Home»Correspondants»الدولة:تفكر بالفرنسية،تحكم بالعربية،تشاغب بالأمازيغية

الدولة:تفكر بالفرنسية،تحكم بالعربية،تشاغب بالأمازيغية

1
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح الإدريسي

رمتنا بلغتها وانسلت:
الفرنسية ،بالنسبة لفرنسا،أكثر من لغة ،ولو طلب منها أن تعبر عنها بألوان لما اختارت غير ألوان علمها  الوطني:الأزرق،الأبيض والأحمر.فرنسا هي الفرنسية،والفرنسية هي فرنسا.من هنا التأطير الدولتي المحكم للغة داخليا؛والحرص على بقاء جذوة الفرنكفونية مشتعلة ،في كل المستعمرات السابقة.
والفرنسية في المغرب،وفي كل مستعمرات الأمس، أكثر من غنيمة حرب –كما توهم أحد الكتاب الجزائريين- فهي قطعة من الدولة الفرنسية؛اعتبارا لمركزيتها في بناء الجمهورية.لو كانت مجرد غنيمة لتعاورتها كل الأيدي ،بعد الاستقلالات،ولانتهت مستباحة من طرف كل المواطنين.
ومن غير المتصور أن « تستودع » الدولة الفرنسية قطعة منها لمن لا يحلها الصدارة ،ضمن مؤسسات الدولة اللامادية.
كل معارك التعريب ،التي أرغم الأغرار من المواطنين – من طرف حزب الاستقلال بالخصوص- على خوضها ،ضدا على مصالحهم،ترتد الى هذا المعطى الذي يَغيب أو يُغيب عن أذهان الكثيرين ،وهم يقاربون الاشتغال الدولتي اللغوي.
لقد أسست فرنسا الدولة الحديثة في المغرب؛وحينما خرج الجنرالات والساسة بقيت لغة « موليير » لتكمل البناء.
يتواصل ،إلى اليوم،بناء الدولة المغربية ،وفق الهندسة الفرنسية؛ولا يضر في شيء أن يكون المهندسون مغاربة؛ما دام تكوينهم ،ابتداء واستمرارا، يتم في ارقي  المؤسسات الفرنسية.  يمكن أن نستهلك ما نشاء من الأماني ،ونبحث عن أحفاد المغرر بهم لغويا غداة الاستقلال،لنغرر بهم ثانية وثالثة ورابعة؛لكن كل هذا لا يزيد الحقيقة إلا وضوحا.
« الفرنسية في القاعة المغربية »عبارة دالة  للمرحوم عزيز أمين،مدير التعليم الثانوي السابق ؛وهو بصدد توزيع لجان المفتشين على القاعات ،حسب الاختصاصات.كانت هناك،بالمركز الوطني للتكوين المستمر، قاعة من صنف خمسة نجوم ؛مؤثثة على الطراز المغربي التقليدي الرفيع.  قالها وابتسم ،فضحكنا.
فرنسا كلها في الخريطة المغربية؛تكمل اشتغالها اللغوي ؛ولا سبيل للترقي الاجتماعي خارج هذا الاشتغال الذي تساهم فيه كل المؤسسات الراقية في الدولة؛وبصفة خاصة المؤسسات الاقتصادية التي لا تلتفت –لغويا- إلا للحروف التي تبني الثروة والجاه.
الدولة تفكر باللغة الفرنسية ،ويجب أن نعي الصلة الوثيقة التي يرتبها فلاسفة اللغة ،بينها وبين الفكر،والمكانة المؤسسية التي تحددها لها السوسيولوجيا.ويجب ألا نُبسط المسألة اللغوية ،وصولا الى درجتها الصفر ،كما رَوّحَ على نفوسنا « المدعوشة » الأستاذ بودهان؛وهو يفترض أننا لن نفقد كثيرا ،ونحن نقرر ذات صباح صياما لغويا كالذي ألزم به الله تعالى نبيه زكريا(آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) ..هذا الافتراض في حد ذاته ينبني على اللغة،أي لغة . وحتى ونحن صامتون تتواصل الحياة اللغوية في أذهاننا ؛إذ هي قائمة على أبنية راسخة في الوجدان.
الدولة تفكر بالفرنسية ،ولا تُرقي إلا من يفكر مثلها ويخلص لها؛و حتى حينما يبكي عليه أن يفكر في les fleurs du mal
أوles misérables؛وحينما يضحك عليه أن يروي عن luis de funès.
هل يمكن أن تَسْبح الدولة المغربية ،في شواطئ الانجليزية؟  نعم لكن شريطة أن يكون  « المايو » فرنسيا،وأن تفكر في الأخطار بالفرنسية.وما يروج من نقاش يفاضل بين اللغتين – تعليميا- يظل نقاشا للاستهلاك الإعلامي.يمكن أن تستبدل معجما بآخر بسهولة،لكن أبنية الفكر ،وثوابت التدبير الدولتي لا يمكن أن تتغير بسهولة. الربيع الذي يُسْقِط ملك للشعوب وليس نهجا للدول.
لغة الألف(الزرواطة):
هي غير لغة الضاد التي صانتها المعاجم ،دون أن تضع حدا لتواصل نموها واشتقاقاتها.لغة قررت الشعوب العربية أن تظل تطالب بسيادتها على جميع اللغات الأجنبية،وقرر الحكام العرب أن يظلوا مصرين على  أن تكون لغة حكم فقط. لغة لا تسود لكنها تحكم وتتحكم.
بمعنى كونها لغة الدين والتشريع والقوانين؛وما يتفرع عنها من مؤسسات العبادة والإكراه التي لا يملك المواطن إلا الإذعان لها ،طوعا أو قسرا. إن اللغة ،أي لغة،سلطة في حد ذاتها ،لوجودها السابق على الإنسان،ولاضطراره إليها للتواصل مع الآخرين  .يحس بوطأة هذه السلطة ،بل بقهرها،من بعيش ،أجنبيا،في وسط  لا يتقن لغته.
اللغة العربية  الفصحى في المغرب سلطة وأداة سلطة في نفس الوقت. تحضرني هنا حادثة واقعية تبين كيف تشتط اللغة في ممارسة السلطة:  في  مستهل سبعينيات القرن الماضي،وبمدينة بركان،لم يُعجب القائدَ منظرُ شاب فرنسي من أصل مغربي،أرخى شعره الناعم  طويلا على كتفيه (طويل مهوى الشعر)؛فأمر « مخازنيته » بأن يُعملوا الموسى في هذا الرأس الذي يتبجح بفرنسيته . رغم كل الصراخ بلغة موليير حلقت العربيةُ رأس اللغة الفرنسيىة. طبعا هذا قائد شبه أمي ولا يتصور فيه التفكير بالفرنسية على غرار رجال الدولة الكبار. وفي الحقيقة حتى القائد لم يكن له خيار عدا الإذعان لسلطة اللغة ،بما هي بناء فكري ومنظومة قيم.
لكن لماذا تفكر الدولة بالفرنسية وتحكم بالعربية؟  حينما تصل الدولة المغربية الى المرحلة التي تصبح فيها لغة التفكير هي لغة الحكم ،ستكون الديمقراطية قد استوت ببلادنا في أتم العنفوان.ألم اقل إن  فرنسا الثورة والجمهورية انبنت كلها على اللغة الفرنسية. إن اللغة في صلب التحول الديمقراطي؛ولا يتصور التحرر إن لم يكن لغويا أساسا.
أن تفكر الدولة باللغة العربية يعني أن تقوض كل البنيان الذي تواصل فرنسا تعهده ،بمختلف الأساليب التي لا تزداد إلا تعقيدا وتنكرا وتخذيلا،هناك حيث يُؤَسس كل شيء على البحث العلمي ،وحتى السياسي، المتطور والصارم.
أن تفكر الدولة باللغة العربية يعني أن  تصير شعبوية ،تتماهى مع  كل الشرائح الاجتماعية ؛في وقت لم تنضج فيه هذه الشرائح لتحفظ للدولة صولتها ،دون إكراه. لقد لا حظنا جميعا السقوط ألدولتي الرمزي ،في ما يسمى بالربيع العربي،وكيف تحولت طرقاتنا وأسواقنا  إلى  فوضى في غياب الأمن الرادع.  ورغم عودة النظام فقد غنمنا حكومة  « فبرايرية »أشاع رئيسها الشعبوية ،و أحيانا حتى الكلام الذي سارت بذكره الركبان ،في منابر يفترض أن تظل مدارس للأخلاق والديمقراطية.
من أين الغنيمة؟  من تفكير الدولة العميقة –بالفرنسية- بأن تُفعل  سياسة « شعرة معاوية »،وترخي الحبل و »ثنياه باليد » كما يقول طرفة .  وهل يقوم غير هذا مبررا لتسيد لغة لا نقبلها حتى من بوابي الوزارات،مع كامل الاحترام لهم.
تتيح العربية من الاستبداد السياسي ما لا تتيحه الفرنسية،خُلقا وقِيما؛ومنذ أن يتعلم الطفل قاعدتي الفاعل والمفعول ،من « ضرب زيد عمروا » وهو يتمنى أن يكون الضارب.يكبر معنا العنف ،وكل لوازمه اللغوية،وها نحن نراه يتحول مع ملل ونحل العصر إلى إرهاب ،لم يترك أحدا غير مبال.
من من جيلي لم يرتح للصحفيين الفرنسيين ،وهم يحاورون المرحوم الحسن الثاني،في عز سنوات الرصاص،حيث كانت « الشمة بقطيع النيف ».  كنا ننحاز للصحفي، ونتمنى أن ينوب عنا في التعبير عن همومنا ،لدى ملك صعب المراس.
من يتذكر اليوم Anne Sinclair    وAlain Duhamel؟
كان  المرحوم يتحدث فرنسية راقية جدا، تجعلك تتساءل:كيف  لا يكون حكمه في مستوى رقي فرنسيته؟
كان يفكر بالفرنسية ويحكم بالعربية،ويتحدثها بفصاحة.  في شخصه اجتمع الأمران  بجلاء.
كيف تشاغب الدولة بالأمازيغية؟   موضوع الحلقة القادمة
Ramdane3.ahlablog.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *