Home»Correspondants»التدين والإنتاجية في المجتمع

التدين والإنتاجية في المجتمع

0
Shares
PinterestGoogle+
 

عبد المجيد مجيدي
عندما تتحرر الأفكار وتستريح النفوس، وتشبع الرغبات ويلوح الهدف الوجودي، ويرتقي النقاش المجتمعي ليتجاوز هموم الخبز الحافي، نكون بالفعل قد أنشأنا جيلا يفقه حرية الاختيار، ويتحكم في أدوات التفكير، ويفصل بين خصال تربيتنا الروحية ومعطيات ممارساتنا السياسية.
هذا الجيل سينهل كثيرا من معاني الدين، ويتفهم حرية التدين، وسيصبح مسئولا عن قناعاته الشخصية التي لا تهم غيره ما دام ملتزما بقوانين الجماعة الإنسانية التي ينتمي إليها بحكم المواطنة.
النبي يوسف الصديق لم يقتحم شؤون الوزارة باعتباره نبيا ورسولا، ولكن لكفاءته وحنكته: « اجعلني على خزائن الأرض؛ إني حفيظ عليم ». وكليم الله موسى لم يؤهل لتأسيس أسرة مع ابنة النبي شعيب إلا من وصفها إياه: « إن خير من استاجرت القوي الأمين ». وقوة إيمان أبي ذر الغفاري لم تشفع له في الحظوة بمنصب سياسي: (إنك ضعيف، وإنها لأمانة ).
فمن البدهي في كل تجمع بشري أن يحتكم الناس في تصرفاتهم إلى قوانين أملتها معطيات التاريخ والجغرافيا المستلزمة لبقاء تلك المجموعة البشرية واستمراريتها في الوجود الدنيوي.
غير أن الجوهر في المحاضن الدينية هو تلك الرابطة الإيمانية والوشيجة الربانية التي لا تمنع بتاتا معتنقيها من التحرك بإيجابية وانسجام في مجتمع غير مؤمن بدعوتها، أو يدين بغير ملتها.
وهكذا لم تقيد الوظيفة السياسية يوسف الصديق عن ممارسة مهماته الدعوية، بل اعتبرها هو نفسه ملكا لا ينقطع: « رب قد اتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الاحاديث، فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلما وألحقني بالصالحين ».
ولن تمنع طبعا كل مؤمن من السير وفق قوانين أرضية من صنع البشر في تناغم غير مبتدع مع أشواق الروح وعزلة الشعور.
وهكذا سيعي الشباب المسلم غاية الوعي أن الإنتاجية في المجتمع لا تقاس بخلواته الإيمانية، وإنما بمدى تأثير حرارتها الآمرة والناهية من عدمها في صلاح البلاد وخير العباد. سيفهم لا محالة أن المحاسبة على تدبير شؤون الناس يجب أن تكون سياسية بالدرجة الأولى مهما بالغ السياسي في وصف نفسه بالولاية العرفانية، أو استنجد بحبل المشيئة ومذهب القضاء والقدر لكي يستميل متعاطفيه أو يثبت مناصريه في أي مناسبة يرى فيها التوسل بالمشاعر الدينية أفضل حيلة لتجاوز عقبات التنافس الانتخابي.
وبالتالي فالإيمان باعتباره ممارسة تدينية لبناء الإنسان في مواطن شتى ونواحي عدة، تزيد الاجتماع السياسي قوة إلى قوته، ولا تجعله أبدا عبئا يخرب أركان الدولة ويمنع تقدمها ويفسد غراسها.
لذلك يجب أن يفهم من يجد في نفسه ميولات تدينية وتناديه مشاريع دعوية أن قيمة مجاهداته تبرز في ما ينتج من ثمار طيبة واضحة بينة، وأهليته للقيادة تتجلى في ما يقوم به من مَهَمّات حضارية ناجحة، قطوفها دانية، ملهمة للإنسانية: « والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ».
نروم أن ننتقل من الدين كظاهرة ترديدية وطقوسية إلى بناء أنماط تدينية منتجة في الحياة اليومية، تنعكس على معاملاتنا وتوجه مسارات التنافس فيما بيننا حول تدبير شؤون الناس. نسعى أن يكون للممارسة التدينية معنى إنتاجيا في المجتمع الإنساني.
Majid AbdeLmajid

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.