Home»Correspondants»سلام عليك يا تويسيت

سلام عليك يا تويسيت

4
Shares
PinterestGoogle+

على هضاب شامخة شموخ اهلها,شيدت مدينة تويسيت,هذه المدينة التي لم تشيد بفعل التجمعات السكانية كما يحدث في المدن,انما جاء تشييدها من طرف شركة فرنسية لاستخراج المعادن,وكان لزاما على هذه الشركة ان تشيد سكنيات لعمالها,واطرها,فخرجت مدينة تويسيت الى الوجود.

وعلى بعد اربع كيلومترات منها,ولدت,وسخر الله لي معانقة الحياة,فترعرعت بين المروج الخضراء,قرب غابة من الصنوبر السامق,وفتحت عيناي على الاقران,نظل على كر وفر بين تلك المروج الزاهية,نتملى بثغاء الخراف,وصهيل الخيول الرابضة امام الخيام والبيوت المبنية من الطين والحجر,ونتبع من كانوا اكثر منا سنا نحو جبيل صغير يسمى جبل غيران الفيجل,نسبة الى نبتة تسمى محليا الفيجل او فلييو,به عين يقصدها الرعاة لتوريد شياههم,تسمى عين الكرمة,وبعد ذلك تنتشر القطعان في رحاب الجبل الصغير بحثا عن الكلا.

اما نحن,فقد كنا نحلب العنزات,في علب الزيتون الحديدية,ونخلط الحليب الساخن بنبتة شائكة تسمى بلسان القبيلة الحكة,ونضع الخليط باتجاه اشعة الشمس,حيث بعد مرور دقائق معدودة,يصبح جبنا لذيذا,نتناوله تحت ظلال اشجار الطاكة,ونحن نراقب القطعان وهي رابضة ايضا في الظلال تجتر ما أكلت في هدوء.

اما في ايام الدراسة,فيبقى الكبار وحدهم مع اغنامهم,على الجبل,اما نحن فاننا نتجه في الصباح الباكر نحو القرية للالتحاق بمدرستنا,هذه المدرسة التي تربينا فيها على مكارم الاخلاق,ونهلنا من علم سادتنا المعلمين,الذين ضحوا من اجلنا بكل تفان وروح مسؤولية,وافتح قوسا لاتذكر بعضهم,ولا ادري اين هم الان,هل هم من اهل الحياة,ام التحقوا بالرفيق الاعلى,اذكر منهم المرحوم سي محمد العامري,والمرحوم التوربي,وادعو الله مخلصا ان يطيل عمر الاستاذ الجليل محمد بنجانة,وسي لوكيلي,وسي غافس وسي حلحال,اما الباقون فلا ادري اين هم,فان كانوا من اهل الدنيا,لهم الشكر,والاجلال والاكبار,ولهم باذن الله الصحة والعافية,وان كانوا من اهل الاخرة ,فلهم الرحمة والمغفرة.

نلتحق بالمدرسة صباحا,واثناء الخروج يتوجه الاطفال الذين كانوا يسكنون المدينة نحو ديارهم,اما نحن فنتجه لنظل بين الحوانيت جيئة وذهابا,وحين يحل وقت الغذاء,نصعد على جبل من اكوام النفايات المعدنية,يسمى محليا لاديك,لنتناول وجبة الغذاء,واي وجبة تلك,انها وجبة من رغيف من الخبز اليابس,وكاس من الشاي البارد وضعته الامهات لفلذات اكبادها في قنينات المحاليل الدوائية(السيرو)

ثم نتوجه مساء الى المؤسسة,وبعد الحصة المسائية نتوجه الى ديارنا وقد اخذ منا التعب مأخذه,ونحن نتوق الى النوم المبكر من فرط العياء,وقد ننام وفي بطوننا رغيف الخبز اليابس والشاي البارد,وما اغبطنا حين يأتي يوم الجمعة او يوم الاحد,وهي ايام عطل مدرسية انذاك,لنبتعد ولو يوما واحدا عن اكوام لاديك والخبز اليابس والشاي البارد,ونبحث بين المروج عن نبتات من التالمة او التافغة,او الحميضة,بينما امهاتنا تبحث عن نبتة الجرجير الذي يعد وجبة غذائية محبوبة,خاصة حين تشمل المائدة كؤوس الحليب او اللبن او الجبن.

اما الاباء,فقد انصب شغلهم في توريد الخيول والدواب,ومراقبة السروج والبنادق استعدادا لموسم الوعدة والاعراس,واني لاتذكر ما جادت به معرفتي المتواضعة وانا احاول وصف هذه القرية الرائعة فقلت:

اتذكرين ضيعتي وما غرست فيها الانامل//وحصادة تجوب حقلي تشدو حولها العنادل

واعراسا ودق الدفوف والبنادير في ديارنا//وطلقات بارود تفنن فيها رجال بواسل

وغوان قد تسربلت في المروج بابهى زيها// ولجة احرنجمت حولها الشياه والقوافل

اتذكرين حصان والدي امام الدار رابضا//حدت من كبريائه القيود والاغلال والسلاسل

وسرجا منمقا في ركن من اركان خيمتي//فيه شموخ والدي ان تباهت بخيلها القبائل

ما اروعك يا قريتي,فقد كنت كالبقرة الحلوب الذي يمتلئ ضرعها بالخير الجزيل لهذا الوطن,ولكن وااسفاه,جف الضرع فاهملك من كان يرشف الحليب من هذا الضرع,وعدت عبارة عن اطلال,يظل اهلك قبالة الحوانيت يتذكرون ماضيك المشرق,ويتذكرون ابناءك البررة الذين غادروك طلبا للقمة العيش,ولكنك في قلوبهم اينما حلوا وارتحلوا,ولن يحل محلك في القلب مدينة او قرية او مدشر مهما كانت جماليته.فابقي خالدة يا تويسيت الى ان يرث الله الارض ومن عليها

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

6 Comments

  1. كتابي محمد تازة
    03/07/2016 at 11:04

    والله يااستاذ علي حيمري بهذا المقال الرائع الوهاج حركت عواطفي ومشاعري نحو بلدتي الرائعة الشامخة= تالسينت = وذكرتني كذلك بطفولتي ومدرستي وعما قريب ان شاء الله سوف انشر مذكراتي والتي كتبتها هذه مدة عشر سنوات وفي فصليها الاول والثاني كل الذكريات الطفولية بمسقط الراس بلدة تالسينت الجميلة الرائعة شكرا على احاسيسك الشاعرية تجاه =تويسيت = والله ياعلي اصيل وعرفانك بالجميل اقوى واشد واروع لك خالص التحيات

  2. عبدالله
    03/07/2016 at 12:49

    قرية تويسيت كنظيرتَيْها بوبكر ووادي الحيمر كما هو الحال في جرادة وكنفودة وبوعرفة؛ شاءت الأقدار أن تبرز إلى الوجود على يد الأجانب الذين استغلوا خيراتها من المعادن بعضلات المغاربة و مجهوداتهم فالمادة مغربية و المسخرون لاستخراجها مغاربة لكن المستغل هو الأجنبي الذي سخر ذكاءه لأستغلالنا: استخراج المعدن من باطن الأرض بكل من بوبكر وتويسيت، وصهره في وادي الحيمر ليخرج رصاصا صافيا و فضة رفيعة تجد طريقها إلى الخارج..
    في هذا الواقع الخفي كان الصغار يتلذذون بطفولتهم دون شعورهم بمعاناة الكبار.هي فترة جميلة رغم كل شيء ،قضتها الأجيال السابقة في متعة قل نظيرها ،حيث تلونت القرى الثلاث بلون المحبة و الأخوة بين المغاربة الوافدين من أنحاء البلاد حيث حاكوا خيوط الوئام و التآزر بنيَّة صادقة و بساطة عفوية. أين نحن من ذلك الماضي البديع؟ لقد حركت في القلب ذكريات طواها الزمن، ومن الأكيد أن من عاش في تلك الربوع المنسية في ذلك الزمن ، له من الذكريات الطيبة ما يجعله متأسفا على حاضر ممل كريه.

  3. محب لتويسيت
    04/07/2016 at 00:30

    هل تتذكر يا أستاذ :دوار المخزن و دوار لعبيد و ديور النصارى و الفيلاج و لاديك و G9 تيولي و بني حمليل و الوعدة و الدود الذي يظهر في فصل الربيع.ذكريات جميلة.الان تويسيت مدينة شبح مع الاسف

  4. باقاسم سداين
    04/07/2016 at 02:50

    انه رجوع ومساءلة للذاكرة ..انه ادب الاعتراف..الذي يؤرخ بلسان الاخ الفاضل علي حيمري لجيل ولمنطقة بصدق ادبي..ممزوج بالمتعة والاثارة و التشويق..فالنص عبارة عن شهادة في حق ارض منحته كل شيء..وظل مخلصا لها..ومن خلال هذا النص يبعث الكاتب رسائل مباشرة ومشفرة الى المسؤلين لاعطاء البلدة مكانتها..لان ابناءه البررة ام ينسوا فضلها عليهم..

  5. لحميدي محمد
    05/07/2016 at 04:06

    سلام الله عليك اخي علي حيمري مقالك هذاجعلني اقلب صفحات ذلك الزمن الجميل واوجه وجهي صوب تلك القرية الجميلة واسثشرف ذكرياتها تلك القرية التي قضيت فيها زهاء العشرين سنةفي مهنة المتاعب وجعلتني اسبر اغوار الماضي واتذكر اخوة واخوات كنا نتقاسم هموم مهنة التعيم واذكر منهم الاخ عمرن يحي بالنوالي مصطفى الرافعي العيد الرحماني عبد الرحمن هواتي ابراهمي يحي رحموني بوبكري بكار وازراف ميمون بنجانة سعيد والاخوات مير مريم رقاس العالية زلماط بنعالم خديجة كنبوش مليكة والمرحوم مصطفى اشمولت الذي ما زلت اذكره ممتطيا دراجته الهوائية جيئة وذهابا بين تويسيت وسيدي بوبكر رغم معاناته مع المرض واعتذر لمن سقط اسمه سهوا من ذاكرتي اولئك الرجال الذين ابلوا البلاء الحسن في مهامهم النبيلةوتتلمذ على ايديهم تلامذة منهم من يتبوأ مراكز مرموقة في مؤسسات الدولة .اخي علي ما شدني الى مقالك هذا كثيرا تلك اللوحة الرائعة التي رسمها يراعك التي جسدت حياة البادية والبساطة التي كنت بارعا في تصويرهاخاصة حصان المرحوم والدك الذي كان رابضا امام بيتكم في شموخ رغم السلاسل والاغلال . شكرا لك اخي على مقالك هذا الذي يبرز مدى وفائك وحنينك لقرية اسلافك

  6. جمال جبار
    08/07/2016 at 17:24

    لقد ذكرتني بسنوات خلت وعدت بي إلى ماضي الطفولة وأيام الصبا في قريتنا الحبيبة التي كانت تستثمر بها الشركة الملكية أستريان البلجيكية.وأشكرك على ذكر أستاذنا الكبير محمد تزغين الذي عمنا فضله في مادة اللغة العربية، لأنه هو الذي حسن مستوانا في هذه المادة، والفضل يرجع له في إتمام دراستنا. لقد كنت دائما أذكر هذا الرجل بالخير وأترحم علية كلما تذكرت فضله علي وما اكتسبته منه من معرفة وعلم. وكم تمنيت لو قمت بإيصال ترحمانتي عليه للأحد أبنائه وبالفعل تمكنت من ذلك بعد 40 سنة من التتلمذ على يديه. حيث كان أحد حفدته نلميذا في المؤسسة وعن طريقه اتصلت بإبن أستاذنا المسمى امحمد تزغين وعبرت له عن امتناني لأبيه واعترافا بفضله. أذكركمن الممكن أن أكون قد درسنا سويا لأنني حصلت على الشهادة الإبتدائية سنة 1972 بمركز الإمتحان بسيدي بوبكر ومن ذكريات الإمتحا كنا نقضي منتصف النهار بعد اجتياز مواد الفترة الصباحية تحت شجر الصنوبر نتناول الغذاء المكون من خبز وعلبة سردين ومشروب غازي من نوع مونادا لاسيكون ـ الحرشة ـ

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *