Home»Islam»منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة

منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة

16
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة

محمد شركي

تمهيد :
بداية لا بد من الكشف عن الموقف المطلوب من ظاهرة الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذلك أن طوائف من المسلمين تمنع الاحتفال بهذه المناسبة جملة وتفصيلا ، وتعتبرها بدعة من البدع ، بينما تحتفل بها طوائف أخرى بأشكال عابثة لا تليق بها ، وهو ما يجعل غيرها يدين هذه الأشكال العابثة التي لا تمت بصلة إلى ديننا الحنيف . وهكذا تظلم مناسبة المولد الشريف مرتين : مرة عندما يساء الاحتفال بها ، ومرة أخرى عندما تمنعها بعض الطوائف جملة وتفصيلا ، وهذه الطوائف ينطبق عليها قول الفيلسوف ابن رشد الذي شبه من منع تعاطي الفلسفة في زمانه ،لأن بعض من تعاطاها ضل سواء السبيل بالذي يمنع الماء عن الناس ،لأن قوما شربوا الماء فشرقوا فماتوا. فكذلك الذين يمنعون الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلا لمجرد أن قوما أساءوا الاحتفال به.
والحقيقة أنه لا بد من احتفال بهذه المناسبة العظيمة بطريقة تخالف من يرفض الاحتفال جملة وتفصيلا بها، وطريقة من يسيء الاحتفال بها عن طريق احتفال يلتزم شرع الله عز وجل.

فرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعله الله عز وجل قدوة وإسوة للعالمين بعد أن ختم به الرسالات فقال جل من قائل : (( لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة )) ومعلوم أن اتخاذ النبي الكريم إسوة يقتضي أن يعرف جيدا ليكون التأسي والاقتداء به جيدا . والمعرفة الجيدة هي معرفة تشمل كل مراحل حياة النبي الإسوة والقدوة . وهذا النبي لحياته بداية ونهاية ، وما بين مولده وموته توجد فترة التأسي والاقتداء الواجبة شرعا بنص القرآن الكريم . ومعرفة المولد عبارة عن معرفة بداية النبوة والرسالة التي هي صناعة إلهية. فمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مجرد مولد شخص كباقي خلق الله بل هو مولد رسول ونبي ، وهو عبارة عن انتقاء واصطفاء إلهي كما جاء في الذكر الحكيم : (( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس )) فالاصطفاء يكون قبل المولد ، فالرسل الذين يصطفيهم الله عز وجل يخلقون رسلا طبيعة وجبلة ، ويقومون بتبليغ الرسالة في الموعد الذي يحدده الله تعالى لهم في فترة من فترات حياتهم ما بين مولدهم ووفاتهم . وقبل موعد التبليغ تكون الصناعة الإلهية لقوله تعالى في الحديث عن نبيه موسى عليه السلام : (( وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني )) وصناعة الله عز وجل لرسله الكرام واحدة ، لهذا لا بد من معرفة كيف صنع الله تعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ مولده .

فمن عرف الرسول ابتداء من بعثته لا يمكن أن يعرف كيف صنع ، ويحتاج إلى معرفة مولده وطفولته لتفسير الكثير من أحواله وهو رسول قد أوحي إليه . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا وهو رسول عن اصطفاء الله تعالى له فيقول في حديث شريف :  » إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم ، من خير فرقهم ، وخير الفريقين ، ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة ، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا  » أفلا يجدر بالبشرية أن تعرف من هو خير خلق الله ؟ وكيف اصطفاه ؟ ويقول عليه السلام أيضا :  » أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ ،آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر  » إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم ، وأبوه الأول آدم يكون تحت لوائه ، وكل الأنبياء يكونون تحت لوائه ألا يجدر بنا أن نعرف من هو سيد ولد آدم ؟ وكيف جاء إلى هذه الدنيا ؟ وكيف حاز الفضل والشرف ، وزمنه بعد أزمنة كل الأنبياء ؟

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقارن نبوته بالنبوات السابقة فيقول في حديث شريف :  » مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها وجملها وترك منها موضع لبنة فجعل الناس يطوفون بالبناء ويعجبون منه ويقولون لو تم موضع اللبنة ، وأنا في النبيين موضع تلك اللبنة  » إنه عليه الصلاة والسلام يمثل كمال وتمام وجمال النبوات . فلو قدر لنا أن نعرف النبوات السابقة بكل دقائقها لعجبنا من حسنها وكمالها وجمالها ، ولكننا سنفتقد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وستظل النبوات في أمس الحاجة إليها . لهذا لا بد من الاحتفال بمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لمعرفته من أجل الاقتداء به .
منهج رسول الله في الدعوة :
الذي يعنينا في رسول الله صلى الله عليه وسلم هو دعوته التي هي دعوة الله عز وجل للبشرية. وهي دعوة حق ، من لا يستجيب لها يكون متنكبا للحق الواجب طلبه شرعا ، والله تعالى يقول للناس كافة : (( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم )) فالاستجابة لدعوة الله ورسوله هي استجابة للحق الذي هو نقيض الباطل ، ولا يحق للبشرية أن تعيش في باطل وقد خلق بحق ومن أجل الحق . ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أساسها الحق دعوة عاقلة متعقلة لقوله تعالى : (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )) فمقتضى الدعوة على بصيرة ألا يوجد فيها وهم أو أسطورة أو خرافة ، وإنما أساسها العقل المقتنع والمقنع ، لأن طلب الحق يتطلب الاقتناع به عقلا ، لهذا كانت الدعوة على بصيرة لا على تخمين وظن وافتراض وغير ذلك مما لا يثبت به حق .
ومما يميز الدعوة إلى الحق مجموع خصائص منها :

1 ) خاصية أصالة الدعوة: ونعني بها أن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخالف الدعوات التي سبقتها لقول الله تعالى : (( قل ما كنت بدعا من الرسل )) ، وقوله أيضا : (( ما يقال لك إلا ما قيل للرسل من قبلك )) فبمقتضى هذا تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقة لما بين يديها من الدعوات ، وهي بهذا دعوة أصيلة ، وأصالتها تعطيها مصداقية ، كما تعطي مصداقية لسابقاتها من الدعوات لهذا يقول الله تعالى : (( نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه)) وتصديق دعوة محمد صلى الله عليه وسلم لسابقاتها من الدعوات يلزم من آمن بها الإيمان بما سبقها من دعوات لهذا يقول الله تعالى : (( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيئون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) فإيمان دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بغيرها من الدعوات السابقة تلزم هذه الأخيرة بالإيمان بها ،وإلا فلا دين لدعوات سابقة تنكر دعوة محمد صلى الله عليه وسلم . فأصالة دعوته عليه السلام هي مصداقيتها ومصداقية من سبقها من الدعوات . ولو أن هذه الدعوة لم تلتزم الأصالة لحق لمن يؤمن بالدعوات السابقة لها أن يشكك فيها لأنه سيكون أمام تناقض إن اتبعها وهي تختلف عما سبقها ،ووضعية محرجة فإما أن يصدق دعوته أو يصدق غيرها.

2 ) خاصية تميز الدعوة :
إن أصالة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنع تميزها بميزة العالمية لأنها الدعوة الخاتمة . فإذا كان الله عز وجل قد جعل الدعوات السابقة محدودة في الزمان والمكان حيث يقول جل من قائل : (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )) فما يترتب عن هذا هو اختصاص الدعوات السابقة بأقوامها تاريخا وجغرافية ، في حين تعم دعوة محمد صلى الله عليه وسلم البشرية قاطبة لقوله تعالى : (( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون )) فبموجب هذا تكون دعوة محمد صلى الله عليه وسلم عالمية ، ويترتب عن ذلك أنها ملزمة للناس كافة ، ولا عذر بعدها لأحد لقوله تعالى : (( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) لقد كانت كل دعوة حجة على قومها ، ودعوة محمد صلى الله عليه وسلم حجة على الناس كافة. ولما كان الرسل يرسلون تترا لم تكن الحاجة ماسة لعالمية دعواتهم ، ولكن بعد خاتمة الدعوات أصبحت الحاجة ماسة إليها ، وبها تميزت عن باقي الدعوات .

3 ) خاصية التدرج في انتشار الدعوة ونشرها :
لم تتأت عالمية الدعوة الإسلامية عن طريق اكتساح شامل للعالم في بداية أمرها بل عمرها لم يتجاوز ثلاثا وعشرين سنة ،ومع ذلك استطاعت أن تعم العالم بفضل خاصية التدرج من أصغر حيز وأصغر عدد إلى أكبر حيز وأكبر عدد . فالله عز وجل أمر رسوله ببدء الدعوة مع العشيرة الأقربين فقال سبحانه : (( وأنذر عشيرتك الأقربين )) فمن العشيرة الأقربين إلى الأبعدين لأن الأقربين يتحولون بدورهم إلى دعاة يتولون نشر الدعوة إلى من يليهم حتى تتسع دائرتها مكانا وزمانا ، لهذا لم يضر دعوة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون تاريخها مجرد ثلاث وعشرين سنة . ولو افترضنا غياب خاصية التدرج في هذه الدعوة ، ومحاولة اكتساحها للعالم أول أمرها لاحتاج صاحبها إلى قرون طويلة أو ربما إلى حين حلول نهاية العالم .

4 ) خاصية التزام التبليغ والبيان في الدعوة :
دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي دعوة الله عز وجل ، ودور الرسول فيها لا يتجاوز التبليغ والبيان لقوله تعالى : (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك )) وقوله أيضا : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )). فما يترتب عن التبليغ والبيان هو النقل الأمين للدعوة دون الزيادة فيها أو النقصان منها.

5 ) خاصية طريقة التبليغ والبيان في الدعوة :
تدخل الله عز وجل في طريقة تبليغ وبيان دعوته فقال جل من قائل : (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) فالمعروف أن الحكمة هي معرفة تدرك بأفضل الوسائل ، وأفضل وسيلة لمعرفة الدعوة هي السنة لهذا يقول الله تعالى : (( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم )) ولقد كان سول الله صلى الله عليه وسلم داعية بالحكمة أي بالسنة التي هي أقواله وأفعاله وما أقره مما عاينه ممن عايشه . والموعظة هي النصيحة ، ولا تكون حسنة إلا إذا كانت مستمرة غير منقطعة زمانا ومكانا ، وبذل فيها كل الوسع الذي لا يبقى معه عذر لمنتصح . والجدال هو النقاش والخصام كلاما ولا يكون بالتي هي أحسن إلا إذا توفرت فيه الحجج الدامغة المقنعة والتي توقف جدال الخصم وتنهيه وتحسمه ، ولازم ذلك أن الذي يملك الحجة والبرهان للإقناع في جداله لا يسقط في سوء الجدال ضرورة كما يسقط فيه من لا حجة له فيستعيض عن الحجة والبرهان والدليل بالتعصب الأعمى الذي يسيء إلى جداله . والجدال بالتي هي أحسن هو التماس الحجة البالغة لقوله تعالى : (( قل فلله الحجة البالغة )) بمعنى المقنعة ، ومن أساليب الإقناع التذكير لأن الناسي إذا ذكر اقتنع لهذا قال الله تعالى : ((فذكر بالقرآن من يخاف وعيد )) كما قال : (( وذكر به أن تبسل نفس )) .ومن أساليب الإقناع أيضا قص القصص لهذا قال الله تعالى : (( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون )) فالناسي يتفكر إذا سمع قصة تمت بصلة إلى ما هو فيه أوعليه من حال .
6

) خاصية الرحمة في الدعوة :
فمن كانت طريقته في الدعوة الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن كان شأنه الرفق بمن يدعوهم ، وهو رفق منشؤه الرحمة لهذا أمر الله تعالى رسوله بالرحمة في الدعوة فقال جل من قائل : (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) وخفض الجناح في القرآن الكريم يدل على الرحمة . ولا يمكن للدعوة أن تنتشر إلا بخاصية الرحمة ،لهذا يقول الله عز وجل : (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )) فالفظاظة والغلظة تنفران الأتباع من الداعية ، والليونة ترغبهم فيه . ونجاح الدعوة رهين بدرجة الرحمة الموجودة فيها .
7

) خاصية البشارة والإنذار في الدعوة :
لما كان خاصية دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الرحمة ، فإنها تتأتى من طريقين : طريق البشارة ، وطريق الإنذار . فالبشارة والإنذار ضدان يتدافعان ، ولا يجتمعان إلا في حال معلومة وهي حال المحافظة على توازنهما الذي لا ينتفي فيه أحد النقيضين . ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغب الأتباع فيها من خلال المحافظة على التوازن بين البشارة التي تغري و لا تغرر ، والإنذار الذي يرهب و لا يقنط .فاعتماد الدعوة على أحد الأسلوبين دون الآخر لا يفضي إلى نتيجة ، فلا بد منهما معا .
8 )

خاصية القدوة والإسوة في الدعوة :
من مقتضيات الاتباع في الدعوة الاقتداء بالداعية ، والاقتداء بالداعية لا يكون من فراغ إذ لا بد من وجود نموذج يقتدى به كما يهتدي الساري ليلا بالسراج حيث يسير خلفه ليتبين مواطىء أقدامه ، لهذا قال الله تعالى في وصف رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : (( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )) فصفة السراج تدل على الإسوة والقدوة التي في قوله تعالى : (( لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة )) .

9 ) خاصية الشهادة في الدعوة :
إن مما يترتب على وجود النموذج الذي يقتدى به ، ويتأسى به لزوم شهادته على المقتدين والمتأسين به ، لأن الاقتداء والتأسي يقاس بمدى التزام المقتدين والمتأسين بالإسوة والقدوة ، فهو شاهد عليهم ، أي تقاس أحوالهم على حاله ،فمن طابق حاله حال الإسوة كان متبعا وإلا فلا اتباع ولو كان الادعاء . لهذا يقول الله تعالى في رسوله : (( وجئنا بك شهيدا على هؤلاء )) ، كما يقول سبحانه : (( إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم )) ، علما بأن أتباعه سيكونون شهودا على باقي الأمم لقوله تعالى : (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )) فالوسطية هي إصابة اتباع دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتداء به ، وهو اتباع واجب شرعا وممكنا واقعا نقلا وعقلا لهذا فأصحابه حجة على من سواهم ، إذ لو كان الاتباع متعذرا لما استقامت شهادة الرسول على المؤمنين ، وشهادة المؤمنين على الناس أجمعين . و

لا عذر لأحد من العالمين بعد دعوة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .
10 ) خاصية الإحالة على الخالق دون ادعاء شيء مما اختص به أوالوعد به:
فصفة القدوة والإسوة لا تعطي صاحبها حق ادعاء ما ليس له مما اختص به الخالق لأن من شأن ادعاء ذلك أن ينصرف الأتباع عن الخالق إلى المخلوق الداعية ، لهذا قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب )) كما يقول جل شأنه : (( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء )) كما يقول أيضا : (( قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا )) كما يقول : (( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم )) . فإذا كان الإسوة والقدوة ليس عنده خزائن الله ولا يعلم الغيب ، ولا يدري ما يفعل به ولا بمن اتبعه ، فأولى بمن اقتدى به أن يكون مثله ،لا يدعي شيئا مما هو عند الله عز وجل ، وكما أن الرسول القدوة لم يعد أحدا بما لم يعد به الله تعالى خلقه فأولى بغيره ألا يعد الناس وعودا كاذب بما ليس في مقدوره ولا في ملكه.
11 ) خاصية الدعاء للأتباع في الدعوة :
لما كان الرسول الداعية القدوة لا يدعي قدرة الله عز وجل ، ولا يعد بها أحدا غرورا ، فإنه لم يحرم اللجوء بالدعاء الموجه إلى صاحب القدرة جل جلاله طلبا لها سائلا وهو مفتقر إليها لا مدعيا ومستغنيا عنها بما يدعيه وهو ليس له ، لهذا قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : (( وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم )) بمعنى ادعو الله لهم ما ليس تملك ،ويملكه الله عز وجل عسى الله أن يستجيب لك ، فيعطيهم ما سألوه مما عنده وحده بلا شريك . فما كان يملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو دعاء الله عز وجل واللجوء إليه مع الاعتراف الكامل بالافتقار والحاجة إليه ،وعدم ادعاء شيء لنفسه ، أو تقديم وعود به لمن تبعه من الأتباع .
خلاصة : عندما نعرض خصائص دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعاة عصرنا يمكن أن نلاحظ بعدنا الشاسع عن خصائص دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم .

فمن الدعاة في عصرنا من لا يلتزم أصالة الدعوة فيزيد أو ينقص من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعا لطائفية مبتدعة ليست من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء. ومنهم من لا ينحو نحو دعوة العالمين ويريد أن يجعل من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة محلية وإقليمية وحتى عرقية وطائفية ، لهذا كثرت أسماء الدعوات والدعاة وكانوا طرائق قددا . ومنهم من لا يلتزم التدرج في الدعوة ، فيهمل العشيرة الأقربين ويتوجه إلى غيرهم من الأبعدين ، وقد يغادر حيزه الجغرافي قبل أن يؤدي فيه مهمة الدعوة إلى أحياز بعيدة طامعا في عرض الدنيا الزائل ، ومتظاهرا بحمل هم الدعوة في أبعد الأحياز ، وحيزه في أمس الحاجة إلى هذه الدعوة .

ومنهم من لا يلتزم بتبليغ وبيان ما أنزل الله عز وجل ،ويزيد فيه من بنات أفكاره مجهزا على أصالة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لهذا كثرت الملل والنحل والجماعات والفرق والطوائف التي تفرق بينها التأويلات التي أساسها الأهواء لكلام الله عز وجل ،والذي يجب أن يبلغ ويبين وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غير. ومنهم الفظ الغليظ الذي لا يعرف معنى الرحمة ، والذي ينفر الناس منه لفظاظته وغلظته ، وربما نفر الناس من غيره من الدعاة أيضا ولو كانوا رحماء لأن الناس يقيسون كل الدعاة عليه ،لأنه أول من صدمهم وصدهم ، ولم يعطهم فرصة معرفة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحيمة. ومنهم الذي لا يبارح البشارة في دعوته حتى غر الخلق الكثير بربهم الكريم ، مما جعلهم عاجزين يتبعون أهواءهم ويتمنون على الله الأماني ، ويستكثرون الجهد القليل في الطاعات لأن داعيتهم يسقط الإنذار من منهج عمله في الدعوة حرصا على سمعة فانية بين العاجزين ، أو طمعا في دنيا زائلة ومصلحة خاصة .

ومنهم الذي لا يبارح الإنذار في دعوته حتى يأس الناس من روح الله وجعلهم قانطين لا يطمعون في رحمته ، ويتركون الطاعات إلى المعاصي يأسا منهم بسبب أسلوب داعية الإنذار الذي أسقط البشارة من منهج عمله في الدعوة . وقد يكون ممن يعانون سادية إذ ينتشي بيأس اليائسين ، ويحرص على مكانة وسمعة بينهم عن طريق التخويف والترهيب ، وهو لا يعدو أن يكون صنو المغرر بالمغررين ، وقلما يجمع الدعاة بين الترغيب والترهيب في زماننا حيث نجد للمرغبين غير المرهبين جيوشا من الأتباع وهم غثاء كغثاء السيل ، في حين ينفض هذا الغثاء من حول المرهبين الذين لا يرغبون ، وتكون النتيجة واحدة عند النوعين معا ما لم يجتمع الترغيب والترهيب على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة .

ومنهم من لا يصلح قدوة ولا إسوة بل هو القدوة والإسوة السيئة يخالف قوله فعله ،فيكون حاله كناكثة الغزل أو ناقضته التي قص علينا الله قصتها أو ضربها لنا مثلا في قوله تعالى : ((ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها بعد قوة أنكاثا )). ومنهم من لا يصلح أن يكون شاهدا على غيره لافتقاره إلى القدوة والإسوة ، ولربما كان حاله شاهدا عليه لا شاهدا له . ومنهم من يدعي من القدرة ما لا يختص به إلا الله عز وجل ، ويعد أتباعه ما لا يملكه. فكم من ألقاب يتلقب بها البعض غرورا ، وهي تفيد ما هم عليه من ادعاء ما لم يدعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم من خوارق وكرامات وتزكيات …وهلم جرا ،فيصرفون بذلك الخلق عن الخالق سبحانه ، ويتعلق بهم الخلق الطامع فيما ادعوه كذبا مما ليس لهم أوعندهم ، وصاروا بذلك أندادا لله ـ تعالى الله عن كل ند ـ

. ومنهم من لا يعول على الدعاء وسؤال صاحب القدرة على الضر والنفع بل يشغله ادعاؤه عن الترفع عن الدعاء ، أو ربما دعا والغرور يركبه بأنه صاحب حظوة عند الله عز وجل ، أو هكذا يوحي لمن حوله فيتعلق الناس بدعائه على أساس أنه يملك كرامة استجابة دعائه الذي لا يرد ، عوض التعلق باستجابة الله عز وجل المشروطة بالافتقار الكامل إلى رحمته وبمشيئته دون سواه .
وأخيرا لو عرض المشتغلون بالدعوة على خصائص دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فاز أحد في هذا الزمان بمجرد الترشح لشغل هذه المهمة الجسيمة، أما ما ابتدعه البعض من تزكيات توزع على أساس خلفيات منها المحسوبية والزبوزنية ،والمصلحية التي أفضت بالكثير من الوصوليين المتزلفين من أصحاب المصالح الخاصة ،والأطماع المكشوفة إلى مجالات الدعوة دون أن يكونوا في مستوى هذه الدعوة المباركة وهي مسؤولية جسيمة لو عرفوا جسامتها لولوا منها فرارا ولملئوا منها رعبا ،ولأشفقوا على أنفسهم من مسؤولية دعوة لا قبل لهم بها .والله عز وجل أسأل السداد في القول والفعل لي ولجميع المسلمين آمين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. الصحراء مغريبية
    22/12/2015 at 21:40

    الصحراء مغربية وغادي تبقى مغربية

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *