Home»Correspondants»نافذة على المدرسة العمومية :المجموعة القصصية « الاستبداد الناعم » للقاص المغربي علي عبدوس مقاربة ميكروسردية

نافذة على المدرسة العمومية :المجموعة القصصية « الاستبداد الناعم » للقاص المغربي علي عبدوس مقاربة ميكروسردية

1
Shares
PinterestGoogle+

*-سياق فكري عام :

امتدادا لمشروعه في القص الوصفي ، يصدر القاص المغربي علي عبدوس مجموعته الجديدة: الاستبداد الناعم » في سياق ربيع نفسي مخترق لثقافة التأسيس ،ومنزاح عن خطاب التأصيل،  مكتفيا بتوجيه سهام تلميحه  لنقد الواقع ،مفضلا العكوف على انهمام الذات في الحفر داخل  طبقات الاستبداد النفسي، والنبش بين أطراف مركز أنا الاستئثار  بالمحبوب،والجميل والعجيب والسحري، بمسباركسر الطابوهات، و الاحتراق بيراعة الا ختراق العاطفي، بمقاصدية السلوك المعقول، ومجازات السلوك اللامعقول ، الذي تتحكم فيه « المنباغية  » والتخييل.

 

**- خصوصية المنجز السردي

 

أ- الصورة السردية:

 

يخضع المنجز السردي  » الاستبداد الناعم »  لقوانين التسريد ،ومكونات الاقتصاص كغيره من الأعمال القصصية والروائية ، لكن الصورة النوعية هي ما يهيمن على بنيته السردية ، المتشكلة من المحسنات البيانية التي لا تؤسس المعنى ولكنها تظهره عن طريق وحدات حكائية صغرى، والملاحظ البلاغية التي لاتزين المعنى بل تحرره من قيود المألوف، فيتناسل ويتعدد، ويتشظى وينشطربواسطة مشاهد داخلية وخارجية تحدث التوازن بين زمن الأحداث وزمن النص في صيغة السرد الخالص، حيث الراوي عليم ومؤلف، يؤثث الصورة البلاغية بالحس والتخييل ليتجاوز الواقع، ويقتحم عوالم المحتمل والممكن ،حيث يتقاطع النسج اللغوي مع التصوير، والمتخيل الإنساني مع البعد الجمالي، لتستحيل الصورة السردية في مجموعة « الاستبداد الناعم « ، إلى أداة لإرسال ملخصات لزخم الأحداث في اتجاه ترتيب تواصل فني بين الباث والمتلقي، وإلى وسيلة لقول مالم يقال، وكشف المسكوت عنه.

 

***-منهج التحليل السردي:

 

يعتبر الدكتور محمد أنقار أول باحث عربي ومغربي في مجال النقد و السرديات ،ينتبه إلى ظاهرة التصوير السردي في ميدان القص والتسريد، خاصة في أطروحته القيمة لنيل دكتوراه الدولة في الأدب العربي الحديث سنة 1992، المعنونة ب: »صورة المغرب في الرواية الإسبانية »1، حيث نظر للصورة انطلاقا من أعمال مورو، وباختين، وشكلوفسكي ، وباشلار، وأولمان… وحلل أنواعها وصنفها إلى :مختلة ومتوازنة ، كثيفة ومباشرة، وكلية وجزئية ،وعمق البحث في الصورة الروائية ،تحديدا  عند مورو، وبلاشير، وأولمان، وإيزر ،كاريه، فان تييجم ،غويار…وعالج صورة المسلم السلبية « مورو » .وحاول أجرأة هذا الجهاز النظري في الجزء الثاني ،  وتقديم مفاتيح الاشتغال النصي، تأسيسا على  أدوات بناء الصورة الشعرية ،مرهنا معاييرها وأنواعها على صورة المغرب في السرد الروائي الإسباني من منظور بلاغي. وفي نفس المسعى سار الناقد المغربي جميل حمداوي، مستلهما منهجا جديدا من الأدب الإسباني ،يمتح من الشعرية و البنيوية السردية، حيث ينطلق من جنس القصة ومكوناتها الداخلية وشروطها الخارجية ،سماه « المقاربة الميكروسردية » ،حيث تخضع لمرحلتين أساسيتين : مرحلة الداخل، ومرحلة الخارج ،أو مستوى التفكيك، ومستوى التركيب.2

 وستحاول هذه القراءة المتواضعة، تنزيل جهازه الإجرائي، مسترشدين بمنهجه الميكرو سردي، عند الاشتغال النصي على قصة الاستبداد الناعم التي سميت بها الأضمومة ،  ومستفيدين من المنهج الماكروسردي  ،المرتكز على التحليل الموضوعاتي، والمستعين بالمنهج السيميائي في قراءة باقي النصوص غير المكررة في مجموعات أخرى.

أ- معايير الدراسة:

 

1-السياق النصي

تأتي مجموعة » الاستبداد الناعم » في سياق فني متميز ،عرف  تطورا للتجربة القصصية، بدءا من مرحلة  الـتأسيس والاحتكام إلى التاريخ الشخصي أوالتاريخ  الوطني، مرورا بمرحلة التأصيل ونقد الواقع الاجتماعي المحيط بالقاص وتقديم شهادات حية ومعاشة  حوله ،وانتهاء بمحطة التجريب والانفتاح على الكتابة الشعرية ،واعتماد المحسنات البلاغية والصور النوعية،  لتجسيد الوقائع وتصوير الشخوص والفضاءات، على شاكلة ما نلحظ في قصة « الاستبداد الناعم » القصة الأولى في المجموعة القصصية التي تضم ثلاثة وعشرين نصا ،منها:  أحد عشر نصا مكررا، تم استدعاء خمسة نصوص من مجموعة فاكهة النون: (لطيفة ، فاكهة النون ، المرأة المتشظية ،ورق التوت ،ميتافيزيقا الحضور)، وستة نصوص من مجموعة قرية أبريل والفراشة:( المايسترو، بقايا خمسة نجوم، الآمر بصرف البحر ، عيد ميلاد،لعب الصغار،بيضة اللقلاق). لاستكمال تصوير مشاهد الغربة والاغتراب الداخلي والحنين إلى المغامرات العاطفية ،والانشداد لفارسات المكان وبطلات الزمان، الموسوم بالبراح و بزيغ المعيش العاطفي.

2-المستوى الذهني:

تسعى قصة » الاستبداد الناعم » إلى الكشف عن مظاهر الاستبداد ،الذي ينخر المجتمع المغربي بخاصة، والعربي بعامة ،والذي حرك الربيع العربي وانتفضات الشارع المحمومة، على انتزاع  الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية، واسترداد سقف متدن من المطالب الاجتماعية ،رغم اختلاف الدوافع الباعثة على انخراط الشخوص في حب فبراير، وتأدية ثمنه بإرادة مجابهة نوع من  الفساد على مستوى النوايا، لكن مع الأسف انساقت الحرب ضد الفساد والاستبداد، إلى نوع جديد من الفساد والاستبداد تحت إرغامات الحاجات النفسية، وضغوط إكراهات الأوضاع الاجتماعية ،ومقتضيات الرؤية القيمية للحالة الأخلاقية.

فالبطل صاحب مغامرة عاطفية تهوى انتهاك المحظور، واختراق  طقوس مؤسسة القران الشرعي، قد داس بقلبه وانتهك باستجابته لذكريات الماضي، حرمة علاقة زواج خليلته بزوج يمجد القوة البدنية في المعارك ،وينبذ تنمية ذكائه في  التفاعل الاجتماعي لتقوية العلاقة معها ، وتحصين سلوكها العاطفي من الخيانة..بينما « أمينة » لم يجبرها وازعها الأخلاقي على طي صفحة الماضي، وفتح عهد جديد من المعاشرة المتساكنة على أساس الوفاء والالتزام بمقتضيات عقد الزواج ،المبرم مع رجل اختارته أو وافقت عليه. فمسار الشخوص في القصة بدوافع الفقر أو الحرمان من بعض الحقوق كالحرية ،انحرف باتجاه الثورة النفسية الناعمة المخملية نحو تكريس استبداد هوى النفس، وفرض ديكتاتورية الاستئثار الرجولي، على نزعة فرض الوجود الأنثوي.

3- سمات التوصيف الأجناسي.

تخضع قصة الاستبداد الناعم لمواصفات جنس القصة القصيرة، على مستوى المكونات والسمات،ولمقتضيات المتن الحكائي ومواصفات المبنى الحكائي، يقول إيميل بنفست بهذا الخصوص: » القصة جزء لا يتجزأ من الخطاب » ص227 1 * كما تتناغم مع معايير الكم والحجم الصغيرعند إيديجر آلان بو، الذي يستهلك قرائيا في غلاف زمني يقدر بأقل من نصف ساعة، يأخذ شكلا دائريا ليؤرخ لحدث استرجاعي تتفاعل فيه الذات بالموضوع  داخل وعي الراوي،  لتستعيده من الماضي وتستكمل تفاصيله ،وفق منظور العصر الجديد ، فتشهد وقائعه  ثلاثة فضاءات  متناقضة على المستوى المادي والنفسي  : حي القصدير الفقير، والعاصمة الراقية ، ومدينة أمينة المستقرة الهادئة، التي تمثل ملاذ ارتداد أحلام فترة المراهقة ،وما تتميز به من انفتاح على الآخر، لاكتشاف صورته الحقيقية ،وفروسية فترة الشباب وما تتسم به من إرادة التحرر ، و فرض الذات، ولو على حساب القيم المتعارف عليها، في زمن تضخمت فيه أنا النوستالجيا ، لتطرز من حالة البداية  تدافعا محموما كسباق الخيل ، نحو ارتداد الزمن لمعاودة شوق البطل المغامر، بعد هجوم الماضي بالبحث  عن خليلته أمينة ،واستعادة شريط  الذكريات العاطفية معها . ثم تبئير مركز الاهتمام  على حالة  النهاية السعيدة، وتحقيق وطرالبطل العاطفي رغم معاكسة الأقدار، وحضور الرقيب ، ومحاولته إقناع الخليلة باختلاس لحظة واحدة من ثمن الحب ، لبلوغ ذروة الرضى النفسي،دون اكتراث  طويل بعرض تحولات اللقاء بحي القصدير في عز ظروف الفقر والحرمان، واقتناص فرصة السعادة ومحاولة توسيع مدتها في العاصمة، وتفريق سبل الحياة بين الحبيبين، وشق كل واحد منهما لطريق  حياته.

يتبع

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *