Home»Dr Mostapha Benhamza»الدكتور العلامة مصطفى بن حمزة: تعالوا إلى كلمة سواء أن نتحد على مشروع وطني مشترك من أجل اجتثاث بذور التطرف والعنف والإرهاب

الدكتور العلامة مصطفى بن حمزة: تعالوا إلى كلمة سواء أن نتحد على مشروع وطني مشترك من أجل اجتثاث بذور التطرف والعنف والإرهاب

2
Shares
PinterestGoogle+

أعده للنشر: أحمد الجبلي
من مدينة الناظور، وأصالة عن نفسه، ونيابة عن المجلس العلمي الأعلى، ألقى الدكتور العلامة مصطفى بن حمزة كلمة جامعة شاملة تناول فيها مجموعة مواضيع حساسة، تعتبر من المواضيع التي لازالت تؤرق الدول التي تسعى جاهدة حتى يستثب الأمن في أرجائها، ويستقر الوضع في ربوعها، وتجمع كلمتها على منهج واحد وتصور واحد ومذهب واحد من شأنه أن يقطع دابر الشقاق والاختلاف ويسد الباب في وجه الطائفية والعنف والتطرف والإرهاب.
إذ انطلق يقول:
أريد في هذه الكلمة أن أتحدث أصالة عن نفسي ونيابة عن المجلس العلمي الأعلى الذي أنوب منابه في هذه الجلسة، وأقول أولا: إن ترسيم بعض العادات العلمية نابع من حس حضاري، وإن من العادات المؤيدة للعلم، والمشجعة على الاستمرار فيه، عقد مثل هذه اللقاءات من أجل الإشادة بجهود أبنائنا وبناتنا ممن حصلوا شيئا من العلم، أو حفظوا القرآن أو بعضه، وهذا التقليد هو تقليد جميل، ويدل على حس معتبر موصول بثقافتنا الإسلامية المغربية. وقد كان المغاربة يحتفون دائما بحفاظ القرآن الكريم إذا أنهوا حفظ جزء منه، وكانت الأمة كلها تشتغل بتكريم أهل القرآن وطلاب العلم، حيث كانت حاضنة للعلم  ولهذا أصبح للعلم في بلادنا سوق نافقة، والمشاريع التي تحتضنها الأمة هي مشاريع ناجحة بالتأكيد.
في هذا اللقاء الذي يتمحور حول التعليم العتيق، أحب أن أقول عنه كلمات أو أشياء أرجو أن تكون مضبوطة، وأرجو أن تكون جوابا عن سؤال يتردد في جنبات المغرب كله، كما أرجو أن نكون بهذا الخطاب مسهمين في حوار مجتمعي مغربي، حيث إن الحوار الذي  يتم في مجتمع لا يكون حوارا نافعا ومنتجا وإيجابيا إلا إذا اعتورته جهات متعددة، لأن الحوار الذي يصدر عن جهة  واحدة تتحدث ويقابلها الآخرون إما بالإصغاء أو بالإهمال ليس حوارا بالتأكيد، لأن  الحوار يكون عن طريق التبادل والتجاوب.
إن الذي يتتبع الشأن الديني والثقافي في بلادنا تستلفته كتابات متوالية عن التعليم الديني، وهي كتابات غير مسبوقة، تنشر في الصحف الورقية وعلى المواقع الالكترونية. ونحن لا يمكننا أن نوليها ظهورنا، أو نتغافل أو نعرض عنها، لأنها خطاب للمجتمع، وخطاب المجتمع يجب أن يسهم فيه الجميع، بل نستطيع أن نزعم أننا نحن أهل الجهة التي تعود إلى الثقافة الإسلامية، ونحن أجدر من يتحدث في الموضوع لأننا نعيشه و نعرفه ظاهرا وباطنا.
إن حديث الآخرين عنه، ربما هو حديث أناس يقفون على ضفة أخرى وبالتالي قد يقولون كلاما لا صلة له بالتعليم العتيق.
أريد أن أقول باختصار: إن هنالك دعوة ملكية إلى النظر في مناهج التعليم وبرامجه، وهي دعوة واضحة وصريحة، وأطلب من جميع الإخوة في المدارس أن يأخذوا نص البلاغ الذي صدر في الموضوع ويدرسونه فيما بينهم ليروا أن في البلاغ دعوة للمراجعة، ودعوة لتركيز المذهب المالكي، وفيه دعوة لنشر روح التسامح، وكل هذه الأشياء إيجابية لا خلاف فيها. إن الأمر، على هذا الأساس، يقتضي دعم المادة الدينية في جميع برامج التعليم، أي أن منطوق البيان الذي أصدره الديوان الملكي فيه معنى تعميم المادة الدينية على كل أسلاك التعليم وشعبه ومستوياته. ولكن ربما كنا نحن المشتغلين في هذا القطاع أولى الناس وأكثرهم قدرة على أن نفهم هذا الخطاب ونستجيب له، ونقترح كيف يتم هذا الأمر وكيف تتم الاستجابة، لكننا ربما لا نتعامل كثيرا مع الإعلام أو مع الأشياء الجديدة – يوجه خطابه إلى المجالس العلمية والمهتمين بالشأن الديني- وربما لأننا مشدودون إلى ما هو ماض ولا يعنينا الحاضر كثيرا، فنحن دائما نتحدث خارج مرحلتنا، ونجيد الحديث فيما مضى كما نجيد إعادة الحديث الذي قيل قبلنا فيكون بذلك حديثنا حديثا مكرورا.
إن الحياة تصاغ وتصنع في غيابنا، أو في صمتنا، وليكن إذن هذا منطلقا، وهو أمر يجب أن يكون شغلا شاغلا وفعلا يجب أن ننجزه جميعا.
إن بعض الناس قد فهموا من البيان، أن هناك مادة دينية في المدارس بكيفية طاغية يجب أن تختزل وتختصر ويرجع بها إلى الوراء. وهذا أمر على نقيض ما جاء في البلاغ. كما ذهب بعضهم إلى تحميل المسؤولية المعنوية للتعليم الديني عن التطرف والإرهاب، أي هناك من حمل الموضوع على هذا المحمل فذهب يبحث في المواد والحصص والدروس والمقررات وعناوين الكتب بل وحتى في صور بعض الكتب الدينية الموجودة ولو في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد قرأت البارحة تقريرا يتحدث عما يتعلمه الطفل المسلم في أمريكا وابتدأ النقاش من صورة الكتاب. ورغم ذلك نحن نقول: إنها أشياء مشروعة لأن لا أحد يدعي العصمة أو ينزه نفسه عن إمكانية الوقوع في الخطأ، ولكن لا عذر للتحيز والركوب على النداء الملكي واستغلاله من أجل تصفية أمر سابق، أو لموقف البعض من المعرفة الشرعية. وهذا هو وجه الخطأ.
إننا نريد فقط أن نبعث برسالة لقومنا لأهلنا وللذين يكتبون فنقول لهم: من فضلكم تفضلوا فاسمعوا كلامنا، وكفى إغضاء من وجودنا، أو اقتحاما لنا، فهذه المؤسسات نحن نعيش فيها ونعرفها ونعرف ما يمكن أن تقدمه للوطن. لنتفق جميعا على إلغاء التطرف واجتثاث بذور التطرف والعدوان والعنف، يجب أن نتفق على مشروع وطني مشترك بين الجميع، فلا مصلحة لبلدنا ولا للبلاد الإسلامية أن تدخل في حالة الاحتراب والخصومة. لأننا رأينا ما فعلته لكونها لا تجلب خيرا، بل رجعت بالمسلمين إلى الوراء قرونا، لأنهم أضاعوا في هذه العشرية الأخيرة ما لم يضيعوه في كل تاريخهم، حيث هدمت مباني، ومآثر، وقتل أشخاص ذهبت دماؤهم هدرا.
إننا ولله الحمد في هذا الجناح من العالم الإسلامي، لازلنا نتحدث عن الاستثناء المغربي والنموذج المغربي لأننا حريصون أكثر ما يكون الحرص على أن نكون جميعا مشتغلين في هذا الورش، ورش حماية الأمة الإسلامية، على الأقل، في هذا الجناح. ونحن كل يوم نفتح أعيننا على مآس تقع هنا وهناك أسبابها الطائفية. والطائفية لا تلغى بقرار سياسي، بل تلغى بعلم شرعي، ومن أسبابها التعصب في وجه من أوجهه، والتعصب ليس شيئا محمودا في ديننا. لأن ديننا هو دين الحوار الذي توجه به كتاب الله تعالى إلى المخالفين الذين يوجدون في أقصى الجهة الأخرى وخاطبهم برفق وقال: ( إنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين).
ونقول للذين يريدون أن يسمعوا حوارنا: ما هو مشروعكم في إيقاف ثقافة العنف والتشتت والتشرذم؟ ما هو المشروع العلمي والفكري الذي تقترحونه لنواجه العنف؟ فالعنف ثقافة عند أصحابه، وهو شيء يؤمن به بعض الناس، هل ترون أننا بمجرد أن نترك المادة الدينية ولا ندرسها يكون ذلك كافيا لإيقاف العنف؟ هل ترون أن شيئا يكون مملوء بثقافة معينة يمكن مواجهته بالفراغ؟ أيمكن إذا انسحبنا أن تصحو الأمور وتصح الأشياء؟ إن هذا ليس منطقيا.
إن المعرفة التي تنتابها انحرافات لا تواجهها غير المعرفة، ولكن لابد أن نتساءل عن أي معرفة نتحدث؟ وما هي المعرفة التي من شأنها أن تكون في مستوى المقارعة والحجاج لتنتصر على التطرف والعنف؟  إن المعرفة الحقيقية هي المعرفة التي تعطيها الجهات العلمية. فليس كل من يتحدث في الدين يقول صوابا، وليس كل من يرشد الناس إلى الصواب فهو كذلك.
لنعد إلى تجربتنا نحن في المغرب، إلى التجربة الراسخة التي تمت في بلادنا والتي تفيد بأن المغرب في مرحلة ما عاش مثل الذي تعيشه بعض الشعوب الآن، فبعد الفتح الإسلامي وبعد مراحل من مراحله تسللت إلى المغرب كل الفئات والطوائف، كما تسللت إليه مختلف الأفكار، فالمذهب الخارجي تواجد في المغرب كطائفة الصفرية والإباضية وهما طائفتان كبيرتان وقد دخلتا في صراعات لمدة طويلة، لأن من طبيعة هذا الفكر أنه لا ينسجم حتى مع نفسه فكيف ينسجم مع غيره. كما كان للاعتزال وجود في المغرب وقد كانت فئة من المغاربة على هذا المذهب حتى أن عبد الحميد الأوربي الذي استقبل إدريس الأول كان معتزليا فيما يقال، ونفس الشيء يقال حتى بالنسبة للمذهب الشيعي، وقد كانت طائفة البجليين قد تمكنت من التغلغل في مناطق الجنوب…كما تواجدت به  فئات أخرى ومذاهب شتى كالبرغواطية  وغيرها. المهم أن المغرب كان يعيش حالة من التشتت والتشرذم. وهي حالة منعته من أن يتوحد أو يؤدي رسالة حضارية.
لقد كان ضروريا أن تحسم هذه القضية، قضية الطائفية، ولكنها لم تحسم إلا عندما أخذ المغاربة بالمذهب المالكي، هذا المذهب الذي هو مذهب في الفقه كما هو مذهب في العقيدة، بمعنى أن المالكية حينما كانوا يتأسون بمالك كانوا ينظرون فيه أيضا إلى جانب كونه كان يبغض البدع كلها. لقد تحدث الإمام القرافي في كتابه الجامع عن عقيدة مالك وفكره، وقال إنه كان معروفا عن مالك أنه لا يقبل البدع، وأصبح المالكيون فيما بعد، كما يذكر القاضي عياض في تراجم الكثير منهم، لا يقبلون أي نوع من أنواع البدع العقدية، وقد كان رحمه الله دائما ينشد قائلا:
وخير أمور الناس ما كان سنة      وشر الأمور المحدثات البدائع
وفي كتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك وفي الجزء الخامس منه تحديدا تحدث القاضي عياض عن استيلاء العبيديين على تونس، وحينما دخلوها لم يكونوا مذهبا سياسيا فحسب بل مذهبا عقديا كذلك ولذلك فرضوا أشياء كثيرة على الناس منها إضافة تعديلات في الآذان ومنع صلاة التراويح، وتولوا إعطاء الأوامر للعلماء بأن يفعلوا ما يشاء الأمير فكان العلماء يردون عليهم قائلين:  » إن الأمير لا يعلمنا ديننا » ولذلك تم قتل العديد من العلماء المالكية ومنهم من سُحِل،  ومهم من قتل شر قتلة لأنه قال بأن إمامة أبي بكر وعمر صحيحتان وأن عليا هو من كان  يتولى لهما الحدود.
لقد امتُحن المغاربة وامتحن المالكية على الخصوص، والقاضي عياض يذكر هذا كما يذكر أن بجانب التواجد المالكي في تونس كان هنالك كذلك وجود للحنفية إلا أن هؤلاء توافقوا مع الشيعة في باب واحد وهو باب أفضلية نساء بيت النبوة أي من أفضل نساء بيت النبوة؟ فالمالكية يقولون عائشة والحنفية يقولون فاطمة مما أحدث نوعا من السلم بينهما. ولكن ظل المالكية ثابتين على موقفهم من البدع.
إن من الذين اختاروا المذهب المالكي نذكر هشام بن عبد الرحمان الذي قال: « إنني قرأت تراجم العلماء فوجدت أن من العديد من المذاهب من هو  شيعي أو معتزلي، وفي الحنفية العديد من الشيعة كما في الشافعية، ولكن المالكية لا يعرف فيهم من نسب إلى بدعة من تلك البدع قطعا. » وقد قال عبارة قالها آخرون غيره كالقاضي عياض والونشريسي وهي:  » إن الأخذ بمذهب مالك فيه سلامة » أي هو حماية من هذا الأمر.
إن الأخذ بمذهب مالك في هذا الباب حماية، ولذلك نقول: إذا أردنا أن نمحو التطرف فلا يمكن فعل ذلك بالأوهام، فمحو هذا الجانب حتى يبقى شمال إفريقيا منسجما يجب التشبث بالمذهب المالكي ودراسته في جانبيه العقدي والفقهي.
ولكن هناك أناسا بمجرد أن تفتح لهم بعض الأبواب  ويقرؤون بعض الكتب حتى يتجاوزون المذاهب ويتجاوزون كل شيء، وهم لا يعرفون خطورة ما يفعلون. فيعرضون جماعة الناس إلى الخطر الدائم بمغامراتهم الطائشة.
إن إزالة المذهب المالكي ليس بالأمر الصعب، لمن أراد ذلك، وقد تتم إزالته سواء باختيار أم بإيحاء ما، ولكن المشكلة لن تكون في ذهاب المذهب بقدر ما هي فيما بعد ذهاب هذا المذهب. إن ثقافة هذا المذهب قد حمت هذه البلاد لقرون، ولم تعجز ولم تضعف ولم تراجع.
ونقول لزملائنا ولمن يوافقونا أو يختلفون معنا، لندرس الأمر بجد، لأن الوقت ليس وقت حزازات، إنه وقت يحتاج إلى كفاءات وإلى رؤية صائبة من أجل أن نقول بأننا فعلا قدمنا مشروعا لمحاربة الإرهاب. أنا أسمع يوميا الحديث عن الإرهاب، ولكن لا أسمع أبدا عن ما يسمى برنامج حقيقي علمي فكري ثقافي لإيقاف التطرف والعنف والإرهاب. لا يوجد شيء من هذا إلا إذا كنا سنلقي بأعبائنا على جهاز الأمن الذي يحمينا. أما من الناحية الفكرية فليس هناك وضوح في الرؤية والتصور.
إن المغاربة حينما أخذوا بالمذهب المالكي أخذوا بمذهب له ميزته، ونحن لا نتعصب لهذا المذهب بل نحن ندرس،  أي نحن مقتنعون بهذا المذهب الذي قال فيه البعض  » مذهب مالك أوسع من مصر والشام والعراق » وهم لا يقصدون البلد بل يقصدون المذهب، أي أن مذهب مالك أوسع من مذهب الشافعي والمذهب الحنفي  والمذهب الحنبلي ومذهب الأوزاعي. ولكن ما هو مظهر السعة والشمول في المذهب المالكي؟ إن لهذا المذهب أصولا متعددة، والأصول هي إمكانات استنباطية لمواجهة المستجدات.  إن الفقه لا يمكن إيقافه عند مرحلة ما، فهذا ما يطمح إليه بعض المناوئين للإسلام، أي يريدون أن يقولوا لنا وللناس: إن الإسلام انتهى في القرون الأولى، أما الآن فليس لكم  أصل يمكنكم أن تستندوا إليه، وليست لكم صلاحية كي تواكبوا الحياة. أي أن اليوم هناك مستجدات وانتم لا تملكون أدوات لمواجهتها، إن هنالك إشكالات اجتماعية وعلمية وأشياء من المحدثات ليس لكم أبدا أن تواجهوها لأن هذه الأشياء حديثة والنصوص التي عندكم قديمة ومتناهية الصلاحية.
نحن عندنا عمليات في جسم الإنسان كزرع الأعضاء واستقطاعها، وعندنا أسئلة كبيرة حول الحياة الطبيعية والاصطناعية، عندنا أسئلة كبيرة في العالم، وهي أكثر بكثير مما كان مطروحا. فبعض المراكز أصبحت الآن تخزن الأسئلة الجديدة والأجوبة الجديدة. لقد قرأت عن أحد المراكز الذي كان يضم أزيد من 350 ألف فتوى في قضايا جديدة. وهذا أمر تشتغل عليه المجامع العلمية والمجامع الفقهية في كل البلاد بما فيها المغرب. وهذه المجامع لا تشتغل على أسئلة قديمة. فالأسئلة القديمة يجيب عنها الفقهاء لأنها مذكورة.
هناك إذن أسئلة  جديدة وأجوبة جديدة فكيف لكم أن تجيبوا إذا كنتم لا تملكون المرجعية التي تستندون إليها، أنتم تقولون أنها أسئلة جديدة وليس لها نصوص تجيب عنها من تراثنا القديم. إذن فما الحل؟
فالحل هو أن يكون عندك جهاز آخر هو هذه الأصول الاستنباطية. والأصول الاستنباطية عند المالكية هي أوسع الأصول، فللإمام مالك في مذهبه ستة أو سبعة عشر أصلا. فالتسامح قاعدة فقهية أصلية أصيلة يجب أن نعرفها نحن قبل الآخرين، فعندما نتحدث عن مراعاة الخلاف أليس فيه سند لنشر روح التسامح؟ حينما نتحدث عن تكافئ الأدلة وكان الشافعي يقول بذلك وكانت هناك مذاهب فيها تكافؤ الأدلة فلو أخذنا مثلا بما قاله فقهاؤنا في مصلحة التصويب الفقهي وهذا موجود في كتبنا الأصولية وفي نشر البنود فصل خاص في الجزء الأخير الجزء الثاني في مسألة التصويب…هذه كلها قواعد لو أننا امتلأنا نحن منها وعلمناها أبناءنا لعفينا أنفسنا من كثير من التعصب والردود والخصومات الباطلة التي لا تعود على أمتنا بخير.
إذن المذهب المالكي، من هذا الباب، مذهب يلبي حاجات، وأذكر الآن شيئا واحدا أخلص منه إلى نتيجة أخرى. وهو أن كثيرا من الناس يعلم أن معظم المذاهب يقول بالمصالح لأن الشريعة هي مصالح للعباد، والله تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم  رحمة للعباد فلابد أن تكون الشريعة محققة لمصالح العباد. وهذا ليس خاصا بمذهب مالك كما هو معروف عند الأصوليين. ولذلك عندما أُفتوا انطلقوا من أصل واحد يعتمدون عليه، فبعض الفقهاء كل فتاواهم الحالية والآنية مكتوب لها أن تنتهي في زمن معين وأن تواجه الجدار. لأنها تعتمد على ملحظ واحد وأصل واحد وهو سد الذرائع. أي كأن أصل الفقه الإسلامي قائم على أصل واحد هو سد الذرائع. والقول في ذلك يعتمد فقط على صيغة أن الشيء لا يجوز لأنه يؤدي إلى كذا وكذا…إن الفقه الذي يقف على رِجْل واحدة ليس فقها. ولا يمكن أن نصدر فتوى عن أشياء نتوهمها فنسجن الناس فيها وبعد ذلك سنجد أنفسنا مرغمين للتراجع عنها. أحيانا يمكن أن تكون مثل هذه الأشياء التي تؤسس على سد الذرائع صحيحة، ولكن لا يمكن أن نفتي في كل الأشياء بالذرائع لأن علماءنا أصلا يقولون: إن الذرائع موجودة في كل الأشياء، لأن ما من شيء في الدنيا إلا وفيه خير وشر، وإنما يقال في الحكم على أنه حرام إذا غلب عليه الشر، فأنت إذا بنيت منزلا لتؤجره فإن فيه أيضا ذرائع عن الفساد وعن الصلاح، فقد تؤجره لمن يسكن فيه أو يتخذ فيه شغلا أو إدارة، ولكن قد يسكنه إنسان يشرب فيه الخمر، فهل معنى ذلك أنه لا يجوز بناء المنازل لهذه الذريعة. إنها ذرائع غير معتبرة. ولذلك درس الأصوليون الذرائع بالترتيب فقالوا بما هو أغلبي وما يكون كثيرا، وما يكون معتدلا، وبالتالي لم يسجنوا الفقه.
إننا في بعض الأحيان نسمع فتاوى تحرج المسلمين، أي ليس لها سند لا من الكتاب ولا من السنة ولكن لها سند واحد هو الذرائع أي بمنطق حتى لا. ولهذا فالمذهب المالكي يتميز بشيء اسمه المصالح، وقضية المصالح أيضا يجب أن نفهمها، فأولا نحن نتحدث عن المصلحة بالمعنى الشرعي، ولذلك فالمصلحة هي ما يحقق مراد الله من البشر. ولهذا فالمصلحة تعود إلى الأصول الكبرى للكليات. أي لابد من أن نثبت المصلحة من خلال الرجوع إلى تحقيقها للكليات، وعدم مساسها بها. ولذلك كل العلماء يقولون ليست المصالح هي مصالح الناس لأن للناس مصالح متناقضة، ولو حكمنا بمصالح الناس لأدخلنا الناس في فوضى، فحتى اللص الذي يسرق له مصلحة فيما يرى، ولقاطع الطريق مصلحة…لكنها مصالح غير صالحة للقياس والتشريع والبناء عليها.
فالمصالح إذن يعتبر فيها المراد الإلاهي من البشر، ثم إن هذه المصالح أقسام حيث هناك مصالح نص الشرع عليها مثل نصه تعالى على أن للصلاة فائدة فهي تصون الدين وتنهى عن الفحشاء والمنكر…، كما أن هناك مفاسد تحدث الله عنها كالخمر والميسر. وفي مقابل هذه المصالح هناك مصالح أخرى لكن الشرع لم يقل بها أي ألغاها لأنها لا تساير منهجه، ومن ذلك مثلا الانقطاع للعبادة، والتنسك والرهبانية وهي في حقيقتها قربى من الله تعالى. ولكنها وإن كانت مصلحة فالشرع  لم يرد للمسلمين ذلك. لأنه أرادهم أن يأخذوا بحظي الدنيا والآخرة، وما أكثر المصالح من هذا القبيل مما لا يساير تصور الشريعة فلا يقبل به الشرع.
ويبقى الجوهر في المصالح أن هناك مصالح لم يذكرها الشرع لا بتأييد ولا بإلغاء ونسميها المصالح المرسلة. وهي ليس لها نص يشهد لها  بالقبول ولا بالرفض، فهي مرسلة أي لا دليل عليها لا من الكتاب ولا من السنة، وإنما بها تتحقق مصالح الناس ويعرفها العلماء، وهذه المصالح المرسلة حينما تقول بها، أي بهذا المعنى العلمي، تكون قد أوجدت لنفسك جوابا عن مفهوم البدعة. لأن بعض الناس في ذهنهم أن كل شيء يطرأ في تاريخ المسلمين فهو بدعة، ولهذا فالذين يقولون  بالبدعة في كل شيء لا يستطيعون القول بالمصالح المرسلة وإذا قالوا بهما معا فهم يقعون في تناقض واضح.
إذن فما الذي وقع؟ إن ما وقع هو أن المسلمين قد وجدوا أنفسهم منذ الزمن الأول وقد ربوا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيهم علماء ومجتهدون كثيرون، وقد أخذوا العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت لهم السليقة والفهم، فهؤلاء قد فهموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن البدع، فكل محدثة بدعة، ويأتي البعض ويقول إنه قال « كل محدثة بدعة » و »كل » ككل « كل » في القرآن، والكل في القرآن غالبا ما تكون عامة ويدخلها التخصيص، وهذه امرأة قال الله عنها: (وأوتيت من كل شيء) ولم يكن لها كل شيء، إنما المراد به ما يحتاجه الملوك فقط. والريح قد قال الله تعالى عنها (تدمر كل شيء بأمر ربها) ولم تدمر الجبال ولم تدمر الأنبياء ولم تدمر أقوامهم من الذين آمنوا، فلابد أن نفهم هذا أما الفهم السطحي فغالبا ما يوقع الناس في الأخطاء، إنهم لم يقرؤوا العلم، ومجالسنا العلمية هي التي يوكل لها هذا، أي نحن مطالبون بتصحيح الجانب الديني فينا قبل أن نصححه عند غيرنا، لأن هناك ثغرات عندنا نحن في فهمنا، ونحن بمجرد أن يكون لنا تدين غير مؤسس على العلم نتعصب ونتعصب لأننا لا نستطيع أن نناقش، فالذي يخاف من الحوار يتعصب، فإذا كنت على الحق فآية كونك على الحق أن تستطيع الدفاع عنه وأن تستطيع الإصغاء إلى الآخر، أما إذا انغلقت على نفسك فلأنك هارب وخائف، ولأنك تعود للذين يجعلون أصابعهم في آذانهم.
إذن فالصحابة عرفوا هذا وعرفوا أن هنالك بدعا، انتهى إليها العلماء من خلال منهجين ولكن نتيجتهما واحدة، أي أن البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يراد بالسلوك عليها المبالغة في التدين كما عرفها الإمام الشاطبي، وهذا كلام دقيق، وكي يقوله الشاطبي يجب أن نعرف من يكون الشاطبي. إن هؤلاء كانوا مشغولين بالأمة ولا يريدون أن يحرجوها، فإذا أحدثت طريقة جديدة وقلت لهم هذا دين وفيها أجر فتخترعها وتزاحم بها الطريقة الشرعية فهذه بدعة لأنك بهذه الطريقة تتهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم التبليغ أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نسي شيئا أنت تستدركه عليه. ولكن هناك أشياء ليست من هذا القبيل أي أنك تحترم الشريعة وتجلها وترى أن هنالك أشياء وكلت إليك لتنفذها، فحينما أخذ خبيب بن عدي ليقتل قال لهم أمهلوني حتى أصلي ركعتين، فصلاهما ثم قتل، قال الناس في ترجمته: إنه أول من سن في الإسلام صلاة ركعتين قبل الموت، ولم يقل أحد أن هذا الرجل كان مبتعدا، وبما أنه رأى أنه سيلتحق بالرفيق الأعلى رأى أنه يستحسن به أن يكون آخر عهده من الدنيا وهو في الصلاة، فكان هذا اجتهادا منه. وحينما دخل رجل إلى المسجد فحمد الله على أنه أدرك الصلاة وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم وسأل عنه من الذي قال هذا؟ فقال الرجل : أنا يا رسول الله، فبادره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله  » إن كلمتك قد ابتدرها كذا من الملائكة » وعلى غرار هذا هنالك أشياء كثيرة وقعت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ليست طريقة جديدة ولا مزاحمة للشريعة. وإنما هي مما أتاحه الإسلام وأباحه للناس ففعلوه. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مسجده فيجده مضاء بسعف النخيل، ثم حدث يوما أن جاء تميم الداري ولم يعجبه ذلك فأخذ فكرة جاء بها من الشام وعلق بعض الفوانيس في المسجد بدون أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما خرج عليه السلام لصلاة المغرب أعجب بذلك وقال: من فعل هذا؟ قيل له تميم الداري فقال: « نور الله عليك كما نورت مسجدنا »، ومنه المرأة التي لم يعجبها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس على جذع  نخلة  وصنعت له منبرا. وعندما غاب النبي صلى الله عليه وسلم جاءت المعضلة الكبرى وهي مسألة القرآن والقرآن كان متفرقا في الناس، وقد رأى عمر أن الأمر قد يفضي في نهاية المطاف إلى تشتيت القرآن ونهايته، وعندما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة عزم على أبي بكر وقال له لابد أن تجمع القرآن فقال له أبو بكر مثل ما يقال الآن: فكيف تريدني أن أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكأن أبا بكر رأى الأمر في البداية وكأنه بدعة، فقال له عمر: إنه خير إنه والله خير، يقول أبو بكر: فما زال عمر بي حتى شرح الله صدري لما شرح له صدر عمر. فجمع القرآن وكان هذا الفعل بركة، وفعل عثمان بعد ذلك كان بركة للأمة، ثم نقط المصحف كذلك كان بركة، وتوقيف المصحف كان أيضا بركة… فكل هذه الأمور مستحدثة ولكنها ليست بدعة لأنها دخلت من باب المصلحة المرسلة، وهذا شيء إن لم يأخذ به المسلمون توقف كل شيء في حياتهم. وفي السنوات الأخيرة كانت عند المسلمين إشكالات كبيرة مثل إشكالات الطواف، إشكالات السعي بين الصفا والمروة، إشكالات رمي الجمرات، وكان في كل سنة يموت مجموعة من الحجاج، فوقع التفكير في رفع مستويات الرجم، فحلت الأزمة، وقد كان الناس من قبل كما في المعيصم يموتون بالآلاف، والمشكلة أن لحد الآن هناك من لازال يقول أن هذا الأمر بدعة ولابد أن نرمي الجمرات من حيث رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم بذلك يريدون أن يفنوا الناس. ووقع هذا مؤخرا عندما وسع المسعى بين الصفا والمرة  فوقع لغط كثير لكن المصلحة كانت هي حياة المسلمين، ونحن الآن نتحدث عن ملايين المسلمين، وهؤلاء يتحدثون عن عدد قليل كان يحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكبر عدد حج معه عليه السلام كان أثناء حجة الوداع وقد قدر عدد الصحابة حينها ب 114 ألف. فهل المكان الذي يتسع لهذا العدد من الناس هو الذي سيتسع لثلاثة ملايين ونحن الآن نتحدث عن عشرة ملايين. فهل تفكرون نوعا ما أم تريدون أن تقولوا للناس أن الإسلام لا يعبأ لا بوجودكم ولا بأرواحكم ولا بمصالحكم، وكأننا عندما نبعث حجاجا سنبعثهم للموت إما أن يعودوا وإما أن يبقوا هناك.
إن هذا فقط جزء مما يعرض لنا يوميا، فالمذهب المالكي من هذا الباب واسع ورحيب ويحل إشكالات كثيرة، وفي نطاق فهمه وفهم سنية المذهب، لأن المذهب المالكي مذهب سني، ومالك أكثر الناس تمسكا بالسنة وحرصا عليها، ولا يقول غير هذا إلا إنسان لا يعرفه، وقد كان مالك صارما في حديثه وفي أخذه للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي استقباله للقبلة…ومما هو معروف في حياته، ولن نقبل من أحد أن يقفز على المذهب المالكي ويقول أن به بدعة، ولكن نحن نتحدث عن فهمنا لهذا المذهب وفهم المغاربة، فالمغاربة في واقعهم كانوا في بعض المرات يفعلون أشياء لو نظر إليها الناظر من الخارج ومن الذين يقولون بالكلام الحدي لقال إنها بدع، من ذلك أن الطفل عندما يبلغ سن الخامسة من عمره كان يحتفى به ويلبس لباسا ويؤخذ إلى الكتاب. هذا شيء كانت تفعله الأسرة من أجل التحفيز على التعليم. فصار هذا عرفا والشيء حينما يتحول إلى عرف يصير صارما. فلماذا اختاروا هذه السنة بالضبط أي السنة الخامسة؟ لأن المحدثين قالوا إن سن الخامسة هي السن الأولى التي يصح فيها التحمل لأن محمود بن الربيع وهو أصغر صحابي نقل الحديث ورواه حيث قال:  » عقلت مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي » وأما من أين جاؤوا بأن الطفل يجب أن يلبس ويهتم به فقد جاؤوا به من قول مالك حين قال:  » عندما بلغت سن الدراسة ألبستني أمي الطويلة، أي لباس الدراسة، وقالت: اذهب إلى ربيعة الرأي فخذ من أدبه قبل علمه ». وإن كان الأمر يبدو للناس وكأنه مستحدث فإن له سندا، فالطفل عندنا عندما يختم شيئا من القرآن يحتفى به، والطفل عندما يصوم اليوم الأول في حياته يساند اجتماعيا حيث يرحب به الجميع لأن هذا الصيام قد يشق عليه لأنه لم يتعود الجوع  ولكن عندما يرى أن الجميع يشد على يديه وربما يتحفه أحد بهدية فسوف يتحمل ويتم صيامه بأمان. فكل الناس يذكرون صيامهم لليوم الأول لأنه يوم مشهود في حياتهم. ولأن المجتمع الذكي يصنع أشياء ليدعم بها الفرائض. ففي بعض المدن والقرى المغربية تحرص النساء على التوقف عند يوم نهاية العدة فتحتفل بذلك، فأصبح هذا عرفا لكن قيمته أنه يشعر المرأة بالعدة. وفي بعض الجهات للأسف لا تعرف المرأة فيها شيئا عن العدة وقد يموت الزوج وبعد خمس عشرة يوميا تبدأ في الحديث عن الزواج.
فهذا إذن سند اجتماعي للمحافظة على فريضة شرعية، وبالتالي فكل ما كان من هذا القبيل إنما هو تأييد للشرع.
وربما أختم الحديث بقضية يتشبت بها البعض كثيرا وهي القراءة الجماعية للقرآن الكريم. فالبعض عندنا يجزم بالقول بأنها بدعة ولا يمكن أن نقبل بها لأنها لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا نقول لمن يقول هذا: فمنذ كم لم تقرأ القرآن؟ فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك القرآن؟ وكم كان عليه السلام يقرأ القرآن؟ فترى الرجل يعبث في دينه، إن لهذا العمل سندا قديما من فعل الصحابة، فأبو الدرداء كان يقرئ الناس في الشام، وكان الناس يحضرون لديه كبارا وصغارا فأصبح يعلمهم عشرة عشرة، لأنه لا يستطيع أن يعلمهم فردا فردا، ومن قراءاته هذه تخرج العديد من القراء، ثم نقل ذلك إلى شمال إفريقيا حيث نقلها بعض العلماء إلى تونس ثم نقل عندنا في زمن الموحدين، والموحدون احتاجوا لهذا لأنه وقع لهم ما وقع لأبي الدرداء، لأنه كان من المستحيل أن يعلموا المغاربة كلهم  القرآن. ففي بعض المرات  كان هناك من لا يعرف العربية  وبعضهم كان نائيا، فكانوا يجمعونهم في الصباح والمساء على القراءة الجماعية فمنهم من يكون حافظا فيراجع، ومنهم من ليس حافظا فيتعلم أداء القرآن أداء صحيحا، وكان عبد المومن بن علي شخصيا يحرص ويتابع قراءة الناس للحزب. فإذا كانت هذه الطريقة تضمن لنا أن الناس سيقرؤون القرآن ويرتبطون به فيجب أن نحافظ عليها. فبعض بوادينا وقرانا دخلها من قال لهم لا تقرؤوا الحزب فانتهى القرآن فيها  أصلا ولم يعد يذكر، وإذا تم مثل هذا فحينئذ سيكون القرآن مقروءا من طرف نخبة أي الذين يقرؤون ويستطيعون أن يقرؤوا وهم فئة قليلة جدا على مستوى القرية أو المدينة.
كما يقول هؤلاء بأن أفضل طريقة لقراءة القرآن هي القراءة الفردية، وهذا جيد، ولكن أفضل طريقة هي أن تقرأ القرآن على يد شيخ، وإلا فلن نجد من يقرأ القرآن لا فرديا ولا جماعيا، لأن للقرآن رسمه الخاص. إن قراءة الحزب هي آخر مدرسة للقرآن الكريم في المغرب فإذا ذهب الحزب ذهب القرآن. وقد رأينا العديد من الشعوب كيف لا تستقيم الآية أبدا في لسانهم لأن آذانهم لم تستأنس بها وليست لهم فرص لفعل ذلك. إن في بلادنا نحو 50 ألف مسجدا وكلها تختم القرآن 50 ألف مرة في الشهر، فإذا كان هذا لا يجوز فما الذي يجوز إذن؟
ورغم ذلك فلو صح أن هذا بدعة فيجب تركه، ولكن نحن نقول إن البدعة ليست هي كل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أقول لطلاب العلم إن هنالك بابا يتقنه العلماء وهو باب المتروكات النبوية، وهذا باب في أصول الفقه يجب أن ندرسه للناس، أي قد يترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لداع ولسبب ويعتبر ذاك الترك حكما خاصا، وإذا فعله إنسان آخر يكون له حكم آخر، كما ترك عليه الصلاة والسلام أكل الضب ولكن خالد بن الوليد أكله ولم يكن بذلك بأس وأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وخلاصة القول إن الذي يتصور بأن المعرفة الشرعية تجلب خطرا على الناس، أو أنها تتسبب في إنعاش ثقافة الإرهاب، لا يعرفون هذه الثقافة وهم عاجزون عن إعطاء دليل واحد على ما يقولون، إنما يستدلون في بعض المرات بفهوم خاصة وسقيمة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *