Home»Correspondants»نافذة على رمضان : من مظاهر افعجاز في القرآن الكريم : العرض الرمزي القصصي : قصة قابيل وهابيل وسلوك الغراب.

نافذة على رمضان : من مظاهر افعجاز في القرآن الكريم : العرض الرمزي القصصي : قصة قابيل وهابيل وسلوك الغراب.

3
Shares
PinterestGoogle+

1- السياق القصصي:

قصة قابيل وهابيل قصة كاملة ،ورد ذكرها فقط في سورة المائدة : 27-31  .وهي أول قصة  تقع فوق الأرض، بعد إنزال أبينا آدم عليه السلام .لذلك فهي محك حقيقي للآدميين لإنجاح تجربة العيش المشترك فوق الكوكب الأرضي، بعد إحاطة الله لها بعوامل  الدوام، والاستمرارية، والنجاح، وتعضيدها برحمته الكبيرة  ،وتوبته الواسعة، وتوصيته خيرا  بصلة الرحم، لتلحيم العلاقات داخل  أسرة سيدنا آدم وذريته من بعده ،و لتغيير صورة تجربة الجن القاتمة، المقترنة بسفك الدماء وإفساد الأرض.

 ترى هل سينجح آدم وذريته في هذا الابتلاء الإلهي ؟

2- القراءة الإيمانية :

يعرض القرآن المجيد قصة قابيل وهابيل  في إطار الوحدة العضوية ، وبلاغة السابق ،  حيث يخلق الربط بين أحداثها  ، ومضمون الآية التي قبلها ، من خلال الإشارة المقتضبة لمحبة سيدنا موسى لأخيه هارون وتحالفهما لمواجهة فرعون وكفار بني إسرائيل ، وبلاغة اللاحق إذ يعلن القرآن الكريم عن الغاية المنشودة من العرض القصصي وهو  تحريم قتل النفس على بني إسرائيل ، لذلك تعمد سورة المائدة المدنية المرتبة  خامسة 5 بعدد آيات 120 آية ، إلى بسط مدونة أحكامها ، في الطيبات و الأطعمة، والذبائح والصيد، وأنواع الزواج والوضوء، وأحوال الشخصية ، وتحديدا تدقيق فعل القتل عند الحيوان والإنسان كما يرى السيد قطب في ظلال القرآن، في معرض تعيين ضوابط الحياة التي يقتضيها

العقد الديني بين الله وعباده، على أساس الإيمان به، والإخلاص له في العبودية ، وما يقتضي ذلك من توضيح المنهج ،والأحكام الشرعية، وبيان الحلال والحرام ،وتحديد الحقوق والواجبات. وفي مقدمة هذه الحقوق والواجبات ،حق الحياة ،وواجب حفظ النفس، وهو من الكليات الخمس. لذلك مهد القرآن الكريم له  بتقديم أول مثال في تاريخ الإنسانية، يحكي عن انتهاك أخ لحق حياة أخيه .وسيكون لهذه الجريمة تبعات ثقيلة على مسار الإنسانية برمتها، على مدى العصور. إنه فعل شنيع، بذر السيئة فوق الأرض.لذلك قال المصطفى /ص/ : لاتقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم كفل من دمها ،لأنه أول من سن القتل ». عن ابن مسعود رواه البخاري ومسلم . وقال ايضا : » إن ابني آدم عليه السلام ضربا لهذه الأمة مثلا ،فخذوا بالخير منهما ». رواه مبارك وأورده الطبري في جامعه .

تستهل سورة المائدة عرض وقائع القصة على شكل مشاهد مؤثرة، ترسم أبعاد صورة استبشاع فعل القتل ،الذي يتكرر أربع مرات لتأكيد وقوع الجريمة الأولى فوق الأرض على جهة اليقين ،بفعل الأمر اتل بمعنى اقرأ، المتبوع بالنبأ ويفيد الخبر للدلالة على أن الله غير راض على صنيع قابيل والقابليين من بعده ،وأن المهم بالنسبة الرسول /ص/ المعني بخطاب الأمر، هو تبليغ جماعة اليهود الباغية  الممسوخة قردة وخنازير، أمر الله بتحريم القتل، وتعريفهم ببشاعته ووزر من يقترفه بتعجيل العذاب في الدنيا ، المتمثل في  تعليق الساق بالفخذ، وإدارة الوجه إلى الشمس ليصلى قابيل نارا حامية في الصيف، ويتألم ببرد كالثلج شتاء، ولعذاب الآخرة أشد كما يرى القرطبي في تفسيره. ثم تمضي السورة في عرض المشاهد، وإشارات تحليلية للنفس، والسلوك البشريين، في إطار من تكثيف المعنى، الذي يفضي إلى تكثيف الصورة:

1- مشهد القربان:

إن ابني آدم عليه السلام قابيل الأكبر، وأخته الكبرى إقليمياء، وكانت جميلة، وهابيل الابن الأصغر، وأخته الصغرى لبوذا، وكانت قبيحة، تعرضا بسبب مخالفة قابيل لأمر الله المبلغ من قبل نبيه آدم عليه السلام، إلى اختبار القرابين ،والمستهدف في هذا الامتحان ،هو التقبل من الأتقى، والأتقى هو هابيل الذي ضحى بالأغلى ،وهو أكمل كبش للتقرب إلى الله، والامتثال لأمره في تنكر تام للذات، وتواضع مطلق، ورجاء صادق بالتقبل. أما قابيل الكافر بشرع الله ،الجشع والمتكبر، فأراد أن يحصل على الزوجة الجميلة بأقل ثمن،  بواسطة حزمة من زرع رديئ. فأرسل الله جل وعلا نارا بيضاء فالتهمت غنم هابيل الأملح، وادخرته في الجنة لافتداء سيدنا إسماعيل عليه السلام .أما قربان قابيل الأكبر والوصي على أخيه ، فلم تكترث به لأنه لايليق بمقام الله جل وعلا ، مما ولد الشعور بالغيرة والحسد ،سرعان ماتحول إلى كراهية، وتهديد بالاعتداء.والرسالة الملتقطة  من المشهد الأول، أن الله لايقبل القربات ،إلا من المتقين والمخلصين.

2- مشهد العفو:

كان هابيل الأصغر أكثر إيمانا، و أذكى وأقوى، ومرضيا عليه من طرف سيدنا آدم وأمنا حواء. ومع ذلك رفض أن يبسط يده على أخيه، لا خوفا منه ولكن خشية من الله .بينما الأخ الأكبر منه سنا، والخارج عن حكم الله بتحليله الزواج من أخته ،والوصي عليه بعد توجه الأب إلى مكة لأداء مناسك الحج، يهدده بالقتل ،ويقطع ما بينهما من لحمة الرحم. والإنسان النذل، لاتصدر عنه إلا النذالة  ،والغدر. والإنسان النبيل ،لايصنع إلا الشهامة والمروءة، و السماحة والتسامح.والرسالة المبلغة: إياك وانتهاك حرمات الله، من زواج بالمحارم، وقتل للنفس، وإلا استعجل الله  لك العذاب في الدنيا ، وستسخن لك الجهنم في الآخرة  ،فتسحب من رجليك وتلقى فيها، وساعتها يتحمل القاتل وزر فعله، ووزر مقتوله ،لأنه ظالم ينقص من حسناته، وتضاف إلى سيئاته .

3-مشهد القتل:

تحولت الغيرة عند قابيل برغبة أخيه التزوج من إقليمياء الجميلة، بعد قبول الله لقربانه ،ومباركة السماء ووالديه لزواجه، إلى كراهية عمياء، وعناد شديد، جعله يشرخ ويشدخ رأسه بصخرة وهو نائم، ليشفي غليل الحقد الدفين في صدره، ويقطع آخر عرق في جسده ينبض بالرحمة، وانحاز إلى صف إبليس ،صف الشر ،والغلظة والقسوة.وما بلغ مرامه ،بل لعنه الله في الدنيا وعذبه أشد العذاب، وحمله خطيئته وسيئات أخيه، ووزر من يقوم بفعل القتل العمد ظلما وعدوانا، إلى أن يرث الله  الأرض ومن عليها. فكان الخسران المبين، فقدان سند أخيه وسخط والديه ولعنة الله.

4- مشهد الغباء والغراب:

بفعل هول صنيع قتل النفس التي حرم الله ، سلط الله الخسة على قابيل وجرده من إنسانيته، وحرمه من نعمة العقل والتفكير، فبعث الله له غرابا ذكيا، فلقنه أبلغ درس في العدل والوفاء، والمودة وسلوك التحضر، فعلمه كيف يقاتل خصمه  ندا لند دفاعا عن النفس،  وكيف يدفن جثة أخيه إكراما للميت ،ومنعا لانتشار الأوبئة ،وحفاظا على نظافة البيئة، كما يرى الدكتور صبري الدمرداش. فندم قابيل حيث لاينفع الندم. والدرس المستخلص من المشهد ،أن الله يعطي الإنسان الهبات والنعم ويأخذ « . وأن العلم البشري لاحدود له، وهو سيرورة  متواصلة ، وسلسلة  تحقق الاكتساب، من المخلوق الأدنى أو الأعلى. لذلك يقول تعالى : » وفوق كل ذي علم عليم « يوسف :76

3- القراءة التاريخية:

تسلمنا القراءة المستوياتية لقصة قابيل وهابيل، إلى تقرير عدة حقائق، لعل أبرزها مخالفة الداعية السوري محمد شحرور في دعواه، أن الاقتصاص القرآني لايشير إلى الوحي ،والأخلاق، والحكم الشرعي. ذلك أن فعل اتل الذي صدرت به القصة ،يحيل على معنى قراءة الوحي، والتذكير بأمر تحريم قتل النفس ،ويعزز هذا المسعى التفسيري ،ورود المفعول به « نبأ » المستهجن من قبل الذات الإلهية،  والمضاف إلى ابني آدم دون ذكر اسميهما، وكأن الرسول /ص/ مأمور فقط بتوضيح موقف الشرع: حكما وجزاءا، من واقعة القتل ،التي بدأت مع ابني آدم ،واستمرت مع بني إسرائيل في قتل أنبياء الله، وتمادت مع محاولات اليهود والمشركين، قتل محمد /ص/ وصحابته رضوان الله عليهم.

أما عنصر القيم والأخلاق فيستشف من موقف هابيل، المؤمن الملتزم بشرع الله ،الحريص على طاعة الوالدين، المفضل للتسامح والعفو عند المقدرة ،على الاستقواء، والاعتداء، لأنه الأتقى. بينما يستفاد تحريم القتل بشكل مضمر، من ترددات فعل القتل، واستبشاع وقوعه، واستثقال تبعاته، وتحذير مقترفه من الخوف من قصاص الله.وبشكل جلي، يلمس صراحة من الآية : 32 التي تلي مباشرة القصة : » من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل، أنه من قتل نفسا بغير نفس، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا .ومن أحياها، فكأنما أحيا الناس جميعا. »

أما الحقيقة الثانية ،فالقرآن حريص على استبطان النفس البشرية، وتحديد دوافع اجتراحها لهذا الفعل الشنيع ، ونلمح ذلك في مسعاه الكريم في تحليل نفس الشخوص :

1- هابيل : وهو الابن الأصغر، يتميز بالذكاء والقوة والإيمان ،وطاعة الله ،وبرالوالدين. ناجح في حياته، لأنه استفاد من مصاحبة سيدنا آدم، الذي سانده نفسيا بتشجيعه على إبراز قدراته، وماديا بفسح المجال أمامه  لتشغيل الملكات ،فنشأ نشأة سوية مشبعة بالحنان الوالدي، ومدعمة بسند الأبوين .

فهو يمثل الاتجاه الإيجابي في الشخصية الإنسانية، ومثال للابن البار الذي يغلب وازع الخير.

2- قابيل: مركز تبئير الرؤية السردية في القصة  ،لأنه يمثل الجانب السلبي في الشخصية الإنسانية، وامتدادا سيئا، لتجربة الفساد وسفك الدماء عند مخلوقات الجن، وأكبر نصير لإبليس لعنه الله .فهو بعد إنجاز صنيعه المستقبح، يعلن ندمه لا لاقترافه جرم قتل أخيه وإلا كانت توبة، كما يرى ابن عباس، بل لأن الله لم يعلمه كما علم الغراب طريقة الدفن.إنه رمز للإنسان المنحرف عن شرع الله ،بسبب معاناة نفسه من عدة أمراض، كالكبر والحسد، والغيرة والكراهية، والعناد والجشع والبخل، مما جعل سلوكه يتسم بالعدوانية، وتضخم الأنا، وهيمنة نزعة الشر.

3- آدم : أب يخوض تجربة الأبوة لأول مرة، وهو متخن بجراح الإحباط والندم جراء نزوله من جنة النعيم ،ومثقل بشقاء الكدح فوق الأرض، وصراع الحق والباطل، والخير والشر.فانقطع للعبادة للتكفير عن ذنبه، و للعمل لتأمين العيش لأسرته. وتراخى في العدل بين ابنيه، وفي تخصيص نفس مقدار العناية والرعاية لكل من هابيل وقابيل، وإلا سيساهم في خلق هذه العداوة الدفينة والمستحكمة بين الإخوة، بفعل سلوك  تمييز الوالدين، وتفضيل أحد الأبناء على الآخر.

4- حواء: أم قليلة الخبرة بالأمومة ،وتدبير مرحلة الانتقال من نمط الأسرة النووية إلى أسرة الجمعنة، فكانت سلبية في صراع ابنيها على الزوجة الجميلة ،نظرا لتأثرها بفعل الهبوط من الجنة، وانصرافها لتكفيرها الذنب ، وتسكين تانيب الضمير، بسبب إحساسها بمسؤولية الهبوط ، ومخالفة الأمر الإلهي، وكذا عكوفها على إدارة شؤون البيت، دون إشباع  متكافئ لقابيل وهابيل من حليب المحبة.

إن قراءة فاحصة لهذه الحالات النفسية، والمواقف الاجتماعية ،تقودنا إلى ملامسة بذرة في القصة، لتكون جنيني لمباحث علم النفس الديني، وعلم الاجتماع الأسري ،يؤطر نظرة القرآن المتقدمة للسلوك البشري العدواني الشرير، كما هو مرصود في نموذج قابيل، والسلوك المسالم الخير، كما هو متجلي في نموذج هابيل. كما تسلمنا إلى اهتمام القرآن بسلوك الحيوان ،وبشكل خاص الطير.فقد اثبت علماء الطيورفي أمريكا وأوربا ، صحة نظرات القرآن للغراب، باعتباره أمة تشبه أمة البشر، يتميز بجانب كبير من الذكاء في تنظيم مجتمعه وعشه على أساس العدل، فله محاكم تبث في نوازل الاغتصاب: اغتصاب الطعام، وعقوبته نتف الريش ليصير الغراب الجاني ممغطا، واغتصاب العش وحكمه بإعادة بنائه أفضل مما كان، أو النفي خارج مجتمع الغربان، واغتصاب الأنثى وعقوبتها القتل.

 كما يتميز الغراب بعدة مميزات منها : الوفاء للزوجة فلا يتزوج عليها إلا في حالة الوفاة أو العقم ،وحب الفضول، ومهارة الصيد، والدفاع عن العش وشن الهجمات، كما ينفرد بذاكرة لاقطة عمرها القصير خمس سنوات…

:4- القراءة اللسانية:

تتميز قصة قابيل وهابيل بنظام إجادة التسييق، فسورة المائدة نزلت، كما يرى ابن كثير، في بني إسرائيل، قتلة الأنبياء المعروفين بالبغي والظلم، والإفساد والاقتتال الطائفي، بسبب التعلق بالمال ،ونزعة التملك. الشيء الذي جعل المتطرفين منهم، يقدمون على محاولة قتل الرسول /ص/ عدة مرات، تماما كما حدث لابني آدم. فقد أورد السيوطي في الجلالين أن غورث بن الحرث قال لقومه من غطفان ومحارب: »ألا أقتل لكم محمدا /ص/ .قالوا :نعم. وكيف تقتله؟ .قال : أفتك به ».

فكأن القرآن الكريم يؤرخ لبداية فعل القتل، ويميز بين القتل الخطأ والقتل العمد ،والقتل المباح والقتل المحرم، في إطار من الوحدة العضوية بين متن وقائع القصة، ومضمون السورة الكريمة كما يرى الباقلاني، مرتكزا على  ملحظ حسن التخلص بواسطة بلاغة السابق واللاحق. وفي نفس المسعى مسعى خلق التناغم بين الأحداث والملفوظ السردي في دائرة حكي فعل القتل، وتحليل دوافعه وتصوير آثاره، عمل القرآن الكريم على استعمال الجملة الخبرية الابتدائية غير المؤكدة  في المجمل، مثل: » فبعث الله غرابا « …والطلبية المؤكدة بأداة توكيد واحدة أحيانا مثل: » إنما يتقبل الله من المتقين »  الموائمة للبنية  الإخبارية من قبيل « فطوعت له نفسه… » « فبعث الله غرابا… » وتعضيدها بالجملة الطلبية  الأمرية لإبراز قيمة الأمر المستهدف للنهي عن القتل، والمبلغة لغضب المولى من العاصي للأمر: » واتل عليهم… »  أي اقرأ واقصص يا محمد/ص/ على اليهود المشركين، ماوقع لابني آدم. وتتخللهما جملة دعائية  يؤديها النداء في صيغة الخبر تتجلى في : « ياويلتى »  المتبوع بالفعل » أعجزت » لا للتعبيرعن الحسرة بسبب الفقد، ولكن للتعبيرعن الحيرة حول طريقة الدفن  لوقوعه لأول مرة ، مع التمني من الله المعرفة المسبقة  على غرار الغراب : قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ، فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين « :31

 والجملة القرآنية داخل القصة ، تتميز بالإيجاز الذي يؤدي إلى الدقة في إصابة المعنى، وحسن انتقاء المفردة الدالة على البيئة –مثلا- التي عاش فيها قابيل ،ولم يكن لها عهد بمفهوم الموت ،ولا بمراسيم دفن الميت وهي: » يواري » التي ترددت في الآية مرتين وتعني حفر القبر، وتغطية الجثة بالتراب. والإيجاز المفضي إلى « حذف ذكر أفصح من ذكر وترك الإفادة » على حد تعبير ابن الأثير ، كعدم اكتراث القصة بالمكان مسرح الحدث الشنيع، وزمان وقوع القتل، وتسمية الشخوص، وعدم التعرض لموقف آدم وحواء  من قابيل، وحالتهما النفسية  بسبب موت هابيل…لكن يتخلله الإطناب البلاغي بزيادة ، كما يرى السيوطي ليفيد البيان والتفصيل ، على نحو ما نلحظ في  إدخال حروف التوكيد : « إني أريد أن تبوء » ،ودخول حرف الجر الزائد  الباء « ما أنا بباسط » وما الزائدة » إنما يتقبل ».

 وبما أن المسار الحكائي يهيمن عليه الخط التصويري، فقد عمد القرآن الكريم  إلى تنويع أدوات الوصف الحسي، ومفرداته : قربان، بسطت يدك ،يواري سوءة  ،والوصف النفسي، ومفرداته : أخاف الله ،تبوء ،طوعت، الخاسرين، النادمين…والوصف السردي، ومفرداته اتل ، لئن بسطت ،فطوعت …  وتعداد قرائن المكان مثل الأرض: الهند ،أو مكة المكرمة ،والزمان زمن القتل المتميز بالإطلاق والاستمرارية والدلالة على الماضي والمستقبل في نفس الآن ويفيده الظرف : إذ ،  وذلك لتأطير الرؤيا السردية من الخلف، وتلوينها بتداولية الحوار ،وطيف ووشاحات الوصف السردي، ومفرداته فطوعت ،فبعث مبني للمعلوم و فتقبل المبني للمجهول لأن المتقبل معروف وهو الله وفعل التقبل يحتمل القبول والرفض.

5-خلاصة :

إن القرآن الكريم عمد في قصة قابيل وهابيل إلى بلاغة الصورة النوعية، عن طريق أسلوب التصوير بالمشاهد المسرحية ،و اللغة ذات الظلال، للتعبير عن الواقعة الدرامية المتمثلة في قتل قابيل لأخيه هابيل، في ظل وحدة الحدث: القتل ووحدة المكان: الهند أو مكة  ووحدة الزمان: في زمن الهبوط ،  ونقل الصراع بين الحق والباطل ،بين الخير والشر، بين الآدميين وإبليس، بواسطة الحوار الدرامي آنا  والتواصلي آنا آخر، والسرد المقتضب، الذي يروي الوقائع، ويصور المشاهد، ويحكي الحذف والقصر، ليفتح مجالات القراءة والتفسير،والتخريج والتأويل أمام علماء التفسير.

.والمنتصر في هذا الصراع هو هابيل، لأنه المؤمن والمسالم والمتسامح، رغم قدرته وقوته  وذكائه، لأن حظي بقبول الله لقربانه، وبرضى الله واحتضان والديه.

 أما قابيل فهو أكبر الخاسرين ، حيث خسر ربه وإيمانه ،ووالديه وسند أخيه، لأنه انحاز لرغباته ولشهواته على حساب التقوى، وجعل مركز الأنا في ذاته وليس في غيره. فما أحوجنا في عصر العولمة وصراع الأديان والحضارات إلى سلوك هابيلي .وبئس السلوك السلوك القابيلي، الذي استشرى وترسخ، فلم يعد مجرد عادة بل صار عبادة.

المصادر:

1- تفسير القرطبي.

2- تفسير ابن كثير.

3- المثل السائر لابن الأثير.

4- جامع الطبري

5-  في ظلال القرآن للسيد قطب

6- معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *