Home»Femme»نحو مجتمعات لقيطة

نحو مجتمعات لقيطة

3
Shares
PinterestGoogle+
 

نحو مجتمعات لقيطة

بقلم : عبد المجيد التجدادي

tajdadid@gmail.com

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تشهد أوربا (و الغرب عموما و كثير من دول العالم من ورائه) تحولا ديمغرافيا اجتماعيا استثنائيا غير مسبوق . تحول ديمغرافي اجتماعي عنوانه الأساسي اضمحلال سُنَّة الزواج و مؤسسة الأسرة مقابل ظهور علاقات ارتباط جديدة بين الجنسين ؛ لكي تكون المحصلة انخفاض نسبة المواليد الشرعيين (مواليد في إطار الزواج) مقابل ارتفاع نسبة المواليد غير الشرعيين (مواليد خارج إطار الزواج). كل هذا التطور ينبئ بتحول اجتماعي قد تكون له آثاره الخاصة على تلك الدول سوف تقف على حقيقتها الأجيال القادمة .

(1) ــ أرقام صادمة ، من الغريب جدا ألا تثير حفيظة الذين يهمهم الأمر :

بالنظر إلى خريطة عالمية تقريبية لنسب المواليد خارج إطار الزواج ، فيمكن أن نلاحظ بأن أعلى النسب تسجل بأمريكا اللاتينية (71.1 % في الشيلي سنة 2014) ، ثم تليها أوربا و أمريكا الشمالية (66.9 % في إيسلندا سنة 2012 ) ، أما في دول الشرق (العالم الإسلامي و العالم الصيني) فتنخفض تلك النسبة كثيرا (2.8 % في تركيا ، و 2.3 % في اليابان ، و 1.9 % في كوريا سنة 2014 ، و 0.1 % في الجزائر سنة 2015) .

و فيما يتعلق بمجموعة الاتحاد الأوربي (28 دولة) : تقول الأرقام الرسمية أن نسبة الزواج (أي تكوين أسرة طبيعية) قد انخفضت من 7.9 ‰ سنة 1970 إلى 4.2 ‰ سنة 2014 ؛ في حين أن نسبة الطلاق (دلالة على مدى الاستقرار الأسري) قد ارتفعت من 1.5 ‰ سنة 1970 إلى 1.9 ‰ سنة 2013 . غير أن المعبر أكثر عن اضمحلال الأسرة و ما يرتبط بها من أواصر فطرية هو انخفاض نسبة المواليد في إطار الزواج من 72.7 % من مجموع المواليد سنة 2000 إلى 58 % سنة 2014 !

و إذا أخذنا حالة كل دولة أوربية على حدة سنجد تناقضات كبيرة تبين الاختلاف بينها في هذا الجانب : حيث إن هناك دولا أوربية ما تزال تحافظ على عادة الزواج و متانة المحضن الأسري الطبيعي الموروث ، في حين أن هناك دولا أخرى تجاوزت ذلك الإرث وأخذت تؤسس لأشكال « أسر جديدة » يتم ابتداعها بحسب هوى الأفراد (دون أية ضوابط اللهم ضابط رضى الشريكين ، و يبقى المجال هنا مفتوحا على مصراعيه لكل ابتداع جديد للجمع بين الجنسين) . و نقتصر هنا للدلالة على ذلك على معطيات المواليد خارج إطار الزواج : ففي دولة مثل اليونان ارتفعت نسبة المواليد خارج إطار الزواج من 1.2 % سنة 1960 إلى 8.8 % سنة 2015 ؛ في حين أنه في دولة مثل فرنسا ارتفعت تلك النسبة من 6.1 % سنة 1960 إلى 59.1 % سنة 2015 ! بل إنه في دولة أوربية مثل إيسلندا قاربت نسبة المواليد خارج إطار الزواج 70 % (من الغريب جدا أنها رتبت في المرتبة الثالثة عالميا في مستوى السعادة حسب تصنيف الأمم المتحدة !) !..

 (2) ــ مظاهر اجتماعية شاذة تعافها الفطرة البشرية السليمة :

تجاوزت العلاقات بين الجنسين في دول الغرب كل الأعراف والتقاليد التي كانت هي نفسها تعتقد بها و تتمسك بها إلى حدود منتصف القرن 20 ، و انتقلت هذه العلاقات إلى مستوى من التحرر والانفلات من أية التزامات ؛ مما يدفعنا إلى الحكم عليها بأنها دخلت في مرحلة من الفوضى غير محسوبة العواقب . و من بين المظاهر التي نسجلها في هذا الشأن بحسب شهادات تقارير أوربية مختلفة نفسها نجد ما يلي :

ــ انتشار عادة المصاحبة بين الجنسين بمباركة المجتمع : تبدأ بالمصاحبة بين المراهقين و المراهقات في صفوف المدارس الإعدادية والثانوية (Boyfreind ; Girlfreind) إن لم يكن في المدارس الابتدائية ، ثم يتطور إلى المصاحبة بين الشبان و الشابات في صفوف الجامعات و مقرات العمل . و قد تجتمع الشابة مع الشاب لسنوات في بيت واحد فيما يشبه « الأسرة » و لكن دون عقد زواج (أي دون أي التزام) . و كثيرا ما تنتهي هذه المصاحبة بحمل قد يُتخلص منه بالإجهاض أو قد يولد فينضاف إلى صفوف اللقطاء . و المشكل في مثل هذه العلاقة المنفلتة من أية التزامات أنها قد تنتهي هكذا فجأة فيفر الشاب إلى علاقة أخرى ، و تبقى الشابة (الأم العازبة) في ورطة مع مولودها ، هذا إن لم تلجأ هي الأخرى إلى نسج علاقة أخرى مع شاب آخر لينتج عنها مولود آخر . بل ، و قد تكون للفرد الواحد أكثر من علاقة واحدة في نفس الوقت مع الجنس الآخر !… فيكون الأطفال هم أكبر الضحايا . و من الأمثلة الصارخة على هذا النوع من العلاقات : ما تواترت على نقله العديد من وسائل الإعلام سنة 2009  حول طفل ابريطاني في الثالثة عشر من عمره ولد له طفل من زميلته التي تتجاوزه بسنتين (15 سنة) بعد أن نسيت يوما أخذ حبوب منع الحمل !.. و ما تواترت على نقله كذلك سنة 2013 بشأن وزيرة العدل الفرنسية حينها (رشيدة داتي) التي طالبت القضاء بإثبات بنوة ابنتها إلى أحد رجال الأعمال الفرنسيين مع العلم أنه قد كانت لها في نفس الفترة علاقات جنسية مع سبعة آخرين !…

ــ هشاشة علاقات الأزواج في ظل مجتمع « غير محافظ » ، غاية في « التفتح » ، متسامح مع الخيانة الزوجية ؛ و قانون مدني لا يجرمها . في ظل هذا الوضع قد نجد امرأة متزوجة و لها أولاد من زوجها ، ثم هي في علاقة غير شرعية مع شخص آخر و قد تنجب منه ولدا ، و قد تتعدد علاقاتها لمجرد وقوع شجار أو ملل أو إغراء . فتكون النتيجة الحتمية مزيدا من اللقطاء .

ــ واقع التساهل في إقامة علاقة جنسية بين الجنسين المشار إليه أعلاه إذا أضفنا إليه عامل الإغراء الصارخ الذي تمثله الشابات من خلال الفحش في المظهر لباسا و حركة فيما يمكن وصفه بـ « الاستعراض الجنسي » في الشارع العام و العمل و الإعلام ، مما يزيد من استثارة الرغبة الجنسية و من احتمالات وقوع علاقات جنسية خارج إطار الزواج و إنجاب أطفال لقطاء . ففي دول أمريكا اللاتينية مثلا التي تشتهر بتساهل نسائها في اللباس إلى حد الإثارة و الإغراء الجنسي الفاضح و العلاقات « العاطفية » المفتوحة دون أدنى حرج ، فإنه بمجرد إطلالة على بعض مهرجاناتها تتضح هذه الميوعة المستقبحة : فمهرجان « السامبا » بالبرازيل على سبيل المثال مشهور عالميا بأنه محطة سنوية للتزود بالأمراض المنقولة جنسيا و على رأسها السيدا (تحتضن البرازيل أكبر عدد في أمريكا اللاتينية لحاملي فيروس السيدا ، و حوالي ثلثي مواليدها من اللقطاء) !…

ــ أضف إلى كل هذا مثلا : السماح بزواج الشواذ جنسيا (ذكر مع ذكر ، و أنثى مع أنثى) ، و استئجار الأرحام (فتكون للمولود الواحد والدتان) ، و بيع و شراء البويضات (فتحمل المرأة ببويضة امرأة أخرى و ما في ذلك من اختلاط الأنساب ) و الحيوانات المنوية (فتحمل المرأة من حقنة مني رجل لم يمسسها قط) !..

 (3) ــ الكفر بتعاليم السماء و تأليه الفرد (بنزواته) ركيزة هذا الانحراف الخطير :

لتفسير هذا التنامي الملحوظ لظاهرة المواليد خارج إطار الزواج نطرح الفرضيات التالية :

ــ تقهقر دور الكنيسة الكاثوليكية (و دور الدين عموما) في توجيه الحياة الاجتماعية للأوربيين منذ ما عرف عندهم بعصر الأنوار و ما صاحبه من إصلاح ديني ؛ ثم تعزيز هذا التقهقر بالثورة الفرنسية و لائكيتها . و هكذا انتقلت مَهَمَّة توجيه الحياة الاجتماعية من الكنيسة (الدين) بما تفرضه من قيود و التزامات إلى الشعب بما يستحليه أفراده لأنفسهم في إطار « الحرية » . هذا ما يتضح من خلال مقارنة حالات العالم الإسلامي بدول أوربا و أمريكا . ويتضح أكثر من خلال مقارنة حالتي اليونان و فرنسا : ففي اليونان التي ما تزال تتشبت بالإرث الكاثوليكي ما يزال سوق الزواج رائجا وما يزال الإنجاب من داخل مؤسسة الأسرة هو السائد ؛ أما في فرنسا اللائكية التي تأسست ثورتها و تأسس نظامها على أساس الخصومة مع طبقة الإكليروس و كسر « القيود الدينية » فقد كسدت سوق الزواج و أصبح أغلب الأطفال يولدون خارج مؤسسة الزواج .

ــ انحسار أهمية مؤسسة الأسرة بعلاقات أفرادها و موروثها المتجذر في التاريخ : و هذا ما يتضح من خلال مقارنة حالتي كوريا واليابان من جهة التي تمثل دول الشرق (آسيا) المعروفة بتماسك مؤسسة الأسرة و قداسة الروابط الأسرية و غيرها من الأعراف والتقاليد المتوارثة في إطار ترسيخ الحس الجماعي التعاوني ، و دول الغرب (أوربا و أمريكا) من جهة أخرى التي اضمحلت فيها قيمة مؤسسة الأسرة و العلاقات الأسرية في إطار عام يدعو إلى التحرر من كل القيود و تنامي النزعة الفردية التنافسية . مما يجعلنا نحكم بأن الغرب سائر بنفسه نحو المجهول بقطعه للأواصر الأسرية المعهودة ، متسائلين عن مدى قدرة اللحمة الوطنية على التماسك و البقاء بدون ركيزة اللحمة الأسرية و آصرة الرحم ؟ !…

ــ انفتاح المجتمع على إعلام فاحش يغذي في الناس (و خاصة منهم الشباب) الرغبة الجنسية إلى حد الهوس ، سواء من خلال الإعلام العمومي الذي لا يكف عن بث المشاهد الجنسية المثيرة (بلمسة من التحفظ) من خلال مختلف برامجه بما فيها حتى البرامج الموجهة للأطفال ، أو من خلال القنوات المتخصصة في البرامج الجنسية المعروفة بـ »البورنوغرافية » . هذه « التعبئة الجنسية العامة » تزيد هاجس ممارسة الجنس و تنويع الشركاء في ذلك سواء أعند فئة المراهقين أم عند فئة الراشدين .

(4) ــ مجتمع مفخخ قابل للانفجار :

تتعدد النتائج المتوقعة التي يمكن جردها عن هذه الظاهرة من وجهات نظر مختلفة نفسية و اجتماعية و أمنية و اقتصادية وحتى سياسية ؛ فمن الاضطرابات النفسية و الصحية ، إلى تدهور النتائج المدرسية و الفشل الدراسي ، و صولا إلى اضطرابات السلوك و ما لكل ذلك من تأثير على العلاقات الاجتماعية و الوضعية الأمنية و الحياة الاقتصادية و السياسية .

غير أن الأهم من كل هذا هو مصير المجتمع الذي يحتضن هذه الفئة المتكاثرة من اللقطاء عديمي النسب ناقصي الهوية الشخصية في علاقتهم بحس الانتماء إلى الجماعة و ما لهذا الحس من انعكاسات على وجود و بقاء المجتمعات و الشعوب و الكيانات السياسية. و هنا نقف عند حدود إثارة السؤال تاركين الجواب لكل ذي عقل لبيب ، و الحقيقة هي ما سيكشف عنها الزمن و لو بعد حين…

(5) ــ دق ناقوس الخطر :

في حالة الدول العربية و الإسلامية نجد أن ظاهرة الأطفال خارج إطار الزواج ما تزال محدودة لا ترقى إلى مستوى الخطورة الذي وصلت إلى دول أوربية و أمريكية ؛ هذا ما تكشف عنه بعض الأرقام التي تجتهد منظمات من المجتمع المدني في تقديرها في ظل غياب أرقام رسمية يعتد بها ، ففي حالة دول المغرب الثلاث : تونس و الجزائر و المغرب نجد على التوالي نسب 0.2 % و 0.1 % و 0.8 % سنة 2015 . هي نسبة ضعيفة على العموم ، غير أنها بمثابة دق ناقوس الخطر الذي يتطلب منا مزيدا من اليقظة و الحذر ، و تعبئة الجهود لتعزيز مكانة الأسرة و إمدادها بكل وسائل البقاء و القوة التي تعزز تماسكها و تضمن استمراريتها ، و الحرص على التصدي لكل الدعاوى الفكرية المنحرفة الضالة التي تهدد صروح أسرنا و بالتالي مجتمعاتنا و أوطاننا .

هذه دعوة لكل مسؤول من أدنى مستوى إلى أعلى مستوى في كل بلد مسلم ؛ ندعوهم جميعا إلى أن يوفروا لمؤسسة الأسرة كل أسباب البقاء و القوة و النجاح :

ــ  هذه دعوة لعلماء الدين سواء أكانوا أئمة في المساجد ، أم أساتذة على الكراسي العلمية ، أم أعضاء في المجالس و المجمعات العلمية …

ــ كما أنها دعوة للمعلمين و الأساتذة في فصولهم المدرسية والجامعية و مراكز بحوثهم العلمية ..؛

ــ و دعوة للآباء  الأمهات …؛

ــ و دعوة للشبان و الشابات ..؛

ــ و دعوة للجمعيات و الأحزاب و مختلف المنظمات ..؛

ــ و دعوة للسلطات الحاكمة بمختلف مستوياتها …

…؛ من فضلكم : المزيد من اليقظة و الحذر ، فإن العالم يسير بنفسه نحو حافة الخطر … خطر في حجم أسلحة الدمار الشامل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ لمزيد من الإطلاع يرجى البحث عن جملة « أطفال خارج إطار الزواج » أو ما شابهها في المواقع التالية :

ــ http://ec.europa.eu

ــ https://www.cdc.gov

ــ http://www.oecd.org

ــ https://www.ined.fr/fr/

ــ http://www.unaids.org

ــ http://qushq.com/blog/47402.html

ــ  http://www.dw.com/ar

ــ http://www.bbc.com/arabic

ــ https://www.lenouveleconomiste.fr

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.