Home»Enseignement»ألا تستحق الحسيمة مركبا جامعيا نموذجيا ؟

ألا تستحق الحسيمة مركبا جامعيا نموذجيا ؟

3
Shares
PinterestGoogle+

  د. بلقاسم الجطاري جامعة محمد الأول، وجدة

لا أسعى من خلال هذا المقال إلى الإقناع بحاجة الحسيمة إلى نواة جامعية تحتضن طلبة المنطقة، بل وأعتقد أن من يناقش ذلك، وهو يجهد نفسه في عرض الحجج إنما يفعل ذلك من باب سجال اللغو ونافل النقاش؛ أولا لأن القرار المؤسسي للدولة يسير في هذا المنحى، يدل على ذلك أن مشروع تشييد المنشأة الجامعية ليس موضوع خلاف بين جهات جامعية أو غير جامعية، محلية أو مركزية. وثانيا لأن توسيع العرض الجامعي انطلق منذ مدة بالمغرب، وهو ورش أهم غاياته تقريب المؤسسة الجامعية من الطلبة، وإنقاص درجات التمركز الطلابي وطنيا وجهويا، كل ذلك طبعا في سياق توفير البنيات التدبيرية الجامعية الأولية الكفيلة بإنجاح ورش الجهوية الموسعة.
ما أرمي إليه من خلال هذه الورقة هو بيان حاجة الحسيمة إلى مشروع جامعي نموذجي، تتعبأ لإنجاحه القطاعات المختلفة، أما الاكتفاء بإنشاء نواة جامعية على شاكلة النَّوَيَات الجامعية الموجودة بعدد من أقاليم المملكة ذات الكثافة السكانية المتوسطة والضعيفة فلن يَحُلَّ غير نصيب قليل من المشاكل والاختلالات القائمة، وسيبقي على القدر الأكبر من المشاكل كما هي، ونعني هنا أساسا معضلة البطالة، واختلال العلاقة بين المخرجات الجامعية واحتياجات المحيط السوسيومهني.
ننطلق في بلورة هذا التصور من دعامتين اثنتين: موضوعية وذاتية، فأما الموضوعية فهي السعي إلى مواكبة الخيار « المجالاتي » الذي انطلق منذ مدة بعدد من المراكز الجامعية، والذي يقضي بتكييف المشاريع البيداغوجية للجامعات مع خصوصيات المحيط والبيئة. أما الدعامة الذاتية فهي خبرتنا وتجربتنا في مهام التسيير الإداري الجامعي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بالحسيمة سنة 2008، والتي راكمنا خلالها إطلاعا معتبرا بمؤهلات الإقليم وخصوصياته الإيكولوجية.
عنوان هذا المشروع الجامعي هو تشييد مركب جامعي متعدد التخصصات يحتضن العروض التكوينية المشتركة (علوم بحتة، لغات، علوم إنسانية واجتماعية..)، لكنه يحتضن، وهذا هو وجه الجدة والأصالة، فضاء تكوينيا وبحثيا « مجالاتيا » متطورا يرتكز على محورين رئيسين، هما: الرياضة والسياحة الإيكولوجية.
يحتضن الإقليم فضاء إيكولوجيا غنيا ينبغي اعتماده قاعدة رئيسة في مشاريع الاعتماد البيداغوجية والتكوينية. ففضلا عن وقوعه في مجال ساحلي بشواطئ ذات جاذبية، يمتلك الإقليم سلسلة من الجبال الغنية من الزاوية الإيكولوجية (كتامة، إساكن، عبد الغاية السواحل..)، بالإضافة إلى منتزه طبيعي هو أكبر محمية مغربية واقعة على الساحل المتوسطي.
هو مشروع جامعي ينطلق من خصوصية هذا الفضاء الإيكولوجي الغني، ويقدم عروضا تكوينية مزدوجة تجمع بين الرياضة والسياحة الإيكولوجية، تمكن الطلبة من اكتساب كفايات معرفية ومهارية مؤهلة للعمل في مشاريع مركبات رياضية وسياحية تستقطب رياضيين محترفين من مختلف دول العالم، وتمكن هؤلاء من مباشرة استعداداتهم للمنافسات الرياضية المختلفة (في رياضات ألعاب القوى والعدو الريفي، وسباق الدراجات والسيارات، والركمجة (ركوب الأمواج)، ومسابقات الزوارق، والسباحة، والرماية..، وغيرها من الرياضات التي تستدعي الرفع من منسوب اللياقة البدنية..). كما تمكن الخريجين من الانخراط في شبكة المنافسات الدولية الخاصة بهذه الرياضات، بغية احتضان نسخ محلية وإقليمية ودولية من المسابقات بمجال الإقليم.
هي تكوينات مهنية سيتلقى فيها الطالب مكتسبات نظرية وتطبيقية في علوم الرياضة (البيولوجيا، الطب الرياضي (العضوي والنفسي)، التدريب والتهييء البدني..)، وما يتعلق بها من علوم التسيير الرياضي، والاقتصاد والتسويق. مثلما سيتلقى في المقابل تكوينات مكثفة في مجال السياحة الإيكولوجية، سواء تعلق الأمر بتكوينات ذات مخرجات مهنية في مجال الخدمات (الفندقة، الإرشاد، التنشيط..)، أم في مجال الاستثمار في هذا القطاع، ونعني تشييد مراكز الاستقبال والضيافة واقتراح سبل تطويرهما.
يتعلق الأمر، إذا، بمشروع جامعي نموذجي على غرار مشاريع مجالاتية أخرى انطلقت بالبلد في غضون السنوات الأخيرة (التكنولوجيا، الطاقات المتجددة، الهندسة المدنية..)، سيمكن المنطقة من امتصاص معدلات البطالة المرتفعة، مثلما سيمكنها من بلورة مشروعها التنموي المتميز، كما سيحد من النزيف الهجروي (الداخلي والخارجي)، الذي يؤدي إلى ترييف المدن وإرباك مشاريع التهيئة بها.
غير أن مشروعا بهذا الحجم، لن يكتب له النجاح ما لم يتم وضعه في سكة مشروع تنموي كبير يستفيد منه الإقليم، تتضافر عبره جهود القطاعات الوزارية المختلفة، ويتعاون من خلاله مختلف المتدخلين في قضايا التدبير المؤسسي، سواء على المستوى المحلي أم على المستوى المركزي، وذلك كي يراكم ما يستوجبه من مستلزمات سياسية (تشريعية)، ومادية (مؤسسات استقبال، بنيات تحتية موازية..)، واقتصادية (تحفيز مناخ الاستثمار في المجال، إنشاء مقاولات نموذجية..).
بمقدور المشروع أن يكون رياديا ونموذجيا، ملهما ومستدرا لأفكار ومقترحات جريئة بأقاليم وجهات مغربية أخرى، بل وبمقدوره الدفع في اتجاه مساءلة المشروع التنموي الذي اعتمدته الحكومات المتعاقبة، ووضع اليد على الاختلالات الكثيرة التي ميزته، ولا سيما ما تعلق منه بالأوراش المتعلقة بالبنية التحتية. إذ يسجل كثير من المنشغلين بالهم التنموي بالبلد وجود مسافة معتبرة بين الاستثمار الجاري في هذا الباب ونظيره الجاري في مجال الإنسان (التعليم، والتكوين، والثقافة، والقيم..).
مشروع من هذا القبيل جواب عن سؤال العلاقة الواجبة بين أوراش البنية التحتية المنطلقة بالبلد وبين انتظارات الشباب الباحث عن فرص عمل. أو لنقل هو مقترح يروم تجسير مثل هذه المسافات، ويهدف إلى بيان الحاجة الملحة إلى وضع الشباب في قلب مشاريع التنمية، وجعل التعليم والبحث العلمي قاطرة رئيسة تجر قطار النهضة الاقتصادية والاجتماعية.
بالجملة نستطيع القول إن الاستثمار في التعليم والتكوين خير سبيل إلى تحقيق التغيير المنشود، لأنه استثمار في طاقات متجددة لا تنضب، واشتغال في مجال يضمن تنمية قوية منسجمة مع قوانين الاقتصاد الموضوعية الجارفة، ونعني أن إنجاح مشروع من هذا القبيل (حال توفرت الإرادة والتعبئة المؤسسية) سيعفينا جميعا من انتظار المشاريع المحكومة بالمقاربة الإرادوية (المفروضة من أعلى وفق أجندات لا تأخذ المناخ السوسيواقتصادي بعين الاعتبار)، والتي أثبتت فشلها في كثير من الجهات والأقاليم. فهل يجد همسنا هذا آذانا صاغية ؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *