Home»International»الانفتاح والعمل بالتخصصات في كتاب « إسلام السوق » لباتريك هايني – حركة التوحيد والإصلاح نموذجا –

الانفتاح والعمل بالتخصصات في كتاب « إسلام السوق » لباتريك هايني – حركة التوحيد والإصلاح نموذجا –

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
مما يؤاخذه الباحث السويسري باتريك هايني في كتابه « إسلام السوق »  على التنظيمات الإسلامية كونها لم تعد تقوى على صياغة خطاب مؤثر وفاعل يستطيع أن يحقق التفاعل المطلوب، كما لم تستطع أن تخرج عن التنظيم الهرمي الذي يستنزف الطاقات ولا يستطيع أن يحقق أكثر مما يراه من زاوية ضيقة، عوض العمل بمنطق « الشبكة » والذي يعني به التخصصات التي تستجيب للحاجيات المدنية في الساحة والتي من شأنها أن تحقق الشمولية والتوسع في العمل، كما أنها تخول للتنظيم التفاعل المهني والقطاعي الذي يصنع له خبراء ومختصين. كما أن هذا التوجه يعمل على جمع التراكمات في بوثقة الخبرة ويمنع التشظي والاهتمام الطائش بكل شيء بشكل عشوائي ارتجالي وغير موجه.
ويستنير السيد هايني في هذا الطرح بمجموعة تصريحات لمختلف قيادات الحركة الإسلامية المشرقية سواء من شبكة إسلام أونلاين أو من خلال الحوارات والمقابلات التي أجراها مع العديد من قيادات الحركات الإسلامية سواء في مصر أو تركيا أو ماليزيا، حيث يستنتج بأن هذه الحركات بدأت تعي النفق الضيق الذي حصرت نفسها فيه، وبدأت تعي أهمية العمل الشبكي و التوجه إلى نهج التخصصات والانفتاح وإطلاق الطاقات لتمارس عملها الذي تتقنه لكونه أقرب إلى  ميولاتها وتخصصاتها العلمية والمهنية والمهارية.
فإذا كانت الحركات الإسلامية في باقي الدول العربية والإسلامية لا تزال تتلكأ في هذا التوجه، أو قد استوعبت أنها انكفأت على ذاتها ونسجت لها خطابا عقيما جد متأخرة، فإننا بتتبعنا للعمل الحركي الإسلامي بالمغرب نستطيع أن نجزم بأن إحدى الحركات الإسلامية المعتدلة في المغرب وهي حركة التوحيد والإصلاح، بكل موضوعية، قد كان لها سبق عالمي في تدشين هذا الوعي الذي يتجلى في العمل بالتخصصات والحفاظ على محورية التنظيم، لقد بدأ النقاش يسري في هياكل هذه الحركة حول الانفتاح والعمل بالتخصصات في المرحلة الانتقالية التي أعقبت تأسيسها سنة 1996 على إثر الوحدة الاندماجية بين حركتي الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي. ولكن هذا لا يمنع أن قياداتها، على مستوى القناعات الشخصية، حتى قبل هذا التأسيس كانت تحمل فكرا انفتاحيا كما كانت تؤمن بالتعاون مع جميع الأطياف الفاعلة في الساحة، ونضرب على ذلك مثالين اثنين الأول يتجلى في الجمع العام الذي عقدته حركة الإصلاح والتجديد بداية التسعينات، أيام كانت تسمى بجماعة الحركة الإسلامية، حيث عملت على تغيير الاسم فقط لكونه يوحي بامتلاك الحقيقة والسيطرة على الانتماء للفصيل الإسلامي، أي « الحركة الإسلامية  » بالألف واللام،  فكان هذا ضربا من الوعي السابق لأوانه من أن الحركات الإسلامية في العمق ما هي إلا اجتهاد في فهم الإسلام كما أنها لا تمثل الحقيقة المطلقة، في الوقت الذي لازلنا نشهد فيه بعض الحركات الإسلامية لازالت تصر على تسمية برنامجها التربوي ب « المنهاج النبوي » كتسمية ذات دلالة إقصائية وتحمل معنى الادعاء باحتكار الحقيقة. والمثال الثاني يتجلى في المنهج التواصلي الذي اعتمده أحد قيادييها وهو الأستاذ عبد الرزاق المروري رحمه الله الذي سجل سبقا في أخلاقه وتعامله وتواصله مع جميع التيارات المغربية بما فيها التيارات اليسارية،  حتى أنه كان ينشر مقالاته في جريدة الاتحاد الاشتراكي. واعتبرت وفاته رحمه الله مصابا جللا ليس في البيت الإسلامي فحسب بل حزن على فراقه حتى الفرقاء في التيارات المخالفة،  وقد رأوا في وفاته فقدانا لرجل كان بحق يمثل حلقة الوصل بينهم وبين التيارات الإسلامية الأخرى، في هذا الوقت كان العديد من الإسلاميين يتوجسون من هؤلاء خيفة بل كانوا يعتبرونهم ملاحدة وكفرة.
إن الانفتاح المبكر لمثل هذه القيادات هو الذي مهد الطريق سلسا لحركة التوحيد والإصلاح لتدشن هذا السبق العالمي المنهجي الذي يؤمن بضرورة التعاون مع الآخر لكونه فاعلا مهما وضروريا، بقوة الانتماء، في تقدم ورقي هذه البلاد. وأن إقصاءه والدخول معه في مواجهات عقدية مرجعية من شأنه أن يخدم الفقر والأمية والتطرف والإرهاب، ويعمل على فتح المجال لمعاول الهدم لتتربص باستقرار وأمن هذا الوطن.
على إثر هذا الانفتاح قامت الحركة بصياغة وثائق وتصورات وألزمت أبناءها على قراءتها ومدارستها  من أجل استيعاب ما فيها من أجل تحقيق الوعي الجمعي الذي من شأنه أن يعمم هذه الثقافة وهذا الوعي فينتفي منهج الإقصاء والنضرة الاستعلائية للآخر، أو الادعاء بامتلاك الحقيقة، وقد تجسد ذلك عمليا في مواقف عديدة منها ما يعتمده أبناؤها الذين اختاروا لأنفسهم تخصصا سياسيا منفصلا هيكليا عن التنظيم، حيث الحزب سيد نفسه ويتخذ قراراته وفق ما تقتضيه رؤيته السياسية ويحتكم أبناؤه إلى ما سطروه من قوانين أساسية وداخلية. وذلك من خلال الاختيار المبدئي ليس فقط في إشراك الآخر في التسيير بل الرفض المطلق بالقبول بأحادية التسيير حتى ولو أفرزت نتائج الانتخابات عن نسبة الأغلبية المطلقة والكاسحة الماحقة التي تخول لهم تشكيل حكومة أحادية التسيير كما هو الشأن في تركيا. إن الذي لا يعرف هذا الخيار لا يعرف مدى إيمان أبناء هذا الحزب الذين تربوا ونشؤوا في هذه الحركة بمدى أهمية الآخر، مهما اختلفنا معه مرجعيا، لأنه، سواء شئنا أم أبينا، فهو يملك تجارب كبيرة في الإدارة والتسيير والسياسة وله أطر كفؤة جبارة يستفاد منها في تسيير البلاد، كما أن في ذلك نوع من التطمين لمن يهمه الأمر بأن هؤلاء الإخوان لم يأتوا ليسيطروا أو يتحكموا أو يهيمنوا بقدر ما جاؤوا ليسهموا مع جميع الفعاليات الوطنية بمختلف المشارب في تقدم وازدهار هذه البلاد. إن ما يقال عن الخيار السياسي يقال كذلك عن التخصصات الأخرى كالعمل النقابي والعمل الاجتماعي  و العمل النسوي والعمل الطفولي والعمل الطلابي والعمل الإعلامي  وغيرها من التخصصات التي تشكل شبكة تواصل متفاعلة مع الواقع وقادرة على أن تصوغ خطابات واقعية مبنية على المعرفة الجيدة بهذه القطاعات دون إقصاء لأحد عملا بمبدأ الاستعداد للتعاون مع الغير على الخير بما يعود بالنفع العميم على العباد والبلاد.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *