Home»Islam»مواعظ رمضانية : حقيقة عبادة الإنفاق في الإسلام

مواعظ رمضانية : حقيقة عبادة الإنفاق في الإسلام

0
Shares
PinterestGoogle+

كثير من المسلمين يختزلون عبادة الإنفاق في البذل المادي ، ولا يفهمون الإنفاق إلا إذا كان درهما أو دينارا ، والحقيقة أن هذه العبادة أكبر من صرف الدرهم والدينار لأن الله عز وجل حينما أمرنا أن ننفق حدد لنا مجال الإنفاق في قوله تعالى : (( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه )) وعندما نتأمل ما جعلنا الله عز وجل مستخلفين فيه نجد أنه أكبر بكثير من الدرهم والدينار، ذلك أنه استخلفنا في نفوسنا ، وفي أجسامنا ، وفي عقولنا ، وفي آجالنا ، وفي بيئتنا بمختلف مظاهرها لهذا فالإنفاق فيما استخلفنا فيه يكون بالضرورة شاملا لأمور عدة ، ولا يمكن أن يقتصر على المال . وموضوع ابتلاء واختبار الإنسان في هذه الحياة هو الإنفاق فيما استخلف فيه لقوله تعالى : (( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم )) . ويكثر الأمر بالإنفاق في القرآن الكريم بالمعنى الذي ذكرنا ، كما أنه يحذر من ضياع فرصة الإنفاق حيث يقص علينا القرآن الكريم خبر أمنيتين يتمناهم كل إنسان واحدة ساعة احتضاره والأخرى ساعة جزائه في الآخرة ، وهما أمنيتان لا تتحققان مع الأسف الشديد . أما الأمنية الأولى فقال عنها رب العزة جل جلاله : (( وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون )) فالإنسان يتمنى لو أخره خالقه سبحانه إلى أجل قريب لا ليصلي أو يصوم أو يزكي أو يحج بل ليصدق أي لينفق ، وليكون صالحا أي يكون إنفاقه من أجل الصالح ولكن مع الأسف الشديد لا يمهله الله تعالى الذي حدد له أجلا معلوما.

ومعلوم أن ساعة احتضار الإنسان هي ساعة صراحة مع الذات ، وهي صراحة تنعدم عندما تكون للإنسان فسحة في عمره ، فهو يستكثر عمله بسبب هذه الفسحة ، ويرضى على نفسه ، ولكنه عندما يحين أجله يستصغر عمله ، ويتمنى لو مد في عمره ليكثر منه كيفا وكما . وأما الأمنية الثانية التي لا تتحقق أيضا فقال عنها رب العزة جل جلاله : (( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون )) . وتبدأ هذه الأمنية حيث انتهت الأمنية الأولى بطلب تأجيل العمر لتدارك ما فات بالعمل الصالح فيما استخلف فيها الإنسان وما تركه وراء ظهره ولكن مع الأسف الشديد يجد نفسه وراء الحاجز أو البرزخ ينتظر البعث والحساب والجزاء ، فإن ثقلت موازينه بالإنفاق مما استخلف فيه كان من المفلحين ، وإن خفت موازينه كان من الخاسرين وتمنى على الله تعالى أن يخرجه من نار لافحة للوجوه ،ويتعهد بعدم العودة إليها أي بالإنفاق فيما استخلف فيها ولكنه مع الأسف الشديد يقمع ويمنع من الكلام وهو في عذاب الخلد. والإنسان المؤمن الكيس هو الذي يحرص على ألا يتمنى هاتين الأمنيتين اللتين لا تتحققان أبدا وينفق مما جعله الله مستخلفا فيه سواء تعلق الأمر بنفسه التي قد يجب عليه بذلها من أجل إعلاء كلمة الله عز وجل ، وهو قمة الإنفاق ، أو بجسمه ، أو بعقله وبما آتاه الله تعالى من خبرات متعددة ، أو بوقته أو برزقه إلى غير ذلك مما استخلف فيه . ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنفاق انطلاقا من أصغر نفقة ممكنة بقوله عليه السلام :  » اتقوا النار ولو بشق تمرة  » فشق التمرة هو أقل ما ينفقه الإنسان من رزقه ، وعليه يقاس كل إنفاق . فشق التمرة الذي لا يساوي شيئا عند الإنسان يمكن أن يقيه من نار عظيمة وقودها الناس والحجارة . وقياسا على شق التمرة يمكن أن ينفق الإنسان شق كلمة ، أو شق ابتسامة في وجه أخيه ، أو ما قل مما يحتقره من قول وعمل ومع ذلك يكون حاجزا بينه وبين جهنم . والمحتقر لشق التمرة وشق الكلمة ، وشق الابتسامة عندما تحضره الوفاة يتمنى لو أخره ربه سبحانه إلى أجل قريب ليقدم شق التمرة وشق الكلمة ، وشق الابتسامة ، وشق النصيحة ولكنه مع الأسف لا يمكن من ذلك لانتهاء أجل امتحانه واختباره .

ويا حسرته ويا خسارته وهو يحتضر ويتمنى أن ينفق شق ابتسامة لم يرسمها أبدا على محياه في وجوه الناس . وكثير من الناس لا يبالون بما يصيبهم فيما استخلفهم فيه الله عز وجل من تلف لمجرد أنهم لا ينفقون منه ناسين أو متناسين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :  » ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم اعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم اعط ممسكا تلفا  » إنها دعوة ملكين كريمين ليس بينها وبين الله عز وجل حجاب ، وهي مستجابة لهذا يخلف الله تعالى في الدنيا والآخرة على المنفقين من أرواحهم ودمائهم ، وأجسادهم وجهدهم وعقولهم ووقتهم ورزقهم في حين يتلف الله تعالى أرواح وأجساد ودماء وعقول وأوقات وأرزاق الممسكين . فكم من إنسان بلغ من الكبر عتيا ولكن ظل يتمتع بعقل سليم وجسم سليم ودم سليم لأنه كان ينفق من ذلك وكان الله يستجيب دعاء الملك الكريم فيه فيخلفه في نفسه وعقله وجسده ودمه ووقته وماله . وكم من بخيل في ريعان الشباب وكامل القوة بخل بعقله وجسمه ووقته وماله فأتلف الله تعالى عقله الذي لا ينصح وجسده الذي لا ينفع ، ووقته وماله ، وسلط عليه الأسقام والخسارة ، وأتلف له كل ما استخلف فيه ولم ينفق منه . وكم من منفق من دمه على المحتاجين من مرضى أخلف الله تعالى عليه دما نقيا طاهرا معافى من العلل ، وكم من باخل به أتلفه الله عليه بالعلل والأسقام فلا يكاد يجري تحليلات على دمه حتى يفاجأ بالعلل الكثيرة فيه . ولعله يجدر بالإنسان المسلم أن يراجع نفسه في عبادة الإنفاق ولا يختزلها في إنفاق الدرهم والدينار، ويوسع من دائرة الإنفاق لتشمل ما استخلفه الله عز وجل فيه مبتليا ومختبرا و محصيا ومحاسبا ومجازيا بخلف أو تلف في العاجل والآجل .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *