Home»International»حكومة عباس الفاسي والحلم الديمقراطي

حكومة عباس الفاسي والحلم الديمقراطي

0
Shares
PinterestGoogle+

يروج بين مناضلي الأحزاب الحكومية نقاش جدي حول جدوى مشاركة أحزابهم في الحكومة الحالية، ولاسيما وان تكوينها جاء مغايرا للتوقعات والتطلعات التي صاحبت الاستحقاقات البرلمانية الأخيرة ، وأن في مجملها لم تخرج عن الخط الذي سنته الحكومات المتعاقبة في المغرب منذ الاستقلال، فهي لم ترق إلى الصفاء والوضوح السياسي والإيديولوجي، وبقيت خاضعة لمبادئ النفوذ العائلي والوصاية وغيرها من المبادئ غير الديمقراطية.
وإذا كان الخطاب السائد يكرس الوضع باعتباره يشكل تجربة ديمقراطية فريدة في العالم الثالث ، فما موقف الآخر من هذه المرحلة ومن هذه الحكومات ، وما سماتها الأساس ؟ و إلى أي حد استطاعت حكومة عباس الفاسي الخروج عن العادة وممارسة استقلالها؟

مرت بالمغرب ما يقرب من ثلاثين حكومة، بدءا بحكومة مبارك البكاي إلى حكومة عباس الفاسي، مرورا بمجموعة من الشخصيات المقربة، وهي في الغالب حكومات تقنوقراطية، واذا استثنينا منها حكومة عبد الله ابراهيم وحكومة عبد الرحمن اليوسفي وحكومة عباس الفاسي وحكومة أحمد بلافريج فالحكومات المتبقية لأحزاب حكومية..

حكومة التقنوقراطيين = 15 مرة

الأتحاد الوطني للقوات الشعبية = مرة واحدة

حزب الأستقلال = 2

الأتحاد الدستوري = 2

التجمع الوطني للأحرار = 2

الأتحاد الأشتراكي = 2

وإذا تأملنا أسماء الشخصيات الحكومية المتعاقبة ونفوذها السياسي والعائلي،و الظروف السياسية والوطنية التي ولدت فيها يمكن تقسيم الحكومات المغربية إلى ثلاثة أنواع لا غير بحكم التشابه الكبير بين كثير منها، قد نسمي الأولى "حكومات التجاوز"، والثانية "حكومات الانضباط"، والثالثة "حكومات الشراكة".

1. حكومات التجاوز:

تمتد هذه الحكومات على مدى ستة عشرة عاما، أي منذ الاستقلال إلى سنة 1972 موعد الانقلاب العسكري الثاني.
كانت تضم في الغالب شخصيات أرستقراطية ذات نفوذ عائلي أو قبلي كبير، وبإصرار الملكين المرحومين محمد الخامس والحسن الثاني على ترأس بعض الحكومات واعتماد القرابة والنفوذ العائلي في تعيين أخرى يمكن القول أنه كانت تمارس نوع من الوصاية على الحكومات، ولكن الوصاية قبل سنة 1972 كانت وصاية شكلية، لان طبيعة الشخصيات لم تكن لتنقاد بسهولة ، بل كانت تتجاوز المؤسسة الملكية، سواء بحكم المالك الشاب آنئذ، أو بحكم علاقتها بالخارج، أو بحكم الثقة الكبيرة التي وضعها الملك فيها، ويتجلى التجاوز في الاستيلاء على المناصب من طرف الأسر التي ينتمون إليها ، وفي الاغتناء وتكديس الثروات، وفي العمل خارج الإطار الحكومي لما يخدم المصالح الشخصية، وفي تكوين عالم خاص بهم كما كان يفعل أوفقير والدليمي وغيرهما.

ولم تكن هذه الحكومات لتمر دون أن تزيد في تأزيم الأوضاع، وإغراق الشعب في حلم الاستقلال مهمشا، يتخبط في الفقر والتخلف والأمية.
وخوفا من ازدياد نمو المعارضة ، وقيام ثورة تدفع بالبلاد إلى نظام اشتراكي، علي يد القوى اليسارية حزب التحرر والاشتراكية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية واليساريين الآخرين عمدت المخابرات الأميركية إلى قلب النظام والهروب إلى الأمام، وامتصاص الغضب الذي كان يلوح في الأفق، والوقوف في وجه التغيير الاشتراكي ولاسيما وأن الاتحاد السوفياتي كان يبدي اهتماما كبيرا بالمغرب منذ الاستقلال، ونشاطات المهدي بن بركة في بداية الستينات في مصر وسوريا وفي الدول الاشتراكية الأوربية كان لها تأثير قوي.

