Home»Islam»ثمن سلعة الله عز وجل الغالية عملة جد صعبة

ثمن سلعة الله عز وجل الغالية عملة جد صعبة

0
Shares
PinterestGoogle+

الناس في حياتهم الدنيا إذا ما اشتهوا اقتناء الأشياء فكروا أولا في أثمانها ،وهم بطبعهم لا يقربون أصلا الأشياء التي لا يملكون أثمانها بل لا يفكرون فيها حتى مجرد التفكير. والحالمون باقتناء الأشياء الثمينة تؤرقهم أثمانها ويصير اقتناؤها عندهم من ضرب المستحيل . ومع الأسف الشديد والأسى العميق يختلف الأمر عند الناس عندما يفكرون في سلعة الله عز وجل الغالية التي هي الجنة التي جاء وصفها في القرآن الكريم والأحاديث القدسية والشريفة . وإذا ما اقتصرنا على وصف واحد لها في حديث قدسي جاء فيها :  » قال الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر  » وجدنا الوصف يحيل على مكان من أغرب الأماكن لأنه لا شبيه له بما يوجد في دنيا الناس ذلك أنه مكان غير معهود ولا سبق أن أدركته الحواس البشرية أو حتى خطر على قلوب البشر. وإذا ما كانت أشياء في حياة الناس لا تقدر بثمن لقلتها أو ندرتها فما هو ثمن حيز لا عين رأته ولا أذن سمعت به ولا خطر على قلب بشر ؟ لا شك أن الثمن سيكون باهظا . وإنه لكذلك من خلال قوله تعالى : (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )) فثمن دخول الجنة هو ورقة مالية على وجهها الأول مكتوب الجهاد وعلى وجهها الثاني مكتوب الصبر، وهي عملة نادرة وجد صعبة .

فما هي حقيقة هذه العملة التي هي ثمن سلعة الله عز وجل الغالية ؟ أما الجهاد فلا يعني تلك الدلالة القاصرة على المواجهة المسلحة من أجل نشر الدين أو حمايته أو رد العدوان عليه بل يعني مواجهة الحياة الدنيا بمغرياتها ومصائبها لهذا تعتبر المواجهة المسلحة في الإسلام جهادا أصغر بينما تعتبر مواجهة الحياة بمكارهها ومغرياتها الجهاد الأكبر. وقد أكد ذلك قول الله تعالى : (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )) فهذه الآية تؤكد وجود البأس والضر والزلزال في الحياة ، وهو زلزال العواطف وقد شبه اهتزاز المشاعر بالخوف وما شابه باهتزاز الأرض أو زلزالها . فهذه المكاره الموجودة في الحياة الدنيا تتطلب مكابدتها جهادا بالمعنى الشامل لا بالمعنى الجزئي الدال على مواجهة العدو المواجهة المسلحة. وهذه الآية الأخيرة تعكس مدى المعاناة التي عاناها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم ذلك أن حرف المعنى « حتى  » يفيد انتهاء الغاية ، وإذا كان انتهاؤها هو السؤال عن أوان حلول نصر الله عز وجل من طرف الرسول وصحابته فهذا يدل على شدة البأس والضر والزلزال النفسي ومن ثم يعني قوة الجهاد وقوة الصبر . وليس من قبيل الصدفة أن يقترن الصبر بالجهاد في العملة الصعبة التي تدفع ثمنا لدخول الجنة ذلك أن الجهاد مكابدة تتطلب التحمل وهو الصبر . أعود مرة أخرى للقول بأننا مع الأسف الشديد نحلم بسلعة الله الغالية باستمرار دون أن نفكر في أرصدتنا من عملة الجهاد والصبر شأننا في ذلك شأن صبية صغار يحلمون باقتناء أشياء غالية وثمينة بقروش قليلة في جيوبهم فيسخر منهم الكبار الذين لا يفكرون في السخرية من أنفسهم وهم يرغبون في سلعة الله عز وجل الغالية بأرصدة خاوية . فكثير من الناس يفكرون في الجهاد الأصغر كثمن للسلعة الغالية دون التفكير في الجهاد الأكبر وهو الأولى، وكم منا من يحلم دائما بالجهاد الأصغر خصوصا عندما يكون بعيدا عن مواقعه ولكنه لا يستطيع أن يصمد في مواقع الجهاد الأكبر، فعلى سبيل المثال لا الحصر يعد غض البصر من الجهاد الأكبر اليومي الذي يغفل عنه الغافلون ولا يستطيعونه حيث تسرح عيونهم فيما حرم الله عز وجل ومع ذلك نجدهم يحدثون أنفسهم بالجهاد الأصغر وهم في عمق مواقع الجهاد الأكبر. فمثل هؤلاء نقول لهم نريد منكم جهاد غض البصر قبل التفكير في الجهاد الأصغر.

ويقاس على غض البصر إمساك اللسان ومنع الآذان وكبح الأيدي وتقييد الأرجل عن كل أنواع المحرمات لأن في ذلك مكابدة وجهاد وصبر حيث تهفو النفس الأمارة بالسوء تحت ضغط الغرائز العمياء إلى اللذات المحرمة وفي منعها عذاب وشقاء ومعاناة. وقد يوجد بعض الناس أمام مكابدات كبرى من قبيل إغراء النفس لبعضهم على سبيل المثال لا الحصر بالرشوة وفيها لذة اقتناء المال الحرام حيث يغرى الموظف صاحب المرتب الزهيد بالمبالغ الخيالية من مال الأمة الحرام من أجل تضييع مصلحة عامة أو السطو على حقوق الغير فالمتمالك لنفسه أمام هذا الإغراء الخطير مجاهد جهادا أكبر ومالك للعملة الصعبة الجهاد والصبر التي هي ثمن سلعة الله الغالية . والناس قد يشتركون في أنواع كثيرة من المكابدات اليومية التي تتطلب الجهاد والصبر ولكنهم قد يتفاوتون حسب ظروفهم في المكابدات ، ومن ثم يتفاوت جهادهم وصبرهم. فالفقير جهاده وصبره يتعلق بمكابدة الفقر والحاجة وهي مكابدة مخالفة لطبيعة النفس المتلذذة بإشباع غريزة حب التملك . والغني جهاده وصبره يتعلق بمكابدة الطغيان المترتب عن امتلاك المال وهي مكابدة مخالفة لطبيعة النفس المتلذذة بإشباع غريزة العدوان. والمريض جهاده وصبره تحمل معاناة علته وهي مكابدة مخالفة لطبيعة النفس المتلذذة بإشباع غريزة حب الصحة . والصحيح جهاده وصبره مواجهة الشهوات وهي مواجهة مخالفة لطبيعة النفس المتلذذة بإشباع غرائز الشهوات المختلفة القائمة على صحة البدن وعافيته. وعلى هذا القياس يكون لكل إنسان جهاد وصبر من خلال مكابدة أو معاناة خوض غمار الحياة بكل ما فيها من إغراءات وراءها اللذات وتعقبها النقم والندم .

ولقد جعل الله عز وجل ثمن سلعته الغالية وهي الجنة التي لم ترها عين ولم تسمع بها أذن ولم تخطر على قلب بشر الجهاد والصبر خلال خوض غمار الحياة الدنيا وهي حياة ابتلاء واختبار فهل كل الناس يملك العملة الصعبة لاقتناء سلعة الله عز وجل الغالية ؟ وهي الورقة المالية بوجه رسم عليه الجهاد وآخر رسم عليه الصبر وشعارها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :  » حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات »

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *