Home»Correspondants»احترموا.. أو غادروا

احترموا.. أو غادروا

0
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي

في إحدى خطاباتها النارية، قالت رئيسة وزراء استراليا السيدة جوليا جيلارد مخاطبة أحد المسلمين الذين أساؤوا المعاملة:  » لماذا أنت متعصب؟ لماذا لا تسكن السعودية أو إيران؟ ولماذا غادرت دولتك الإسلامية أصلا؟ أنتم تتركون دولا تقولون عنها أن الله باركها بنعمة الإسلام، وتهاجرون إلى دول تقولون عنها أن الله أخزاها بالكفر، ..من أجل ماذا تأتون؟ من أجل الحرية.. العدل..الترف..الضمان الصحي..الحماية الاجتماعية..المساواة أمام القانون..فرص عمل عادلة..مستقبل أفضل لأطفالكم..حرية التعبير..إذن لماذا تتحدثوا عنا بتعصب وكره..فقد أعطيناكم ما تفتقدونه..احتروموا..أو غادروا »

إنها كلمات حق نزكيها نحن المسلمين تزكية كاملة، لأنها تفضح الكثير من المتعصبين الذين يعتبرون ديار الآخر ديار كفر يحق لهم أن يتصرفوا فيها بكل غطرسة واستكبار وتعصب، فلا يحترمون قانونها، ولا أعرافها، ولا يقيمون لأحد اعتبارا ولا وزنا، سواء كان شخصا أم إدارة أم دولة. لازال الكثير من الناس يعتقدون أن سرقة الكافر حلال، وانتهاك القوانين المعمول بها في ديار أوربا وأمريكا وغيرها مباحة، والغريب في الأمر أن هيئاتهم وألبستهم توحي بأنهم على دراية بالدين وتعاليمه، وأنهم يقرؤون القرآن وكتب السير. ويحملون من الأسماء ما حمد وعبد كأحمد ومحمد وعبد القادر.

والسؤال المهم هو من أين جاء هؤلاء بهذه التعاليم التي لا علاقة لها بالإسلام ؟ وقبل أن نجيب عن هذا السؤال لابد أن نتحدث عن نماذج المسلمين الرائعة، أولائك المسلمين الذين خرجوا في قوافلهم ابتغاء التجارة في بلاد السند والهند وماليزيا وروسيا والصين، فانبهر العالم بأخلاقهم وصدقهم ورحمتهم وحسن معشرهم، ولم يبيحوا لأنفسهم الحق في الغش والتدليس والسرقة والمكر والخديعة تحت مبرر أن هؤلاء الزبائن كفار وليسوا من أهل الإيمان والقبلة، لم يفعلوا ذلك لأنهم على دراية بالدين الذي حرم الظلم مهما كان ومع من كان، وحرم الغش في جميع المعاملات، بل إن هؤلاء علموا أنهم رسل الإسلام والسلام وحق عليهم أن يعطوا النموذج ليكونوا شهداء على الناس، فانتشر الإسلام في ربوع تلك البلاد

البعيدة لأن زبائنهم أحبوهم فأحبوا الإسلام فاعتنقوه وتحولوا إلى دعاة بدورهم فاتسع الدين في أرجاء بلدانهم، وحملوا مشعله ليعم سائر الأماكن التي يقصدونها.

إن طبيعة الفكر والفهم الذي يحمله المتطرفون من المسلمين هو الذي يكون من وراء تصرفاتهم الشاذة التي تتعارض جذريا مع تعاليم الإسلام الحضارية والإنسانية. فكيف لا يتحول إلى متطرف من يقرأ كتبا حبلى بالتكفير والغلظة والشدة في كل شيء، وهو يعتبر أن الإسلام انتشر بالسيف وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استباح قافلة قريش لأنهم مشركون مستباحون، وأنه عليه السلام أغار على بني المصطلق وهوازن وباغتهم دون دعوة ودون انتظار إيمان ودون إتاحة أي فرصة للنجاة، كثير من المسلمين يغلب عليهم الفهم المشوه للدين والقصور العقلي، ولهم جرأة في إرسال الأحكام عبثا دون علم ولا سؤال إن كانت توافق الشرع أم أنها ضرب من الإفتاء بدون علم، إن أمثال هؤلاء تسببوا في أضرار كثيرة للإسلام من حيث يظنون أنهم يحسنون صنعا.

إن الفهم الصحيح للإسلام لا يمكن إلا أن يشع نوره ليعم المسلمين وغير المسلمين في كل بقاع العالم، سواء كان هؤلاء المهاجرون في أوربا أو أمريكا أو دول شرق آسيا أو في استراليا، ففي شمال إيطاليا مثلا، وتحديدا بمدينة فاريزة يقوم المسلمون بأعمال تطوعية اجتماعية مهمة ولا يقوم بها غيرهم، من أهمها جرف الثلوج من أمام الأماكن العامة، والقيام بحملات تبرعية مجانية للدم وتزويد مستشفيات إيطاليا بها، حسب التصريح الذي أدلى به المتحدث الرسمي باسم الجالية المسلمة بإيطاليا السيد خورجو ستابيليني (مجلة مفكرة الإسلام،العدد 7، أبريل 2012، ص 6 )

إن جعل عملية التصدق بالدم من طرف المسلمين على غير المسلمين بإيطاليا تعد عملية لا يستوعبها المسلم المتعصب كما لا يستوعب عملية احتساب الأجر عند الله من خلال الإسهام في إنقاذ نفس حتى ولو كانت هذه النفس تدين بدين آخر ولها معتقد يختلف جذريا عن معتقدنا.

ودائما في نفس البلد، أي إيطاليا، نجحت الجمعيات النسوية المسلمة في التنسيق مع الشرطة الإيطالية في معالجة مشاكل الأسر العربية المسلمة التي كانت تؤرق السلطات الإيطالية، وبعدما رأى المسؤولون الإيطاليون نجاح هذه الجمعيات في استقرار الأسر المسلمة واستثباب الأمن بها، طالبت السلطات من هذه الجمعيات

عقد شراكة جديدة على أساس أن تقوم هذه الجمعيات بنفس العمل مع الأسر الإيطالية التي تعرف هي الأخرى صراعات عنيفة ومريرة. إن الفهم الصحيح للإسلام دفع بهذه الجمعيات إلى قبول الدعوة فساهمت الجمعيات المسلمة العربية في معالجة العديد من الاختلالات التي كانت تعيشها الأسر الإيطالية.

إن مثل هذا العمل الحضاري الراقي الذي يقوم به المسلمون هو أحد أسباب ثلاثة دفعت بالمفكر والدبلوماسي الألماني مراد هوفمان إلى اعتناق الإسلام, حيث يقول هو نفسه في كتابه  » الطريق إلى مكة »:  » حين تعرضت زوجتي للإجهاض تحت تأثير أحداث حرب التحرير بالجزائر، لقد بدأت تنزف عند منتصف الليل ولم يكن باستطاعة سيارة الإسعاف أن تحضر.. إلى أن يقول بعدما اقتنى سيارة أجرة سائقها جزائري مسلم:  » وكانت زوجتي تعتقد في تلك الأثناء أنها ستفقد وعيها، ولذلك، وتحسبا للطوارئ راحت تخبرني أن فصيلة دمها (o) سالب. وكان السائق الجزائري يسمع حديثها فعرض أن يتبرع لها ببعض من دمه الذي هو من نفس فصيلة دمها » ويقول الدكتور هوفمان معقبا:  » وها هو العربي المسلم يتبرع بدمه، في أثون الحرب، لينقذ أجنبية على غير دينه » (الطريق إلى مكة، مراد هوفمان، الطبعة الأولى، دار الشروق، ص 33)

ويبقى السؤال مطروحا من يتحمل مسؤولية الفهم المشوه للدين في عقول العديد من الشباب المسلم الذي فهم التعصب عزة لله ولرسوله، وفهم الابتسامة والتسامح مع الآخر ضعفا واستكانة، وفهم مخالطة الآخرين بالحسنى والدعوة بالتي هي أحسن من شيم المتخاذلين الذين لا يثقون في أنفسهم ولا في دينهم، وفهم الخشونة والعنف مع الجميع جهادا، وأن هذه الدول الكافرة مستباح كل شيء فيها ما دامت لا تدين بدين الله.

فمن المؤكد أن كل المسلمين، أفرادا وجماعات، عامة وعلماء، أعضاء ومؤسسات ، دولا وجمعيات..الكل مسؤول عن الفهم الصحيح للإسلام ثم بعد ذلك إفهامه للناس بالشكل الذي كان عليه سلفنا الصالح. ولعل أخطر ما ينخر مجتمعنا المغربي ، تحديدا، هذه الأطنان من كتب التكفير المنتشر في كل مكان، والتي تملأ مكتباتنا دون رقابة ولا تتبع، ودون تبيين من العلماء والمثقفين، وها هو المعرض الدولي أمامنا لازال حيا نابضا يعرض في أكثر أجنحته كتب صفراء تعج بالتكفير واتهام الناس بأنهم مجرد قبوريين ومبتدعة في الدين وكل بدعة ضلالة كل ضلالة في النار مما يجعلهم يحكمون على جميع الناس بأنهم في النار

وأنهم ليسوا من الفرقة الناجية، في حين لا أحد منهم منح نفسه بعض الوقت ليبحث فيما قاله العلماء الأجلاء حول البدعة وأنواعها، عوض التحجر على نوع واحد وتعميمه على كل الباقي وتحويله إلى سلاح به نحكم على الناس بأنهم ضلوا وارتدوا. إن الأفكار تصنع المعتقد والمعتقد يحدد السلوك والسلوك يتحول إلى عادات والعادات من شأنها أن تحدد مصير الإنسان. وبالتالي فطبيعة الأفكار التي يتلقاها الشباب والناس عموما هي سبب كل هذه البلاوي، وإذا كان هؤلاء قد تعاملوا مع المسلمين بالتكفير والهجرة في عقر دارهم وتحت قبب وصوامع المساجد، فماذا عساهم يفعلون مع الأجنبي في بلاده التي ينظرون إليها على أنها بلاد كفر وخزي وعار؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

5 Comments

  1. M.KACEMI
    23/02/2016 at 03:15

    يمكنك سيدتي أن تطلبي أي شيئ من العرب المسلمين إلا أن يكونوا عقلانيين ومنسجمين مع ذواتهم، باستثناء فئة متنورة قليلة

  2. مايحشموش
    23/02/2016 at 08:59

    والله لعبرتي عليهم بالله.

  3. aissa boutaibi
    23/02/2016 at 12:08

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، الأخ الكاتب :
    شكرا لك على هذا المقال، ولكن الكتاب الذي ذكرته ((الطريق إلى مكة )) هو لمستشرق نمساوي اسمه بعد أن أعلن إسلامه محمد اسد .
    أرجو تصحيح هذه المعلومة. تحياتي للكاتب .

  4. مهاجر
    23/02/2016 at 17:49

    السلام عليكم
    كثيرا ما سمعنا هذه العبارات المستفزة من أفواه أبناء المستعمرين البيض, عبارات لقنوها في أقبية كنائس التبشير, فهل نسيت هذه البلهاء الإنجليزية أن أجدادها إستعمروا أستراليا بالإبادة والنار و الحديد؟

  5. أحمد الجبلي
    23/02/2016 at 19:54

    شكرا للأخ الفاضل عيسى بوطيب فالخطأ وقع سهوا للتشابه، فكتاب مراد هوفمان هو رحلة إلى مكة وهي رحلته إلى الحج والتي انطلقت من الدار البيضاء. أما محمد أسد صاحب كتاب الطريق إلى مكة فليس مستشرقا بل هو يهودي مسلم وكاتب وصحفي ودبلوماسي أسلم وحسن إسلامه و صار داعية يدافع وينافح عن الإسلام.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.