Home»Islam»من يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر

من يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر

2
Shares
PinterestGoogle+
 

هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث شريف ، وهو قول يجعل خير العطاء وأوسعه نعمة الصبر التي ينعم بها الخالق جل جلاله على من يحب من عباده . وهذا العطاء لا يحظى به إلا ذو حظ عظيم لقوله تعالى : (( وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذوحظ عظيم )) والكلام ههنا موصول بالحديث عن نعمة تتحول بسببها العداوة إلى ولاء لقوله تعالى : (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )) فلما كان الإحسان فوق الإساءة في ميزان الله عز وجل وجب الدفع به أي تغليبه والانتصار له ، وهو أمر يحول العدو إلى ولي حميم ، وهو الصديق القريب المهتم والمنشغل بصديقه ، لأن حم في العربية بمعنى قرب . فتغليب الإحسان ينقل الأمر من أقصى حالة بعد تترتب عن العداوة الشديدة إلى أقصى حالة قرب تترتب عن الصداقة الحميمة .

والسر في تغليب الإحسان على الإساءة هو عامل الصبر ، وهو الذي يبوأ صاحبه مكانة الحظ العظيم في ميزان الله عز وجل وتقديره . فما هي حقيقة هذا الصبر في دين الله عز وجل ؟ من الناحية اللغوية الصبر هو حبس ومنع النفس سواء تعلق الأمر بما تريده أو بما تكرهه. والناس أحيانا لا يعرفون من الصبر إلا حبس النفس عن الجزع عند المصائب ، وما هو إلا جزء من الصبر الذي هو فوق ذلك بكثير . صحيح أن حبس النفس ومنعها من الجزع عند وقوع المصيبة ، ومنع اللسان من الشكوى ، ومنع الجوارح من الاستجابة لشكواه بأفعال معلومة من دموع ، ولطم للخدود ، وشق للجيوب ….هو نوع من الصبر ، ولكنه ليس كل الصبر .فالصبر قوة نفسية أودعها الله عز وجل في الإنسان لتوجيهه إلى العبادة الصحيحة بما في العبادة من طاعات سواء تعلق الأمر بالأوامر الإلهية أم بالنواهي ، ذلك أن الصبر هو مدار العبادة ، فالعابد أو الملتزم بالعبادة وطاعاتها هو ذلك الإنسان الحابس والمانع لنفسه على الأوامر و في النواهي . فحبس النفس في الأوامر صبر، وحبسها عن النواهي صبر أيضا . فالصبر إذن ليس مجرد حبس النفس عند الجزع ، لأن الجزع مجرد نهي واحد ضمن مجموعة كبيرة من النواهي التي تقابلها مجموعة كبيرة من الأوامر ، ذلك أن النفس البشرية تتحكم فيها قوتان : قوة الإقدام ، وقوة الإحجام ، فقوة الإقدام مطلوبة في الأوامر ، وقوة الإحجام مطلوبة في النواهي ، واستعمال القوتين معا هو الصبر. والناس باعتبار الصبر أصناف ثلاثة : صنف يصبر على الأوامر والنواهي معا ، وصنف لا يصبر عليهما معا ، وصنف يصبر على إحداهما دون الأخرى . ولا ينجو من الناس إلا الصنف الأول . وقد يشكل أمر الصبر على الناس فيسمونه بأسماء متعددة لأنه يتعلق بكل السلوكات البشرية. فعلى سبيل المثال يعتبر صابرا حابس النفس أو مستعمل قوة الإحجام عن شهوة الفرج غير المباحة ويسمى عفيفا ، وصبره هو العفة المقابلة للفجور، والشجاع صابر وصبره الشجاعة المقابلة للخور، والجواد صابر وصبره الجود المقابل للشح والبخل ، والعفو صابر وصبره العفو المقابل للانتقام ، وهكذا نجد الصبر في كل سجية محمودة تقابلها رذيلة مذمومة.

فكما يكون حبس الإنسان نفسه على سجية محمودة صابرا ، يكون بالضرورة حابسها عن الرذيلة المذمومة صابرا أيضا وفق قانون مقابلة الخير للشر الذي يحكم الكون الذي خلقه الله عز وجل ليكون فيه الصراع بين النقيضين ، والغلبة للخير في نهاية المطاف . والناس متفاوتون في قوة الصبر التي أودعها الله عز وجل فيهم ، ففيهم الصابر طبيعة وجبلة ، ومن لم يكن كذلك يمكنه أن يكتسب الصبر من خلال تكلفه ، وهو التصبر إذ ينقله التصبر أو تكلف الصبر إلى حالة الصبر ، وهو ما أشار إليه الحديث الشريف :  » من يتصبر يصبره الله  » بمعنى الذي يتكلف الصبر يصير الصبر عنده طبيعة بعد تكلفه تماما كما يصير متكلف العلم وهو المتعلم عالما لقوله صلى الله عليه وسلم :  » إنما العلم بالتعلم  » . وأعلى درجات التصبر الاصطبار ، وهو طلب الصبر ، ثم المصابرة وهي مواجهة في الصبر وبالصبر. ولما كانت نعمة الصبر خير العطاء وأوسعه فقد اتخذه الله عز وجل صفة حسنة من صفاته الحسنى حيث تسمى بالصبور ، وهو الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى فعل قبل أوانه ، كما أنه هو الذي ينزل الأمور بقدر معلوم ويجريها على سنن محدودة لا يؤخرها عن آجالها المقدرة تأخير تكاسل ولا يقدمها تقديم استعجال. وللإنسان عبرة في هذه الصفة الحسنة إذ لا بد أن يكون صبر الإنسان على العبادة بقدر معلوم بلا تكاسل ولا استعجال . وحقيقة الحظ العظيم الذي يدركه الإنسان بالصبر هو محبة الله عز وجل له لقوله تعالى : (( والله يحب الصابرين)) ، ومعية الله تعالى لقوله جل من قائل : (( واصبروا إن الله مع الصابرين )) ، ومرتبة الإمامة والقيادة لقوله تعالى : (( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا )) .

وجعل الله تعالى نعمة الصبر وسيلة يستعان بها على العبادة فقال جل من قائل : (( واستعينوا بالصبر والصلاة )) وقد قدم الصبر على الصلاة كوسيلة يستعان بها ، إذ لا صلاة بلا صبر . وقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الصبر على الصلاة فقال :  » الصلاة نور والصبر ضياء  » وفضل الصبر على الصلاة كفضل الشمس على القمر لقوله تعالى : (( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا )) فمن ضياء الشمس يستمد القمر نوره ، ومن ضياء الصبر تستمد الصلاة نورها. ومصير البشرية رهين بالصبر لهذا أقسم الله عز وجل قسمه العظيم بأن الخسران مصير محتوم لمن خانه الصبر في قوله تعالى : (( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) فالله عز وجل أقسم بدهر قوامه الليل والنهار المتعاقبان بالتكوير ، ويطلق عليهما اسم العصرين يبدأ أحدهما بطلوع شمس إلى دلوكها ، ويليه الآخر بغسق في زلف . وتغطي الصلاة وهي وسيلة استعانة على العبادة طرفي النهار وزلفا من الليل ، وهي صلاة لا بد فيها من صبر . وتسمى الصلاة الفارقة بين صلاة النهار وصلاة الليل صلاة العصر أو الصلاة الوسطى. ومن معاني العصر الذي أقسم به الخالق جل شأنه الإخراج ، ومن ثم كان العصير إخراجا . وكما يعصر الله تعالى الليل من النهار ، والنهار من الليل فيكون المجوع عصرا كذلك يعصر الموجودات خلال العصر. ومن هنا سميت السحب الماطرة التي يخرج منها الودق معصرات ، ومنه قوله تعالى : (( ثم يأتي عام في يغاث الناس وفيه يعصرون )) بمعنى من جهة يمطرون ومن جهة أخرى يخرجون من الثمرات عصيرا أو شرابا .

ومن ذلك تسمية الجارية إذ اعتصر رحمها بالطمث أو بالإنجاب المعصر . ولما كان من معاني العصر الحبس فقد يكون معنى المعصر المحبوسة لبلوغها . والله تعالى عندما أقسم كان قسمه بقدرته التي تعصر الدهر ، وتعصر ما يحدث فيه ، وهو قسم عظيم ـ إذ يشمل كل فعل الله تعالى دال على قدرته العظيمة ـ على أن الخسارة هي مصير من لا صبر له في نهاية المطاف ذلك أن الفوز عند الله عز وجل هو إيمان يكون سببا في وجود العمل الصالح ، ويكون العمل الصالح سببا في سيادة الحق ، وهو نقيض الباطل ، وعماد ذلك الصبر إذ لا يقيم الحق في الأرض إلا صابر عليه وعلى الباطل ، ولا يعمل صالحا إلا صابر ، ولا يؤمن إلا صابر. والصابر من حبس النفس ومنعها مع وجود موانع الحبس والمنع . فليس بصابر من لم تتح له فرص المعاصي بل الصابر من أتيحت له هذه الفرص فمنع نفسه منها وحبسها . وليس بصابر من صاح وبكى ولطم الخذ وشق الجيب واستنفد كل سبل الجزع حتى إذ تراخى زمن فجعه ووجعه زعم أنه صابر لقوله صلى الله عليه وسلم :  » إنما الصبر عند الصدمة الأولى  » وكذلك الأمر بالنسبة للعبادة في طاعاتها المختلفة الأوامر والنواهي . أما أن يستنفد الإنسان الاجتهاد في سبل المعاصي ، والتراخي والكسل في سبل الطاعات ثم يزعم أنه صبر بعد ذلك على الطاعات والمعاصي فهو مجرد مدع تكذبه الحقائق والوقائع .

وما جعل الله تعالى البشارة إلا للصابر لأول وهلة ، ذلك أن قوله : (( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )) يكون للوهلة الأولى ، فقول المصاب مهما كانت مصيبته إنا لله وإنا إليه راجعون عبارة عن إقرار بالخضوع لله تعالى والإيمان بقدره شره كخيره. وقوله تعالى :(( وبشر)) فيه دليل على مكانة الصبر عند الله . والغريب أن يبشر المصاب ساعة مصيبته مما يعني أن أجر الصبر عبارة عن أجر معجل . والبشارة من الله تعالى وعد ناجز وصاحبها حاصل على الأجر لا محالة ، ومطمئن به لوثوقه به وبالواعد الوعد الحق الذي لا يخلف عهدا ولا وعدا.
وعود على بدء كما يقال أعود إلى درجة الحظ العظيم التي ينالها الصابر حيث يحول له الله تعالى العداوة ولاء بفضل صبره ، وهي عداوة يجتهد الشيطان وجنده على الإبقاء عليها لتكون باطلا يحل محل الحق لهذا قال الله تعالى مباشرة بعد الحديث عن الحظ العظيم للصابر : (( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعد بالله إنه هو السميع العليم )) فالنزغ هو الطعن ، والتحريك والنخس والإغراء وهو تلك الوسوسة بكل أساليبها المكشوفة والخفية التي تستهدف الصبر ، وهي عمل الشيطان وأعوانه من الجن والإنس الذي يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ، وزخرف القول هو تحسين الكلام وتمويهه بالكذب. فبقدر ما يحول الصبر العداوة إلى ولاء ، يزيد ها النزغ شدة وضراوة .

ولا يظفر بتحويل العداوة إلى ولاء إلا ذو حظ عظيم ، ولا يزيد العداوة شدة وضراوة إلا سيء الحظ. فكم من صابر حول كل عداوة إلى ولاء ، وكم من إنسان أوشك على درجة الحظ العظيم بإقباله على الصبر المحول العداوة إلى ولاء ، ولكنه وقع في نزغ الشيطان وجنده من الإنس والجان فزخرفوا له القول وغرروا به ، فبدا له الصبر انهزاما وانبطاحا ، وخسارة ،وذلة ، وهوانا ، فتنكبه واختار الإبقاء على عداوته التي يزيدها شدة نزغ النازغين ، وبدا في نظره من دعاه إلى الصبر مجرد داعية إلى الذل والهوان والاستسلام . وفي نهاية المطاف لا يجني المتنكب للصبر إلا الحسرة والألم بعد ضياع الحظ العظيم منه ، وضياع فرصة تحويل العدو اللدود إلى ولي حميم . فيا خسارة من أدار خده لدعوة الصبر ، وأقبل على دعوة النزغ.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. Mustapha europa
    31/03/2010 at 01:16

    chokran wa baraka allaho fika ya si chokri..
    wa aktara allaho min amtalikom…

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.