Home»Correspondants»المجموعة القصصية « فاكهة النون » مقاربة عبر واقعية ج2

المجموعة القصصية « فاكهة النون » مقاربة عبر واقعية ج2

0
Shares
PinterestGoogle+

لمجموعة القصصية « فاكهة النون »

مقاربة عبر واقعية.ج2

*- سياق قصصي عام :

  تحتوي مجموعة « فاكهة النون القصصية  » (1)على ثمانية وعشرين نصا قصصيا، تتسيد فيها ذات السارد ، ويهيمن عليها ضمير المتكلم ،إلا في ثلاثة نصوص : » خارج الدائرة  » ،وهدايا » ، وشندويل ».(2) والمتكلم يحيل على السارد، أو على شخصية محورية في السرد، تتقاسم مع المؤلف التجارب ،وتتتعايش معه داخل العوالم الخارجية والداخلية للنصوص ،لا لتومئ لجنس السيرة ، ولكن لتتولى تشعير خطاب السرد ، ووسم لغته بالغنائية ، ونقل رؤية السارد للعالم والحياة والواقع إلى  منظور خاص، يكشف توليداته  الإديولوجية، ويشي بموقعه الاجتماعي ، بشكل يتماهى مع توصيف مارسيل بروست للأسلوب : »إن الأسلوب عند الكاتب ، كاللون عند الرسام ،مسألة رؤية لامسألة تقنية  » (3) .

 فهل تسمح اللغة السردية الموسومة بالشعرية ،ونظام الجملة النواة ،والجملة التفصيلية ،والمتوالية السردية البسيطة، والإيقاع المتفجر من التوازن بين الجمل والتقابلات والتناظرات بين المفردات، بالمغامرة النقدية والحكم على العمل القصصي » فاكهة النون »  بالتخييل الحكائي ذي النفس الشعري  ؟

**- السمات عبر واقعية لأقصوصة « فاكهة النون » :

بتقويض أسس الواقع عن طريق معول الإشارات التخمينية ، وبماسحات الضوء المعتمة للرؤية السردية ،والمجنحة لعقل المتلقي بعقار اللامعقول، والعبثية الممتدة في الشساعة ، والفضاءات اللامنتهية على حد تعبير رودي راكر ،وفيليب كيه ديك ،(4) يفتتح بطل  قصة فاكهة النون داخل الأضمومة ، كتاب الرواية ليحكي سيرة المكان بجزيرة حديقة مقيدة بسلاسل القهر والحرمان ؛ آيلة إلى الذبول والأفول، بفعل قرض الصدفة  لسهم الزمان، بقوارض الجوع والعطش ،مما يؤشر على موت الروح ، وتعذر الاغتسال في مياه المعقول ،وتغلغل الاستهلاكية في أطباق اللامعقول ،واحتلال القمع الأنثوي لمملكة الماء والتراب والنور، وتحويل الممكن مستحيلا ،والكائن البشري إلى كائن فضائي يلغي وجوده في مركز الخطاب، ويحد من أنطولوجيته داخل أطراف الرغبة والتسيد، وينتقل بالواقعي إلى عبر واقعي ليسيطر على الوهم والإيهام  ،ويؤسطر الواقع  من خلال شطر العالم إلى ضفتين : جزيرة عبارة عن حديقة ضاع منه مفتاح أبوابها الحديدية الوحيد ، خلال رحلة الهيام والبحث عن البلسم ،فتبخرت مشاريع التوسيع والترميم والإضاءة والتزيين ، ليتحول الأمل إلى يأس ،والدافعية إلى نكوص، والتحرر إلى استرقاق، لن  تفك قيوده إلا أوجاع أعماق النفس، وملحمة الغوص في الماء ،فيتمخض ضفة أخرى ينحتها الجرح والملح والحمرة ، فتتشكل قفصا لا من حديد ولكن من زجاج شفاف، تتخلق داخله حورية بحر مقصوصة الجناح ،فيستوي البطل في عوالم الانتشاء ،والثقة بالنفس  ،والحماسة، والحيوية،  ليقطف لحورية البحر فاكهة الخلاص من حديقة البلسم ، ويطهر ماشابها من  مرارة الوهم بقطر النور، ويزينها  بلوزة المنتهى  ليقدمها في طبق النجوم، لحمة لائمة لتمزقات الوجود الخاص،  وتمفصلاته إلى وجود للخراب والقبح ،  ثم وجود للحياة والجمال.

***- تصنيف النص السردي:

لايختلف دارسان  في تصنيف النص القصصي » فاكهة النون » ضمن الأدب العجائبي ، الذي يروم نقل الواقعة الجمالية من سياق التجلي إلى مسارات التخفي، لتشكيل وعي الهذيان عند الباث والمتلقي ، وصياغة هواجس الكرب ونسج سدى السر المخيف، داخل تقاطعات الذات والموضوع ، وتباعدات الرؤية والرؤيا ، لإنتاج صورالصدمة والفتنة والإغواء الممزقة لمألوف الخيال، حسب تعبير روجي كايوا(5) في اتجاه خلق الحكاية العجيبة   لبشر واقعي، ثم جعله في مواجهة الغموض والغريب ،حسب تحليل تودوروف،  لترفع  الحكاية سقف تردد القارئ  ، بين طبيعة الحدث وغرابة الواقعة ،في تماه وتوحد رافض لكل تأويل فاك لشفرات الرموز(6): « حديقة  » وحورية البحر  » وقفص زجاجي… حيث يتوارى المعنى، وتبلغ الحبكة ذروة التشويق، ومنتهى الخيال .فتتشكل علاقة جديدة بين الذات والعالم ،وبين المعرِّف والمعرَّف ،تميزها العجائبية المكسرة لمنطق الأحداث والحالات ،في معرض جمالية الموت، وأنطولوجية أطلال الماضي حسب تعبير روجي بوزيتو.

إن نص  » فاكهة النون  » يخضع لنظام دلالي عبر واقعي يكسر منطق المقصدية ويروم الاستمتاع بالاقتصاص خارج حدود الواقع والوعي المادي وقنص المتلقي في أحابيله الفنية على حد تعبير بارث و « إرباكه وخلخلة موازينه الثقافية والنفسية واللغوية « . (7) لاستدراج القارئ إلى شطحة صوفية في مقام حضرة  المريد، مؤثثة لحضيرة النص بطقوس أسطورية، تحيل على ترسبات النفس وعلى المشترك الثقافي.

إحالات :

(1)فاكهة النون قصص قصيرة لعلي عبدوس ما بين ص9 وص12 .

(2) عناوين لقصص داخل المجموعة القصصية في صفحات 83 و106 و112 .شكلت انزياحاعلى مستوى الرؤية السردية.

(3) حسب مارسيل بروست صاحب السباعية « بحثا عن الزمن الضائع »، أن فعل الكتابة يقوم على التذكر، الذي هو المدخل الأساس لكشف جوهر الكائنات والموجودات، فليست مهمة العمل الفني عرض واقع معطى ؛وإنما خلق واقع موضوع على صعيد الخيال والتعبير والأسلوب. » ص8 و9 . من هنا كل روائي يشكل رؤيته السردية، ويبصمها ببصمة ناقد من عيار »توماشفسكي » ،فيعمد إلى السرد الموضوعي ،حيث يهيمن الراوي ،أو الذاتي إذ يتساوى الراوي مع شخصية الحكاية، أو يسلسها لقياد « بويون »، ومنظوراته الأربعة : 1-البطل يحكي القصة 2- الراوي العليم يحكي. 3-شاهد يحكي 4- المؤلف يحكي، أو يسند توزيع مظاهر الرؤية السردية » لنورمان فريدمان » على النحو الرباعي : 1- المعرفة الكلية للكاتب .2- المعرفة الكلية المحايدة .3- الأنا الشاهد. 4- الأنا المشارك. أو يتولى تقسيم السرد على أنا ثانية ،أو كاتب ضمني مفترض عند القارئ ،وعلى الراوي الراصد، والراوي الشاهد ،والراوي المشاهد… للتوسع انظر مقالة الرؤية السردية وإشكالية النمذجة للدكتور فريد امعضشو.

(4)رودي راكر عالم رياضيات ،وناقد أدبي ،له مقالة قيمة نشرت سنة 1983،  تناولت المنجز الروائي للكاتب الأمريكي فيليب كيه ديك ،صاحب الأعمال »الرجل في القلعة الشاهقة »، و »الغزو السماوي » ،و »الماسح الضوئي المعتم »  سنة 1973، التي تؤسس لمنهج عبر واقعية، وهو منطقة وسطى لتخليق الخيال العلمي والواقعي، يروم ضرب البناءات الفنية النمطية ،من حبكة، وشخوص…واعتماد جوهر الواقع للتحليق في عوالم الخيال، بصور غريبة ،أو عجيبة ،أو فيها رعب… جريدة البناء العدد1991 تاريخ 28/1/2016 .

(5) روجي كايوا عالم أنثربولوجي، وسوسيولوجي فرنسي ولد سنة1913، وتوفي 1978 .من كتبه »الألعاب والرجال: القناع والدوران 1958، و »الجمالية المعممة » 1962، و »الإنسان والمقدس »  .إنه مرجع معرفي استثنائي في تصوير الصدمة الإنسانية، وتعرية مكامن الإغواء …إنه يهب الحياة ثم يسلبها، فهو الينبوع المتدفق، والمصب الضائع.

(6)-في كتاب خطاب خارج الحكاية سنة 1970، يحدُّ تودوروف « الفانتاستيكي » بكونه : »التردد الذي يشعربه الإنسان إزاء حدث، هو في ظاهره خارق للقوانين الطبيعية ،التي لايعرف الإنسان سواها…فالخارق يتولد من اللغة …ص168 .

(7) انظر مقال محمد خرماش بمجلة علامات .

المراجع :

1- فاكهة النون قصص قصيرة لعلي عبدوس الطبعة الأولى 2011 شركة مطابع الأنوار المغاربية.

2- خطاب الحكاية بحث في المنهج جيرار جنيت. ترجمة محمد معتصم وعمر حلي وعبد الجليل الأزدي سنة 1996 .

3- معجم السرديات تحت إشراف محمد القاضي

4-الرؤية السردية وإشكالية النمذجة للدكتور فريد امعضشو من مقالاته ذات الصلة « مظاهر التناص وأبعاده للمعداوي.

5- الإنسان والمقدس روجي كايوا ترجمة سميرة ريشا سنة 2010 .

6- مجلة علامات العدد10 1998 ص53 …

7- جريدة البناء العدد 1991 بتاريخ 28-1- 2016

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *