Home»Correspondants»تقصيد المقاصد تبحير أم تبخيرالتعقيب رقم 2

تقصيد المقاصد تبحير أم تبخيرالتعقيب رقم 2

0
Shares
PinterestGoogle+

التعقيب رقم( 2 )  على محاضرة وتعقيب الأستاذ ميمون النكاز

عنوان التعقيب الجديد: تقصيد المقاصد تبحير أم تبخير

بقلم الأستاذ الدكتور: الحسن قايدة مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين وجدة

بسم الله الرحمن الرحيم

و به نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم اهدنا  للحق فيما اختلف فيه من الحق بإذنك وارزقنا السداد والرشاد.

         بداية لا بد أن أتقدم  بالشكر مرة أخرى لفضيلة الأستاذ ميممون النكاز الذي أتاح لنا فرصة للمناقشة الهادئة والحوار الهادف في جو مطبوع عموما بالركود الفكري، والبوار الثقافي والخواء المعرفي، و أقر كذلك باستعدادي بكل امتنان وتقبل و رضى بالتعلم على يديه، والاستفادة منه، وهو ما دفعني لشهود محاضرته في تلك الليلة الرمضانية، وقد عجلت إليها من مدينة العيون عساني أستفيد وقد حصل ما حصل مما عبرت عنه في التعليق السابق.

         أنا مستعد لمواصلة هذا النقاش العلمي الهادئ الهادف إلى تحريك السوق الثقافية الراكد، و شد أنظار أهل الرأي العلمي والفكري إلى القضايا المؤسسة للنظر المنهجي، والتصور المعرفي ، والرؤية التربوية و الدعوية.. إذ المقاصد قواعد وأصول وقوانين كليات  وضعت لا لأنفسا، وإنما ليعرض عليها أمر غير معين مما لا ينحصر كما قال المازري رحمه في عد الظنيات المؤسسة على الأصول قطعيات[1]

         أعتقد أن هذه المحاورة تكون ناجحة إذا كان شعارها:( ليس منا أحد أصغر من أن يفيد أو أكبر من أن يستفيد، بل الكل يفيد ويستفيد)، وذلك أخذا من قول الحق سبحانه: ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) وقوله تعالى:( وقل رب زدني علما). نعم لقد دار الحديث في تعقيبي على أصل كبير هو وضع الشريعة على مقصد الإفهام، وهو جوهر نظرية المقاصد لانبناء مقصدي التكليف والامتثال عليه، إذ لا تكليف و لا امتثال إلا بما يفهم ويبين، ولقد حصل التنازع بيننا في مدى انضباط خطاب المحاضرة لهذا الأصل الأصيل أو عدمه، وقد بينت جملا من مناقضته لمقاصد النظرية، وهو أمر لا يشاغبني فيه تبريرات المحاضر و لا أشباه القضايا التي ساقها للتغطية و التدسية،  إذ الأمر أظهر وأوضح وأشهر كالشمس في ضحاها، وقبل أن أعرج على تلك التبريرات و التسويغات،  يجدر بنا أن نزيد من تسليط الأضواء على ذالكم الأصل الكبير والمقصد الكلي الثابت قطعا في صورة قانون محكم، وسلطان متبع، به تعير كافة التصورات والتصرفات والأعمال والمواقف، والإنجازات بما في ذلك محاضرة المحاضر، وتعقيبه..

         إن لغة التخاطب الفعالة المؤثرة المثمرة للفعل والحركة هي التي تحترم خاصية التسهيل و التبسيط، وليس التعسير و التعقيد في نظري المتواضع، وهو أمر لمحته من كلام أبي إسحاق الشاطبي، وقد قطعت على نفسي ألا يكون الرد إلا من نصوصه  الواضحة البينة التي لم أجد في فهمها عوجا و لا أمتا، وما رأيت فيها تفاوتا أو تعنتا، رغم بعد المسافة بينا وبينه، بسبع قرون خلت، فواعجباه على حسن التواصل معه على بعد الشقة، وبون الفترة، ثم و اعجباه على عسر التفهم وعسر التواصل مع خطاب المحاضر رغم امتياز اللقاء و المعاصرة وتوافر صيغة الصيغ ( حدثنا ونحن نسمع) على لغة المحدثين، في الأجواء المكيفة، المعززة بالأصوات المكبرة في أجود ظروف وشروط حسن التواصل. قلت مما يزيد الأصل المعتمد عندي اعتبارا و تأكيدا، واعتراض صاحبي تهافتا وتفنيدا أن الفقيه المربي العالم الحكيم والأستاذ والمعلم.. في نظر مؤسس نظرية المقاصد العامرة هو الذي يربي بصغار العلم قبل كباره، فماذا يمكن أن يقال لمن يعول على أن يربي بكبار العلم قبل صغاره؟  قال الشاطبي في مدح الاول: « فهو الذي يستحق الانتصاب للاجتهاد والتعرض للاستنباط (…) ويسمى صاحب هذه المرتبة الرباني والحكيم والراسخ في العلم والعالم والفقيه والعاقل، لأنه يربي بصغار العلم قبل كباره، ويوفي كل أحد حقه حسبما يليق به، وقد تحقق بالعلم وصار له كالوصف المجبول عليه، وفهم عن الله مراده، ومن خاصته أمران: أحدهما أنه يجيب السائل على ما يليق به في حالته على الخصوص إن كان له في المسألة حكم خاص…، والثاني أنه ناظر في المآلات قبل الجواب عن السؤالات »[2]. والواضح المؤكد إن خطاب المحاضرة فقد شرطي الحكمة في التواصل مع خصوص الحاضرين وإليكم البيان:

1ـــ الدعوة إلى المحاضرة كانت عامة، وشرف صاحبها بقاعة العموم بمنار المعرفة، وهو مخصص للدعوات العامة وإلا ففي المركز قاعات للقاءات الخاصة، في حين أن الأستاذ أوصاحب الرد علي يتمسك باختياره وتوخيه البيان الخاص، فقل بربك كيف يمكن الجمع بين اختيار التوجيه للعموم، ثم تعمد الصياغة المستهدفة للخصوص؟ فكيف يصح الجمع بين المتناقضين، وكيف يراد لنا أن نبتلع هذه الفريتين؟

2ـ لا بد من النظر في المآلات قبل الجواب عن السؤالات. نتائج المحاضرة الناجحة أن يفهم الجمهور ويتفاعل الجمهور وهو ما لم يحصل عندي قطعا، والمحاضرة شاهدة بين أيدينا يمكن أن نعرض الشريط على أنظار ( 10) من أهل الإجازة في تخصص الشرعيات ومن ذوي التعليم العتيق، ثم نطلب منهم تلخيصا، ولننتظر النتيجة، والرهان  عندي قائم، ولمن جاء بع حمل بعير    وأنا به زعيم.

ثم إن «كل مسألة مرسومة في أصول الفقه لا ينبني عليها فروع فقهية أو آداب، شرعية أو لا تكون عونا في ذلك، فوضعها في أصول الفقه عارية»، [3] و« كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها خوض فيما لم يدل  على استحسانه دليل شرعي، وأعني بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعا»[4]  

إن النفس الكبير  في التقدير الذي ينبغي التنويه به في مجال المقاصد ليس هو التبحير، وإنما أن تخرج هذه الكنوز للناس من صورتها العالمة النخبوية إلى أن تصبح ثقافة عامة مبسطة غير مبتذلة، وإني على علم ويقين أن الكثير من ثقافتنا الشعبية  المقاصدية موروث ومنحدر من رصيد الحكمة الأصيل، مما قد لا نجده أحيانا عند الخاصة للأسف الشديد، إذ المدار حول المعاني والمقاصد، وأباؤنا وأجدادنا وعامتنا يملكون الكثير من ذلك.

وضع الشريعة على مقصد الإفهام قانون عام يشهد له الكتاب وسنة العدنان استقراء، وهو ما درج عليه جمهور علماء الأمة في كل طبقاتها، ولم يشذ عنه إلا من تلوثت معتقادتهم، وانحرفت مناهجهم وتصوراتهم من قبيل الباطنية وأهل السفسطة والانتحال، من الذين أغربوا وتطوحوا وشذوا حتى عد الشاطبي  ما جاءوا به بعيدا عن صلب العلم أو ملحه، بل أدرجه في الصنف الثالث الذي ليس لا من الصلب أو من الملح « و القسم الثالث: وهو ما ليس من الصلب، ولا من الملح، ما لم يرجع إلى أصل قطعي ولا ظني، وإنما شأنه أن يكر على أصله أو على غيره بالإبطال، مما صح كونه من العلوم المعتبرة، والقواعد المرجوع إليها في الأعمال والاعتقادات، (…) فهذا ليس بعلم؛ لأنه يرجع على أصله بالإبطال، فهو غير ثابت، ولا حاكم، ولا مطرد أيضا، ولا هو من مُلَحه؛ لأن المُلح هي التي تستحسنها العقول، وتستملحها النفوس، إذ ليس يصحبها مُنفِّر، ولا هي مما تعادي العلوم، لأنها ذات أصل مبني عليه في الجملة، بخلاف هذا القسم فإنه ليس فيه شيء من ذلك»[5]. ومن صور هذا القسم وعلاماته ما ظهر في زمان الشاطبي، « كالإغراب باستجلاب غير المعهود، والجعجعة بإدراك ما لم يدركه الراسخون، والتبجح بأن وراء هذه المشهورات مطالب لا يدركها إلا الخواص، وأنهم من الخواص، وأشباه ذلك مما لا يحصل منه مطلوب، ولا يحوز منه صاحبه إلا بالافتضاح عند الامتحان، حسبما بينه الغزالي وابن العربي، ومن تعرض لبيان ذلك من غيرهما»[6]. وإني أخشى بعد الإصرار على قصد التبحير غير البين المنير أن تكون المحاضرة في العلم ليس في العير أو النفير، وإنما هي من قبيل الهدير والزئير والخرير وهي على وزان التبحير الذي يجعل البصر يرتد فعلا وهو حسير، ثم ينتج التبخير أو التكوير، وبعد التسجير ينقلب عند عشاقه إلا ضروب وأشكال من الفرار والتبرير، وقد استشهدنا بقول من هو بالمقاصد جدير أبي إسحاق الشاطبي النحرير، فلنأخذ كلامه على جهة التخبير والتذكير عسى أن يحصل لنا جميعا التبصير الذي ليس بعده سوى (التجرجير).

إن الاعتداد بالألفاظ والاحتفاء بها على حساب المعاني تحت يافطة الكلام البديع والمحسنات البلاغية يسم ثقافة المثقف بما سماه الأستاذ مالك بن نبي بالظاهرة اللفظية، التي تعكس مظهرا من مظاهر السلبية في الثقافة العربية المعاصرة. مرض اللفظية هو: الولع بالكلام المعسول، الفارغ من مضامين الفعالية، فهو ثرثرة وتشدق، ولذلك لابد من التمييز بين الكلمة الفعالة والثرثرة، وإدراك أن الغرام بالكلمات يفقد الإنسان فاعليته، قال الدكتور علي القريشي « هذه الحقيقة التي تعاني منها الثقافة العربية جعلت الفكر العربي لا يعرف معنى الفاعلية، فاستبداد الألفاظ والصيغ من شأنه أن يخلع على أي تفسير للنهضة طابعا سطحيا»[7]

بعد هذا البيان والتوضيح للأصل المنطلق الذي بشأنه وقع التنازع في تقدير انضباط المحاضرة له أو عكس ذلك، وهو ما نفيته بأدلته وشواهده في محله ومن أهله، بعد هذا القدر من الاستدلال الذي يمكن أن نبسط منه المزيد وهو كثير أعود إلى تلك التبريرات والتسويغات التي بها تخيل كاتب التعقيب أن يحجب نصاعة الحقيقة، أو يشوش على وقوع مناقضة المحاضرة لمقاصد المقاصد.

أولا: إني أريد بكل إلحاح أن أعرف من هو كاتب التعقيب على التعقيب؟ هل هو فضيلة الأستاذ ميمون كما هو مصرح وجادة ( بقلم ميمون النكاز)، أ وبتقييد شخص آخر من حراس القلم الذين انزعجوا واستهجنوا أن يرد عليه أحد، في حين تعلمنا جميعا من علمائنا الأخيار من طراز مالك إمام المذهب الأغر رحمه الله : أن كلا يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار بيده إلى قبر الرسول الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه. أريد أن أعرف هل الرد خالص له، أو هو بقلم الغير؟ فإن كان له كما هو في الظاهر، فإن  في التعقيب ما يفيد نقيضه والدليل على ذلك تصريح المقال:  » يبدو لي أن الأستاذ الكريم وقع له التباس واشتباه بين الإغراب اللغوي والإعجام اللساني الذين هما ­- بلا شك -­ من معايب القول وبين الدقة اللغوية والمتانة الاصطلاحية في بنيان الصياغة والصرامة في نظم المعاني وصفها في مباني لغوية وبلاغية مبتكرة تميزت بخواص الابتكار والإبداع والفرادة الاصطلاحية والمعجمية التي عرف الأستاذ ويعرف بها فيما كتبه ويكتبه وفيما حاضر فيه ويحاضر، وهو أمر مألوف منه ومعهود عنه لمن عهده وتعاهده، والذي يظهر أن عدم إلف الأستاذ الكريم بشاكلة الصياغة اللغوية التي يختص بها المحاضر وعدم عهده بأسلوب تأليف محاورها مما أقر نفسه أنه لم يعهده » فهذه شهادة مناصر على فرادة وتميز وإبداع الأستاذ ميمون مما عرف به ويعرف، وهو ما لم تتسع له مخيلتي وذوقي اللغوي، والمهم أن الخطاب من الغير في حق المحاضر، وطبيعي جدا أن المرء لا يمدح نفسه، والمسلم لا يزكي نفسه كما قال تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) [ النجم: 32] وهو ما أنزه عنه الأستاذ ميمون قطعا، وعليه كان لزاما أن يكون الرد بقلم الغير فينسب له أصالة.

وإما إن كان الرد من الغير فجعله له بالتبني والمواطأة والموافقة والتزكية بعد التعديل والتغيير، فلينبه على ذلك، وهو عرف جرى به العمل العلمي في مستواه البسيط العادي بله الكبير، بله المتبحر الخبير، وقد علم بأنه من بركة العلم عزو القول إلى قائله، والنص وقف على صاحبه، مما لا أحتاج إلى التنبيه عليه في هذا المقام الأعلى الرفيع.

و أما الثانية: فقول صاحب ميمون:  « واشتراط تعميم العلم على الكافة بظن التعميم شرطا في الإفهام ليس من لوازم العلم، وليس مدلولا للشاطبي­ إطلاقا ­ في تقريره لمقصد الإفهام، بل هو تعميم لشرط الإفهام بالمعنى الجمهوري في غير موارده، وإلا لاعتبرنا أمثالا بيان الجويني في « البرهان » وبيان الغزالي في « المستصفى » وبيان شيخ الاسلام ابن تيمية في « درء التعارض » وبيان سيبويه في « الكتاب » وبيان خليل في مختصره الكثيف وبيان الشاطبي نفسه في كتاب المقاصد ــــ لعلك تريد الموافقات سيدي ـــــ تبخيرات لهذه العلوم والمعارف لأنها متعذرة لا أقول على العامة بل على كثير من الخاصة، أيظن بالشاطبي أنه أخل بمقتضى مقصد الإفهام لأنه أغلق بعبارته المتينة وصياغته المكينة على العامة والكافة سبل الفهم دونهم، حيث لم يسلس نظمه العلمي للخاصة ولم يطوّع لهم إلا بالمدارسة والمؤانسة والمعاودة والتكرار، أكان الشاطبي في مقاصده ناقضا للمقاصد معارضا لها لأنه لم يضع كتابه للإفهام بالمعنى الذي أراده الأستاذ الكريم لمطلب الإفهام؟ أيعقل أن يصف عارف بمراتب الفقاهة عالم بمدارج المعرفة ورتب التحمل والأهلية المصنفات سالفة الذكر بالتبخير العلمي أو » بتقطير المقطر وتعصير المعصر وتعسير المعسر » لأنها مبهمات على العامة مغلقات على الكافة؟  

خلاصة هذه الفذلكة أن صاحبها أراد تعميم حكم التبخير على كل من تكلم في الشريعة موجها الخطاب إلى فئة مخصوصة كالغزالي في المستصفى، والجويني في البرهان، وابن تيمية في درء التعارض، و الشاطبي في الموافقات وسيبويه وخليل …وهو تعميم يراد به الهروب إلى الأمام أو القفز إلى فوق الشجرة، أو التبرير والتسويغ كما أشرت آنفا، استند صاحبنا في هذا التعميم على آلية المقايسة والمشابهة، وهي مقايسة باطلة واهية الأركان وهاكم البيان:

1ـ فقدان العلة الجامعة، والمناط المشترك، إذ ليست مصلحة التأليف وقصد التصنيف هي مصلحة خطاب المحاضرة ذات الدعوة العامة التي زينت مواقع وجدة العامرة، المؤلف في الغالب يصرح في مقدمة الكتاب الجهة المقصودة  المستهدفة بالتأليف، والناس يشترون الكتب كل بحسب حاجاته ومستواه، والكتب كالناس كما قال العقاد رحمه الله، فهذا قياس يا أخي مع وجود الفارق، والمناطقة يقولون: لا تجمع بين المتفرقين، و لا تفرق بين المتماثلين. وأما المحاضرة فموجهة للخاص والعام، يحضرها من يريد أن يفهم، ومن يريد أن يزداد فهما، ومن يريد أن يناقش ويحاور ويعارض، والمحاضر محتاج إلى إفادة الكل و إمتاع الكل، وهو عين ما قصد به الشاطبي مخاطبة المشترك الجمهوري في مثل هذا.

2ـ  أراك تساوي أو تماثل بين جمهور الجويني ت ( 478 ) وجمهور الغزالي ت ( 505) وجمهور الشاطبي ت ( 790ه)، وجمهور المحاضرة، ولنضرب مثالا لبيان الفوارق العجيبة بين الواقع والماضي القريب، ولنأخذ متن ابن عاشر الأنصاري نسبا، الأندلسي أصلا، الفاسي منشئا ودارا، الفقيه الأصولي النظار المولود سنة 1582م المتوفى سنة 1631م وهو لا يبعد عنا بعد الغزالي أو الجويني..أليس هو  القائل: 

                 وبعْدُ فالعونُ من الله المجيد*** في نظم أبياتٍ للأُمّي تفيد

فهذا المتن الموجه للأميين في زمانه أصبح مرجعا لكثير من فقهائنا وطلابنا ونخبنا الفقهية والعلمية، بل أصبحت عباراته تعيى وتستوجب الشرح والبيان  نظرا للتخلف العلمي العام الحاصل في الأمة، فعامتهم حينئد قد تكون في العلم أكثر بكثير من مفكرينا ومثقفينا مع شدة اعتذاري على هذا التوصيف المر، فأما الفرق بين جمهورنا وجمهور القرون الأولى والقرون التي ظهر فيها الجويني والغزالي والشاطبي أي ( الخامس والسادس والسابع والثامن الهجرية) فهو فرق شاسع وبين في العلم والتمكن والتبحر بين نخبتنا ونخبتهم، و بين عامتنا وعامتهم، ولذلك تهاوت بين يديك تلك المقايسة المعكوسة، المفتقدة إلى ركنها الأعظم الذي هو العلة الجامعة، التي تسمح بتعدية الحكم وتعميمه، فانتبه ياصاح يرحمك الله.

3 ـــ لقد سويت أوشبهت أسلوب صاحبك في القوة والمتانة، وشدة الاعتناء بالصياغة، والمحسنات البديعية بصنيع كبار العلماء كالجويني، والغزالي وسبويه و الشاطبي..ولست أدري هنا هل هذا تشبيه للرجل بما يعطاه، أم لا؟ فتشبيه الرجل بما لا يعطاه كمن لبَّسه ثوبي زور، ثم إن الفرق في الصياغة والنظم أظهر من أن يستدل له، فخطابهم قطعا لم يخرج عن مقتضى قاعدة  » وضع الشريعة على قصد الإفهام » أقول ذلك على خبرة ومكابدة وبيان وقد استخرجت نصوص الشاطبي في الموافقات نصا نصا، فيما له علاقة بمناهج التربية والتعليم، ونخلت كتاب المعتمد في أصول الفقه مصطلحا مصطلحا، ثم نصا نصا مع التصنيف والتحرير والدراسة  للمصطلحات الدلالية وفق منهج الدراسة المصطلحية بأركانها الخمسة، تحت نظر و إشراف رائد الدراسة المصطلحية فضيلة الدكتور الشاهد البوشيخي حفظه الله، ومواكبة وتصحيح الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله، والكتاب مطبوع ومنشور لمن أراد أن يطلع، فهؤلاء وأضرابهم بينوا وأفصحوا وربوا وعلموا، ، وما أغربوا وما تمحلوا فأشكلوا ولم ينقل ذلك عنهم أحد من الباحثين المتخصصين رغم ثأثر البعض منهم بالمنطق كالجويني والغزالي؛ ولذلك ليس لك و لا لغيرك أن تمرر هذا التعميم والتعويم بدعوى التبحير الذي ثبت ويثبت أنه تبخير وتبرير.

والثالثة ما أشكل على صاحبي فهمه في قوله:  » وبالمناسبة تعسر علي فهم ايراد الأستاذ الكريم لمثل المعتزلة في تبخيرهم الكلامي ونقد أبي شعيب لهم، ولم أهتد لاكتشاف وجه الصلة بين تبخير المعتزلة المتعلق بالتحريف الغالي والتأويل المتعسف لحقائق العقيدة ونصوصها طبقا لمنهجهم الاعتزالى وبين أصالة اللغة العلمية ومتانة صرح البناء اللغوي، إن نقد أبي شعيب للإغراب الاعتزالي هو نقد لتبخير معاني العقيدة بالتأويل العقلي الغالي وليس نقدا لمباني اللغة المجردة ». نعم لغة المعتزل أمتن فهم أرباب الفصاحة والبيان، وأنصار النظم والمجاز بما لا يجاريهم فيه أحد، ولكن ليكن في العلم أنهم في طريقة الحد والبرهان لم يخرجوا عن طريقة جمهور أهل العلم من اللغويين والكلاميين والأصوليين كما هو معلوم عند الباحثين، وإنما سبب إغرابهم وتأويلهم وتعطيلهم أنهم اعتقدوا ثم استدلوا كما نبه عليه شيخ الإسلام في أصول التفسير، أو أنهم كما قال الشاطبي أخذوا الدليل بمأخذ الاستظهار لا بمأخذ الافتقار، إذ ينبغي أن يقبل الباحث على الدليل من الكتاب والسنة مقبل المفتقر المتواضع الذليل من أجل أن يفهم ليمتثل وله أن يستنبط إذا كان من أهل المكنة والعدة، و عكس ذلك أن يدخل المرء على الدليل دخول المستظهر الذي يبحث لمعتقداته و خلفياته عن تبرير فعندما لا يسعفه الموجود يضطر إما للتأويل أو التعطيل، وهو في اعتقادي سبب التبخير الاعتزالي، وليس الإغراب في الصياغة والخطاب، أما صاحبي فتبخيره سببه التبحير عن طريق التوليد والاشتقاق والتنحيت من الدليل، وما ذالكم بالتقعيد والتنظير، إذ طريق التقعيد التجزيء، به يبدأ، و القاعدة نسق، ولكل نسق مفردات، وأجزاء، ذلك « أن كلي المقصود الشرعي إنما انتظم له من التفقه في الجزئيات والخصوصات، وبمعانيها ترقى إلى ما ترقى إليه، (…)، لأن المعنى الكلي منها انتظم ولأجل ذلك لا تجد صاحب هذه المرتبة يقطع بالحكم بأمر إلا وقامت له الأدلة الجزئية عاضدة وناصرة، ولو لم يكن كذلك لم تعضده ولا نصرته فلما كان كذلك ثبت أن صاحب هذه المرتبة متمكن جدا من الاستنباط والاجتهاد وهو المطلوب »[8]

والرابعة ما تعجب له صاحبي بقوله:  » ولقد عجبت لاستدعاء الأستاذ المعلق للآية الكريمة: « ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئا وَهُوَ حَسِيرٌ «  في معرض عيبه لمهمل اللغة وغريب العبارة في المحاضرة وفق وزان الأستاذ للمهمل والغريب، والملاطفة العلمية في هذه الحوارية أن الآية الكريمة من حيث مناسبتها لتأويلها في السياق القرآني جاءت نقيضة للمعنى الذي وظفها الأستاذ فيه »، نعم أحسنت، فالمناسبة لا تسعف عند الاستدلال، وما أنا في ذلك السياق

بمستدل أو محتج، وإنما أحكي حالي عندما كنت أستمع للمحاضرة بكل تركيز وإمعان، فلم أجد ما يعبر عن الحال كالاقتباس والاستعارة من القرآن للتعبير عما كنت فيه من حسور وإجهاد للبصر، وإعياء للعقل والتفكير من جراء دخان التبخير، فوجدت العزاء والسلوان في آي القرآن. بغض النظر عن المناسبة في مثل هذا المقام.

         هذا ما وددت بيانه في هذا التعقيب الذي إن أريد منه إلا تصحيح مسار الأنظار لتستقيم على أصول العلماء النظار، ومن ثم يمكن جني ثمرات التصورات والأفكار، فإن يكن في بحثي ما يفيد فالحمد لله على التوفيق، وإن يكن فيه غير ذلك فالله أسال أن يغفر ويتجاوز عني ما كان من التقصير، و إن يكن في هذا البحث من ثمرة فالفضل فيها لله أولا، ثم لشيوخي الكرام الذين تشرفت بالتربية والتعلم على أيديهم: الدكتور الشاهد البوشيخي حفظه الله، والدكتور فريد الأنصاري رحمه الله، والدكتور محمد الروكي حفظه الله، وعلامة الشرق سيدي مصطفى بن حمزة حفظه الله.

                    أولائك آبائي فجئني بمثلهم     إذا جمعتنا يا جرير المجامع

                                       والحمد لله وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




[1] ـ انظر المواقات المقدمة الأولى ص: 23

[2]  الموافقات:4/ 457

[3] ـ نفسه : المقدمة الرابعة، ص: 30

[4] ــ نفسه، المقدمة الخامسة،ص: 32

[5] – الموافقات: 1/ 57.

[6] – الموافقات: 1/ 57.

[7] – التغير الاجتماعي عند مالك بن نبي، ص: 175.  وانظر كذلك كتابنا: خصائص التعلم الفعال عند أبي إسحاق الشاطبي تأصيل الرؤية وتجديد الاختيار ص: 70

[8]  الموافقات :4/ 454

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. المتنبي
    25/07/2015 at 02:03

    السلام عليكم
    مقالين طويلين عريضين ليست لهما أية فائدة في نظري حيث كان على الدكتور المحترم أن يوجه ملاحظاته للأستاذ ميمون النكاز مباشرة وقت حضوره المحاضرة إلا إذا كان الدكتور المحترم خجولا وهذا ليس مبرر أو يعتمد النقل فانتظر حتى يرجع إلى منزله لينقل من هنا وهناك ويسميه مقالا علميا.
    من جهة أخرى أود أن أسأل الكاتب المحترم ألا توجد مقاصد أخرى في المركز الذي يشتغل به، فلماذا يبلع لسانه ولا يتفوه بكلمة حول الوضع المتردي لمركزه أم أنه يعمل بالتفسير السيء للحديث الشريف « أنصر أخاك… » ولماذا لم يتكلم عن التراجعات التي صادق عليها المجلس الحكومي الأخير
    مجرد أسئلة

  2. الرحماني عبد الله
    25/07/2015 at 03:10

    أيها المتنطع المتكلف، لقد صدق فيك قول الأعشى
    ألَسْتَ مُنْتَهِياً عَنْ نَحْتِ أَثْلَتِنا … وَلَسْتَ ضَائِرَهَا مَا أَطَّتِ الإبِلُ
    كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها…. فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ
    هل تريد بناء مجدك من خلال هدم قامات علمية بارزة كشأن الأستاذ ميمون، وتعرف نفسك بالأستاذ الدكتور وترسل صورك للاشتهار، وليس ينفعك إلا أن تبين لنا « حنة يديك » في العلم وقبله في الأدب
    متناقض: تطلب التتلمذ أولا ثم تستصغر وتحقر، ثم تتحدى..كل هذا ولم تناقش فكرة واحدة من محاضرة الأستاذ
    غفر الله لك

  3. حسن
    26/07/2015 at 17:35

    قل بالله عليك هل تعلمت علم التبخير والتجرجير وأولائك أبائي فجئني بهم وغيرها من الألفاظ الساقطة من الأستاذة الكرام الدكتور فريد الأنصاري واللدكتور مصطفى بنحمزة والدكتور الشاهد البوشيخي ، عار عليك أن تذكرهم في هذا المقام اتق الله يا أخي واشغل نفسك بما يعود عليك بالفلاح في الدنيا والأخرة وكن قدوة للناس الذين تخطب فيهم واعلم أن المراء والجدال مذموم في هذا المقام وأحيطك علما أن أخر رسالة كتبها الدكتولر فريد الأنصاري قبيل وفاته كانت حولالإخلاص

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *