Home»National»خطيب جمعة يلقي خطبته نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

خطيب جمعة يلقي خطبته نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
في بداية خطبته، وجه الخطيب إخبارا لكافة الحاضرين بأنه يلقي الخطبة من فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونيابة عنه صلى الله عليه وسلم، وأن الخطبة ستكون بمناسبة عيد الاستقلال، وتحديدا، حول الوطن والوطنية.
وهكذا راح السيد الخطيب يتحدث نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخطبة لا علاقة لها بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أو أقره.
وفي البداية لابد من التوضيح بأن الحديث بالنيابة عن رسول الله معناه أن الخطيب سيكتفي بذكر الآيات القرآنية الكريمة وبأحاديثه عليه الصلاة والسلام الصحيحة. وأنه لن يضيف من عنده شيئا، أو يجتهد في فهم، أو يقوم بتحليل من تلقاء ذاته، على اعتبار أن الإسلام دين الله وقدر الله وهو كامل تام وشامل. ولكن الناس في فهمهم له مجتهدون، ولقد وقع الخلاف في مسائل شتى منذ عهد الصحابة، كما اختلف أهل العلم والراسخون فيه. ولهذا فالقول بالنيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه نوع من الجرأة الزائدة، وحتى لو كان الخطيب عالما عارفا فلن يجرأ على القول بالنيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
وقد رأينا من علمائنا الأجلاء، قديما وحديثا، رغم علمهم ورغم يقينهم في القول في المسائل، أن يذيلوا حديثهم بقولهم:  » والله أعلم ». خوفا من أن يكون قد وقع لهم سهو ما فيكونون قد قالوا على الله ورسوله ما لم يرده الله ورسوله لعباده.
بل إن علماءنا قد ذهبوا أبعد من ذلك فتحدثوا عن رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالألفاظ والمعاني، واشترطوا شروطا منها أن يكون العالم، ونلاحظ هنا أنهم يتحدثون عن العالم، على دراية بمواقع الخطاب ومعاني الألفاظ، وأجمعوا أنه لا يجوز للجاهل بمعنى الكلام ومواقع الخطاب والمحتمل منه وغير المحتمل، كما اشترطوا عدم تغير المعنى بتغير اللفظ.
وكان أحدهم، ورعا، إذا نطق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتعد فرائسه، خوفا من أن ينطق الواو فاء أو الفاء واوا.
فما بالك إذا كان الخطيب حدث السن، غض العود، لم يثني الركب ويقوس الظهر في طلب العلم، أن يقول بكل جرأة: « إني أتحدث نيابة عن رسول الله » ويلقي كلامه محللا ومجتهدا بالشكل الذي يراه هو، وحتى من باب التحرز أن لا يقول ذلك، لأنه قد يجتهد فيخطئ، أو تخونه العبارات فيقول ما لا يقصده، أو ينحرف انحراف مرجع اعتمده له قول في الدين مجانب للصواب وبعيد عما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين.
فخطيبنا قد اعتبر الذين يتلقون الرشاوي، والذين يدعون إلى إدخال الدارجة في التعليم، وصاحب كتاب « الأسطورة »، ومن سار على شاكلتهم هم أعداء للوطن وأعداء للدين وأعداء لأمير المومنين الملك محمد السادس نصره الله.
ولم يقف السيد الخطيب عند هذا الحد، وإنما زاد من عنده توظيف الآية القرآنية في معرض حديثه عن هؤلاء وهي قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض )
كما اعتبر اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي يجب اعتمادها في هذا الوطن، وهذا جهل بالدستور المغربي، كما هو إيقاظ لفتنة على اعتبار أن العديد من المومنين والطلبة الذين يصلون وراءه في هذا المسجد ويحضرون خطبه، أمازيغ، وسيغضبهم إقصاء اللغة الأمازيغية التي اتفق المغاربة على أنها ثاني لغة أو في هذا الوطن، وقد تمت دسترها لأول مرة في المغرب في دستور 2011.
وبكل هذه الجرأة يخوض خطيبنا حربا ضروسا، المجتمع المغربي في غنى عنها، ليختم بدعاء أول ما جاء فيه قوله « اللهم اجمع شمل هذه البلاد » فمن أين يأتي جمع شمل هذه البلاد وأنت سيدي لم تترك أحدا أخطأ في اجتهاد أو لم يصب في تقديره للأشياء، أو انحرف بسلوكه وأخذ رشوة، أو لم يحسن التعامل مع المواطنين في إدارته، أن تجعله عدوا لله ورسوله ولهذا الوطن والدين وملك البلاد.
فالدين الإسلامي يعرف كيف يتعامل مع المذنبين والمنحرفين، وبشكل حضاري راقي جدا، دون كسر ولا إخراج من الملة أو الاتهامات المجانية بالعداء لله ورسوله وللوطن وللأمير، وهو الأمر الذي لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد وقع في محظور، كما لم يقله للغامدية التي وقعت في أخطر الكبائر ورغم ذلك تعامل معها بما هو أولى الرحمة والإحالة على التوجه إلى الله بالتوبة والإنابة، وهي التي قال فيها، بعدما نطق الصحابة بما لا يجمل في حقها من قول،:  » لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم »
وهو الذي عندما جيء برجل ليجلد في الخمر، وهي أم الخبائث، لثالث مرة، فقال بعض الصحابة: « يلعنه الله كم يؤتى به فيجلد » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  » لا تلعنوا أخاكم أما إني علمت أنه يحب الله ورسوله » والحديث في البخاري.
وكذا فعل الصحابة وفعل التابعون ومن تبعهم، وهذا سعد بن أبي وقاص، بطل القادسية، يعلم أن أحد جنوده وهو أبو محجن الثقفي، على اعتبار أن أبا محجن قد خرج بنية الجهاد ضد الفرس وقد أخذ زاده ومتاعه، ولكنه لم ينس أن يحمل خمرا دسها في متاعه، فوسوس له الشيطان وانزوى في مكان وشربها، فغضب سعد بن أبي وقاس غضبا شديدا، لكنه لم يعتبره عدوا لله ورسوله، ولا خان الدين والملة والأمير، وهو الذي لما رأى خيل المجاهدين أنشد يقول:
كفى حزنا أن تدخل الخيل في القنا وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت مصاريع دوني تصم المناديا
ولما وجد أبو محجن مخرجا لوضعه حبا في الجهاد امتطى البلقاء فرس سعد، وأخذ رمحا، وسار كلما مال على القوم إلا هزمهم، وكانت النتيجة أن قال سعد بن أبي وقاص: « والله لن أجلد اليوم رجلا أبلى للمسلمين ما أبلى لهم » وكان الرد طبيعيا من أبي محجن إذ قال: فوالله لن أشربها بعد اليوم أبدا » وماذا كانت ستكون النتيجة لو أننا اعتبرنا أبا محجن خائنا للوطن والدين لأنه شرب الخمر أثناء الحرب مع العدو؟
وقصة الإمام الشافعي مع الفتى الذي حبسه المحافظ أشهر من نار على علم.
إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم تلامذته الذين تخرجوا من المدرسة المحمدية الفريدة من نوعها، والذين تعلموا فيها أنهم دعاة يركزون على الخير الموجود في الناس، ويتعاملون مع المخطئين بالحسنى والرفق والاستدراج للتوبة لإصلاح الأمر، لا إلى التشهير، كما أنهم لم يكونوا قضاة يحكمون على الناس بأنهم أعداء لله ورسوله، أو أنهم أعداء للوطن وخونة يجب قطع أيديهم وأرجلهم أو نفيهم من الأرض.
أما عن صاحب كتاب »نهاية أسطورة » فالرجل لم يشق على قلبه أحد حتى يعلم إن كان قد كتب كتابه مريدا بذلك محاربة الله ورسوله، وفي الأغلب أنه فعل ذلك جهلا من عنده، معتبرا نفسه باحثا ومكتشفا لما لم يكتشفه الأوائل. وعوض السب والقذف فالمنهج السليم هو إلقاء خطب كثيرة تعلم الناس من هو الإمام البخاري ومن هو صحيحه الجامع، وقد رد العديد من علماء المغرب الأجلاء وتحدثوا عن الكتاب وصاحبه، ولكن لم يخرجه أحد من الملة أو اعتبره عدوا لله ورسوله ولأمير المومنين.
ليست المرة الأولى التي نسمع فيها من أفواه خطباء ما يدل على الجهل بالدين، وعدم حسن تدبير الموضوعات، وهو الأمر الذي يدل على ضرورة التكوين المستمر لهؤلاء الخطباء، وحثهم على العلم والبحث والقراءة.
وقد سمعت خطبة، شهر غشت الماضي بإحدى مدن الشرق، يقول فيها الخطيب أن سعيد بن المسيب أمر زوج ابنته ابن أبي وداعة بأن يضرب زوجته (العالمة) إن لم تطعه…فقلت: ما لهذا الخطيب يدعو إلى الفتنة، ويأمر الناس بما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ونهى عنه.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *