Home»National»قليل من الإنصاف في حق الجماعات الترابية المغربية

قليل من الإنصاف في حق الجماعات الترابية المغربية

0
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي
لقد كثر الحديث مؤخرا عن بعض حالات الفساد التي تنبعث من الجماعات الترابية، ومن الملحقات الإدارية تحديدا، وأنا أبحث عن هذا الموضوع في أرشيف الجرائد المغربية وفي الشبكة العنكبوتية  وحتى في  الحوارات التي تجريها بعض القنوات مع المواطنين وهي تسألهم عن الرشوة وسبل تخليق الحياة الإدارية، أصابني الذهول والحيرة، حين وجدت الجميع يشير بأصابع الاتهام ويحصر الرشاوي والفساد الإداري والمالي في الملحقات الإدارية والمصالح الجماعية.
ومما أدهشني أن أجد القناة الثانية  في أحد برامجها المباشرة معنا، أي « مباشرة معكم »، وهي تقدم موضوعا حول استراتيجية محاربة الفساد، لم تجد أمامها سوى وزير الوظيفة العمومية لتسأله عن الرشاوي بعدما قامت بتهيئ  صحفيين جيء بهم خصيصا ليجلدوا ظهر موظفي الإدارة العمومية ويرمونهم  بما شاءوا من أوصاف، كأن إدارته هي الإدارة الوحيدة المعنية بهذا الموضوع؟
كما عثرت على تسجيل بالصوت والصورة لإشهار بالرسوم المتحركة لشركة أو شخص ما، سمى نفسه  » سيمو راي  » عرض فيه خطة المسؤولين الأمنيين الجريئة في اصطياد المرتشين، وأنهم كلفوا أجهزة خاصة مجهزة بأدوات تصنت ولها قدرات عالية في ضبط المرتشين، وما على المواطن الذي تعرض للابتزاز إلا أن يخبر الجهات المعنية، وسوف يجد هذه الفرق المبدعة تحت تصرفه.
ومن غريب الأمور أن هذا الإشهار لم يجد أمامه إدارة تصلح لتطبيق النموذج وضرب المثال سوى الجماعات الترابية، إذ يحكي الشريط عن مواطن يدخل إلى مبنى قد كتب في مدخله  « المقاطعة الحضرية الأولى » يوم كانت تسمى مقاطعة، أما الآن فاسمها « الملحقة الإدارية »، يتعرض هذا المواطن، كما في الشريط، لنوع من الابتزاز وقد عومل باستهتار، حيث تخلص منه الموظف بقوله: (سير واجي حتى الأسبوع الماجي) فخرج المواطن غاضبا وهو يقول: (حسبي الله ونعم الوكيل) وبالصدفة يلتقي بصديق له فيحكي له ما جرى، فأرشده هذا الصديق إلى الرقم الأخضر الذي وضعته الدولة حتى تقضي على مثل هذه السلوكات، وفعلا ذاك ما فعل، فجاءت الأجهزة بسيارتها المظلمة، أي بدون نوافذ، التي تشبه سيارات ال FBI والمجهزة بأجهزة التصنت وكاميرات، ووضع (سيناريو محكم) باتفاق مع المواطن ليتم ضبط الموظف متلبسا في حالة رشوة  ليتم في الأخير اقتياده مكبل اليدين بالأصفاد الحديدية.
ليس هذا فحسب، بل  حتى التلاميذ في المدارس، عندما يبدع خيالهم الواسع وتجود عقولهم بمسرحيات محاربة الرشوة، لا يجدون أمامهم أية إدارة أخرى يصنعون لها « ماكيت » من  أجل صناعة الجريمة بالفرجة سوى المقاطعات، تماما كما فعل تلاميذ إعدادية بني انصار بالناظور؟
وتساءلت حينها قائلا: ما هذا؟ وهل كتب على الوظيفة العمومية أن تكون دائما قميص عثمان، أو ذئب يوسف، أو المشجاب الوحيد الذي يصلح لتعليق عباءات الفساد والارتشاء؟ ألا يوجد فساد ورشاوي في باقي الإدارات كالمحاكم، ومخافر الشرطة،  والجمارك، والمصحات والمستشفيات، والمحافظات العقارية، والقباضات ودور الضرائب، والمكاتب الخاصة بالماء والكهرباء والسيارات والجوازات ورخص السياقة وبالخطوط الجوية، ألم نسمع عن شواهد جامعية عليا سلمت بالرشاوي، ألم يتم ضبط اختلاس الأموال من العديد من المؤسسات المالية؟ ألم يتم نهب أموال صندوق الضمان الاجتماعي وصندوق التعاونيات الفلاحية وقرض الفلاحي والسياحي، ألم تتبخر 40 مليار درهم في برنامج تعليمي استعجالي اسمه يدل عليه؟ ألا تشتكي العديد من الشركات من مشكلة  « دهن السير يسير » التي تجعل منافسيها يحصلون  على صفقات في مختلف المجالات؟ ألا تمر جل الصفقات الخاصة  بأكبر الأوراش  تحت الطاولات؟ وأثناء الولائم الفاخرة في المساحات خارج المدن وعلى جنبات الطرق الوطنية والسيارة؟
وقلت حينها متسائلا: ما الذي جعل الجماعات الترابية حائطا قصيرا يمكن أن يتخطاه كل من أراد أن يتحدث عن الفساد الإداري والرشاوي؟
ثم إنني أنظر إلى حالي وحال وأصدقائي كموظفين فأقول: أكل ما نقوم به من أعمال جبارة في هذه الإدارة، وما نقدمه من آلاف الخدمات اليومية للمواطن، وما نقوم به من تضحيات ومعاملات حضارية راقية للساكنة، وما نفعله من إرشادات وتوجيهات يومية متكررة على مدار السنة، وكل تلك الأخلاق والألطاف والود والترحاب والمرح والنشاط الدائب والهم اليومي الذي نحمله عن كل زائر حتى يكون المواطن في أفضل حال وأروع مقام خدمة وأولوية وإتقانا. فنتلطف مع المسن ونرحب بالعجوز ونجلسها اعتبارا لسنها، ونضحك المهموم، ونخفف عن المصاب والمكلوم فنقدم له تعازينا الحارة قبل الإجراءات مراعاة لحاله، وتوقيرا لمقامه، ونوجه التائه، ونقابل الأمي الجاهل بكثير من الصبر و الشرح والتفصيل، ندون له الطلبات ونكتب له المراسلات والشكايات، وفي الأخير نخبره أننا لا نريد منه جزاء  ولا شكورا، فشكره يكفينا وإن لم يفعل فربنا عنه وعن غيره يغنينا.
وغير هذا أضعاف مضاعفة، مما لا يستطيع أن يتخيله أحد، لأن الأغلبية الساحقة من الموظفين لا يريدون إلا أن يشرفوا إدارتهم ويرفعوا اسمها عاليا كإدارة تعتبر هي القلب النابض في الوطن، فمن الممكن أن يعيش المواطن ردحا من الزمن وينقضي أجله دون أن يطأ بقدمه محكمة أو شرطة أو قباضة أو وزارة أو مصحة أو … ولكن من المستحيل ألا يدخل ملحقة إدارية أو جماعة .
إن ارتباط المواطن بهذه الإدارة هو ارتباط عمري، يطأها قبل أن يولد، لأن أباه وأمه من هنا تسلما الوثائق اللازمة لصناعة البطائق الوطنية للتعريف، وشواهد الخطوبة أو العزوبة قبل الزواج، أي من هنا تسلما النسخ الكاملة أو الموجزة، وبمجرد أن يولد سيسجل هنا بأيدينا، ونحن من سيوقع له أهم وثيقة في البلاد كلها وثيقة تعتبر هي من تحسم في الانتماء لهذا الوطن، وتزويرها أو تغييرها يعد مسا بأمن الدولة، من هنا من إدارتنا تسلم هذه الوثيقة، إنها عقد الازدياد. ولن يدخل مدرسة أو جامعة أو يجري مباراة أو يلتحق بعمل، أو يبني منزلا، أو يبيع أو يشتري سيارة، أو يحصل على إرث، دون إذن وتوقيع منا،  فعلاقة إدارتنا بهذا المواطن مستمرة أبدية، حيث لا تنتهي حتى بوفاته، لأننا نحن من سيظل يذكره ويذكره لأننا نحن من يقدم شهادة الوفاة لأبنائه وأحفاده وأسباطه.
أكل هذا وأكثر بكثير مما لا يحصى ولا يعد، وأجد العالم لا ينظر إلينا إلا باعتبارنا مرتشين مفسدين؟
صحيح أن منا خونة للوطن والدين، ولكن لا يمكن أن نتحدث إلا عن خونتنا دون الإشارة إلى الخونة المتواجدين في كل إدارة ووزارة ومؤسسة.
فإن كانت هناك من حلول لمعالجة العديد من الإختلالات التي تعيشها الإدارة المغربية ككل فهي حلول لا يمكن أن تخرج عن إطار المعالجة الشاملة التي تطال جميع الإدارات والمؤسسات، كما تطال الهيئات في أعلى هرم للسلط إلى البواب والحارس، من جهة، ومن جهة أخرى ليس من العدل أن نتحدث عن موظف وقع في سقطة أو فضيحة فنحوله إلى شجرة تخفي الغابة، ونترك الحديث عن آلاف الموظفين الذين يقدمون باستماتة آلاف الخدمات يوميا بشكل نزيه ومعتبر يعبر عن أسمى وأرقى معاني الوطنية وحب الوطن.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.