Home»National»ذكريات استاذ متقاعد : غواية في ،، عبلة،،

ذكريات استاذ متقاعد : غواية في ،، عبلة،،

0
Shares
PinterestGoogle+

كان أحد الفيضانات الاستثنائية أواسط الستينات من القرن الماضي إيذانا بانتهاء علاقتنا ب،،ثاغزوث،،على ضفة نهر زا.
لقد دمر الفيضان السد التقليدي بشكل يتعذر تجديده يومئذ ،مما حكم بالموت البطيء على جنان فاتنة كانت تحتضننا في موعد سنوي متوارث.
انقطعت صلتي بذلك المكان الذي رأيت فيه النور وتحول تاريخ بأكمله الى ذكريات أليمة لم تستطع الايام محوها.
مرت عقود عديدة، ثم شاءت الأقدار أن تلتقي الرغبة بيني وبين أحد ابناء أخي ونحن نزور مسقط الراس في إحياء الصلة مع،، ثاغزوث،،التي لم يسبق له أن زارها.
قررنا أن نسافر الى هناك على ظهر دابتين بعدما حملنا الزاد بنية المبيت هناك.
كان رفيقي متشوقا للوصول الى أرض الأجداد السقوية التي سمع عن ماضيها المشرق ، بينما كنت أوطد النفس على تقبل واقع يختلف عما عهدته في الماضي في البعيد.
كان أخي الاكبر رحمه الله قد سلم ما تبقى من أرضنا الى امراة تقيم بالجوار بدون مقابل يذكر باستثناء الحفاظ على مجموعة من شجر البطم والكهف الذي شقه والدنا رحمه الله قبيل وفاته، أما الأشجار المثمرة المتنوعة ، فقد تولى الجفاف إبادتها تدريجيا حتى أصبحت في ذمة التاريخ.
كان علينا أن نقطع حوالي عشرين كم لم نشعر خلالها بأدنى نصب لأنني كنت طوال الرحلة أعرف رفيقي بالأماكن والأحداث المرتبطة بها عندما كنا نقوم برحلتي الصيف والخريف السنويتين ذات زمان.
تقع أرضنا على الضفة الأخرى للنهر، فلما صرنا على أمتار من هذا الشريان الذي نالت الأجيال المتعاقبة من عطائه،فوجئت بالممر السلس الذي كنا نسلكه في الماضي قد تحول بعوامل التعرية الى جرف لم نتجاوزه الا بمشقة بالغة.
ولما اقتربنا من الضفة الاخرى، كانت المعالم قد اختفت تماما ، وفي مقدمتها القنطرة التي كانت تسمح لنا بتجاوز احدى السواقي، حيث تطلب منا الامر أن نجاري النهر حتى وجدنا مكانا يسمح بالمرور.
اختفت الحدود الفاصلة بين الممتلكات وتحول المكان الى فضاء مشاع لا أثر فيه لمئات الأشجار التي كنت احفظها عن ظهر قلب ، لكن صدمتي كانت أقوى حين توجهت الى المكان الذي كنا نبني فيه خيمتنا بمحاذاة حزام من فاكهة الصبار من جهة الشمال، بينما تظللها شجرة بطم شامخة وبقربها أشجار تين من كل الأنواع.
لم تصمد الا شجرة البطم، أما ما سواها فقد تحول الى رسم درس !
تركنا الدابتين هناك، ودعوت مرافقي الى جولة استكشافية كان من الصعب علي خلالها أن أجد دليلا ماديا على ما كنت اصفه خلال الطريق، فقد غابت المعالم بعدما غاب الماء عن الساقية التي تحولت الى مجرد بصمات لحياة انتهت الى غير رجعة.
وحده الكهف ظل صامدا يحدث بالخدمات التي أسداها لعابري السبيل وزوار المكان الذين كان يوفر لهم الدفء في فصل البرد.
في الربوة التي تشرف على ضفتي النهر، مازال جزء من مسجد،، سيدي جبريل،، قائما يتوسطه منبر شيد بالحجارة والخشب، وكان معقلا للعبادة والدرس، لأن كثيرا من أسلافنا كانوا من حملة كتاب الله.
أنهينا الجولة التفقدية ب،، أجحفون،،وهو عبارة عن مرتفع شاهق أقام فيه بعض أقاربنا بيوتا من الحجارة والطين كانوا يأوون اليها خلال إقامتهم العابرة بالمكان.
ما إن شعرت المرأة التي تشرف على ارضنا بوجودنا، حتى دعتنا لتناول الشاي ففعلنا.
لقد دعتنا لقضاء الليل في ضيافتها لكننا اعتذرنا لأننا كنا مصممين على المبيت في مكان مناسب يقع عليه اختيارنا.
عندما عدنا الى راحلتينا، انتابني شعور غريب سرعان ما تحول الى مغص حاد فأخبرت مرافقي بأنني لن أبيت هنا مهما كان الثمن،ذلك أن التغير الذي لحق بأرضنا وما كانت تختزنه من خيرات قد أصابني بصدمة داخلية لم اعد معها قادرا على رؤية ما ءالت اليه الأحوال.
قفلنا راجعين بعد الظهر بعدما غيرنا طريقنا نسبيا، حيث قررت أن نسير بجانب النهر حتى نختصر المسافة ونظل قريبين من الماء لا سيما وأننا سنمر بجانب عين شهيرة تعرف ب،، ثيط انواربيشا،،.
كنا قد دخلنا دوحة من نبات القصب عندما اخترقنا موكب من الفتيات في طريقهن لجلب الماء على ظهور الدواب.
كن في عجلة من أمرهن ، ولذلك لم يبدين أدنى اهتمام بوجودنا.
اختفى أثر الساقيات،وفجأة نبهني مرافقي الى امر مثير، ذلك أن شخصا كان في الضفة الأخرى يلوح بعمامته من فتحة بيت مهجور يقع بمنطقة،،عبلة،،وهي أرض في ملك اشخاص من دوار،، إبلخيرن،،وتشتهر ،،عبلة،، بالنفق الذي شقه رجل عصامي حتى أوصل اليها الماء.
كانت،، عبلة،، قد عرفت ذات المصير الذي لقيته أرضنا، لذلك هجرها أهلها وتركوا هناك بيوتا تقليدية ينعق فيها البوم والغربان.
ظل صاحب العمامة يلوح ونحن لا نفهم شيئا الى أن رمق مرافقي فتاة قد شقت النهر ، ثم صارت تمشي على اربع في إحدى الشعاب المؤدية الى جوار البيت الذي اصبح معمورا للضرورة فجأة!
إنه ،،قيس،،زمانه كان على موعد مع ،، ليلى،، التي لم تعذبه كثيرا، بل لقد بلغت بها الصبابة أن تتحمل عناء الوصول على أربع الى هذا الذي اكتفى بدور دليل السفن !
تركنا المشهد في طريقه الى التشكل، بينما حال الشوق دون شعور العشيقين بوجودنا لأن الفرصة قد لا تتكرر!
لم نكن لنغادر النهر دون أن ننال نصيبنا، لذلك ما إن توارينا عن مكان قيس وليلاه حتى هبت عاصفة رملية جعلتنا نركب دابتينا بالمقلوب لاتقاء حبات الرمل التي لم يسلم منها جزء من أجسامنا!
كان حادث الغواية في حرمة ،، عبلة،، مثيرا، لكنه لم يكن بالحدث الجلل، ذلك أن من ميزة الأماكن السقوية انها تيسر الوصال بين العشاق بحكم الأنشطة الكثيفة التي يقوم بها الجنسان مما يسمح باللقاء والتماس، ناهيك عن الأجواء الرومانسية التي توفرها الجنان والعرصات.
عندما كنا نعيد تشكيل لقاء العشيقين بعدما هدأت العاصفة وصححنا جلستنا على ظهر الدابتين، تذكرت احدى مرويات الأجداد التي لا أعرف سندها، وهي أن الشمس قد أقسمت بأن تدخل الأماكن التي يعشش فيها الفساد، وهكذا خمنت أن تكون غواية ،، عبلة،، ومثيلاتها سببا في الخراب الذي لحق بالمكان كما حدث في،،ثادشيرث،،بملكونة،،حيث يروى أن الخراب الذي حل بها إنما كان نتيجة الفواحش التي حصلت هناك في فترة من التاريخ، كما حصلت في أماك أخرى، والله وحده أعلم.
*تمت هذه الرحلة قبل عدة سنوات، اي قبل تشييد سد لغراس بكثير.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *