Home»Islam»من فساد الدين اعتبار الإنسان نفسه أو غيره غير ما أراد الديان

من فساد الدين اعتبار الإنسان نفسه أو غيره غير ما أراد الديان

11
Shares
PinterestGoogle+

من المسلمات التي لم يجادل فيها ولن يجادل فيها أحد قناعة الإنسان الراسخة بأنه مخلوق وليس بخالق ، وبأنه واحد من المخلوقات في هذا الكون. ولا يشذ عن هذه القناعة الراسخة إلا بعض المرضى النفسانيين منذ فجر التاريخ إلى نهاية العالم من مثل النمرود القائل لإبراهيم عليه السلام : ((أنا أحيي وأميت ))
، أو مثل الفرعون القائل لقومه : ((أنا ربكم الأعلى )) ، أو مثل كل من تنكروا لمخلوقيتهم عبر التاريخ بشكل من الأشكال ، وطمعوا في الخالقية أو فيما يضاهيها غرورا. ولقد كانت عقدة الإنسان منذ أو وجد أول مرة هو تجاوز عقدة المخلوقية ، وهي نقطة ضعفه التي أخرجته من نعيم جنة الخلد إلى شقاوة الدنيا . ألم يحاول إبليس اللعين أن يعزف على وتر عقدة تجاوز المخلوقية عند الإنسان فدغدغ مشاعر آدم أبي البشرية بما حكاه لنا القرآن الكريم في قوله تعالى : (( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلقهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين قال اخرج منها مذموما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجميعين و يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور)) . وهكذا وقع أول إنسان ضحية عقدة تجاوز مخلوقيته عن طريق الرغبة في الخلد والملك أو الملائكية. وظلت هذه العقدة تلازم الإنسان عبر تاريخ البشرية الطويل حتى وهو على سطح كوكب الأرض بعد نزوله من جنة الخلد إليها .

وقناعة الإنسان الراسخة بمخلوقيته يؤكدها ضعفه وحاجته الماسة إلى الوجود من خلال التناسل وحاجته إلى الوقاع والطعام والشراب والنوم والراحة وأنواع الحماية المختلفة، ولو كان غير مخلوق لاستغنى على كل هذه الأمور لهذا جادله ربه بهذه الأمور ليثبت له مخلوقيته حيث قال جل من قائل : (( نحن خلقناكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون)) وقال أيضا : (( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون )) وقال أيضا : (( أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون )) وقال أيضا : (( أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون )) . إنها أدلة من القرآن الكريم تثبت مخلوقية الإنسان وخالقية الله عز وجل . ومن خصائص المخلوقية الافتقار والشعور بالضعف ، وهو سر التدين لأن الدين من فعل دان يدين بمعنى ذل وخضع ، ولا يكون الذل والخضوع إلا من مفتقر ضعيف لا حول ولا قوة له ، ومن ذلك الديان وهي صفة الله عز وجل وتعني القهار أي صاحب القوة التي تدين لها المخلوقات ومنها الإنسان . ولقد عاش الإنسان منذ وجوده فوق سطح هذا الكوكب حائرا بين قناعته الراسخة بمخلوقيته ، وبين عقدة تجاوز هذه المخلوقية ، فكانت النتيجة أن انقسم البشر إلى ثلاث فئات : فئة اهتدت بوحي الله تعالى المنزل على رسله وأنبيائه الكرام صلواته وسلامه عليهم عبر تاريخ البشرية منذ أول رسالة سماوية إلى لآخرها ، وفئة ضلت الطريق فدانت لقوة المخلوقات لتتجاوز عقدة ضعفها ومخلوقيتها فتعددت آلهتها من كواكب ونجوم وحجر وبشر وجن أوهام حيث كانت مقارنة هذه الفئة لضعفها مع قوة غيرها من المخلوقات تضطرها إلى الخضوع لها دون أن تهتدي إلى القوة الكامنة وراء وجود كل المخلوقات مهما كانت قوتها، وقد أشكل على هذه الفئة تعذر إدراك الذات الإلهية المتعالية على وسائل إدراك البشرإذ لا يدرك البشر ما يدركه إلا عبر مقولتي الزمان والمكان ، وهما حيزان ، والذات الإلهية لا يمكن أن تتحيز في زمان أو مكان لهذا وجدت هذه الفئة ضالتها في كل ما يتحيز ، وحتى ما توهمته من خيال جعلته متحيزا في أصنام وأوثان، وفئة ثالثة من المغرورين الذين خدعوا أنفسهم وغيرهم وتعالوا على المخلوقية ، وطمعوا في الخالقية أو ما يشابهها فصاروا آلهة وأنصاف أو أشباه آلهة . وقد تنتقل عقدة الفئة الثانية والثالثة إلى الفئة الأولى كما قص علينا القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى : (( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون )). وربما حاول البعض استبدال الأصنام بالرسل والأنبياء علما بأن الله عز وجل إنما جعل الرسل والأنبياء بشرا ليبلغوا عنه الرسالات لا ليكونوا بدائل عنه ، ولكن بعض الناس المنبهرين بأحوال هؤلاء الرسل والأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم وبما دعمهم الله تعالى به من معجزات انبهروا بالمعجزات وهي عبارة عن خوارق لما اعتادوه في حياتهم فنسبوا المعجزات والخوارق للرسل والأنبياء ولم ينسبوها لله تعالى ، ومن ثم وقعوا في خطأ تأليه هؤلاء الرسل والأنبياء علما بأن هؤلاء الرسل والأنبياء يتبرءون من تأليههم كما هو شأن المسيح عليه السلام الذي قال الله تعالى في حقه : (( وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد )) أو كما هو شأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى في شأنه : (( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا )) . لقد رأى قوم عيسى عليه السلام معجزات ولادته من غير أب ، وإبراءه الأكمه والأبرص وإحياءه الموتى بإذن الله تعالى ، وهو بشر متحيز في حيزي زمان ومكان فضلوا وجعلوه إلها مع أنه كان يصرح ببشريته ومخلوقيته لهم. وأراد قوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عهده جعل الله تعالى متحيزا في حيزي زمان ومكان من خلال قولهم : ((أو تأتي بالله والملائكة قبيلا )) إلا أنه صرفهم بقوله : ((سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا )) ليؤكد لهم بشريته ومخلوقيته. وبالرغم من وجود هذه الحقائق الجلية في كتاب الله عز وجل فإن بعض الناس لا يستقيم تدينهم إلا بمحاولة التنكر لمخلوقيتهم أو لمخلوقية غيرهم مع أنهم يحسبون على الدين الإسلامي أو هكذا يخيل إليهم . فأما الذين يحاولون التنكر لمخلوقية غيرهم و جعلهم من طبيعة متعالية عن هذه المخلوقية ، ومتجاسرة على طبيعة الخالق تعالى عما يصفون ، فهم قوم يريدون تأليه بعض البشر كما حاول ذلك قوم عيسى عليه السلام ، وقد بهرهم ما أجرى الله تعالى على يديه من معجزات وخوارق. وهكذا نجد قوما يزعمون أنهم مسلمون وهم يرفعون من أقدار بشر كما يفعل الرافضة بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعلونهم فوق البشر طبيعة وجبلة بل يجعلونهم يمارسون تدبير الكون مع الخالق سبحانه وتعالى بشكل من الأشكال ، وعن طريق التأويلات الباطلة لكلام الله عز وجل . فآل البيت عند الرافضة ليسوا بشرا بل هم من طبيعة نورانية ملائكية خلافا لما جاء في كتاب الله عز وجل الذي خلق آدم من طين ثم جعل نسله من ماء مهين ، ولم يخلق بشرا من نور، وإنما نورانية البشر من رسل وأنبياء معنوية وليست مادية مردها ما تفضل الله به عليهم من وحي. أما الرافضة فيجعلون وجود آل البيت سابقا على وجود آدم عليه السلام وهو أول إنسان مع أن الله تعالى يقول : (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا )) ولكن عقيدة الرافضة الضالة لا يحكمها منطق إذ يسبق وجود آل البيت عندهم وجود آدم مع أن المنطق السليم أن يكون آل البيت من ذرية آدم خلقوا ككل البشر لابتلائهم كما يبتلى كل البشر فمن شكر فله شكره ومن كفر فعليه كفره . وآل البيت براء مما ينسبه لهم الرافضة الضالون ، ولسان حالهم كلسان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل سبحان ربنا هل نحن إلا بشر من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغني عنا رسول الله شيئا إذا لم نكن من الشاكرين ، وقد جرت سنة الله عز وجل في الرسل والأنبياء فكفر آباء وأبناء بعضهم كما هو حال نوح وإبراهيم عليهما السلام . وعلى غرار فساد عقيدة الرافضة يوجد فساد عقيدة الطرقية إذ يرفع أصحاب الطرق من أقدار مشايخهم فوق درجة المخلوقية ، وينسبون لهم ما لا ينسب إلا لله تعالى تماما كما فعل قوم عيسى عليه السلام أمام الانبهار بمعجزات وخوارق دعم بها الله رسالته . فقد ينبهر بعض الناس بكرامات خص بها الله تعالى بعض عباده فينسبونها لهؤلاء العباد عوض نسبتها لله تعالى الواحد الديان . وهكذا يفسد دين الرافضة ودين الطرقية ، وهو من بقايا الوثنيات المتسربة إلى الدين الإسلامي عن طريق التدليس ، والتغرير بالأغرار من الناس الذين تشغلهم المخلوقات عن الخالق سبحانه ، مع أن الخالق إنما جعل المخلوقات والتأمل في خلقها وسيلة لإدراك قدرة الخالق الديان جل في علاه ، ولم يجعلها هدفا في حد ذاتها . ويبقى في الأخير الإشارة إلى نوع من البشر يركبه الغرور لأن الله عز وجل رفع من شأنه بعلم لقوله تعالى : (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) فهذه درجات العلم والإيمان وهي درجات معنوية لا درجات مادية تخرج الذين آمنوا والذين أوتوا العلم عن طبيعتهم المخلوقية ، فبعض المغرورين بهذه الدرجات ينظرون إلى غيرهم من البشر وكأنهم مجرد بعوض أوحشرات ، ويرون في أنفسهم القداسة مع أن القداسة صفة الله تعالى وهي صفة التنزيه الذي لا ينبغي لبشر مهما كان لأن الأصل في الإنسان المخلوقية وهي ضعف بالضرورة. وقد يخلط هؤلاء بين التكريم والتقديس فالله تعالى كرم بني آدم ولم يقدسهم إذا قال سبحانه : (( ولقد كرمنا بني آدم )) ومن التكريم هبة العلم والإيمان من الله عز وجل وبهما يتفاضل الناس لا تفاضل افتخار بل من كرمه الله تعالى بعلم أو بإيمان يكون متواضعا له ، ومن التواضع لله عدم التعالي على خلق الله عز وجل اغترارا بعلم أو بإيمان .

وشر من ذلك قوم لم يرفعهم الله بعلم ولا بإيمان ، وإنما هم قوم يرتزقون بالدين في غفلة من زمن صار الدين مجرد وزارة أو إدارة من الوزارات والإدارات ، وهم قوم إنما تسلطوا على الدين طمعا في الإتاوات وركبهم الغرور فصاروا يرون أنفسهم فوق الناس ، ولا يساوي غيرهم في نظرهم شيئا فهم لا ينظرون إلى الناس إلا نظرة ازدراء ، ولا يذكرونهم إلا وهم ساخرون ، ولا يؤثر فيهم قول الله تعالى : (( لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم )) يسخرون من الناس والله ساخر منهم إذ فضح خائنة أعينهم وما تخفي صدورهم . وأخيرا وعود على بدء أقول : من فساد الدين اعتبار الإنسان نفسه أو غيره غير ما أراد الديان . وقد أسمعت من كان حيا ولكن لا حياة لمن أنادي .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. استاد محايد
    06/12/2010 at 22:55

    لاستاد الفاضل الشركي بعد صدور المدكرة 109 لتمديد عملية تغيير الاطار .بدأت تظهر تحالفات لتغيير فحوى المدكرة.او بصحيح العبارة اقصاء المكلفين الحقيقيين وتعويضهم باخرين لهم صلاة متينة .ومن باب الاعلام فلا اقصاء لمن تستوفي فيه الشروط.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *