Home»Islam»نحو رؤية نقدية لدعاوى التجديد في علم الكلام

نحو رؤية نقدية لدعاوى التجديد في علم الكلام

5
Shares
PinterestGoogle+

ليست
فكرة التجديد وليدةَ اللحظة، بل هي فكرة
اشتغل عليها مفكرو الاسلام قديما وحديثا.
بمقتضى شمولية الاسلام واستيعابه لأسئلة
الواقع المتجدد. ذلك أن الإسلام حوار مستمر
بين النصوص الدينية الثابتة والحياة الواقعية،
أو جدل
دائم بين ثابت أزلي متعال ومتغير متجدد.

    ومن
هذا المنطلـق أخذت فكرة التجديد موقعَها
في التـراث الإسلامـي تحت اسـم  » الإحياء »
كما هو صنيع الإمام الغزالي في مؤلفه الشهير
 » إحياء علوم الدين ». وهو عمل إجرائي
ومشروع علمي متكامل يلامس جوانب مهمة من
العلوم الإسلامية بغرض الكشف عن أسرارها
ومقاصدها.

    كما
اشتغل علماء آخرون على فكرة التجديد أيضا
من موقع اشتغالهم بقضايا الاتباع والابتـداع.
وبحث الحد الفاصل بينهما. ومن أشهـر هـؤلاء
الإمام الشاطبـي في كتابه  » الاعتصام »
الذي يشكل رؤية متكاملة وشاملة لمدلولي
الاتباع والابتداع… فبعد أن حدد مفهوم
البدعة بأنها:  » طريقة في الدين مخترعة
تضاهي الشريعة يُقصدُ بالسلوك عليها المبالغة
في التعبد لله سبحانه، أو يُقصد بالسلوك
عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية ». أوضح
أن هذا المدلول لا ينطبق على بعض العلوم
الإسلامية، مثل النحو والصرف وأصول الفقه
وأصول الدين… لكونها ليست مخترعة بالنظر
إلى أصولها الشرعية. فهذه العلوم وإن لم
توجد في الزمان الأول – كما يذكر الشاطبي
– فإن أصولََها موجودة في الشرع.(1)

    وقد
اهتم علماء آخرون بفكرة التجديد ذاتها
في مراحل مختلفة. فقد ألف جلال الدين السيوطي
كتابا أسماه  » التنبئة في من يبعثه الله
على رأس المائة  » كما ألف ابن حجر العسقلاني
كتابا بعنوان:  » الفوائد الجَمة في من
يجدد الدين لهذه الأمة » مثلما ألف المراغي
كتابا أطلق عليه اسم: » بُغية المقتدين
ومنحة المجددين.

    ولم
يقتصر السيوطي والمراغي على هذا الأمر
بل جاوزاه إلى حد صناعة متون مدرسية تؤرخ
لفكرة التجديد التي نحن بصدد عرض بعض جوانبها
في مجال أصول الدين. فقد نظم جلال الدين
السيوطي ذلك في متن أسماه » تحفة المهتدين
في بيان أسماء المجددين ». ختم به كتابه
 » التنبئة فمن يبعثه الله على رأس المائة
« .

    
وإذا كان جلال الدين السيوطي قد توفي في
أوائل القرن العاشر (911هـ)
فقد كشف عن أسماء المجددين
إلى عصره. بما في ذلك السيوطي نفسُه، الذي
عد نفسه مجدد القرن التاسع الهجري، حيث
يقول:

    وَهَذه

تَاسعةُ المئـين قًدْ
* أَتَتْ وَلاَ يَخْلفُ مَا الْهَادي وَعَدْ

          

وَقَـدْ رَجَوْتُ أَني المُجددُ
* فيهَا فَفَضْـلُ الله لَيْسَ يُجْحَـدُ

    وبما
أن فكرةَ التجديد ظلت دعوة متجددة فقد جاء
من يكمل منظومةَ السيوطي إلى القرن الرابع
عشر الهجري. وهو صاحب بغية المقتدين.

    وقد
تبلورت فكرة التجديد تحت اسم الإصلاح الدينيى
على يد جمال الدين الأفغاني ومدرسته التي
أرساها وأصلها تلميذه محمد عبده والتي
امتد إشعاعها إلى مختلف أقطار العالم الإسلامي.
كما ظهر في هذه الفترة أيضا كتاب  » الظاهرة
القرآنية » لمالك بن نبي، وكتاب  » الدين
بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان  » للشيخ
محمد عبد الله دراز، وكتاب  » تمهيد لتاريخ
الفلسفة الإسلامية للشيخ مصطفى عبد الرزاق…
وهي مشاريع فكرية تصدر عن نزعة تجديدية
من جهة، وتؤسس لمنهج علمي حديث في تناول
المسألة الدينية من جهة أخرى.

     
وقد أخذت فكرة التجديد طابعا فلسفيا ظهرت
ملامحه بشكل ملف للنظرعند المفكر الإسلامي
الكبير محمد إقبال في كتابه  » تجديد الفكر
الديني في الإسلام. الذي حاول من خلاله
بناء الفلسفة الدينية الإسلامية بناء جديدا
تصطبغ بصبغة صوفية متعالية.(2)

    مدلول

لفظ التجديد:

    التجديد
مصدر فعله الماضي جدد. يقول ابن فارس:  »
جد: الجيم والدال أصول ثلاثة الأول العظمة،
والثاني الحظ، والثالث القطع، وقولهم ثوب
جديد راجـع إلى المعنى الثالث كأن ناسجه
قطعه الآن، هذا هو الأصل، ثم سمي كل شيء
لم تأت عليه الأيام جديدا، ولذلك سمي الليل
والنهار جديدين، والأجدين، لأن كل واحد
منهما إذا جاء فهو جديد. »(3) ويقول صاحب المصباح
المنير: جد بالكسر جدة فهو جديد وهو خلاف
القديم، وجدد فلان الأمر وأجده واستجده
إذا أحدثه، فتجدد هو.4

    إذن
لفظ التجديد على مستوى الدلالة اللغوية
يعني خلاف القديم تقول: جد الشئ يجد فهو
جديد، وجدد فلان الأمر وأجده واستجده إذا
أحدثه فتجدد هو.(5
)

    أما
إطلاق لفظ التجديد في مجال الإشتغال بقضايا
الدين عموما فينصرف إلى إحياء السنة وإماتة
البدعة، أو إحياء ما اندرس. أي أن جانبا
من جوانب الدين الاعتقادية أو العبادية
فرضا أو سنة قد أهمل ونسي على مر الزمان.

    هذا
عن فعل التجدديد. أما المجدد فهو العالم
الذي يحمل مشروعا فكريا ويعمل جاهدا على
نشره بين الناس، ويوفق في ذلك. كما يعني
العالم الذي ينصرف إلى تعليم الناس دينهم
أو يبين لهم أمر دينهم، أو يعلم الناس ويذب
عن السنن… أما المسوغ النظري لفكرة التجديد
فهو الأثر الذي يرويه أبو هريرة رضي الله
عنه الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم:  » إن الله بيعث لهذه الأمة
على رأس كل مائة سنة من يُجدد لها دينَها
« .
وفي بعض
الروايات  » أمرَ
دينها « ،
وهو حديث يتفق الحفاظ على صحته.(6)

    وللقدماء

منزع في فهم التجديد يكاد ينصرف إلى علمين
بارزين هما: الفقه وأصول الدين. فقد ذهب
السبكي إلى أن مجدد المائة الثالثة هو ابن
سريج الفقيه الشافعي، لا أبو الحسن الأشعري
المتكلم. في حين اختار ابن عساكر الدمشقي
أبا الحسن الأشعري على رأس مجدد المائة
الثالثة. وهذا الاختلاف راجع إلى اشتغال
العلماء وميلهم لعلم من العلوم.

    على
أن المنزع العملي ظل هو العنصر الحاضر في
فكرة التجديد برمتها. وعلى هذا الأساس اعتبر
عمر بن عبد العزيز المجدد الأول على رأس
المائة الأولى.

    واعتبار
عمر بن عبد العزيز وهو الخليفة الخامس مجدد
المائة الأولى يؤكد المنزع العملي لفكرة
التجديد، ذلك أن انشغاله بالتجديد اتجه
أساسا إلى إصلاح الحكم ورعاية أحوال الناس.

    والذين
ربطوا بين مسألة التجديد وسياسة الحكم
كانوا يذكرون العلماء إلى جانب الحكام
باعتبارهم جميعا مجددين. فقد عدوا مجدد
المائة الثانية هارون الرشيد مع الشافعي
ومجددا المائة الثالثة المقتدر بالله مع
ابن سريج وغيره من العلماء، وفي المائة
الرابعة القادر بالله مع الاسفرايني، وفي
المائة الخامسة المستظهر بالله مع الغزالي.

    إذن
القدماء في تناولهم لمسألة التجديد أقاموها
على أسس عملية نوردها كالآتي:

  • إعتبار
    منصب تجديد الدين منصبا اجتماعيا عمليا
    يشبه منصب الخلافة الظاهرة والإمامة العظمى.
  • رفع المجدد
    إلى مرتبة النبوة، فمن ذلك قولهم: لو كان
    بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكان
    الغزالي.
  • مسألة التجديد
    تأتي من كون ظهور أمورعظام على رأس كل مائة
    سنة. ذلك أن المحن الاجتماعية تقتضي من
    فعل التجديد جبر ما حصل من الوهن.

    الفرق

بين التجديد والتطور

    كثيرا
ما يقع الخلط بين لفظي التطور والتجديد
في مجال الاشتغال بالعلوم الإسلامية. علما
أن ثمة فرقا بينهما. فإذا كان لفظ التجديد
ينصرف إلى بعث قضايا الاعتقاد ومحاولة
الرجوع بالمعتقد إلى العصور الذهبية الأولى
للإسلام وليس العقيدة في ذاتها التي تظل
ثابتتة أزلية على مستوى المضمون. كما أن
تجديد أصول الدين يعني في أدبيات دعاة التجديد
تخليصها مما لحق بها من أفكار وتصورات غريبة
عنها، أفقدتها حيويتها وفعاليتها في النفوس.
على أساس أن الدعوة إلى تمثل أصول الدين
في صورتها الشرعية دعوة متجددة على الدوام،
فإن لفظ التطور يعني التغيير والانتقال
من حال إلى حال تحت تأثيرما. وهذا الإطلاق
يصدق على علم الفقه ذي الصبغة العملية.
وهذا القدر من التجديد هو الذي يؤكد حيوية
الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، ومسايرته
للتقدم الإنساني.

    كما
يحلو لبعض المفكرين المعاصرين المنشغلين
بقضايا التجديد في علم الكلام أن يفرقوا
بين لفظي التجديد والإحياء، وأن الأول
يفيد البعث والإيقاظ والإثارة، في حين
يحيل التجديد على إعادة بناء علم الكلام
وتطويره، أي تكييفه لطور جديد من أطوار
التاريخ يستجيب فيه لمتطلبات الحياة المتجددة. (7)

    التجديد

في علم الكلام:

    لا
يشك باحث منصف في الفكر الإسلامي ما لعلم
الكلام الذي أنتجه أهل السنة والجماعة
بمختلف مدارسهم واتجاهاتهم، من أهمية بالغة
في الحفاظ على العقائد الدينية الإيمانية،
والرد على مختلف الشبهات التي كانت تثار
هذه العقائد. ومن هذا المنطلق تبوأ علم
الكلام مكانة متميزة في تاريخ العلوم مقارنة
مع غيره من العلوم الإسلامية.

    وإذ
كان علم الكلام قد قام عبر تاريخه الحافل
بالعطاء بدور طلائعي في مجال الحجاج عن
العقائد الدينية والرد على مختلف الشبهات
التي كانت تثار حولها، فهل يستطيع هذا العلم
اليوم النهوض بما كان ينهض به بالأمس ؟
أو بعبارة أخرى هل ثمة علم كلام جديد يواكب
حركة الفكر المعاصر؟ و هل يوجد لدينا علم
كلام جديد وآخر قديم؟ وأخيرا ما هو موقع
علم الكلام السني في مجال التحولات التي
يشهدها الحقل المعرفي العقدي ضمن مشروع
علم الكلام الجديد ؟

    مفهوم

علم الكلام الجديد:

    حتى
هذه اللحظة لايزال هناك نقاش دائر بين المهتمين
بالدراسات العقدية حول  مدلول مصطلح
 » علم الكلام الجديد » ومن هو مجدد علم
الكلام في هذا العصر؟

    
فقد اتجه بعض المفكرين المعاصرين إزاء
تعريف علم الكلام الجديد وعلاقته بالكلام
التقليدي بين إفراط وتفريط، فالكثير منهم
يرى علم أن علم الكلام الجديد لا يعني شيئا
سوى إلحاق المسائل الجديدة بمنظومة علم
الكلام القديم. فمتى ما انضمت مسائل أخرى
لعلم الكلام تجدد هذا العلم في حين نظر
بعضهم إلى مسألة التجديد هذه نظرة شمولية
تقوم على أساس تجدد  » مبادئ هذا العلم
ومسائله ومناهجه ولغته، فضلا عن تجدد الشبهات
المثارة حوله مما يعني توسع موضوعه. وأن
الذي بقي ثابتا في جوهر هذا العلم هو هدفه
وغايتـه.

    وأصحاب
هذا الاتجاه يقفون عند عناصر التجديد التالية:

    التجديد

على مستوى المبادئ: ذلك أن علم الكلام
يقوم كغيره من العلوم على مجموعة من المبادئ
التصورية والتصديقية التي تشكل في نهاية
المطاف الأسس الفكرية للمنظومة الكلامية،
وأن بعض هذه المبادئ قد تغيرت نتيجة لتطور
المبادئ التي تقوم عليها. فإذا كانت معظم
المؤلفات الكلامية القديمة تتصدرها مباحث
أولية تتعلق بالمبادئ المعرفية والمنطقية…فإن
الكلام الجديد ينبغي أن يلتمس مبادئ جديدة.
وتزداد الحاجة لهذه المبادئ مع التطور
الهائل الذي شهدته العلوم الحديثة.

      التجديد على مستوى المسائل: فقد لوحظ
ظهور مسائل جديدة لم تكن متداولة في علم
الكلام التقليدي. مثل علاقة الدين بالدنيا،
فلسفة الدين…

    التجديد

على مستوى المنهج: يرى المهتمون بالكلام
الجديد أن علم الكلام التقليدي كان يعتمد
منهجا معرفيا واحدا هو المنهج الجدلي القائم
على أسكات الخصم. أما علم الكلام الجديد
فتتنوع مناهجه. وهذه الدعوى تشير إلى جانب
مهم من الجوانب القابلة للتطور في علم الكلام.
ذلك أن التوسل بمناهج حديثة يعد مطلبا ضروريا
ومناسبا للرد على الشبهات واستيعاب المسائل
الجديدة.

    التجديد

على مستوى اللغة: تعتبر اللغة من وجهة
نظر المشتغلين بقضايا علم الكلام الجديد
أحد أبعاد التطور في الكلام الجديد. فإذا
كان المتكلم قديما يستعمل مفردات وأدلة
تتناسب مع مستوى مخاطبيه، فإن المتكلم
المعاصر يحتاج إلى لغة حديثة تتناسب مع
أذهان ولغات مخاطبيه اليوم. ويتحقق هذا
الإجراء باختيار مفرادات أكثر تداولا في
لغة التخاطب، فمثلا مصطلح خلق الأفعال
يمكن الاستغناء عنه بلفظ » الحرية  »
والاختراع بلفظ الخلق …

    على
الرغم من اتفاق مجموعة من الباحثين على
عناصر التجديد السابقة فإن الباحث لا يكاد
يظفر بتعريف جامع مانع للكلام الجديد. ذلك
أن غياب تعريف على هذا النحو راجع بالأساس
إلى كون معالم علم الكلام الجديد لم ترسم
لحد الآن على نحو واضح. يضاف إلى ذلك العلاقة
القائمة بين علم الكلام الجديد وفلسفة
الدين. ومن ثم وجدنا من يطلق على الكلام
الجديد فلسفة الدين. ونحن نعلم أن فلسفة
الدين مفهوم عام يشمل الكلام القديم والكلام
الجديد على السواء.

    تتضح
هذهالحقيقة حين نرجع إلى التعاريف
المختلفة لفلسفة الدين التي تنتظم في نسقين
رئيسين:

  1. فلسفة الدين
    هي تبيين المفاهيم الفلسفية التي يمكن
    أن تتبناها وتتوفر عليها الأديان والمعتقدات
    الدينية المختلفة. وعلى هذا الأساس فإن
    فلسفة الدين تعني الدفاع عن المعتقدات
    الدينية.
  2. يمكن تحديد
    مدلول فلسفة الدين انطلاقا من المفهوم
    الشائع لدى فلاسفة الدين أنفسهم الذي هو
    عبارة عن كل تفكير فلسفي حول الدين.

    ومن
التعريفات التي يقدمها بعض المشتغلين بعلم
الكلام الجديد أنه:  العلم الذي يُسعى
فيه بأسلوب ممنهج لتقديم منظومة متماسكة
لتفسير وتبرير القضايا المطروحة في النصوص
المقدسة لدين أو مذهب معين وما تستلزمه
تلك القضايا من افتراضات ومسائل منطقية.8

    وهذا
التعريف فضلا عن اشتماله على عبارات فضفاضة ( أسلوب

ممنهج، منظومة متماسكة…) فإنه لا يمدنا بخصائص
دقيقة حول علم الكلام الجديد ذي النزعة
الإسلامية.

    ومن
التعريفات التي يقترحها كثير من المفكرين
المعاصرين لعلم الكلام الجديد: هو  » أن
الكلام الجديد ليس سوى مسائل كلامية مستحدثة
 » وهذا التعريف يتناول أحد أهم أضلاع
علم الكلام، وهو » المسائل ». وعلى هذا
الأساس فإن مصطلح  » الكلام الجديد »
هو في الواقع من باب تسمية الشيء باسم أهم
أركانه، ومن ثم لا فرق بين الكلام الجديد
والكلام القديم غير إضافة بعض المسائل
الجديدة.9 

    
وعلى الرغم من كل هذا فإن الكلام الجديد
كما يظهر من خلال الوقوف على مختلف تعريفاته
يطمح إلى بناء منظومة كلامية جديدة تستوعب
مجموعة من القضايا المعاصرة مثل: حقوق الإنسان،
الصلة بين الدين والحقوق الطبيعية للإنسان،
قضية الحرية، فلسفة الدين…

    متى
ظهر علم الكلام الجديد
؟

    تذهب
بعض الدراسات إلى أن علم الكلام الجديد
إنما ظهر في بداية القرن العشرين. حيث برزت
معطيات علمية جديدة فضلا عن تنوع العلوم
وتطورها. وقد ظهر مصطلح علم الكلام الجديد
لأول مرة كعنوان لكتاب ألفه العالم الهندي
المسلم شبلـي النعماني ( ت 1332 هـ)((10). وعلى الرغم من أننا
لا نكاد نجزم أن هذا المفكر هو أول من نحت
هذا المصلح الذي أصبح عنوانا للاتجاه الحديث
في إعادة بناء علم الكلام فإنه من أوائل
الداعين إلى تجديد علم الكلامي الإسلامي.

    كما
يلاحظ أن بعض المفكرين بدأوا يستعلمون
مصطلح الكلام الجديد بدعوى الحاجة الماسة
إلى التجديد. فقد قال وحيد الدين خان في
مقدمة كتابه:  » الاسلام يتحدى » الذي
صدر سنة 1964: طريقة الكلام وأسلوبه
قد تغير بتغير الزمان. ولذا علينا أن نأتي
بعلم كلام جديد. وبعد ذلك بنحو سبعة أعوام
أعد هذا المفكر دراسة بعنوان: نحو علم كلام
جديد. كما استعمل هذا المصطلح الدكتور فهمي
جدعان في كتابه: أسس التقدم عند مفكري الإسلام…

    كما
أخذت تظهر على الساحة الفكرية اليوم بعض
الكتابات التي تتجه هذا الاتجاه من ذلك:

  • علم الكلام
    الجديد: نشأته وتطوره: تأليف إبراهيم بدوي.
  • مدخل إلى
    علم الكلام الجديد، تأليف محمد مجتهد شبستري.
  • علم الكلام
    الجديد وفلسفة الدين، إعداد عبد الجبار
    الرفاعي.

    دعوى
التجديد في علم الكلام:

      
لا يمكن في مجال الاشتغال بعلم الكلام الجديد
الحديث عن رؤية موحدة لهذا العلم، بل كل
ما في الأمر أننا نتحدث عن وجهات نظر عند
باحثين بعينهم. وهكذا يمكن أن نقف عند وجهات
النظر التالية:

  • مقالات
    مفكري أهل السنة والجماعة إزاء علم الكلام
    الجديد
    : ونحن نستعمل هذا المصطلح في مقابل
    الشيعة. فهؤلاء يرون أن القدر المسموح به
    في مجال تجديد أصول الدين يقتصر على تخليص
    العقيدة الإسلامية وتنقيتها من شغب المتكلمين
    ومحاربة الجمود والتخلف الذي أصاب الأمة
    مع الانفتاح على الإنجازات العلمية الكونية
    التي أنجزتها الحاضرة الإنسانية منذ النهضة
    الأوربية الحديثة.(11)

    إن
قضية تجديد علم الكلام من وجهة نظر مفكري
أهل السنة والجماعة المعاصرين أصبحت تعالج
في كثير من الأحيان ضمن قضايا الفكر الإسلامي،
بل إن معظم مقالات هؤلاء تندرج في مسمى
علم الكلام الجديد.

    كما
تبلورت فكرة التجديد عند كثير من المفكرين
من خلال نقد التراث الكلامي القديم والحكم
على هذا التراث بأنه ضلال وابتداع، والدعوة
إلى الرجوع إلى عصور السلف من خلال رؤية
جذرية  » الإتباع لا الابتداع » مسوغها
النظري حديث  » خير القرون قرني… وهذه
الدعوى يروج لها الآن أصحاب الخطاب السلفي
اليوم.

    مقالات مفكري الشيعة المعاصرين إزاء الكلام الجديد: تقوم فكرة التجديد عند كثير من مفكري الشيعة
على أساس نقد علم الكلام السني القديم.
والتقليل من أهميته واتهامه بالتأثر بمقالات
الفكر اليوناني والزعم أنه مفرداته صيغت
عبر قنوات المنطق الأرسطي. هذه الدعاوى
في صورتها العامة تحاول التشكيك في عقائد
أهل السنة والجماعة عموما، وهي لا تكاد
تتطرق بالنقد والتحليل لمقالات الشعية
الكلامية. التي لا تخلوا من شذوذ وانحراف
واضحين. كما يصدر أصحاب هذا النقد عن نزعة
غربية في التعامل مع النصوص الشرعية، تنبني
على أسس هرمنيوطقية.(12)

  • الاتجاه
    المادي
    : وأصحاب هذا الاتجاه يزعمون أنهم
    يؤسسون لعلم كلام جديد في منهجه، جديد في
    موضوعه، جديد في مصطلحاته يشكل قطيعة مع
    قضايا الكلام القديم بحجة أنها لم تعد
    مطروحة على الساحة الآن. ومن أبرز هؤلاء
    الدكتور حسن حنفي. فهو يرى أن علم الكلام
    الجديد له ارتباط شديد بعلوم الاجتماع
    وبالسياسة، والتاريخ، وبالحركية الاجتماعية،
    لأن عالم الكلام الجديد – حسب حنفي- سيسأل
    يوم القيامة ليس عن الله ذاتا وصفاتا وأفعالا
    فهذه معركة كسبتاها من قبل، ولكن سنسأل
    عالم الكلام الجديد: ماذا قلت عن فلسطين؟
    ماذا قلت في الـرد على اليهـود والصهيونيـة
    التي تربط بين الله والشعب والأرض (13)

    إن
هذه النظرة المادية لعلم الكلام الجديد
تنتهي بأصحابها إلى إقرار عقائد جديدة
تضاهي العقائد الدينية مما يجعلنا لا نتردد
في الحكم عليها بابتداعها وابتعادها عن
منطق الشرع. ذلك أن تحصيل العقائد الإيمانية
لا يمكن بأي حال من الأحوال تعويضها عن
طريق الاشتغال بقضايا إسلامية أخرى. بل
إن انشغال المتكلم بقضايا أمته ينبغى أن
يرتكز على قضايا عقدية حتى يكون تفكيره
موصولا غير مقطوع.

    إن
الاهتمام بالقضية الفلسطينية نفسها التي
يلوح بها حنفي ينبغي معالجتها في إطار عقدي
إسلامي، تماما مثل يفعل الفكر الديني اليهودي
ذاته، الذي يريد أن يقيم دولة إسرائيل على
أسس دينية واهية.

    إن
العيب كل العيب أن نعالج قضايانا بعيدا
عن أسس مرجعياتنا العقدية التي يتنكر لها
حنفي ويعيب على المتكلم أن يشتغل بها.

    لا
ننكر أن علم الكلام الإسلامي عبر تاريخه
وعلى اختلاف توجهاته ومدارسه كانت وراء
نشأته أسباب سياسية تمثلت في قضية الإمامة،
وهي قضية ليست من صميم العقيدة على الأقل
في الفكر الكلامي السني، وأسباب فكرية،
أملتها النزعات العقلية، وأسباب دينية
تمثلت في مواجهة خصوم العقيدة الإسلامية.
هذا النمط من الكلام نما وتطور حتى انتهى
إلى مرحلة الصياغة النهائية التي لا تعني
شيئا سوى التحرير النهائي لتلك العقائد
في نسق متكامل أو منظومة شاملة تجمع بين
الأدلة العقلية والنقلية.

    إن
الدعوة إلى تجديد علم الكلام – الكلام الذي
تشكل
من خلال رؤية أهل السنة والجماعة –
وهو الذي يعنينا أمره ينبغي أن لا تتجاوز
حدود المنهج الذي يبقى قابلا للتحديث والتطوير
على ضوء التطور الذي شهدته مناهج العلوم
الحديثة، بمقتضى أن قضايا أصول الدين التي
تشكل موضوع علم الكلام ومادته تظل ثابتة.

    إننا
نعلم علم اليقين أن علم الكلام القديم توسل
في فترة من الفترات بالمنطق الأرسطي باعتباره
سلاحا صالحا للتوظيف في مجال الحجاج عن
العقائد الإيمانية. دون توسع في مضمونه
الذي يختلف جذريا عن مضامين العقائد الإسلامية.
وقد اهتدى المتكلمون إلى أن المنطق الأرسطي
وإن كان يتسم بنوع من الصرامة المنهجية
فإنه في مجال الاشتغال بقضايا أصول الدين
فإن فائدته تبدو ضئيلة. وقد واجه المسلمون
المنطق الأرسطي بالنقد والنقض قبل أن يتنكر
له الفلاسفة الغربيون من أمثال ميل وراسل
وغيرهما. وقد نتج عن نقد المتكلمين للمنطق
الارسطي التأسيس لمنطق إسلامي متميز.

    وإذا
كان المتكلمون قد هاجموا المنطق الأرسطي
في جانبه التصوري، ورفضوا الأخذ بنظرية
التحديد، فذلك لاقتناعهم الشديد باستناد
هذا العلم على أسس ميتافيزقية. ويستنتج
أحد المفكرين المعاصرين أن المسلمين توصلوا
إلى فكرة الصلة بين أبحاث المنطق وأبحاث
الميتافيزيقا، وأنكروا أن تكون غاية أي
منطق عقلي هو التوصل إلى الماهية الكاملة،
إن هذا يؤدي – كما يشير هذا المفكر –
إلى أن البحث المنطقي يصل إلى محاولة تحديد
الذات الإلهية.(14)

    وقد
كشفت بعض الدراسات المعاصرة عن هذا الاتجاه
الذي يطبع جميع أعمال أرسطو المنطقية،
ولم تعد تلك النظريات التي أسس عليها واضع
المنطق منطقه نظريات علمية بريئة.(15)

    وبسبب
هذا الخلط اختار بعض الشـراح المتأخرين
تقسيـم النظريات المنطقيـة إلى قسمين:

    القسم

الأول: نظريات خالية من ضلالات الفلاسفة
المكفرة كما هو صنيع بعض المتون التعليمية ( متن

السلم للأخضري، وإساغوجي لأثير الدين بن
عمر الأبهري ومختصر ابن عرفة …) وهذا القسم لا
خلاف
في جواز الاشتغال به.

    القسم

الثاني: نظريات لا تخلوا من ضلالات، كما
يظهر من نتاج المناطقـة المتقدمين الذين
ضمنوا مباحثه آراء فلسفية وعقدية لا تعبر
عن روح التصور الإسلامي.

    وهذا
القسم كان موضوع خلاف بين العلماء ما بين
مجوز ومحرم.(16)

    لا
ينبغي للباحث أن ينساق وراء دعاوى التجديد
التي يروج لها بعض المفكرين المعاصرين
ومعظمهم من الشيعة الإمامية، فإن هؤلاء
القوم لهم مشروعهم الكلامي المقدس الذي
يجتمعون حوله ويبررون قضاياه رغم انحرافه
وشذوذه من وجهة نظر أهل السنة والجماعة.
كما أن ابتعادهم عن النصوص الشرعية واعتمادهم
مصادر أخرى غير معترف بها في دوائر أهل
السنة والجماعة جعل فكرة التجديد التي
يشتغل عليها هؤلاء القوم لا تتسم بالموضوعية.
ما دام فعل التجديد ينصرف بالنسبة إليهم
إلى هدم نظريات الكلام القديم الذي يعني
في نهاية المطاف عقائد أهل السنة والجماعة.

    ومهما
يكن من شيء فإن قضية التجديد على الرغم
من أهميتها في مجال الاشتغال الفقهي فإنها
في مجال الاشتغال العقدي لا ينبغي أن تتجاوز
حدود المنهج، أو « المسائل » كما سبق
القول، وفي أقصى الحالات بعث قضايا أصول
الدين وجعلها تسهم في الدفع الحضاري كما
أسهمت فيه بحظ وافر بالأمس.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. ابن عرفة
    08/10/2015 at 19:56

    مقال جد رائع و لكن أرجوا من إدارةالموقع التثبت من النشر لأن الهوامش و المصادر و المراجع لا تظهر …

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *