Home»Correspondants»ثورة العَدَسِيِين …. الحلقة الثانية

ثورة العَدَسِيِين …. الحلقة الثانية

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بقلم: عبدالحق الريكي

رجعت إلى المكتب منهك القوى وبذمتي تسديد ثمن طبق كسكس… وصلت وأول ما لاحظت وقوف البواب لتحيتي كما يفعل مع المديرين الكبار… تعجبت لموقفه وهو الذي يرد علي السلام من وراء مكتبه… صعدت المصعد ودخلت بهو الإدارة وإذ بكل العاملين ينظرون إليَّ كما لَوْ أنهم يروني لأول مرة… زاد عَجَبي وطلبت من الله أن يختم العاقبة بخير لأن حدسي كان يتنبأ بالأسوأ…

دخلت مكتبي ولم تمر هنيهات حتى رن الهاتف الثابت… ألو؟ كان على الخط مدير التخطيط، واحد من أصدقاء العمل… باغتني:  » استعد، استعد!! »… قُلت : أستعدُّ لأي شيء ؟ قال : ألم تعلم أن لجنة عليا أتت تسأل عنك؟ هذا يقع حين يُطلب تكوين ملف لترشيح شخص ما لمهمة كبرى، فإذا أصبحت وزيرا فلا تنسى تعييني في ديوانك… وأنا أحاول فهم ما يقع، إذ به يخبرني أن اجتماعا مهما ينتظره وِإن كنت راغبا في معرفة الكثير فمَا عليَّ سوى الحديث مع الموظف « العالم » (نَنْعته بالعالم لأنه لا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة بالإدارة)…

سيدي « العالم »: هل تَشَّرفت بأخْذ كوب شاي بمكتبي وتحكي لي عن كل ما دار بينك وبين « رجال الحال »، العفو اللجنة العليا؟ هكذا باغتته بسؤالي وأنا متيقن أنه كان ينتظر مجيئي…. قال الموظف « العالم »: إما أنك « قَفَّرْتَها » وإما أن خيرا كبيرا ينتظرك…. قلت مع نفسي: صديقي المدير عقله وأمانيه مع الترقيات والمناصب والموظف الصغير « العالم »، عقله مع المصائب والمشاكل…. كُل واحد وهمومه…

حكى لي الموظف « العالم » أن الأوامر أُعْطيت صباحا لكي لا يغادر أي موظف عمله ولو لأداء صلاة الجمعة ما دامت لجنة مديرية ستحل بالإدارة ولكن تم استثناءك من هذا القرار ولم نفهم لماذا… بدون شك أنك لاحظت غياب موظفي الإدارة عن المسجد، أنت ذو النظرة الثاقبة… ضحكت لأنه فعلا اثارني غياب صف كامل من موظفي إدارتي… وزاد « العالم »: مباشرة بعد خروجك للمسجد، حلت اللجنة العليا واجتمعت بداية مع المدير العام ومعاونيه ومن بعد تحدثوا إلى كل من يعرفك عن قرب ودخلوا مكتبك هذا وفي الأخير اجتمعوا مطولا معي إذ رأيت، بعيني هاته، السيد المدير العام يشير بأصبعه نحوي قائلا لهم: « الموظف « العالم » يمكن أن يمدكم بالمزيد… »…

قلت له، خيرا إن شاء الله… قال لي بثقة كبيرة : قلت الحقيقة كل الحقيقية غير الحقيقية… وماذا قلت أيها « العالم »، هيا انطق… قال « العالم »: أولا أنَّك إنسان متواضع وأنك تعامل الجميع باحترام، المدراء والموظفين الصغار… وأن الجريدة والكتاب والكمبيوتر دائما يرافقونك في مجيئك وذهابك.. وأننا  نعتبرك هنا في الإدارة المثقف الكبير الضعيف الأجر… وأنك تهتم كثيرا بوضعية الضعفاء والمهضومة حقوقهم…. قلت له: يكفي، يكفي يا عالم، « خرَجْتي عليَّ »، نهار أسود اليوم… نهض الموظف « العالم » وهو يصيح : أنا قلت لهم شهادة حق لأنك إنسان طيب ولكي أُجَنِّبك مكروها إن كان في نيتهم إيذائك…

الموظف « العالم » لم يكن يعلم (لعدم استعماله  التكنولوجيا الحديثة، لأنه من جيل الورق)، أنه زَكَّى من حيث لا يدري،  انحيازي الواعي لشعب العدس وكون تدوينتي ليست بريئة ما دُمْت متواضعا ومثقفا وأهتم بالضعفاء… يا رب سَترك حتى يمر هذا اليوم بخير وينسى العالم كله تدوينتي وثورة العدسيين…. لكن يبدو أن الكرونومتر انطلق ولا أحد قادر على إيقافه…. تَيَّقنت بحَدَسي أن أمورا كبرى تقع وستقع وأن حكاية العدس تنبأ بالمزيد…

الجمعة مساء، الرجوع إلى المنزل…

كلما اقتربت من حارتي وإذا بالشوارع تكتظ بالمارة من كل الأعمار ولكن مع غلبة للشباب والشابات… وكلهم ذاهب في اتجاه الشارع الذي أقطنه…. ما إن وصلت ورَكَّنت السيارة وخرجت منها، إذ بالحناجر تصيح : « العَدَسي يا رفيق، ما زلنا على الطريق »، وآخرون يرددون: »سوا اليوم سوى غدا، العدس ولا بدا »، وفي الجهة المقابلة عرفت بعض ألتراس فريق مدينتي يرددون: « مبروك علينا هادي البداية مازال مازال »… قلت مع نفسي، لطفك يا رب، هل أنا في حلم منذ أن كتبت التدوينة الملعونة وطلبت شعب الفايسبوك العظيم أن يثور على وضع الغلاء الفاحش للعدس…

كنت وسط الجموع لا أعرف ما أفعل : هل أرد التحية ؟ هل أرفع شارة النصر ؟ هل أردد معهم الشعارات وأنا المعروف بعشقي الانصهار في المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية أيام النضال؟… وأنا سارح بتفكيري، إذ برجل الحال الذي تناول معي الكسكس يهمس في أذني : ارفع شارة النصر وخذ معهم بعض الصور حتى نتمكن من إخراجك من هنا سالما وإدخالك المنزل… لا تخف، نحن هنا لمساعدتك وتفريق الجموع بدون مشاكل… وهو يتحدث إلىَّ كنت أردد بداخلي : أعود بالله من الشيطان الرجيم، من أين خرج هذا، حتى وجدته ثانية خلفي!!… وأنا شارد في تفكيري، إذ به ينصحني بأدب أنه من الأحسن لي تفادي الصحافة الوطنية والدولية وأن احتمال لقائي بوزير الداخلية هذه الليلة وشيك وهو في طريقه إلى المغرب بعد أن طُلِب منه العودة باستعجال… قلت له يكفي لقاء مديرك… قال: القضية كبرت وما زلت أشك إن كنت تناورني أم أنك لا تعلم صدى قنبلتك الفيسبوكية… وأنا أحاول الجهر له أنني فعلا لا أعرف ما يقع لي، إذ به يقول : من الأحسن أن لا تحدثني وسط الجموع والمصورين يلتقطون الصور وكاميرات التلفزة شاعلة… كنا نتحدث وجموع الشباب والشابات والجيران وأصحاب المقاهي والمطاعم والحراس يرددون ملئ حناجرهم: « إذا الشعب يوما أراد العدس فلابد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر »…

دخلت المنزل بشق الأنفس ووجدت عائلتي الصغيرة والكبيرة في انتظاري… قالت أمي: ألم أقل لك منذ ولادتك، ابْتَعِد عن السياسة؟ وما لنا نحن والعدس يا ابني، عشنا بالعدس وكبرتم بالعدس وحتى إذا ذهب العدس هنالك « اللوبية » و »البيصرة » والبطاطس… وقالت زوجتي : حاولت الاتصال بك مرات عديدة وهاتفك لا يجيب؟ قُلت: عذرا، كان صوته منخفضا، وذلك منذ دخولي المسجد لصلاة الجمعة ونسيت إعادة تشغيله (في الحقيقة أنه منذ لقائى مع رجل الحال وأنا أتجنب النظر في هاتفي وفتح الفايسبوك والميسنجر والتويتر والس م س)… أما ابنتي فتقدمت نحوي مطالبة مني أخذ صورة سيلفي معها حتى تستطيع التباهي بها أمام صديقاتها لأنها أصبحت مشهورة بلقب بنت مول العدس… أما ابني فسألني إن كنت بخير قائلا لي بابتسامته المعهودة : يبدو أن الفرج سيأتي بفضل العدس… فَهِمتُ قصدهُ لكوننا كنا دائما نتحدث عن الشيء الذي سيكون السبب في تيسير حضورنا لمقابلة الكلاسيكو العالمي على أرضية ملعب « الميرينغي » أو « البلوغرانا » ما دمت أنا مدريدي وهو برشلوني…

التتمة في الحلقات القادمة… إذا تيسرت الأمور سنتناول في الحلقة الثالثة تطورات « ثورة العدسيين »، أول لقاء مع الثوار العدسيين وكذا بداية التفاوض مع حكومة تصريف الأعمال من رئيس حكومة ووزراء الداخلية والفلاحة وعن المسيرة وقمعها واعتقال ثوار العدس وإطلاق سراحهم بعد تدخل الأمريكان ووووو…. الله الموفق….

ملحوظة : كما يقال فإن هذه الأحداث من وحي خيال المؤلف.. وكل تشابه في الأحداث والشخصيات أو الأسماء هو من قبيل الصدفة لا أكثر.. إلا العدس…

عبدالحق الريكي

الرباط، 25 أكتوبر 2016

ثورة العَدَسِيِين …

الحلقة الأولى والثانية

بقلم: عبدالحق الريكي

الخميس، السادسة مساء…

دخلت المنزل بعد يوم عمل ليس كالمعتاد، إذ تخللته فترات طويلة من مطالعة التدوينات على المواقع الاجتماعية… كلها تدور حول العدس وصعود ثمنه في بورصة الأسواق الشعبية… حالة من الغليان لم يعرف الفضاء الأزرق مثيلا لها حتى خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة….
عقلي مع العدس، جوارحي مع العدس… عليَّ أن أقوم بعمل ما حتى لا تفوتني الموجة… أخدت هاتفي وقلت مع نفسي « كبرها تصغار ».. كتبت في 18 ثانية هذه التدوينة: « يا شعب الفايسبوك العظيم، موعدنا جميعا يوم الأحد على الساعة العاشرة صباحا، بساحة باب الأحد بالرباط، لرفع شعار واحد 《سوا اليوم سوا غدا، العدس ولا بدا》… »…
أردت مراجعة التدوينة، لكن هاتفي رن، إنها المَدَام، وعوض النقر على مفتاح الهاتف ذهب أصبعي إلى إرسال التدوينة التي كنت أريد مراجعة مضمونها… قلت لا بأس، سأفعل ذلك حالما أنتهي من مكالمة زوجتي…. طال الكلام عبر الهاتف وكان لزاما عليَّ الذهاب فورا لقضاء غرض عائلي مهم، أَنْساني تدوينتي المتعلقة بمسيرة شعبية عارمة من أجل العدس….

الجمعة، السابعة والنصف صباحا…

قبل مغادرة المنزل في اتجاه العمل، فتحت الموبايل وصفحة الفايسبوك ووجدت وباستغراب مئات ومئات من التعليقات حول مدونتي وكذا استعداد الشباب والشبات للنزول إلى الشارع من أجل العدس، ليس القاطنين في الرباط وحدهم، بل من كل جهات المغرب، كما تعودنا قوله من طنجة إلى لكويرة…. ضحكت مع نفسي وقلت أن حَدَسِي  كان صائبا ما دامت تنظيمات حزبية ونقابية وجمعوية قررت النزول إلى الشارع  للدفاع عن قوت الشعب وحقه في العدس… ضحكت مع نفسي لأنني أصبحت أحسن من قارئة الفنجان…هههههههه.. ذهبت إلى مقر العمل وأنا متردد من مشاركتي الشعب والشباب والشابات في مسيرة العدس ليوم الأحد، نظرا لابتعادي عن المسيرات والوقفات الاحتجاجية منذ زمان…

نفس اليوم، بعد صلاة الجمعة…

وأنا خارج لتوي من المسجد، التقيت أحد رجالات الحال، تعرفت عليه في فترة الصراع الطلابي ومن بعد النقابي وتوطدت علاقتي به عندما أصبحت رئيس ديوان الوزارة… استغربت آدائه لفريضة الصلاة بمسجد بعيد عن مكان عمله الكائن وسط المدينة… حياني بحرارة وطلب مني إن كنت أعرف مطعما لتناول وجبة الكسكس… بدأت أقلب الأخماس في الأسداس، وأتسائل مع نفسي عن الغرض الحقيقي لمجيئه… كدت أن أصرح له أنهم، أي أصحاب الحال، يعرفون أين أتناول كسكسي كل جمعة ويعرفون تحركاتي رغم أنها منذ زمان محدودة ما بين المنزل والعمل ولقاء صديق واحد كلما توفرت النقود لشرب قهوة أو نص نص… وأنهم يعرفون أيضا أنني طلقت النضال الميداني الحركي والثوري..
ذهبنا إلى المطعم. طلبت طبقين من الكسكس وأنا في جيبي ثمن طبق واحد… خيم صمت مطبق قبل أن يبادرني بالسؤال عن أحوالي وأحوال العمل وإخباري عن تتبعه عن كتب كل مقالاتي…. هو ورؤساءه الكبار… قلت في نفسي « الله يخرج العاقبة بخير » من جهة ويرزقني لكي أؤدي ثمن الطبقين… قلت له حتى لا أضل صامتا، « مقالاتي متواضعة ومحدودة وأنت تعرف أنها هواية لا أكثر « … رد عليَّ، « أنت دائم التواضع » مسترسلا كون لقائنا ليس صدفة بل طُلِب منه لقاء مجموعة من الفعاليات حول مسيرة العدس ليوم الأحد لأن الكرة الثلجية بدأت تتدحرج وتكبر والوضع لا يطيق احتجاجات ونحن خرجنا لتونا من انتخابات والحكومة ما زالت لم تتشكل بعد والفراغ المؤسساتي من برلمان وحكومة يعقد أمر الجهات التي عليها اتخاذ قرارات الترخيص أو المنع أو التفاوض…. ونحن نأكل طبق الكسكس، قلت له أنه يبدو لي أن السلطة تُضَخِّم من الأمر وأن القضية لا تعدو أن تكون دعوات شباب وشبات على الفايسبوك تنتهي على نفس الفضاء وأنني لا أعتقد أن الآلاف سيخرجون إلى الشارع وأن تنبأي هو خروج المجموعة التي دأبت على الخروج والاحتجاج دائما وأبدا… نظر إلي وقال: « إما أنك تعلم ما لا أعلم وإما أن المسؤول الكبير أخطأ في تكهنه حول دورك وإشعاعك، في كل الأحوال فإني مُطالب بالرجوع فورا لمقر العمل لأن مجموعة من الس م س وصلتني تحث علىَّ الرجوع حالا… هل لا ترى مانعا من مقابلة رئيسي إذا دعت الضرورة لذلك؟ »… قلت له، أنا؟؟ قال نعم… بدون تفكير أجبته مرحبا، مرحبا…. في نفس الوقت طلبت من النادل عدم قبض الورقة الزرقاء منه، لأنني أنا الذي دعوته للغذاء…
جلست حيران، لا أعرف ما أقدم ولا ما أؤخر… توكلت على الله، بعد أن شرحت قلة نقودي للنادل طالبا منه قبول نصف ثمن الطبقين على أساس زيارته يوم الإثنين لأداء ما تبقى على دمتي…. نعلت العدس وأهل العدس وثوار العدس والفايسبوك قبل أن استغفر الله وأردد وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم…

رجعت إلى المكتب منهك القوى وبذمتي تسديد ثمن طبق كسكس… وصلت وأول ما لاحظت وقوف البواب لتحيتي كما يفعل مع المديرين الكبار… تعجبت لموقفه وهو الذي يرد علي السلام من وراء مكتبه… صعدت المصعد ودخلت بهو الإدارة وإذ بكل العاملين ينظرون إليَّ كما لَوْ أنهم يروني لأول مرة… زاد عَجَبي وطلبت من الله أن يختم العاقبة بخير لأن حدسي كان يتنبأ بالأسوأ…

دخلت مكتبي ولم تمر هنيهات حتى رن الهاتف الثابت… ألو؟ كان على الخط مدير التخطيط، واحد من أصدقاء العمل… باغتني:  » استعد، استعد!! »… قُلت : أستعدُّ لأي شيء ؟ قال : ألم تعلم أن لجنة عليا أتت تسأل عنك؟ هذا يقع حين يُطلب تكوين ملف لترشيح شخص ما لمهمة كبرى، فإذا أصبحت وزيرا فلا تنسى تعييني في ديوانك… وأنا أحاول فهم ما يقع، إذ به يخبرني أن اجتماعا مهما ينتظره وِإن كنت راغبا في معرفة الكثير فمَا عليَّ سوى الحديث مع الموظف « العالم » (نَنْعته بالعالم لأنه لا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة بالإدارة)…

سيدي « العالم »: هل تَشَّرفت بأخْذ كوب شاي بمكتبي وتحكي لي عن كل ما دار بينك وبين « رجال الحال »، العفو اللجنة العليا؟ هكذا باغتته بسؤالي وأنا متيقن أنه كان ينتظر مجيئي…. قال الموظف « العالم »: إما أنك « قَفَّرْتَها » وإما أن خيرا كبيرا ينتظرك…. قلت مع نفسي: صديقي المدير عقله وأمانيه مع الترقيات والمناصب والموظف الصغير « العالم »، عقله مع المصائب والمشاكل…. كُل واحد وهمومه…

حكى لي الموظف « العالم » أن الأوامر أُعْطيت صباحا لكي لا يغادر أي موظف عمله ولو لأداء صلاة الجمعة ما دامت لجنة مديرية ستحل بالإدارة ولكن تم استثناءك من هذا القرار ولم نفهم لماذا… بدون شك أنك لاحظت غياب موظفي الإدارة عن المسجد، أنت ذو النظرة الثاقبة… ضحكت لأنه فعلا اثارني غياب صف كامل من موظفي إدارتي… وزاد « العالم »: مباشرة بعد خروجك للمسجد، حلت اللجنة العليا واجتمعت بداية مع المدير العام ومعاونيه ومن بعد تحدثوا إلى كل من يعرفك عن قرب ودخلوا مكتبك هذا وفي الأخير اجتمعوا مطولا معي إذ رأيت، بعيني هاته، السيد المدير العام يشير بأصبعه نحوي قائلا لهم: « الموظف « العالم » يمكن أن يمدكم بالمزيد… »…

قلت له، خيرا إن شاء الله… قال لي بثقة كبيرة : قلت الحقيقة كل الحقيقية غير الحقيقية… وماذا قلت أيها « العالم »، هيا انطق… قال « العالم »: أولا أنَّك إنسان متواضع وأنك تعامل الجميع باحترام، المدراء والموظفين الصغار… وأن الجريدة والكتاب والكمبيوتر دائما يرافقونك في مجيئك وذهابك.. وأننا  نعتبرك هنا في الإدارة المثقف الكبير الضعيف الأجر… وأنك تهتم كثيرا بوضعية الضعفاء والمهضومة حقوقهم…. قلت له: يكفي، يكفي يا عالم، « خرَجْتي عليَّ »، نهار أسود اليوم… نهض الموظف « العالم » وهو يصيح : أنا قلت لهم شهادة حق لأنك إنسان طيب ولكي أُجَنِّبك مكروها إن كان في نيتهم إيذائك…

الموظف « العالم » لم يكن يعلم (لعدم استعماله  التكنولوجيا الحديثة، لأنه من جيل الورق)، أنه زَكَّى من حيث لا يدري،  انحيازي الواعي لشعب العدس وكون تدوينتي ليست بريئة ما دُمْت متواضعا ومثقفا وأهتم بالضعفاء… يا رب سَترك حتى يمر هذا اليوم بخير وينسى العالم كله تدوينتي وثورة العدسيين…. لكن يبدو أن الكرونومتر انطلق ولا أحد قادر على إيقافه…. تَيَّقنت بحَدَسي أن أمورا كبرى تقع وستقع وأن حكاية العدس تنبأ بالمزيد…

الجمعة مساء، الرجوع إلى المنزل…

كلما اقتربت من حارتي وإذا بالشوارع تكتظ بالمارة من كل الأعمار ولكن مع غلبة للشباب والشابات… وكلهم ذاهب في اتجاه الشارع الذي أقطنه…. ما إن وصلت ورَكَّنت السيارة وخرجت منها، إذ بالحناجر تصيح : « العَدَسي يا رفيق، ما زلنا على الطريق »، وآخرون يرددون: »سوا اليوم سوى غدا، العدس ولا بدا »، وفي الجهة المقابلة عرفت بعض ألتراس فريق مدينتي يرددون: « مبروك علينا هادي البداية مازال مازال »… قلت مع نفسي، لطفك يا رب، هل أنا في حلم منذ أن كتبت التدوينة الملعونة وطلبت شعب الفايسبوك العظيم أن يثور على وضع الغلاء الفاحش للعدس…

كنت وسط الجموع لا أعرف ما أفعل : هل أرد التحية ؟ هل أرفع شارة النصر ؟ هل أردد معهم الشعارات وأنا المعروف بعشقي الانصهار في المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية أيام النضال؟… وأنا سارح بتفكيري، إذ برجل الحال الذي تناول معي الكسكس يهمس في أذني : ارفع شارة النصر وخذ معهم بعض الصور حتى نتمكن من إخراجك من هنا سالما وإدخالك المنزل… لا تخف، نحن هنا لمساعدتك وتفريق الجموع بدون مشاكل… وهو يتحدث إلىَّ كنت أردد بداخلي : أعود بالله من الشيطان الرجيم، من أين خرج هذا، حتى وجدته ثانية خلفي!!… وأنا شارد في تفكيري، إذ به ينصحني بأدب أنه من الأحسن لي تفادي الصحافة الوطنية والدولية وأن احتمال لقائي بوزير الداخلية هذه الليلة وشيك وهو في طريقه إلى المغرب بعد أن طُلِب منه العودة باستعجال… قلت له يكفي لقاء مديرك… قال: القضية كبرت وما زلت أشك إن كنت تناورني أم أنك لا تعلم صدى قنبلتك الفيسبوكية… وأنا أحاول الجهر له أنني فعلا لا أعرف ما يقع لي، إذ به يقول : من الأحسن أن لا تحدثني وسط الجموع والمصورين يلتقطون الصور وكاميرات التلفزة شاعلة… كنا نتحدث وجموع الشباب والشابات والجيران وأصحاب المقاهي والمطاعم والحراس يرددون ملئ حناجرهم: « إذا الشعب يوما أراد العدس فلابد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر »…

دخلت المنزل بشق الأنفس ووجدت عائلتي الصغيرة والكبيرة في انتظاري… قالت أمي: ألم أقل لك منذ ولادتك، ابْتَعِد عن السياسة؟ وما لنا نحن والعدس يا ابني، عشنا بالعدس وكبرتم بالعدس وحتى إذا ذهب العدس هنالك « اللوبية » و »البيصرة » والبطاطس… وقالت زوجتي : حاولت الاتصال بك مرات عديدة وهاتفك لا يجيب؟ قُلت: عذرا، كان صوته منخفضا، وذلك منذ دخولي المسجد لصلاة الجمعة ونسيت إعادة تشغيله (في الحقيقة أنه منذ لقائى مع رجل الحال وأنا أتجنب النظر في هاتفي وفتح الفايسبوك والميسنجر والتويتر والس م س)… أما ابنتي فتقدمت نحوي مطالبة مني أخذ صورة سيلفي معها حتى تستطيع التباهي بها أمام صديقاتها لأنها أصبحت مشهورة بلقب بنت مول العدس… أما ابني فسألني إن كنت بخير قائلا لي بابتسامته المعهودة : يبدو أن الفرج سيأتي بفضل العدس… فَهِمتُ قصدهُ لكوننا كنا دائما نتحدث عن الشيء الذي سيكون السبب في تيسير حضورنا لمقابلة الكلاسيكو العالمي على أرضية ملعب « الميرينغي » أو « البلوغرانا » ما دمت أنا مدريدي وهو برشلوني…

التتمة في الحلقات القادمة… إذا تيسرت الأمور سنتناول في الحلقة الثالثة تطورات « ثورة العدسيين »، أول لقاء مع الثوار العدسيين وكذا بداية التفاوض مع حكومة تصريف الأعمال من رئيس حكومة ووزراء الداخلية والفلاحة وعن المسيرة وقمعها واعتقال ثوار العدس وإطلاق سراحهم بعد تدخل الأمريكان ووووو…. الله الموفق….

ملحوظة : كما يقال فإن هذه الأحداث من وحي خيال المؤلف.. وكل تشابه في الأحداث والشخصيات أو الأسماء هو من قبيل الصدفة لا أكثر.. إلا العدس…

عبدالحق الريكي

الرباط، 25 أكتوبر 2016

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.