Home»National»حكايا استاذ متقاعد : كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه ابدا لأول منزل

حكايا استاذ متقاعد : كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه ابدا لأول منزل

1
Shares
PinterestGoogle+

عندما خرجت الى الوجود ذات يوم من بداية الخمسينات، وجدت اهلي يستنزفون الايام في قلب خيمة فسيحة تنتقل بانتقالهم عبر أماكن متوارثة.
عندما توفي والدي بعيد الاستقلال،كان أكبر اخوتي على عتبة الشباب، وشعر الجميع وعلى رأسهم الوالدة بأن الخيمة لم تعد محصنة بعد غياب رب الاسرة.
وهكذا، وفي نهاية الخمسينات، قررت الأسرة تامين نفسها من خلال بناء بيت بمواصفات محلية.
وقع الاختيار على بقعة تزينها شجرة بلوط عظيمة لم تستسلم للعوادي الا قبيل سنوات معدودة ولازالت أجزاؤها تتمسك بجدار البيت الذي حمته ولم يستطع رد الجميل!
استغرق البناء عدة أسابيع ، وكانت مواد البناء كلها من عطاء الارض!
لقد احترم في التصميم عنصر واحد فقط، ألا وهو جعل المدخل مقابلا لشروق الشمس.
اما الاكسيسوارات الداخلية، فقد خضعت للحاجيات الانية والمحتملة.
وهكذا، وبدل النوافذ، فان كل بقايا الاواني والمتلاشيات قد وجدت لها مكانها باركان البيت، فهذه علبة مصبرات وضعت لحفظ عود الثقاب، وهذا مرجل اعترته الثقوب فتغيرت وظيفته ليجمع فيه بيض الدجاج، وتلك قضبان حديد ثبتت وسط الحجارة لتعلق عليها اغراض مختلفة…
والى جانب هذه المرافق التي استجاب فيها البناء لأمزجة الاهل، فقد كان من الضروري ان يظل جزء من البيت خاصا بتخزين المؤونة.
عندما اصبح البيت جاهزا، لم يهنأ بال الوالدة حتى أحاطت الخيمة بسياج من أغصان الشجر حتى تساوى مع علو البيت واصبح من الصعب على اللصوص الاغارة على المسكن الذي يدعم حراسته كلبان شرسان قاما بدورهما على اكمل وجه.
كنا نقضي فصلي الشتاء والربيع في البيت والخيمة، فاذا جمعنا المحاصيل، اغلقنا الباب بجدار اضافي لنمضي ما تبقى من الصيف والخريف ،، بالوادي الحي،، او ، ثاغزوث، كما كنا نسميها.
مرت السنون بحلوها ومرها، وحدث ان ضاع السد الذي كان يسمح لنا باستغلال ا راضينا هناك، وكان لابد من التكيف مع المستجدات.
في اواخر الستينات، هاجر العديد من ابناء البلدة الى مدينة جرادة ، وكان لابد من مواكبة المتطلبات الجديدة بعد تحسن الدخل، وهكذا اصبح السكان يتخلصون من الخيام وانطلقت حركة البناء بشكل سريع مما جعل الاوضاع تميل نحو الاستقرار بدل الترحال الذي تيسره الخيام.
كان علينا ان نتخلى عن المسكن القديم بعدما وقع الاختيار على مكان اخر يتيح القرب من الجيران ويوفر مزيدا من الامن والطمأنينة.
تحول البيت القديم الى مخزن للحبوب والتبن في مرحلة اولى قبل أن يهجر تماما ويشرع في التخلي عن شموخه بفعل الانسان والزمان!
لقد شهد،، البيت العتيق،، احداثا كثيرة وظلت شجرة البلوط تدلله بأنسام غصونها ويتبادلان المناجاة عندما تركناهما ذات يوم يواجهان المجهول!
غادرت االبلدة سنة سبع وستين وتسعمائة والف، ولكن صلتي باول منزل لم تنقطع الى الان.
حينما كنت على بعد سنة من اجتياز امتحان البكالوريا، اتخذت هذا البيت معتكفا للقراءة.
كان زملائي في اماكن اخرى يقصدون الشواطىء لتجديد نشاطهم وتصريف نزوات الشباب، بينما كان علي أن أؤجل كل رغباتي الى اشعار اخر!
كنت اشترك مع الاخرين في كل الجينات البشرية، لكنني ارغمت على وأدها حية لأن الحياة حملتني المسؤولية منذ الطفولة وخيرتني بين امرين لا ثالث لهما: فاما أن اعض على الدراسة بالنواجذ، او اروض جسمي على تحمل كل الاعمال التي تستنزفه بكل قسوة ليكون نسخة طبق الاصل لنمط من العيش الذي توارثه الاجداد!
في نهاية كل سنة دراسية، كنت أحرص على العودة برزمة من الكتب، وما ان تكتمل أعمال فصل الصيف حتى أحمل عتادي الى البيت العتيق الذي اتخذته معتكفا.
كنت اجلب الماء من نبع غير بعيد لالطف ارضية البيت ثم اشرع في التهام الكتب التي كنت احفظ منها الصفحات التي تروقني الى أن اصبح الكتاب عندي في المكانة التي اختارها له المتنبي حين قال:
أعز مكان في الدنى سرج سابح
وخير جليس في الانام كتاب
لن انسى الحماس الذي انتابني والاخوين محمد الوالي والبشير بنعالية لمواجهة امتحان البكالوريا.
وهكذا تبادلنا العديد من الكتب، وحرص كل واحد منا على تلخيص ما قرأ حتى نتقاسم كل المكتسبات.
اذكر ان الاخ محمد الوالي قد عانى ظلما في التوجيه، ذلك ان هذا الشخص كان علميا بالسليقة، لكن المسؤولين تعسفوا عليه ليدرس الادب مرغما.
وعلى عكس ما يحصل في مثل هذه الحالات، فان سي محمد استطاع ان يشق مكانه بين طلاب الادب ، بل لقد بز اقرانه ونافسهم في كل شيء.
خلال خلوتي مع الكتب، حدث ان نغص علي انتشائي ثعبان،، بومراية،، عندما سقط من شقوق الجدران.
قفزت مسرعا فافرغت فيه غضبي من خلال تسديدات بالحجارة اصابته في مقتل.
كنت اضع الكتب على شكل حزمة ثم اعلقها باعمدة السقف بواسطة حبل.
عندما عدت ذات صباح الى معتكفي، استوقفتني حركة بين الكتب، فلما أنزلتها الى الارض مرق من بينها فأر كان قد اختصر علي العديد من الصفحات التي حولها الى فتات!
تذكرت الثعبان الذي تسرعت في قتله، فقد كان المسكين يتعقب عدوا مشتركا، لكن حظ الفأر كان اقوى!
لم يجد الندم ، ولكنني حينئذ فقط سبب عدم مساس اهلنا ب،، بومراية،، الذي كانوا يقولون عنه بانه ،، حارس امين لمخازن الحبوب ،،.
كنت اعود الى فصول الدراسة بزاد هام من المعارف تنسيني في استجمام الاخرين ، واكتملت الفرحة حينما حصلت وصديقاي سي محمد الوالي وسي البشير علىشهادة البكالوريا عن جدارة مما سمح لنا بايجاد مكان تحت الشمس، والحمد لله.
تحياتي.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *