Home»Correspondants»احتجاجات الأساتذة المتدربين أو الشارع كسلطة تشريعية

احتجاجات الأساتذة المتدربين أو الشارع كسلطة تشريعية

0
Shares
PinterestGoogle+

محمد جبرون

يتابع الرأي العام المغربي باهتمام بالغ تطورات احتجاجات الأساتذة المتدربين التي تطالب بإسقاط المرسومين الوزاريين اللذين يقضيان بفصل التكوين عن التوظيف؛ والتخفيض من قيمة المنحة إلى النصف تقريبا. وإذا كان الاحتجاج في إطار الدولة الحديثة أمرا طبيعيا ومفهوما، فإن المسار الذي سارت فيه هذه المعركة، والأسلوب الراديكالي الذي نهجته يطرح على هذه الحركة الاحتجاجية والمجتمع أسئلة عميقة وجوهرية، بل أكثر من ذلك يسائل الوعي الوطني ومفهوم المواطنة في أصوله.

لسنا هنا بصدد التفصيل والإحاطة بكافة الأسئلة والإشكالات التي تثيرها هذه الحركة الاحتجاجية، ولكننا في هذه «اللافتة» سنضع الرأي العام قبل الأساتذة المتدربين أمام المرآة، أمام عدد من القضايا التي تدعو المواطنين لمساءلة موقفهم.

– أولا: ربما نحتاج في بداية هذه اللافتة للتذكير أن الأساتذة المتدربين لا يحتجون من أجل تحقيق مطلب قانوني أي ينص عليه القانون، بل يحتجون لإسقاط مرسومين صدرا بطريقة قانونية، والاحتجاج في الحالتين مختلف تماما، ففي الحالة الأولى الاحتجاج موقف أخلاقي يسائل جوهر الدولة الحديثة وهو احترام القانون، أما في الحالة الثانية فالاحتجاج مشروع في الحدود الذي يظهر عيوب القانون أو أضراره الجانبية، والسعي لتغييره في إطار القانون، لأنه – وببساطة – يتمتع بكامل الشرعية السياسية والأخلاقية.

– ثانيا: إن إضفاء الشرعية على الاحتجاجات، والاعتراف لها بالدور التشريعي، كما هو الحال في معركة الأساتذة المتدربين يعتبر في المحصلة النهائية سقوطا للدولة والنظام، وهذا أخطر ما في المسألة، فالاحتجاج على القوانين والمطالبة بإسقاطها، وممارسة كل أشكال العصيان من أجل إسقاطها، هو بصورة أو بأخرى بناء لسلطة تشريعية بديلة أو موازية وهي سلطة الشارع والاحتجاج، ولهذا لا يجب أن يتوقع أحد أن الأمر سيتوقف عند موضوع الأساتذة المتدربين بل سينتقل إلى باقي الفئات والأطراف التي تعتبر نفسها متضررة من قانون أو حزمة قوانين، ومن ثم إذا كان المغاربة وخاصة منهم المتضامنون مع الأساتذة المتدربين مدركين لهذه الحقيقة فيجب أن يعدوا أنفسهم لمسار طويل من اللاستقرار والاحتجاج المفتوح المستنزف لجهود الدولة التنموية والاقتصادية.

ثالثا: إن قضية الأساتذة المتدربين قضية غير عادلة تماما، ليس فقط من الناحية القانونية بل من الناحية الإصلاحية، إن موقفهم معارض تماما لجهد الإصلاح التربوي، ففصل التكوين عن التوظيف، وبعيدا عن التغليط، يحقق المصالح التالية لكل من التكوين والمدرسة المغربية: فهو – من جهة – يخلص المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من عقدة المناصب المالية ويجعلها مؤسسات تكوينية مفتوحة تشتغل بطاقتها الكاملة؛ ويعيد الاعتبار للتكوين كمجال للتنافس بين المتدربين؛ ويفتح مراكز التكوين على المدرسة الخاصة ويلبي حاجاتها من الأطر التعليمية، لأن هذه المدرسة الخاصة شأنها شأن المدرسة العمومية تستقبل قطاعا عريضا من أبناء المغاربة من حقهم الاستفادة من أطر كفأة، ولا فرق من هذه الناحية بين المدرسة الخاصة وسائر المؤسسات الخاصة التي تشتغل في مجالات بعيدة عن التعليم، فمن حق جميع المغاربة الاستفادة من الأطر التي تخرجها الدولة كالمهندس والطبيب والممرض والتقني ووو.. إلخ؛

ومن ناحية أخرى، يتيح فصل التكوين عن التوظيف الفرص أمام المزيد من أبناء المغاربة للحصول على شهادة مهنية تسمح لهم بالانخراط في سوق الشغل سواء لدى القطاع العام أو لدى القطاع الخاص..

فهل يعقل أمام هذه المصالح الحقيقية والاستراتيجية أن نستسلم للعاطفة ونضفي الشرعية على شيء غير مشروع تماما، وللأسف لم أجد في كل المرافعات والدفوعات التي يتقدم بها المتدربون أو بعض المتضامنين معهم تسفيها لهذه المصالح، بل هناك تغليط وأوهام واستعمال شعارات خاطئة تماما مثل «تفويت المدرسة العمومية للقطاع الخاص»، و«خوصصة التعليم»، و«التشاركية وعدم تشاور الوزارة».. إلخ، وهذه الشعارات كلها لا تتناول جوهر القضية، بل تقفز إلى قضايا تدغدغ مشاعر الجمهور لكسب تعاطفهم؛

رابعا: إن الإصرار على ابتزاز الدولة والاستقواء بالشارع في ظرف إقليمي مضطرب، وتربص دولي بالمغرب وبتجربته الديمقراطية الفتية لتحقيق مطلب غير مشروع قانونا ومصلحة يطرح أسئلة عريضة على مفهومنا للمواطنة الصادقة، وشرعية الدولة في وعي المواطنين، لأن جمهور المحتجين يستدعي مخيال الربيع العربي وشبحه، ويهدد به الدولة، والدولة من جهتها تدرك تماما أن تعاطيها مع مثل هذه الظروف يجب أن يتميز بالذكاء والحكمة حتى لا تتدهور الأوضاع.

لهذه الأسباب أنا مع الاحتجاج الذي يحفظ المؤسسات الدستورية ويقويها، وأنا ضد الاحتجاج الذي يتحول تدريجيا إلى نوع من «البلطجة النضالية» التي تكره المؤسسات على حلول كارثية لا مبرر لها سوى المصلحة الضيقة والفئوية المقيتة، وإذا دخل المغرب هذا النفق فلن يخرج منه سوى بأوضاع شبيهة بأوضاع إقليمنا الصحراوي البئيس، وبالتأكيد في أوضاع كهاته لن يحقق المتدربون مطالبهم، بل الكثير منا سيفقد مكتسباته…..

أستاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين – طنجة

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. ابو يوسف
    05/02/2016 at 23:06

    تحليل موضوعي ومنطقي ،يكشف العواقب الوخيمة التي ستنتج عن هذه الفوضى التي تعرفها مدننا . كل الامل أن تسود الحكمة وان نبتعد عن تغليب المصلحة الضيقة على الصالح العام.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *