Home»National»مسؤولية تهميش اللغة العربية بين الحكومة والبرلمان

مسؤولية تهميش اللغة العربية بين الحكومة والبرلمان

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم الله الرحمن الرحيم

مسؤولية تهميش اللغة العربية بين الحكومة والبرلمان

بعد تتبعي لجلسة الأسئلة الشفهية الموجهة لرئيس الحكومة بتاريخ 05/02/2018 حول آفاق وإصلاح منظومة التربية والتكوين، حاولتُ التركيز على الأهمية التي يوليها ممثلو الأمة من جهة والحكومة ممثلة في شخص الوزير الأول من جهة أخرى للغات بصفة عامة وللغة العربية بصفة خاصة، لعلي أستجمع بعض المؤشرات التي تسمح بفك رموز التخبط الحاصل في التعامل مع لغة التدريس الذي يتأرجح بين التعريب والفرنسة رسميا والدارجة و »العرنسة » التي تُعتمد عمليا في تدريس جل المواد عموما وفي تدريس المواد العلمية بشكل خاص، وسجلت ما يلي:

الأسئلة الثلاثة التي تقدم بها على التوالي كل من فرق ومجموعة الأغلبية، وفريق الأصالة والمعاصرة ثم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية للسيد رئيس الحكومة لم تتضمن أية تساؤل حول دور لغة التدريس واللغات الأخرى في عملية الإصلاح المرتقبة.

إجابة السيد رئيس الحكومة على هذه الأسئلة والتي كانت عبارة عن تقديم مشروع القانون الإطار رقم 51-17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، تضمنت محورا يتعلق بتطوير النموذج البيداغوجي وتحسين جودة التربية والتكوين، أورد من خلاله أن المخطط التنفيذي لقطاع التربية الوطنية 2017-2021 حدد جملة من الإجراءات التي من شأنها الرقي بالوظائف الأساسية للمدرسة وتحسين جودة المنظومة، أَقْتَطِفُ منها ما يتعلق باللغات والمتمثل في تنزيل الهندسة اللغوية الجديدة ودعم التمكن من اللغات، حيث أوضح السيد الوزير أن الوزارة عملت في هذا الإطار برسم الموسم الدراسي الحالي 2017-2018 على:

تحسين الكفايات الأساس لتلاميذ الابتدائي من خلال العمل على تطوير تدريس اللغة العربية، والأمازيغية واعتماد المنهج الشفوي بالنسبة للغة الفرنسية في بداية تدريسها، والعمل على الإدراج المبكر للغة الإنجليزية.
مواصلة تعزيز المهارات القرائية باللغة العربية وتطوير تدريس اللغة الفرنسية، وإدراج المصطلحات في الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض بالإعدادي.
توسيع العرض بالمسالك الدولية في الثانويات التأهيلية المغربية لتشمل 57% من الثانويات التأهيلية.
توسيع العرض لمسلك البكالوريا المهنية في الثانويات التأهيلية ليصل العدد الإجمالي لهذه المسالك 21 مسلكا في السنوات الثلاث المقبلة

وفي إطار التعقيب على مداخلة السيد الوزير الأول أثارت انتباهي ثلاثة تدخلات وهي على التوالي:

1/ تدخل السيد أبو زيد من حزب العدالة والتنمية الذي أولى الموضوع أهمية بالغة حيث وصف الحكامة اللغوية في شقها اللغوي بحكامة الحكامات، موضحا أن الإنسان لا يبدع خارج لغته، ولا يمكن أن يحافظ على هويته الحضارية وفاعليته الإنتاجية مع تهميش لغته الوطنية واحتقارها لصالح لغة المستعمر، وأضاف أن توالي سياسات مُرتَبِكة وفاشلة يحكمها منطقُ التمكين للهيمنة اللغوية الاستعمارية من خلال اعتماد مسميات من قبيل التنوع اللغوي، وتحويل الأمر الواقع للموروث الاستعماري إلى مكسب، ليعمل بعد ذلك على إبراز زيف وكذب المُسَمَّيَيْنِ، حيث أوضح أن السياسة التي تم نهجها مع لغة المستعمر الإسباني تُبرز بوضوح هذا الزيف، حيث لو كان هناك إيمان بالتنوع اللغوي لتم الإبقاء على نفوذ اللغة الإسبانية، مع العلم أنها أوسع انتشارا من اللغة الفرنسية، والمؤسف هو أن محو الوجود اللغوي الإسباني في الشمال والجنوب المغربيين على امتداد نصف قرن من الزمن لم يكن لصالح اللغات الوطنية وإنما لصالح لغة المستعمر الفرنسي. وقد أدى التمكين للغة الفرنسية إلى ضعف إنتاجنا في حركة الترجمة بسبب غياب إمكانية الاستعمال، ذلك أن الترجمة تنشط في البلاد التي تعتمد لغتها في التدريس والإدارة والاقتصاد والإعلام وهي المجالات الحيوية لممارسة السيادة الحضارية وتأهيل الطاقات المعنوية للأمة، بينما التمكين للغة أجنبية وتدليلها والتوسيع المستمر لمجال نفوذها تحت مسميات الانفتاح وتشجيع تعلم اللغات الأجنبية يؤدي إلى استهلاك منتوج الترجمة المنجز في تلك اللغة، مع الدعم الاقتصادي الهائل لمقاولة الترجمة الفرنكوفونية على حساب خبرة مكبوحة ومتجاهَلة للترجمة وفق مقتضيات الهوية اللغوية.

وأَرْجَعَ السيد أبوزيد إعاقة التوجه السليم نحو القرار السليم في هذا المجال إلى وجود لوبي لغوي استلابي يتمظهر في:

الاستمرار في إقبار أكاديمية محمد السادس للغة العربية بعد مضي خمسة عشر عاما على صدور قانونها المؤسس.
التراجع إلى الفرنسية في التعليم الثانوي بالمواد العلمية مع إبقاء الجامعات مُحصنة ضد الهوية اللغوية الوطنية.
المسارعة إلى إعادة نشر التعليم الفرنسي من الأول ابتدائي إلى البكالوريا الفرنسية.
السرعة والنجاعة في اتخاذ القرارات التي تخدم الفرنسية مقابل مجرد النوايا الحسنة تجاه العربية والأمازيغية، مستدلا على ذلك بتضمن ما سمي برنامج العمل لوزارة التربية الوطنية الذي صدر منذ شهور قليلة أربعة عشر إجراءً عمليا وقابلا للتطبيق لصالح اللغة الفرنسية، أحد عشر منها سَيُطبَّق خلال هذه السنة الدراسية، مقابل أربعة إجراءات للغة العربية وثلاثة للإنجليزية وصفر للأمازيغية، مع العلم أن ما يتعلق بالعربية والإنجليزية عبارة عن عموميات غير مدرجة في جدول زمني وغير قابلة للتطبيق.

وفي نهاية تدخله أبى إلا أن يؤكد على أن الأخطر من كل هذه التطورات المتلاحقة منذ الاستقلال هو امتدادها إلى المجال العام حيث أن الالتقاط السيء لهذه الإشارات السلبية الممكنة للفرنسية أدى إلى دفع النخبة بأبنائها إلى المعاهد الأجنبية خوفا على مستقبلهم، ومسارعة القطاع الخاص إلى المزايدة على هذه المعاهد في مزيد من التغريب الشامل لغة وثقافة وسلوكا وعقلية، حيث يُدفع الطفل منذ الروض الأول إلى التكلم بالفرنسية لاعتبار الرطانة بالفرنسية علامة للتحضر وضمانة للمستقبل، حتى لَيَقتُلُ الآباء أنفسهم قتلا إنفاقا بل واستدانة بما لا يطاق من التكاليف لتغطية نفقات جشع التغريب الإرادي الذي اعتبرَهُ مفارقة سريالية مع المدارس الخاصة التي أنشأتها الحركة الوطنية إبان الاستعمار، والتي كان هدفها حماية الهوية الوطنية ومواجهة التغول الثقافي واللغوي للاستعمار، كما أدى الالتقاط الخطأ لهذه التوجهات اللغوية الاستعمارية إلى بلوغ الهزيمة النفسية مداها بعد ستين سنة من الاستقلال لقطاعات عريضة من أبناء الوطن، أثمرت سلوكيات غريبة من قبيل كتابة شعارات الشركات والمنشآت التجارية في الفضاء العام بلغة المستعمر، والأدهى هو أنك تجد في مناطق نائية منقطعة لا يزورها أي فرنسي مهما طال الزمن كتابة coiffeur وTailleur عوض حلاق وخياط، دون أن يُكرههم أحد على ذلك، لا قانون ولا دين ولا شرع إلا العرف القاهر المتمثل في التوهم بأن الرواج والمستقبل والتحضر لا يكون إلا بلغة المستعمر.

2/ تدخل ممثل الفريق الاستقلالي الذي أكد بدوره على أن المدخل الوحيد للتقدم والتنمية هو تعليم وطني يتسم بالجودة والنجاعة معتبرا أن اللغة العربية هي من الأعمدة الأساسية التي يُبنى عليها التعليم، وتساءل عن سبب التشبث باللغة الفرنسية، لغة المستعمر، على الرغم من تواجدها في الرتبة السادسة عشر على المستوى العلمي والتكنولوجي، مشيرا إلى أن معظم الدول الناطقة بالفرنسية هي متخلفة ( ولعه يعني الدول الإفريقية التي اعتنقت الفرنسية لغة رسمية لها)، ومن ثم فإن كان لا بد من اعتماد لغة أجنبية كان من الأولى اعتماد الإنجليزية أو لغة أخرى من اللغات الحية التي تنتج التكنولوجيا في العالم.

وللبرهنة على صلاحية اللغة العربية أورد أمثلة لمجموعة من الدول التي اعتمدت في رقيها على لغاتها الوطنية، كما استشهد بتصريحات المفتشين التربويين الذي واكبوا عملية التعريب في الثمانينات من القرن الماضي التي مفادها أن عملية التحصيل كانت أحسن بالعربية منه بالفرنسية.

وقد أنهى تعقيبه بتذكير السيد رئيس الحكومة بمرجعيته (التي يفهم أنها عربية إسلامية) وتحذيره بأن عدم الرجوع إلى العربية يعني بالضرورة عدم مراوحة الوضع الحالي.

3/ تدخل ممثلة الفريق الاشتراكي التي ركزت على أن قضية التعليم قضية مركزية، مشيرة أن كل مضامين البرنامج الذي عرضه السيد الوزير الأول مأخوذة من الرؤيا الاستراتيجية التي حظيت بتوافق جميع المكونات السياسية والنقابية المتواجدة في المجلس الأعلى للتربية والتكوين، مضيفة أن هناك من النواب من صادق على محور المناهج والبرامج الذي يضم مسألة اللغات لتَخْلُص بذلك أن جلسة اليوم ليست جلسة للترافع حول المسألة اللغوية؟ وإنما يتعين التركيز على مراجعة جذرية للبرامج والمناهج لكونها تكرس لدى التلميذ صورة دونية لذاته وللمرأة ولمحيطه ولمجتمعه.

وإذا كان تأكيدها على ضرورة التمكن من اللغات الحية واللغات الأجنبية واضحا لكونها تفتح حسب تعبيرها الباب على مصراعيه لإنتاج المعرفة والفكر والتنافسية في المجالين الصناعي والتكنولوجي، فإن موقفها من مكانة اللغة العربية ومن كيفية التمكن الفعلي من لغاتنا الأساسية يبقى غير مفهوم أو لنقل يميل إلى الطرح الحكومي.

وفي تدخله الذي رد فيه على تعقيبات مختلف المتدخلين، كان من المنتظر أن يعطي السيد رئيس الحكومة أجوبة واضحة وشافية لمختلف الإشكالات المطروحة، وهو ما لا يفهم من كلامه الذي خُتمت به الجلسة حيث ورد فيه ما معناه:

الحكومة شرعت في تطبيق الرؤيا الاستراتيجية فورا حتى قبل صدور القانون الإطار وستلتزم بالرؤيا الاستراتيجية حتى وإن لم يصدر هذا القانون!!!
اللغة العربية واللغة الأمازيغية لغتين رسميتين ستكون لهما المكانة القوية!!!
بالنسبة للغة الإنجليزية هناك العمل على تعميمها على مستويات التعليم التأهيلي (وهو أمر موجود حسب علمي) وسيتم الشروع في إدخالها في الإعدادي (وهو أمر موجود كذلك) على أن يتم تعميمها سنة بعد سنة.
وجود قرار في شأن إلزامية تعلم اللغة الإنجليزية على مستوى سلك الدكتوراه.
تعلم اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية يجب ألَّا َيضُرَّ بتعلم العربية والأمازيغية ويجب أن تبقى مكانتهما محفوظة!!!.
وبخصوص أكاديمية محمد السادس للغة العربية فقد أخلى مسؤوليته فيما مضى من الزمن، فيما قيد النظر في الوضع الجديد بصدور قانون المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

من خلال ما سلف ومن خلال تدخل السيد مصطفى الشاوي من التيار الديموقراطي الذي لم يتطرق في مداخلته إلى مسألة اللغة، لكنه أبدى استغرابه لكون الأغلبية والمعارضة متفقة ومتوافقة في المجلس الأعلى، في الوقت الذي يُزايد فيه البعض على البعض الآخر، نخلص إلى أحد الأمرين:

إما أن مجمل أعضاء المؤسسة التشريعية، إذا ما صح تصريح السيد مصطفى الشاوي، متواطئون مع الحكومة في تمرير الإصلاح، وبالتالي فكل ما قيل في الجلسة عبارة عن تمثيلية تتقاسم الأحزاب أدوارها لتخدير الشعب وإيهامه بالدفاع عن لغته وهويته وقيمه.
وإما أن اللوبي الذي تكلم عنه السيد أبو زيد له من القوة والنفوذ ما يجعله قادرا على التحكم في البرلمان والحكومة معا، ولعل هذا الافتراض هو الذي يسمح بتفسير عدم عمل السيد الوزير الأول على مسايرة المدافعين عن اللغة العربية من أمثال الفريق الاستقلالي والسيد أبو زيد خاصة وأن هذا الأخير من نفس حزب السيد الوزير.

خلاصة القول أن الحكومة الحالية على غرار سابقاتها سائرة عمليا في سياسة الفرنسة والترامي في حضون الفرنكوفونية في إطار وضع يتسم بالهزيمة النفسية لشرائح متعددة من المجتمع كما أوضح ذلك السيد أبو زيد، حتى إذا زار الرئيس الفرنسي البرلمان المغربي حق له أن يقول لأعضائه كما قال لأعضاء البرلمان التونسي قبل أيام بأن الفرنسية لغة المغاربة ويتمنى لهم أن يحملوها لأنها جزء منهم ومن اختياراتهم التاريخية. ومن ثم علينا ألا نستغرب إذا استفقنا يوما ودستورنا ينص على أن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للبلاد.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.