Home»National»قراءة في النظام الداخلي للمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة

قراءة في النظام الداخلي للمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة

4
Shares
PinterestGoogle+

قراءة في النظام الداخلي للمعاهد العليا

للمهن التمريضية وتقنيات الصحة

لقد أثار النظام الداخلي لمهن التمريض وتقنيات الصحة جدلا واسعا، حيث شكل محور النقاش طيلة السنوات الماضية، حول مدى مشروعيته، والمصدر الذي استنبط منه، والمرونة القانونية التي تحلى بها، والطريقة المثلى التي يجب أن يتبعها المسؤولون الساهرين على تنفيذه.

وإسهاما منا في النقاش الحالي، نقدم رؤيتنا للموضوع من خلال هذه القراءة النقدية، وذلك بتسليط الضوء على مقتضيات ومضامين هذا النظام الداخلي تحليلا ونقدا وتقييما، ومدى استجابته لمعايير المتطلبة في تكوين بيداغوجي يرقى لمهنة تتطلب كثيرا من الدقة وروح المسؤولية وتنشئة سليمة للطالب الممرض وأيضا محيطه .

 فما هي إذن المقتضيات التي أتى بها النظام الداخلي الأنف الذكر؟

 وهل تتلاءم هذه المقتضيات لمعايير الشفافية والمساواة والإنصاف والجودة والمبادئ التي أقرها قانون مزاولة التمريض رقم 43.13 وكذلك مرسوم رقم 2.13.658 المتعلق بالمعاهد العليا للمهن التمريض وتقنيات الصحة؟

وهل يستجيب هذا النظام الداخلي لمطالب وانتظارات الطلبة الممرضين وأساتذتهم فيما يخص الحقوق والواجبات وجودة التكوين؟

إن أول خاصية نلتقطها ونحن نتصفح هذا النظام -الذي لم يكن من السهل التقييد بمنهجية قراءته مادة تلو الأخرى- هو التأطير العام للمشرع المغربي، والذي يأتي ضمن سياق نظرية التبعية التي تنهجها مجمل المعاهد التعليمية العليا في المغرب، حيث لا يكون للطالب والأساتذة إلا أن يخضعوا مباشرة للتعليمات والإرشادات التي يكرسها النظام الداخلي.

وسنحاول من خلال هذه القراءة فك بعض الطلاسم خبراء وزارة الصحة واضعي النظام الداخلي والكشف عن مجموعة من الثغرات، وذلك عن طريق تقديم مجموعة من الملاحظات.

*الملاحظة الأولى: تكريس نظرية الكم على نظرية الكيف.

فمن وجهة النظر الأولية والإجمالية وتحديدا من حيث الشكل، فإن النظام الداخلي قدم في 25 صفحة، قسمت إلى 10 فصول، فالفصل الأول تطرق للمقتضيات العامة، والثاني للتنظيم الإداري للمؤسسة، ثم الفصل الثالث والرابع الذي تحدث عن ولوج الطلبة وتنظيم الدراسة، بينما تناولت الفصول الباقية حقوق وواجبات الطالب وتنظيم أفراد المعهد ومركز التوثيق والمعلومة، بينما نص الفصل الأخير على أحكام مختلفة.

ومن هذا المنطلق نستنتج إن النظام الداخلي كرس نظرية الكم على نظرية الكيف حيث نجد 10 فصول و134 مادة على عكس النظام الداخلي القديم لمعاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي (IFCS) بتاريخ 19 يوليوز 1995 الذي حدد عدده في سبعة فصول كما لا تتجاوز مواده 65 مادة.

*الملاحظة الثانية: عيب من حيث طريقة الإصدار والنشر.

فبخلاف النظام الداخلي القديم لمعهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي، التي أشارت المادة 65 منه صراحة على ضرورة نشر القرار بالجريدة الرسمية وبالتالي احترمت قاعدة الشرعية ومبدأ لا يعذر أحد بجهلة للقانون. حيث ثم نشره بالجريدة الرسمية تحت رقم 4316 لـ 20 صفر 1416 (19 يوليوز 1995). والذي جاء على شكل قرار لوزارة الصحة العمومية.

فإن النظام الداخلي الجديد ثم نشره في موقع وزارة الصحة وهو صادر عن مديرية الموارد البشرية- قسم التكوينات- مصلحة التكوينات الأساسية بتاريخ يناير 2015، وبالتالي يخالف الأعراف المعتمدة لصياغة الأنظمة الداخلية في هذا الصدد حيث كان أولى أن يتم إخراجه على شكل قرار وزاري ومشاركة جميع المتدخلين خصوصا مجالس المؤسسات، بالإضافة إلى نشره للعموم بجميع الطرق المتاحة من بينها الجريدة الرسمية، ويتم صياغة هذا النظام الداخلي في مديرية التنظيم والمنازعات التابعة لوزارة الصحة باعتبار كفاءتها ودرايتها بالترسانة القانونية. ولعل خير دليل على سرعة وعدم صدور هذا النظام الداخلي عن خبراء قانونيين الخطأ المادي الواضح في المادة 28، فقد نصت على حق الطالب في تأسيس جمعيات ثقافية ورياضية طبقا للظهير الشريف رقم 377-58-1 الصادر بتاريخ 15 نونبر1958 بمثابة قانون للجمعيات العمومية غير أن هذا الظهير يتعلق بعقد الاجتماعات العمومية ولا صلة له بإنشاء وتنظيم الجمعيات، فهذه الأخيرة يحكمها ظهير رقم 376-58-1 الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958 المنظم لحق تأسيس الجمعيات.

*الملاحظة الثالثة: مرتبة وحجية النظام الداخلي للمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة.

 تتجلى هذه  الخاصية في عدم إبراز القيمة القانونية التي أرادها واضعي النظام الداخلي للمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة من حيث مرتبته وحجيته ضمن الهرم القانوني، وذلك من خلال بيان وضعه بالنسبة لكل من الدستور والقوانين التنظيمية والقوانين العادية، فالنظام الداخلي وإن كان قانون فهو من حيث الحجية والترتيب يأتي في مرتبة بعد الدستور والقوانين التنظيمية والقوانين العادية، فالنظام الداخلي في المغرب ليست له قوة الدستور وحتى القوانين الأساسية والعادية، وعلى هذا الأساس لا يجوز للنظام الداخلي أن يتضمن أي نص مخالف للدستور أو قانون لأنه من الوجهة التشريعية أقل منهما، فالنظام الداخلي هو مجموع التدابير والقرارات التي ترجع إلى المؤسسات العامة والخاصة والمعاهد لتنظيم شؤونها، كما يعتبر الأداة الأساسية للتنظيم وحسن سير عمل المعاهد ، فيضبط العلاقة بين مجموعة من الفاعلين كالوزارة الوصية ووزارة التعليم العالي والطلبة والأفراد (مدرسين وإداريين) الذين يدخلون في إطار هذا القانون، وبالتالي فإن هذا النظام يضمن حقوق الطلبة والأفراد المنضوية تحت لوائه، ويحدد الواجبات ويبين المخالفات ويضع لها الجزاءات والعقوبات، ويحتكم إليه لفض النزاعات والخلافات.

*الملاحظة الرابعة: استعمال تقنيات الإحالة (Technique de renoi)

من أهم مظاهر النظام الداخلي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة استعمال تقنيات الإحالة، والتي غالبا ما يلتجئ إليها في صياغة النصوص الزجرية وليست الأنظمة الداخلية، سواء منها الإحالة الداخلية أي الإحالة داخل نفس القانون، كما هو الحال بالنسبة للمادة 65  التي أحالت على المادة 59 من نفس القانون، أو الإحالة الخارجية التي تحيلنا على قانون 00-01 المنظم للتعليم العالي. وسواء أكانت الإحالة داخلية أو خارجية فإنها تفضي إلى نتيجتين أساسيتين أولهما تكمن في أن النص الذي يقتصر غالبا على تحديد إجراءات مسطرية مهمة، لا يكفي في حد ذاته لتبيان هذه القواعد، إذ يتعين الرجوع إلى النص المحال عليه لتوقيع هذه الإجراءات، وهو ما يجعل الساهرين على تنفيذ هذا النظام يكتنفهم بعض المشاق والصعاب أثناء نظرهم وبثهم في إجراء معين من هذا النوع، فيما تتمثل النتيجة الثانية في أن النص القانوني المحال عليه يفتقد إلى الدقة التي يتطلبها مبدأ الشرعية ويتنافى مع مبدأ التفسير الضيق الذي يسود الأنظمة الداخلية.

فلاشك أن النص القانوني يبقى محلا لعدة تأويلات وتفسيرات لشرح محتوياته ومضامينه، مما سيؤثر على الساهرين في تنفيذه عند نظرهم في مسألة معينة متعلقة بمضامين النص المحال عليه، وهو ما يؤدي إلى خرق واضح لمبدأ شرعية الأنظمة الداخلية، لكون النصوص قد تفسر بشكل واسع، يؤثر على حقوق الطلبة والأفراد ومصالحهم لذلك كان على المشرع أن يتجنب تقنية الإحالة في وضعه النظام الداخلي للمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة.

*الملاحظة الخامسة: جاء هذا النظام بمواد جد صارمة مقارنة بالنظام الداخلي القديم.

فالنظام الداخلي الجديد هو خليط لمجموعة من الأنظمة الداخلية كمدارس المهندسين والمعاهد العليا الخاصة والقوانين المنظمة لاعتماد الماستر، وبالتالي عدم احترام « مبدأ القانون الأصلح للطالب »، باعتباره الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، حيث أن الطالب يقصى من حقه في اجتيازه الدورة الاستدراكية إذ لم يستوفي مجموع النقط 10/8 (ثمانية على عشرة) في الوحدة الأساسية (انظر الفصل 5، المادة 59). ويحرم هذا النظام الطالب من استدراك امتحانات المراقبة المستمرة (الفصل 5، المادة 75) ويحرم أيضا الطلبة من التسجيل في الوحدات الدورة المقبلة، إذ لم يتم استيفاء كل الوحدات الأخرى (الفصل 5، المادة 70 و71).

كما أن هذا النظام حرم طلبة المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة من الاستفادة من الداخلية (Internat) (الفصل 4، المادة 43). كما أنه ألغى نظام التعويض بين الوحدات ومكوناتها خلال الدورة العادية.

فيما يخص الدورة الاستدراكية، فإنه حق كوني، هو ما أكده الاجتهاد القضائي (Jurisprudence) في فرنسا حيث حكمت المحكمة الإدارية (الغرفة الثانية) بستراسبورغ في حكم رقم 130-29-97 بتاريخ 23 يناير 2014 لصالح الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا على اجتياز الدورة الاستدراكية كما أمرت الإدارة بتغيير نظامها الداخلي.

وما يبين أيضا على تشدد وصرامة النظام الداخلي المادة 107 التي تعتبر الطالب في حالة تأخر إذ لم يلتحق بالقاعة أو المختبر أو بميدان التدريب بعشر دقائق قبل بداية الأنشطة المبرمجة في استعمال الزمان حيث يعتبر المتأخر غائبا في ذلك النشاط. على عكس بعض الأنظمة المقارنة التي تعتبر الطالب في حالة تأخر إذا تجاوز 15 دقيقة كما هو الحال في النظام الداخلي للممرضين في صفاقس بتونس، كما أن المشرع اعتبر المتأخر في حالة عود (تكرار) يمر إلى العقوبات التأديبية وذلك بعد إنذاره، علاوة على ما سبق فإن نظام العقوبات التأديبية تطور نحو الأشد حيث نجد أن المادة 43 من النظام الداخلي القديم ينص على 4 عقوبات وهي الإنذار، التوبيخ، التوقيف حيث لا يتجاوز 48 ساعة، والطرد النهائي، إلا أن النظام الداخلي الجديد لم ينص على التوقيف المؤقت بل تحدث عن الطرد المؤقت لمدة محددة من طرف المجلس التأديبي، كما أن سلطة اتخاذ قرار العقوبة التأديبية أرجعها المشرع إلى مدير المعهد والمجلس التأديبي في بعض العقوبات إلا في حالة الطرد النهائي، فهو قرار تتخذه وزارة الصحة بناءا على اقتراحات المجلس التأديبي.

*الملاحظة السادسة: تلاشي حسن النية في النظام الداخلي لمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة.

وهذا ما يتبين من خلال المادة 91 حيث أنه في حالة تعرض معدات وتجهيزات المعهد للتلف أو الضياع يتم تعويضها من طرف الطالب أو الطلبة المعنيين، حيث تعتبر نية العمد مفترضة، وبالتالي حتى لو كان الطالب حسن النية فهو مجبر على التعويض وهو ما يخالف القوانين المنظمة كقانون الالتزامات والعقود ،حيث اوجب على المشرع أن ينتبه  في هذه المادة إلى وجود نظام تامين متبع في جميع المعاهد يكفل تعويض مختلف الخسائر المرتكبة ممن طرف  الطلاب .

وتأسيسا على ما ورد ذكره، وحتى يستجيب هذا النظام الداخلي لمطالب وتطلعات الطلبة والأفراد، فإننا نوصي بالاقتراحات التالية:

– صدور النظام الداخلي عن هيئة مختصة في التشريع واحترامه للإجراءات القانونية من حيث الإصدار والنشر.

– إعطاء النظام الداخلي قيمة قانونية كبيرة أسوة بالقوانين الداخلية لمؤسسات أخرى:( مجلس النواب على سبيل المثال –المادة 44 من الدستور)

– تمكين الطلبة من اجتياز الدورة الاستدراكية بمجرد الحصول على معدل 20/5 سواء بالنسبة للمواد الأساسية أو التكميلية.

– توضيح بعض المواد القانونية، وذلك بعدم استعمال تقنية الإحالة.

– تليين بعض المواد الني جاءت صارمة عبر احترام مبدأ القانون الأصلح للطالب.

– التكوين القانوني للساهرين على تنفيذ هذا القانون باعتباره يحتاج إلى مرونة في التطبيق وسلطة تقديرية في التنفيذ.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *