Home»Enseignement»زمن تكوين أطر هيئة التعليم بين المغرب والنمور الآسيوية (مقارنة سُريالية)

زمن تكوين أطر هيئة التعليم بين المغرب والنمور الآسيوية (مقارنة سُريالية)

1
Shares
PinterestGoogle+

سعيـد عبيـد
بين يدي الفجـوة
بعد الاعتراف الملكي بفشل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أخذت أعناق الباحثين الصادقين تتوجه إلى نماذج بعيدة، بدل الاختناق الذي سببه الانحصار في النموذج الفرنكوفوني. في هذا الإطار ضمّنَ المركز المغربي للظرفية (CMC) نشرتَه الشهرية للعدد 297 الأخير تقريرا يوصي المغرب باحتذاء حذوِ النمور الآسيوية (سنغفورة وهونغ كونغ وتايوان وكوريا الجنوبية) في إعداد نموذجه التنموي، واستلهام مساراتها الناجحة المتقدمة، مُنوِّها بها، وكذا بالصين واليابان، بعد أن أصبحت تعرف بالمعجزة الاقتصادية، لما حققته من معدلات نمو اقتصادية كبيرة شبيهة بوثبة النمور، نقلتها من الهشاشة والفقر إلى تصدُّر دول العالم المتقدم اقتصاديا.
وقد ذكر التقرير « تعزيز جودة التكوين » باعتباره مدخلا رئيسا لتحقيق التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الثقة في سوق الشغل، علاوة على مدخليْ « تقوية القطاعات الدينامية مقابل الحد من توسع القطاعات غير المهيكلة، مع مكافحة الفساد »، وكذا « اعتماد سياسات فعالة في تحسين التنسيق القطاعي والتماسك الأفقي ».
وغني عن التذكير أمران: أولهما أن الوثبة التنموية الهائلة للنمور الآسيوية ما كان لها أن تتحقق لولا عنايتها البالغة بتقوية نظم تعليمها، وثانيهما أن هذه الدول الخمس التي تُعرف بإنفاقها السخي على التعليم من باب الارتقاء بمواطنيها، قد تصدَّرت لائحة دول العالم في نتائج قياسات « بيزا » (PISA) (البرنامج الدولي لتقييم الطلبة) و »تيمس » (TIMSS) (اتجاهات الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم)، وهما القياسان الأشهران عالميا على الإطلاق في تناول جودة برامج ومناهج ومخرجات التعليم في كافة دول العالم؛ مما جعلها تصبح نقطة استقطاب تعليمية لدول الجوار، بل وللدول الأوربية التي تأخر ترتيبها عنها، وكذا مَصدر إلهام لها، حيث عمدت بعض الدول الغربية – مثلا – إلى اعتماد المنهاج السنغفوري المتقدم في تدريس الرياضيات على سبيل التخصيص.
وإذا كان التقرير المذكور في بداية المقال يدعو المغرب إلى الرقي بتجربته إلى مطاولة الكبار، مما لا يمكن أن يكون مَدخلُه إلا تعليميا محضا، فإن قاطرة تعليمنا – في الواقع – تسير في الاتجاه المخالف لهذا التصور تمام الخلاف. ولنقف مع تكوين أطر هيئة التعليم باعتباره أولى ركائز النهوض بتعليم مهيض الجناح لا يمكن أن تَجبُر كسرَه إلا أطر مكونة تكوينا جيدا يؤهلها لذلك، تماما كما يُؤهل تكوين جيدٌ في ميكانيك الطائرات التقنيَّ المتخصصَ لجَبر كَسور أجنحة الطيارات، وإصلاح أعطابها، بدقة وكفاءة وفعالية وجودة عاليات.
سنوات من التكوين الأساس مقابل بضعة أيام من « التكوين المستمـر »!
مهنة التعليم في دول النمور الآسيوية مهنة جليلة القدر، تحتضنها ثقافة اجتماعية توليها كثيرا من الاحترام والتقدير، وظروف العمل فيها مريحة للغاية، وضامنة لاحتياجات المعلم المستمرة من الدورات التكوينية اللازمة، لذلك فالطلب على هذه المهنة كثير، والمنافسة حولها شديدة، رغم أن مسار التكوين المؤهِّل لها طويلٌ زمنًا، وقاسٍ محتوًى.
ففي سنغفورة يتولى المعهد الوطني للتعليم التابع للجامعة بإعداد معلمي الطورين الابتدائي والثانوي (بنوعيْه الأدنى والأعلى) في تكوين أساسٍ يستمر أربعَ (4) سنين تامة، مقابل حولين كامليْن (2) لطور ما قبل المدرسة (رياض الأطفال)، ثم يتم انتقاء المؤهَّلين لمزاولة وظيفة التعليم من ضمن المحصورين في لائحة الـ 30% الأوائل بعد امتحانات التقويم النهائية، لاجتياز مباراة توظيف تستهدف قياس كفايتهم المعرفية، وقدراتهم على الابتكار والتجديد، وحوافزهم لممارسة أشرف المهن، طبعا مع الكفاية التواصلية. هذا وتجدر الإشارة إلى أن الترقية في سلم الأجور محددة بحسب معايير مضبوطة تراعي قدرات الأداء وتطور الإنجاز المهني في المستقبل، من خلال إنجاز تداريب مهنية معتمدة كل بضع سنين، تتوج بشهادات تسمح بالترقية.
أما في كوريا الجنوبية فأساتذة المرحلة الابتدائية والثانوية يتلقون تكوينا بدوامٍ كامل لمدته أربع (4) سنوات، وقد تتجاوزها عند الاقتضاء، بالنسبة لمعلمي الابتدائي في كليات التربية، وعددها 13، وبالنسبة لمعلمي الثانوي في المعاهد الجامعية العليا، مقابل عامين (2) لأساتذة التعليم قبل المدرسي. وبعد التكوين يجتاز جميع المتخرجين اختبار « TET » (أي اختبار توظيف المعلِّمين)، يتلقى عقبه الحاصلون على نقط دون المستوى تكوينا إضافيا.
ولا تشذُّ تايوان (تايْبي الصينية) عن جاريْها في متانة تكوين المعلمين، إذ يستغرق الأمر بالنسبة لكل الفئات، من أطر تعليم ما قبل المدرسة إلى أطر التعليم الثانوي، أربع (4) سنوات على حد سواء، وبدوام كامل، (بين 128 و148 ساعة تكوين)، فقط بفارقِ أنه يتم تكوين معلمي المرحلة الابتدائية في معاهد تكوين المعلمين، ومعلمي الثانوي في الجامعات الحكومية. وبعدها يخضع الجميع لفترة تدريب تقدَّر بستة أشهر، يُمنَحون عقِبها شهادة التأهيل التربوي التي تسمح لهم باجتياز مباراة التوظيف الحكومية. أما هونغ كونغ فتكوين المعلمين فيها أقسى، وأكثر تفصيلا بحسب الفئات، وأنواعُه مختلفة بحسب درجة التمكن من المعارف والمهارات المطلوبة، وشروط التوظيف فيها أشد صرامة، مع حرص شديد على الدورات التكوين المستمر، والتدريب المهني التطويري. ويتم التكوين في معاهد التربية والتعليم الثلاثة التابعة للجامعة.
الكارثة المرتقبـة
لا تُسعف هذه المعلومات الزمنية السريعة المؤلمة المرءَ ليتمادى في تناول معطيات كافة مكونات المنهاج التربوي بين دَولة مُلقاةٍ في ذيل الأمم بحسب الترتيب الدولي لجودة التعليم الذي يصدره منتدى كافوس (احتل المغرب المرتبة 110)، ودول تحتل الصدارة العالمية وفق الترتيب التالي: 1- سنغفورة. 2- هونغ كونغ. 3 – كوريا الجنوبية. 4- تايوان مع اليابان، لأن ذلك كفيل بأن يُرسله ووعيَه الشقيَّ إلى مستشفى الأمراض العقلية، لذلك ارتأيت الاقتصارَ على مدة تكوين المعلمين التي لا شك أنها الوعاء الزمني الأساسُ الحاضن لبذرة الجودة التي ستتفتق أغصانها في كافة مناحي الأداء التربوي المراد تحقيقه.
وإذا كنا اليوم نشتكي من وُشوك انهيار التعليم الوطني، ونحن نعلم أن النسبة الغالبة من أطره إلى حدود ما قبل العاميْن الماضيين (أي قبل التوظيف بالتعاقد) قد خضعت لتكوين أساسٍ مدته سنة تكوينية، وزادتْ المدة لدى فئة من معلمي السلك الابتدائي إلى سنتيْن، ولدى بعض الفئات – وهي قليلة – إلى أكثر من تكوين (مدرسة المعلمين + المدرسة العليا للأساتذة، أو المدرسة العليا للأساتذة + سلك التبريز)، فما عساه سيكون انتظارُنا في المستقبل القريب حتى لا نقول البعيد من أطر غير مؤهَّلة البتة، ولم تخضع لأي تكوين أساس، اللهم إلا بضع سويعات في بضعة أيام، تعداداها خمسة وثلاثون ألف (35000) أستاذ متعاقد، أصبحوا يُشكلون رُبُع العاملين بوظيفة التعليم، مما يشكِّل واحدة من أكبر الجرائم شناعة في حق تاريخ التعليم الوطني؟ لا شك البتة أن المستقبَل المنظور قريبا سيكون كارثيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وهو ما أكَّده المجلس الأعلى للتعليم قبل أيام، على لسان مديرة الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي فيه، حين أبانت – وكأنه اكتشاف بينما هو من بدائه الأشياء – أن المجلس وصل إلى تسجيل ضعف أداء تلاميذ الأساتذة الذين لم يتلقوا تكوينا… وهو ما قد يؤدّي إلى انهيار شامل للتعليم العمومي، مقابل استيلاء التعليم الخاص على واحد من أهم حقوق المواطن الرئيسة، ليبيعه إياها كسلعةٍ مؤدًّى عنها، مستغلا الفراغ الذي سيحدثه ذلك الانهيار ليبني « مجدَ » استثماراته على أنقاضه، لا سيما أننا أصبحنا نسمع مؤخرا عن « جدّية » الدولة في فرض دفتر تحملات على القطاع الخاص ينص – من بين ما ينص عليه – بصفة خاصة على تأهيل المدارس الخاصة لأطرها التعليمية!! وهذه كلمة حق يُراد منها ترجيح كفة التعليم الخاص الذي ظل يقتات على أطر وزارة التربية الوطنية لعقود طوال حتى تقوَّى ساقاهُ كافة عضلاته، على حساب كفة التعليم العمومي؛ وإلا فأي منطق هذا الذي يسمح بهدْم تكوين أطر التعليم العمومي، وبالمقابل تعزيز تأهيل أطر التعليم البِزْنِسيِّ؟!
التخبط… أثمة نهاية للنفـق؟
تتخبط السياسة الحكومية بخصوص تكوين أطر وزارة التربية الوطنية منذ إنشاء المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين سنة 2011، بشكل مُريب ومثير للشكوك. فلقد كانت من قبلُ مراكزُ تكوين المعلمين والمراكز التربوية الجهوية والمدارس العليا للأساتذة تؤدي مهامها بشكل قارٍّ ومنضبط في تكوين المعلمين والأساتذة طيلة عقود، غير أنها ما إن ورثت المراكز الجهوية المُحْدَثة المهام عنها، وبشكل مطوَّر وموسَّع، حتى أصابها الشلل شبه التام، أو – على الأصحِّ – الإشلالُ شبه التام، بكل ما تحمله هاته الكلمة من معنى فِعل الفاعل، بِنِية القصد والعمد! وهكذا أصبحت الوزارة التي تملك وحدة مركزية لتكوين الأطر في حيص بيص من أمرها، في كل مرة تقدّم رؤية ما عن سياسة تكوين الأطر التعليمية، سرعان ما تَنسَخها برؤية أخرى، لتقدّم رؤية ثالثة، ثم تنقض غزلها في الحين، مما يدل على ضبابية تصوّرها، وأنها لم تكن تملك رؤية قائمة على مشروعية مجتمعية بعيدة المدى منذ البداية، مما قد لا يعني أن إنشاء المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين نفسه كان خطأ تاريخيا فحسب، ولكنه يعني كذلك أن تلك « الوحدة المركزية لتكوين الأطر » قد أصبحت عالة على مؤسسات الوزارة المركزية، وعقبة في طريق تكوين أطر التعليم، ووحدة بلا وظيفة ولا معنى، لا سيما بعد إيقاف التكوين الأساس في المراكز منذ ثلاث سنين عجاف – وأسجل هنا الكذب الصراح لمسؤول وزاري صرّح أن التكوين الأساس بالمراكز لن يتوقَف، وأن توظيف المتعاقدين مباشرة ما جاء إلا استثنائيا لسد الخصاص! – و »تفويت » التوظيف بالتعاقد و »تكوين » المتعاقدين الذي سمَّوه كذبا وتدليسا بـ »التكوين المستمر » إلى الأكاديميات الجهوية، وبالتالي فإنْ لم يكن من الواجب الوطني محاسبة كل من تسبب في هذا الخبط العشوائي في سياسة التكوين، تخطيطا وتنزيلا، فإنه من الواجب الملحِّ الآن حلُّ تلك الوحدة، إذ لم يبق داعٍ لها على الإطلاق.
لا شك أن القارئ قد لاحظ أن كل التكوينات الأساسية والمستمرة التي تستهدف المعلمين في دول النمور الآسيوية المذكورة إنما تتم في رحاب كليات التربية والجامعات الوطنية، أو في معاهد تابعة لها، وهذه إشارة قوية إلى من يعنيهم أمر التكوين الحقيقي في البلاد، بأنَّ تكوينا ملائما لتطلعات الوطن إلى التقدم العلمي والازدهار لا يمكنه أن يتم إلا في رحاب الجامعة، ليس بهدف قطع الطريق إلى حَرم هذا الرُّكن الأساس في المنظومة التربوية أمام من لا يستطيع حتى تخطيطَ دورة تكوينية يتيمة، ويتلعثم بشكل فاضح حتى في التهييء لبضعة أيام من « تكوين المتعاقدين »، كل موسم بحجم وشكل مختلفين، وحينما يتفتق ذهنه عن أكثر المبادرات الخلاقة عبقريةً يقترح تكوين عشرين ألف متعاقد في خمسة أشهر « تكوينا » نظريا » بحتا، ليتعلَّموا في الموسم الدراسي المقبل الحلاقة في أيتام التعليم العام! وليس كذلك لقطع الطريق على لصوص المال العام من مخصصات المدرسة العمومية، والذين يسعون بدافع استفادتهم الحالية لإبقاء الوضع على ما هو عليه، وإنما لأن الأمر أصبح ضرورة وجود أو عدم، فوق أرض لا ترحم الدول المتخلفة التي لا تملك أطرَها، وبأطرها تملك أرزاقها، وتحت شمس لا تلمع لمن ارتضى أذيال التراتيب.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. عبدو العمارتي
    01/02/2018 at 00:27

    اللهم امنحنا مكونين من طينة مكوني النمور والاسود ووو

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *