تابع
كنا بحاجة الى بعض الوقت من أجل التكيف مع حياة الداخلية مستانسين بتجربة من سبقونا الى هناك من معارفنا.
وهكذا اصبحنا نتأقلم مع النظام الغذائي الذي انفردت داخلية ع المومن بنكهته المتميزة بشهادة كل من تذوقه.
كانت قطع الشوكولاطة التي توزع علينا في وجبتي الغذاء والعشاء، من المشتهيات التي ننتظرها، لا سيما وقد اقترن هذا المنتوج بقصص لا تنتهي، منها أنه لا يباع للعموم ، بل هو مخصص للداخليات، وأكثر من ذلك فقد زعم البعض أنه يتضمن مواد تساعد على ترويض الداخليين!
لكن الأهم من كل هذا، هو أن هذه القطع الصغيرة كانت ذات قيمة غذائية عالية، وكانت الى جانب مكونات الغذاء الاخرى سببا في اذكاء نزعة التمرد فينا!
لقد صار البرنامج الغذائي الأسبوعي محفوظا لدينا، وكنا ننتظر أخر الاسبوع لتناول لحم الدجاج وخاصة الارانب.
عندما تنتهي وجبتا الفطور والغذاء ، فاننا كنا نلتحق مباشرة بالاقسام مما يسمح لنا بالاندماج مع زملائنا من التلاميذ الخارجيين الذين كانت نظرتهم الينا تتباين بين متعاطف ومتأفف، ذلك أن من هذا الصنف الاخير من يزعم أن الداخلي هو نسخة اخرى ممن تجمع الخيريات شتاتهم، فهم بالتالي من درجة دنيا في السلم الاجتماعي الى ان يثبت العكس!
وكيفما كان الحال فان الحصص الدراسية كانت تعيدنا الى الحياة الاجتماعية العامة قبل حلول وجبة العشاء التي نمتثل بعدها لقواعد النظام السائد.
وهكذا، وبمجرد أن نتناول وجبتنا، فاننا كنا نتوزع على قاعات الدراسة الليلية التي لا يوقفها الا اطفاء الاضواء على يد معلمي الداخلية الذين لم يكونوا الا زملاء في الدراسة سمح لهم السبق والمحسوبية ببعض الحظوة ليتقلدوا مناصب مؤقتة ريثما نجردهم منها في فصول الدراسة، حيث كان جلهم ذوي مستويات متواضعة!
لم يكن بامكاننا سماع المذياع، وان ضبط الجهاز في حوزة احدهم ، فانه كان يحجز ويتعرض لمتاعب كثيرة تتطلب احضار ولي امره.
وبسبب هذه الصرامة، غابت عنا الاخبار، مما جعل اصدقاءنا الخارجيين يتميزون عنا بالمواكبة وبالسبق في المعلومة.
كنا نحظى في معظم الاوقات بالجلوس الى جهاز تلفاز عندما تحل مناسبة ما، ولكنها كانت لحظات عابرة.
لقد كان نظام الحياة بالداخلية صارما، الى درجة أن اهتمامات التلميذ الداخلي أصبحت محصورة في التحصيل الذي يشغله عما سواه.
وهكذا فان أمثالي ممن اعتبروا المنحة مكسبا تاريخيا ، قد استغلوا هذه الفرصة التي اعفت اسرهم من المعاناة لتحقيق نتائج تسمح لهم بالمضي قدما نحو الافاق الواعدة، لذلك ضربوا صفحا عن كل ما يشغل الشباب ، وإجلوا رغباتهم الى اجل غير مسمى.
والى جانب النظام الغذائي الذي تعودنا عليه، فاننا كنا مدعوين لتنظيم فراشنا بما يجعلنا اقرب الى حياة الجنود، وهكذا تعلمنا الاعتماد على النفس او ما يعرف عند الجنود ب:Systeme D.
ولتكتمل اوجه الحياة في فضاء الداخلية، فقد خصصت الادارة قاعة للتمريض غير بعيد عن المطعم، اقترنت بممرضة اسطورية، استفادت من خدماتها اجيال متعاقبة، وهي ممرضة تستحق كل التقدير لما كانت تبديه من حرص على علاج المصابين.
يتبع.