فشل كلا الانقلابين، رغم القوى التي حشدت والتقنيات التي استعملت، وكشفت العمليتين عن شجاعة وذكاء الحسن الثاني الذي غير من توجهاته بعدها، ومن مفهومه للحكومة ومن موقفه من المحيءوعزم على وضع حد للتجاوزات، فظهرت حكومات الانضباط.
2. حكومات الانضباط

تمتد هذه الحكومة على امتداد ستة عشر عاما أيضا أي من سنة 1972 إلى 1998 موعد حكومة اليوسفي الأولى ، وفيها تم الاحتفاظ بمبدأ النفوذ العائلي في هذه الحكومات، وتم تكريس الوصاية الحقيقة، لقد كانت هذه الحكومة منضبطة، تخضع للقرارات المركزية، ولم تكن تمارس التجاوز إلا في الأغراض الشخصية، واعتماد التكلف في إظهار الولاء للمؤسسة الملكية لتبرير مواقفهم وتصرفاتهم الرامية إلى قضاء مآربهم الشخصية، ولاسيما منها وزارة الداخلية التي كانت تجتهد أكثر مما هو مطلوب منها، مما تسبب في ا الإجهاز على حرية الأفراد والجماعات والقيام بالتصفيات الجسدية، فكل من كانوا يريدون تصفيته نعتوه بالعداء للملك أو للصحراء، وكلما تلقت الحكومة ضربة شعبية رفع الشعار الذي كانت الحكومات تهدد به المعارضة والمعارضين "إنها حكومة صاحب الجلالة"، ومما يدل على التصرفات الفردية لهذه الحكومات أيضا سرقة أموال المؤسسات العمومية كالبريد .. والغش في توقيع المشاريع أوعقود الشراء….،

وكان الحسن الثاني رحمه الله يدرك خطورة الأوضاع، ولاسيما وأن الدول الأوربية والمنظمات الإنسانية العالمية كانت تؤاخذ المغرب على التجاوزات التي تراكمت في مجال حقوق الإنسان، وحقوق المرأة،و حقوق الطفل ..ولم يرض أن يغادر هذا العالم من غير أ يؤسس للتغيير الديمقراطي، فكانت حكومة عبد الرحمن اليوسفي، والتي أطلق عليها اسم حكومة التناوب وسميتها "حكومة الشراكة".

3. حكومات الشراكة:

عينت هذه الحكومة في 14 فبراير 1998، وكان رئيسها عبد الرحمن اليوسفي شخصيا قوية ذات نفوذ حزبي وسياسي كبير سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، ضم إلى حكومته من أحزاب المعارضة شخصيات سياسية وحزبية لها وزنها ، فتحول مبدأ النفوذ العائلي الارستقراطي إلى مبدأ النفوذ السياسي، وبما أن هذه الحكومة لم تفرزها صناديق الاقتراع كان لا بد لها من تقبل مبدأ النفوذ التقليدي لتجاوز الوضع ، وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم التناوب الذي يكتسي صبغة الاستمرار غير ديمقراطي فهو يدل على تفاهم قبلي وتقبل عمدي لا علاقة له بالمجال الديمقراطي ولا بالمجال الانتخابي وغيرها، لذالك فضلت اسم الشراكة وهو الاسم الذي يبرر الاتفاق الذي لا يدل على الدوام والاستمرارية بقدر ما يدل على مرحلة معينة قابلة للفسخ.
ومما يربط هذه الحكومة بسابقاتها الاحتفاظ بوزراء السيادة الخارجية والداخلية الأوقاف والإعلام… وهو الأمر الذي يبرر الوصاية على حكومة اليوسفي لتفادي التجاوز. فهي لم تكن مستقلة رغم الانجازات التي حققتها والتصالح الشعبي الذي أسست له.

بعد حكومتي عبد الرحمن اليوسفي عين إدريس جطو على رأس الحكومة الثامنة والعشرين، وسجلت بذلك تراجعا ديمقراطيا برجوع التقنوقراطيين، وتجديد الدماء في وزارات السيادة.
وإذا تأملنا حكومة جطو وجدناها تجمع بين النفوذ العائلي الكلاسيكي، والنفوذ السياسي والوصاية،مع العلم أنها لم ترضخ للتوجه السياسي ولصناديق الاقتراع وهو ما يشكل تراجعا في المجال الديمقراطي، يزكي موقف الدولة من الأحزاب المعارضة الذي يفهم ضمنيا، والذي يعتبرها حسب كثير من القرائن أنها دونية وقاصرة على تسيير أمور الدولة الحساسة ، ولا يؤتمن لها بتسليمها وزارات السيادة، وهو الأمر الذي كنا نطمح إليه بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أي كنا نطمح أن يعين الوزير الأول من الحزب الذي حصل على الأغلبية في الاستحقاقات الأخيرة، وهذا ما وقع فعلا لكن بشكل سطحي ، فرغم أن تعيين الحكومة استند على النفوذ الحزبي ورد إليه الاعتبار، و لكنه حافظ على وزارات السيادة وأقحم عنصرا جديدا هو عنصر دعائي محض يتجلى في إقحام وزراء جدد لا يتمتعون لا بالنفوذ العائلي ولا بالنفوذ السياسي ولا الحزبي، كما عادت ظاهرة تأسيس الأحزاب على غرار" البصريات".
لذا كانت حكومة عباس الفاسي دون التطلعات وغير ديمقراطية رغم مكوناتها، ولا ندري ما الذي يمنع من فسح المجال لنهضة ديمقراطية حقيقية بالمفهوم العالمي ، و لحكومة تقوم على المشروع السياسي ، وعلى النفوذ الحزبي والاستقلالية والمبادرة والمسؤولية.

فالنفوذ الحزبي يقتضي تسليم الوزارة الأولى إلى الحزب الأكثر نفوذا وسط الشعب بغض النظر عن طبيعته وتوجهاته، شريطة الحفاظ على مقومات الشعب المغربي والملكية الدستوري واستقلال البلاد والالتزام بمبدأ الديمقراطية.
ومبدأ الاستقلالية يناقض مبدأ الوصاية الداخلية والخارجية، لتكون الحكومة قابلة للتنافس والمحاسبة والتغيير، وهذا التنافس يرفع من وعي الجماهير الشعبية ويعيد إليها ثقتها بالسياسة والسياسيين..

ومبدأ المبادرة يقتضي وجود برنامج واضح تنفذه الحكومة وتتحمل عواقبه وتبعاته، وفشل حكومة ما لا يعني فشل البلاد ولا يعد ذلك كارثة وإنما تجربة تكرس للخلق والإبداع والتجريب، وهو الأمر الذي يساهم في تطوير البلاد وخرق المراحل…

أما المسؤولية فيعني أن الحكومة تسال عما يصدر منها، وان كانت لديها إستراتيجية خاصة فليس لديها الحق في نقض المعاهدات الدولية والاتفاقات التي وقعت عليها الحكومات السابقة إلا في إطار القانون ، ولكن يمكن أن تكون لديها مواقف مناقضة لسابقاتها في قضايا دولية أو وطنية تميزها عن غيرها تخدم به البلاد أو تستثمرها كورقة ضغط لصالح الوطن، كما هو الشأن بين الحزب الجمهوري والديمقراطي في أميريكا أو بين الحزب اليميني والحزب الاشتراكي في اسبانيا … ويعلم الجميع كيف لعب الحزب اليميني بورقة الصحراء المغربية وجزيرة ليلى لإغراء الجزائر وللضغط على المغرب في مجال الصيد .

وختاما مازالت الحكومات المغربية خاضعة لبمدأ النفوذ العائلي والوصاية رغم بعض المحاولات الساعية إلى التغيير، وحكومة عباس الفاسي لم تأت بالجديد الذي قد يشكل قيمة مضافة في المجال الديمقراطي، وان لمناضلي الأحزاب المشاركة فيها الحق في التعبير عن قلقها في سبيل اتخاذ مواقف أكثر حزما يتجاوز الحسابات الآنية الضيقة ، لتبني النفوذ الحزبي والاستقلالية والمبادرة،وتحمل المسؤولية الحقيقية أمام الملك والشعب، وذلك قبل أن تعصف التحولات العالمية المقبلة نتيجة غلاء البترول والحبوب بكثير من المكتسبات، ولكن هل يمكن للأحزاب المغربية تحقيق ذلك في ظل التشرذم وتباين المواقف بين الأحزاب المتقاربة ، و من غير أن تقلص الهوة بينها، وأن تؤسس لقطبين اثنين لا غير… ؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *