفهومي المتواضع للشعر، إنه صورة ولغة وصدق بالمعنى الوجودي والنفسي والجمالي ثم إيقاع ولا أناصر الخليل بن أحمد الفراهيدي في قواعده العروضية المتعلقة بتقييد البحور بالتفاعيل.

 أنت ناقد وأكاديمي… ألا ترى أن النقد العربي يعاني من مشكلة التقوقع في المناهج، بينما الصحيح هو مواكبة النقد للشعر إبداعياً؟

– متفق معك في هذا الاستنتاج، لكنه لا يشمل كل النقد العربي، إذ هناك دراسات نقدية استطاعت الوصول إلى نتائج معرفية وجمالية مرضية، لأن انطلاقتها كانت صائبة، حين ركزت على قراءة النصوص الإبداعية أولاً، ثم القيام بدراستها وتحليلها، والإتيان بالمناهج الملائمة لتلك النصوص. بينما هناك دراسات أخرى تحدثت عن النص الشعري مثلاً من دون سبر أغوار المتن، أو إسقاط مناهج نقدية غربية من دون مراعاة السياقات والأنساق التي ينطلق منها النص المدروس. فالمرجو، من النقود العربية القراءة النصية أولاً، واختيار المنهج الملائم ثانياً، ثم تقديم الحكم النقدي ثالثاً.

 هل استطاعت الجامعة المغربية أن تقدم شيئاً للشعر المغربي ونقده وترجمته؟

– بكل تأكيد، وتاريخ النقد المغربي المعاصر يثبت ذلك. فالنقد الجامعي على المستويات جميعها ساهم في تغيير مفهوم الأدب والفكر والفلسفة وباقي العلوم الإنسانية. فما قام به الدرس الفلسفي الجامعي بريادة الأديب الفيلسوف المغربي الراحل محمد عزيز الحبابي سنوات الستينات في جامعة محمد الخامس أرجع الوعي النقدي إلى الفكر المغربي الذي عرف أوج مراحله مع فيلسوف قرطبة ابن رشد. أما على صعيد النقد الشعري، فالشعراء النقاد الأكاديميون من أمثال محمد السرغيني وأحمد المجاطي ومحمد الخمار الكنوني ومحمد بنيس وعبدالله راجع ومصطفى الشليح وآخرين غير شعراء من أمثال عباس الجراري وأحمد المديني وأحمد الطريسي أعراب ونجيب العوفي وعبدالجليل ناظم كانت لهم اليد الطولى في تأسيس النقد الشعري المعاصر، إضافة إلى خوضهم غمار الترجمة التي كانت مغيبة في الأدب المغربي إبداعاً ونقداً. ويمكن أن أذكر هنا ترجمة إبراهيم الخطيب لكتاب تودوروف «نظرية المنهج الشكلاني»، ومحمد برادة لكتاب رولان بارت «الدرجة الصفر للكتابة»، و «الخطاب الروائي» لميخائيل باختين. ولن ننسى طبعاً المترجم المغربي الكبير للشعر الأوربي الراحل مصطفى القصري الذي قام بترجمة دواوين شعراء الحداثة الفرنسية شارل بودلير «أزهار الألم»، سان جون بيرس «رياح»، بول فاليري «نرجس».

 هناك اتهام للشعرية المغربية بأنها مفرطة في الذاتية. لماذا لا يستفيد الشاعر المغربي من مرجعياته الثقافية المتنوعة سواء كانت عربية أم غربية وأن يستلهم التراث ليبدع عالماً يتجلى من خلاله؟

– منذ أن نطق الإنسان شعراً، وهو مرتبط بالذات. فلا شعر من دون استحضار الذات. لأن القصائد تختلف باختلاف الذوات. وصيغة الذات هنا منفتحة على الفرد والجماعة. فالشعر المغربي لا يخرج عن هذا التعريف بخاصة في سنوات الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، أما بعد ذلك، فأظن أن انفتاح الشاعر المغربي على مرجعيات فكرية وفلسفية وأدبية عالمية، إضافة إلى تراثه المتنوع جعل شعره يحمل خصوصيات يصعب ذكرها في هذا الحوار. وإذا أردنا أن نشير إلى تجربتنا المتواضعة، فنحن نركز على الجمع بين المحلي والقطري والكوني والإنساني عموماً.

 هذه الذات التي تعنى بها في شعرك؛ هل هي المنطلق أم المآل؟

– هي الشعر والشاعر والعالم، في البدء كانت الكلمة، وفي الوسط عاش الشاعر، وفي النهاية عانق الشعرُ والشاعرُ معاً العالمَ. وبعد الكلمة والشعر والشاعر والعالم، تبقى الذات منتشرة بينهم، هي الوجود واللسان والأفق.

 ماذا عن قصائد المناسبات التي يرى كثر من الشعراء والنقاد أنها قتل للشعر ونظم لا روح فيه؟

– لا بد هنا، أن نحدد المغزى من مصطلح قصائد المناسبات، لكي نقدم رأينا. فإذا كان المقصود من المصطلح المدح والفخر والتكسب، فأعتقد أن هذه الأغراض قد ولى زمنها واندثر. لكن، إذا كان المصطلح محدداً في التأثر بأحداث ومشاهد وذكريات أليمة، فليس عيباً أن يكون الشاعر مناسباتياً، شريطة أن يحافظ على ماهية الشعر، لأن الذات الشاعرة إذا لم تستطع أن تنخرط في التعبير عن الألم الجماعي والإنساني فهي ذات جوفاء.

 لماذا لم تفكر في اقتحام مجال إبداعي آخر غير الشعر؟

– إذا طردني الشعر من كوكبه متأثراً بنظرية أفلاطون في جمهوريته، فسأطلب اللجوء بكل ما أملك إلى مجال إبداعي آخر، من دون أن أتخلى عن رفيق الحياة، رغم إصداره قرار الطرد.
المصدر : جريدة الحياة

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *