Home»Islam»ما هي علاقة الإنسان المسلم بالبيئة التي تحتضنه ؟

ما هي علاقة الإنسان المسلم بالبيئة التي تحتضنه ؟

0
Shares
PinterestGoogle+

من المعلوم أن المفاهيم تتحكم فيها المعتقدات ، ولن يشد مفهوم البيئة عن هذه القاعدة ذلك أن الناس طرائق قددا فيما يتعلق بالبيئة حسب اختلاف معتقداتهم. وللمسلمين فهمهم الخاص بهم للبيئة ، وهو فهم يحدد علاقتهم بها ، فما هي البيئة في الإسلام ؟ وما دورها في حياة الإنسان المسلم ؟ لفظة بيئة أو باءة أو مبوأ أو مباءة تعني المنزل أو المحيط ، وهو كل حيز أو وسط ينزله الإنسان ويقيم فيه. والبيئة كما يحددها كتاب الله عز وجل عبارة عن حيز يضيق فيكون رحم المرأة لأنه أول حيز يقيم فيه الإنسان ، ويتسع ليصير الكون برمته . وقد تكرر ذكر البيئة في القرآن الكريم في العديد من الآيات وفي سياقات مختلفة أكثرها سياقات امتنان الخالق المنعم جل جلاله بنعمة البيئة على خلقه . ومن ضمن هذه السياقات قوله تعالى : (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا ، والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون )) .

ففي هذا السياق القرآني يربط الله عز وجل بين العبادة التي هي مجموع الطاعات الواجبة على الإنسان وبين ما يقابلها من نعمة البيئة إذ يستحق الخالق المنعم بنعمة البيئة أن يعبد ويطاع مقابل ما أنعم به . وفي هاتين الآيتين من سورة البقرة تتحدد معالم البيئة من خلال عناصرها الكبرى وهي الأرض والسماء والماء والثمرات . وقد أضفى القرآن الكريم على كل عنصر من هذه العناصر صفته الوظيفية ، حيث وصف الأرض بالفراش لأنها تقوم بدور الفراش وهو ما يبسط ليستريح فوقه الإنسان في نومه ويقظته أيضا . فالأرض عبارة عن فراش بالمعنى الواسع للفراش ، وبما للفراش من وظائف يحددها استعمال الإنسان اليومي له وهي وظائف الستر والحماية وتوفير الراحة والدفء ، وكل ما يصلح له الفراش مما اعتاده الناس في حياتهم على اختلاف ثقافاتهم . والسماء عبارة عن بناء ، والمقصود بالباء هو السقف لقوله تعالى في آية أخرى : (( وجعلنا السماء سقفا محفوظا )) والسقف عبارة عن بناء مرفوع يقابل الأرض الفراش و السماء بمثابة اللحاف المقابل للفراش . وفي كل الثقافات البشرية يوجد فراش ولحاف لحاجة البشر إليهما . والسماء سقف بما لكلمة سقف من معنى واسع وما له من وظائف يحددها الاستعمال البشري من قبيل الحفظ والحماية والستر ، وكل ما يصلح له السقف .

فالناس يقلدون السماء كسقف في سقوف بيوتهم فيزينونها بأنواع الزينة كما زينت السماء بالنجوم والكواكب ، ويعلقون عليها المصابيح كما يضيء القمران الأرض . ووصفا الفراش والبناء اللذان وصفت بهما الأرض والسماء في كتاب الله عز وجل يوحيان بالقران إذ تقترن الأرض بالسماء فتكون علاقة القران هي عنصر البيئة الثالث الذي هو الماء النازل من السماء ، وتكون نتيجة هذا القران هي الثمرات المختلفة ، إنه قران عجيب يحاكي طبيعة القران البشري الذي يثمر البشر المنتشر فوق سطح الأرض الفراش . إنه قران بين الأرض والسماء ينجب الحياة بكل أنواعها .لهذا فعلاقة الإنسان بالبيئة هي علاقة رحمية لأنه من ثمراتها بعد أن يتغذى بمختلف الثمرات فيحصل على حياته وعلى استمرارها من بيئته الأم . وشاءت إرادة الله عز وجل أن تكون البيئة هي حيز عبادة وطاعة لا حيز خروج عن الطاعة لهذا نبه الله تعالى إلى تجنب المعصية فيها بقوله تعالى : (( فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون )) فالمعلوم أن جعل الأنداد لله تعالى هو قمة المعصية كما جاء في الحديث الشريف عندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم ؟ فقال :  » أن تجعل لله ندا وهو خلقك » فالندية تقتضي المثلية والتناظر والتساوي في الاقتدار، ذلك أن الأنداد من المفروض أن تكون عندهم القدرة على خلق البيئة بأرضها الفراش وسمائها البناء ومائها الحياة ، وثمراتها النتاج وإلا فلا ندية . والله تعالى نهى عن الندية في حال العلم باستحالتها لهذا جاء بجملة حالية بعد النهي فقال : (( وأنتم تعلمون )) . وقد أبطل الله تعالى الندية في مواضع من القرآن بالحجة الدامغة فهو القائل سبحانه : (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )) والضمير يعود على الأرض الفراش والسماء البناء . ويقول أيضا : (( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون )) .

فإذا ما افترضنا جدلا وجود أنداد في القدرة على الخلق فسيختلف حتما خلقهم ، وسيختلفون بسبب ذلك ، وسيذهب كل واحد بما خلق صيانة له من ابتذال غيره له ، ويكون التنافس بينهم ويغلب القوي الضعيف ، وهو أمر مستحيل في كون خلقه الله تعالى الواحد الأحد ، والدليل القاطع على ذلك الانسجام التام في هذا الكون إذ لا يستطيع ند من الأنداد أن يذهب بشيء من هذا الكون أو يزعم أنه خلقه ،إذ لو صح زعمه لاستطاع أن يأخذه ، ولو أخذه لاختل الانسجام والتناسق في الكون ، وكان بينه وبين المنسق الأوحد سبحانه صراع تعالى الله عما يشركون . والندية المنهي عنها في كتاب الله عز وجل عبارة عن ظلم ، والظلم عبارة عن وضع الأمور في غير ما وضعت لها . فنسبة البيئة للأنداد هي نسبة فضل لمن لا فضل له ، وجعل العجزة المفتقرين أندادا ونظائر وأشباه للقادر الغني سبحانه وتعالى عن النظائر والأشباه . وأكبر برهان ينفي الندية وينقضها نقضا هو انسجام الكون وتناسقه . فالله عز وجل ربط الأرض الفراش بالسماء البناء وجعل بينهما ماء وأخرج بالماء ثمرات في تناسق تام وتكامل من أجل عنصر الحياة . ولو تضاربت عناصر البيئة هذه لتعذرت الحياة ، وتعذر وجود الإنسان . لهذا فهذه البيئة المنسجمة المتسقة المتكاملة الوظائف لا تناسبها إلا العبادة وهي مجموع الطاعات . والعبادة إنما هي احترام النواميس والقوانين التي تحكم هذه البيئة . ولا يوجد أعرف بالبيئة من خالقها سبحانه ، واحترام قوانينه ونواميسه إنما هو لصالح المخلوقات ، لهذا يخطىء كثير من الناس عندما يعتقدون أن العبادة تكون لصالح المعبود حتى أن البعض يتحدث عن عبادته بكبرياء وكأنه يسدي خيرا لخالقه جل وعلا .

إن العبادة هي لصالح العباد لأنهم بقدر عبادتهم أي بقدر طاعتهم أو بقدر التزامهم قوانين ونواميس الخالق يستفيدون من حياة سوية . والندية المنهي عنها إنما هي استبدال العبادة والطاعة بالمعصية ، واستبدال قوانين ونواميس الله تعالى بقوانين غيره من الأنداد . والذي يتعامل مع بيئة خلقها الله تعالى بقوانين ونواميس غير قوانينه ونواميسه شأنه شأن من يستبدل قوانين صاحب خبرة بقوانين خابط خبط عشواء. فقوانين الذي خلق أدق وأصح من قوانين من لا يستطيع الخلق إذ تكون معرفة الخالق بمن خلق وما خلق معرفة خبير ، في حين لا علم لمن لم يخلق شيئا وهو مخلوق . وقد تحدث سلفنا الصالح عن خطورة الندية ، وهي ما يعرف بالشرك ، وهي أعظم الذنب على الإطلاق كما جاء في الحديث الشريف الذي مر بنا .ومن الذين تحدثوا عن الندية أو الشرك الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنه الذي قال :  » الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل  » وهذا أدق وصف لخفاء الشرك والندية إذ لا يوجد أخفى من دبيب نمل في ليل مظلم وفوق صخر أسود حيث يختلط سواد النمل بسواد الصخر بسواد الليل . وضرب لنا ابن عباس أمثلة عن هذا الشرك الخفي الذي لا يتفطن له الناس من قبيل قولهم :  » والله وحياتك وحياتي يا فلان  » فتصير حياة المخلوقات ندة لله تعالى يقسم بها الحالف ، والحالة أنه لا يقسم إلا بالخالق إذ لو أقسم بالمخلوق لجعل ندا له سبحانه وتعالى . ومن قبيل قولهم :  » لولا الكلب أو البط لجاءنا اللصوص  » فيجعلون الكلب والبط أندادا لله تعالى ، وما هي إلا مخلوقات سخرها الله تعالى وهو وحده العاصم من اللصوصية وغيرها . فهذا الشرك الذي شبه ابن عباس رضي الله عنه دبيبه في النفوس البشرية بدبيب النمل فوق الصفاة السوداء في الليلة الظلماء كثير على ألسنتنا ـ ونعوذ بالله منه ـ فمن منا لا يستعمل عبارة :  » لولا أنا لكان كذا وكذا  » بمعنى يجعل نفسه ندا لله تعالى شاعرا بذلك أو غافلا .

ولعمري إنها الكلمة التي يفوه بها العبد وهي من سخط الله تعالى والتي تهوي به سبعين خريفا في جهنم  » كما جاء في حديث شريف . ومن الناس من يعتقد أن البيئة موجودة بلا مسير ولا منسق ولا خالق ، وهذا اعتقاد الملحدين كان عبر التاريخ ، ولا زال أصحابه يظنون بمن يخالفهم الرأي الغباء والجهل ، ويظنون بأنفسهم العقل والعلم والذكاء ، وقد وجد مثلهم في الماضي ولكنهم كانوا أعقل منهم بعد أن أقنعهم أهل العلم بسخف اعتقادهم عن طريق أدلة من حياتهم ومما يعقلون ويدركون ، ومن بيئتهم ذلك أن بعض أهل الزندقة جادلوا الإمام أبا حنيفة النعمان في الباري جل في علاه فقال لهم :  » ما قولكم في سفينة في بحر فيها أنواع المتاجر وليس بها أحد يحرسها أو يسوقها ، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام وتتخلص منها ، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد ؟  » فقالوا :  » هذا شيء لا يقوله عاقل  » فقال لهم :  » ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع ؟  » فبهت الزنادقة ورجعوا إلى الحق ، ولم يصروا على الباطل كما يفعل زنادقة هذا الزمان الذين لا يخجلون من الانتساب إلى المعاهد العلمية ، وهم غارقون في ظلمات الجهل المركب إذ يجهلون أنهم يجهلون . وإني لأشفق على بعضهم وهم يتنطعون في فراغ ويجادلون في ربهم وحجتهم داحضة. وقد يتحدث الناس عن الإساءة إلى البيئة من خلال الحديث عن كل أنواع التلوث الذي يهددها في هذا الزمان ،ولكنهم يغفلون عن حقيقة أن أصل كل إساءة إلى البيئة أو كل تلوث هو تلوث الندية وجعل الأنداد والشركاء لله تعالى في بيئة هو فاطرها . ومعلوم أن الندية تأخذ أشكالا مختلفة حسب العصور حيث كانت في بداية البشرية ندية ساذجة تتمثل في اتخاذ الأصنام والأوثان أندادا لله تعالى . ومع تطور البشرية أخذت الندية أشكالا جديدة حيث صار الإنسان لا يزعم بالقول أنه ندا لله في البيئة التي خلقها له ، فهو مقتنع بأنه لا حول ولا قوة له لخلق هذه البيئة ،ولكن لسان حاله يشي بأقبح ندية حيث يوظف البيئة التي جعلها الله تعالى حيز طاعة لممارسة المعاصي فتكون دلالة ذلك أنه يجعل نفسه ندا لله تعالى حيث يستبدل شرع الله عز وجل بشرائعه الوضعية في التعامل مع البيئة ، وهو لا يعرف كوعا من بوع في البيئة .

فكل من استعمل الأرض الفراش ، والسماء البناء ، والماء الحياة ، والثمرات النتاج في معصية خالقه فهو مدع للندية ، وهو يمارس تلوث الندية على البيئة التي جعلها الله تعالى حاضنة له في حين يجهز عليها ويدمرها أيما تدمير لأنه ينطلق من خلفية الندية والشرك وهو على علم تام بلا نديته . ومن المعلوم في شرع اله تعالى أن نعمه مقرونة الزيادة بشكرها والنقصان بكفرانها كما جاء في قوله تعالى : (( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد )) . وبناء على هذا الحكم الإلهي الناجز أعتقد أن ما يعتري البيئة من اختلالات غير مسبوقة تعزى إلى كفران نعمة البيئة ، فبقدر هذا الكفران تأتي الاختلالات ، وعلى رأس الكفران الندية التي حولت البيئة من حيز عبادة وطاعة كما أراد الله عز وجل إلى حيز معصية كما تريد الأهواء البشرية في هذا الزمن المؤله للبشر المغرور .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *