Home»Correspondants»الحداثة و العلوم الاجتماعية أية علاقة ؟

الحداثة و العلوم الاجتماعية أية علاقة ؟

3
Shares
PinterestGoogle+

شكلت الحداثة هاسجا وملتقى جل المواضيع وتفرعت عنها إشكالات مجتمعية و فكرية وفلسفية وسياسية وثقافية موجهة إلى الذات المغربية و راصدة جنسية المغرب الراهن عبر مستوى الحداثة .
كانت المواضيع تبحث عن إشكالات أكثر من بحثها عن أجوبة ،فصبت كل تساؤلاتها حول سؤال إشكالي وهو الحداثة في العلوم الاجتماعية ،فاختلفت المواقف ،من مناصر لها، إلى مطالب بها ،إلى طامح إليها ،إلى متأمل فيها ،إلى داع لها، وذلك من باب البحث في جديد و في آفاق العلوم الاجتماعية و ربط خيوطها بخيط ذو لون جديد وهو « الحداثة » التي استهوت المؤرخ  وخلقت في فكره هما تاريخيا باستعمال آليات ومناهج العلوم الاجتماعية لرصد مفهوم الحداثة بمفهوم يتطور عبر التاريخ ويخضع لعدة مقاييس اقتصادية سياسية اجتماعية و فكرية .
وقد تناولت الأقلام مفهوم الحداثة بمقاربات تاريخية،فكرية،اجتماعية ،انتربولوجية، سياسية، اقتصادية، لإيجاد مقاربة شاملة لهذا المعطى وتتبع مساره وخطواته داخل السياق التاريخي لكل مرحلة .ليبقى جوهر السؤال والتساؤل : هو حدود مساهمة كل ماهو ظرفي وإغفال كل ماهو بنيوي في تطور العلوم الاجتماعية بالمغرب وحداثتها،وهل هذا التطور سيمكن  المغرب من أخد جنسية الحداثة الغربية ومن تم ولوجه الى عالم الحداثة أم الظفر بهذه الجنسية يحتاج إلى تدريبات وامتحانات على المدى الطويل تنحث فيها العقليات وبنيات المجتمع العربي بشكل عام والمجتمع المغربي بشكل خاص،لعلنا نتمكن من تشخيص الإعاقة الحقيقية التي حالت دون الانتماء الفعلي لهذا المعطى. ؟
اختلفت تعريفات الحداثة حسب المجتمعات و تداخلت مع إشكالية الهوية  فأصبحت واقعا معاشا تتفاعل فيه كل التناقضات التي تظهر عبر تعايش الحداثة مع التقليد أو بمعنى أصح تأرجح الحداثة وتدبدبها بين التقليد و التجديد فنحتت على جسد الهوية العربية والمغربية عبر مستويات اقتصادية وسياسية واجتماعية و انتربولوجية و فكرية وحتى نفسية. فاستحال الفصل بينها مهما تضافرت الجهود والمحاولات .فوسط تداخل هذه المستويات تم نحت مصطلح الحداثة الذي يحتاج إلى وقفة تأملية يرصد فيها جهازه المفاهيمي ، هذا الأخير  الذي لن نجد له صيغة واحدة مهما اتفقت الآراء حول مفهومه و نظرا لهذه الصعوبة في تحديد مفهوم الحداثة تم اختيار العناصر القابلة للحوار من داخل العلوم الاجتماعية وباجتهادات تمت مناقشتها إما على ضوء السياسة أو من خلال الفكر والعقل أو على ضوء الثقافة الشعبية أو داخل البنية المجتمعية بتساؤل بسيط حول دور  علم الاجتماع داخل المغرب
كما يصعب استخلاص قضية مركزية واحدة، نظرا لتداخل عدة قضايا لذلك سأحاول فقط وضع صورة تقريبية لفكرة الحداثة التي كانت خيطا نسجت به مواضيع سياسية ،مجتمعية،فكرية وثقافية من جانب حداثي في كل ما هو تقني و مكتوب ومجتمعي وسلوكي واقتصادي. لذلك اختلف التطرق إلى الحداثة في مجال الثقافة من زاوية الاهتمام بهذا المعطى. الى حداثة الثقافة الشعبية عبر تداخل الأزمنة الثقافية من خلال اقتحام الحدث للمجتمعات الحديثة ،والذي أصبح مادة استهلاكية في كيفية تأويل التماثل بين النظرة للزمن وبين نموذج العولمة الذي يستدعي ضرورة الانتباه إلى استقبال المجتمعات للمعلومة والى تفاعلاتها معها على جميع المستويات.
وفي موضوع إشكالية واقع الكتاب وآفاقه ،والطموح إلى حداثة قراءة الكتاب انطلاقا من عنصر الترابط كمفتاح للنجاح المعرفي،لكي تصبح القراءة بآلية إنتاج علمي يضم اللغوي والمهندس واللساني وعالم الأدب والمِؤرخ والاجتماعي حسب متطلبات عصر تخزين المعلومات بمعنى حداثة القراءة بإعادة قراءة التراث،باستعمال آليات علوم حديثة كعلم الذهن و الأعصاب والذكاء الاصطناعي المبني على عنصر الترابط تبعا لما تحتاجه المرحلة الراهنة من متطلبات حداثية  في القراءة .ومن ثمة المطالبة بإنتاج نص رقمي على الطريقة الحديثة مع الحفاظ على وحدة النص.  فمن خلال حداثة قراءة الكتاب العربي والانتقال من الشفهي إلى الترقيم بتوظيف الوسائل الجديدة  يتولد الذكاء البصري ومهارات القراءة العمودية والأفقية.فهو مجهود كتابي ثقافي ومعلوماتي يوسع دائرة الفهم. فالحداثة في هذا الموضوع هي التفاعل مع شاشة الحاسوب حتى يصبح الكتاب موسوعة فعالة خصوصا مع إضافة الصورة والصوت ،و يتقمص الكاتب شخصية الرقيم  وينتج نصا جديدا، دون أن يلغي المحتوى الفكري للكتاب ولا وحدته ،لكن الإشكال يبقى في التفاعل وفي استقبال المعلومة التي تؤثر على القراءة وتعوق استيعاب المعلومة وبالتالي المجهود سيكون مضاعفا وبذلك ستكون ضريبة حداثة الكتابة على حساب التفاعل الجيد مع أفكار الكتاب.
و في هذا الباب تعتبر الحداثة مطلبا يرقى بمستوى الفكر و حقا في الانتماء إليها حتى يعطيها معنى شاملا لقبها الأستاذ « محمد المصباحي » بالحداثة الإنسانية ، مشيرا إلى أن إشكالية العقل الحداثي وفشل المشاريع العقلية التي عرفها المغرب يرجع الى عدم استطاعتهم ملاءمة عقلانيتهم مع الحاضر،لذلك كان تأخر المغرب على جميع المستويات.لذلك الانتماء إلى الحداثة لن يكون إلا عن طريق العقلانية والبحث في ماهية العقل ،لأن المطلب هو العقل الحداثي و العقلنة كفعل جماعي تشارك فيه كل الحقول الانسانية من فلسفة و فكر و دين ،لخلق مواطن قادر على التفكير وبالتالي على الخلق والإبداع. وهذا العقل الحداثي لا يمكن بناءه خارج العالم المدني أي خارج السياسة والدولة باعتبار أن مهمة الفلسفة هي التفكر والتأمل و وصف السياسية و النظام الديموقراطي ،لأن كيان الدولة مبني على مؤسسات وقوانين ومساطر،كحاجة مجتمعية لها راهنيتها.
وفي علاقة حداثة الاقتصاد بالسياسة نسج الاستعمار في المغرب حداثة على مستويين مستوى فكري اقتصادي و مستوى تقني وخضع تحديث الدولة المغربية على المستوى السياسي لمراحل .ففي فترة الحماية كان هناك تحديث استعماري حاول التركيز على مستوى العقل فلم يفرز إلا شرائح مستوردة محدودة وهم المعمرون لتبقى التبعية للاقتصاد الحديث.فحداثة الاقتصاد  تكمن في  العقل الحداثي كمؤسس لاقتصاد اليوم وهذه العلاقة تستوجب تحديث المؤسسات السياسية التي تحتاج الى  تدبير على مستوى  التغيير وعلى مستوى المطلب الاجتماعي.وبالعودة إلى مسألة الاقتصاد المغربي يبقى السؤال كيف يمكن تحديث اقتصاد مهيكل بآليات مجتمع تقليدي ليس وليد الرأسمالية التي نظر لها عالم الاجتماع ماكس فيبر وأعلن عن منابعها وخصوصياتها في كتابه « الأخلاق البروتستانية والروح الرأسمالية » فنجح من خلالها في وضع تحليل تسلسلي وسببي لعناصر البنية الاجتماعية ولدورها في بناء المنافع الاقتصادية عبر عقلنة  الدين والاقتصاد .
تلتقي الحاجة المجتمعية لعلم السياسة ولعلم الاقتصاد مع الحاجة المجتمعية لعلم الاجتماع لكن من منظور مجتمعي وفكري ،خاضع للظرفية الحالية التي تجسدت في الحراك الاجتماعي ،وقد أشار الأستاذ جمال خليل إلى أن هذا الموضوع كانت له راهنيته في أوروبا أي مع حراك أوروبي و منها طرحت مسألة فهم المجتمع وبدأ السؤال السوسيولوجي بشكل تدريجي ،حيث كانت الانطلاقة إما من الذات لتعمم على الآخرين أو الانطلاق من تجارب واقعية .
فحداثة علم الاجتماع بدورها تشتكي من الإعاقة بسبب عوائق المجتمع العربي التي تتمثل في انعدام الجمعيات العلمية وقلة مجلات علم الاجتماع وبالتالي صعوبة البحث وصعوبة الاشتغال على مواضيع واقعية .فالبنيات والسلوكيات البشرية التي تؤثر في المجتمع وتفرز منظومة الظواهر المجتمعية من خلال الترابط المجسد  في المؤسسات الدينية أو المقاولاتية هي من تنتج العلاقات وبالتالي تنتج حقل اشتغال السوسيولوجي وتتطلب دراسة المنطق الاجتماعي في تغيير السلوكيات الاجتماعية ودوره في إحياء ظواهر قديمة وإفراز ظواهر جديدة تتزايد مع تغير العلاقات الإنسانية مثل التجديد الذي حصل في حقوق الإنسان كموضوع له راهنتيه.ويبقى جوهر السؤال أي توظيف لهذه الحقوق انطلاقا من المكون الديني العقائدي والتقليدي للمجتمع المغربي ؟
تندرج اشكالية السوسيولوجي في ازدواجية الباحث والفاعل لأن هذا التراكم المجتمعي في السلوكات والطبائع يحتاج فعلا إلى سوسيولوجي محترف ،يغير الواقع ويتجاوز فهم الظواهر وتعميمها لأن هذا التراكم في إنتاج الظواهر أصبح حالة عامة وولد ظواهر خاصة تحتاج إلى عدة و نفس سوسيولوجي جديد وربما إلى تكوين مدرسة سوسيولوجي مع الأحداث الحالية والتطورات التي حدثت في الأسرة وفي الفوارق الاجتماعية وفي العلاقة مع الحياة بشكل عام .فمطلب حداثة السوسيولوجيا يكمن في حداثة تفاعلات السوسيولوجي مع المجتمع .
وفي نفس السياق المجتمعي نطرح تساؤلا انتروبولوجيا وربما أسئلة انتربلوجية من مشاهد لنماذج اجتماعية ترصد  إشكالية الظاهرة الحضارية و الصراع نحو القيم داخل المدن التي تتغير ملامحها يوم بعد يوم ويتغير مشهدها الحضاري و كذا سلوكيات ساكنيها ومشاهدها الاجتماعية .وهذا يستوجب دراسة لتطورات الأمكنة وتتبع السلوكيات الجديدة أو الحديثة حتى نبقى في نفس النسق وتحتاج  ووصفا للعلاقات المتجددة وللسياسات الحضارية التي يدخل فيها القانون كطرف .وفي إطار علاقة التأثير والثاتر كسؤال اجتماعي له مشروعيته في علم الاجتماع ، بين أصحاب المدينة والوافدين عليها  تطرح مسالة اجتماعية بامتياز وهي ظاهرة التهميش ،ويبقى السؤال حول نتيجة هذه الظاهرة الحضارية أو ديناميتها وهذا التطور الذي حدث في السلوكيات فغير المشهد والمشاهد هل أفرز فعلا حداثة المدينة أم خلق تشوها في مشهدها الحضاري  وفي سلوك سكانها.؟
تعتبر الحداثة معطى فكري بامتياز أسس بنيانه الفكر الغربي وتمت رعايته على مراحل داخل حركية المجتمعات الغربية ،فانعكست نتائجها على سلوكاتهم اليومية وتمظهرت على جميع المستويات الاقتصادية الاجتماعية السياسية وحتى الفكرية وهذا يجعلنا نجزم بمركزية الحداثة في الغرب.
كان هدف الفكر العربي عامة والمجتمع المغربي خاصة ،والذي هو محور نقاش محاضرات العلوم الاجتماعية ،هو خلق وطن حداثي غير أن مفهوم هذا الوطن الحداثي في المغرب نجح إلى حد ما بمرجعية دينية وعبر رموز و مفاهيم رسخها النظام التقليدي واستقرار المرجعية الأم في عمق الذات المغربية ، بالاظافة إلى التدبدب الذي رسخه موروث الاستعمار ورياح الحماية التي هبت و أفرزت حداثة مزدوجة بين التقليد والتجديد ،فطمست ملامح الهوية الخاصة وأعطت هويات مختلفة،فأصبحت الذات الأصلية في حالة تناقضات مستبطنة و صراع نفسي ومجتمعي بين التجديد والتقليد. وهذا ما أعطى عدم انسجام في تأثيث مصطلح الحداثة داخل العلوم الاجتماعية .
فالمشكلة الأساسية تكمن في المفاهيم الناقصة والتردد الذي ميز الثقافة العربية مقارنة مع تكامل المفاهيم في الحداثة الغربية. فالنقص يكمن في العقل العربي الذي تسكنه ثقافة معيارية،لذلك يجب تشخيص جوهري للحداثة المغربية التي انبتت على حداثة مستوردة وأصبحت لدى المجتمع المغربي إعاقة حداثية لأنه لازال في طور التحديث التقني ،الذي بدوره يشكي من الإعاقة  ويمكن أن نراه داخل المشهد الحضاري للمدن المغربية التي تبرهن على أن المغرب لازال يرقص على حبلي الحداثة والتحديث .
يجب تحديث البنيات العقلية المجتمعية،ووضع قانون ينظم العلاقات الجمعية  من أجل التقدم الايجابي والهادف ولفهم طبيعة التأخر و إشكالية النمو علينا تتبع المسار المغربي في شتى الحقول الاجتماعية لمواكبة الحداثة على مستوى الاقتصاد والسياسة ،أما المستوى الفكري فيحتاج إلى وقفة تأملية تستغرق سنين وأعوام وربما يظل الجواب غائبا،لما للعقل من سمو  كما أعلن ذلك الأستاذ محمد المصباحي مطالبا بحداثة العقل  إلى أن تتحقق نبوءة الفرنسي دلسكي و يأتي اليوم الذي لا تشرق الشمس فيه إلا على العقل.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *