الحرب على (داعش) في العراق: عندما يصبح الجلاد ملاذا .
تلوح في الأفق سنوات أخرى من نهب و استنزاف ثروات العراق ، البترولية والبشرية وغيرها ، و إراقة الدماء العربية ، تحت يافطة محاربة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ، و يمتد هذا الاستنزاف إلى دول عربية أخرى كسوريا بشكل مباشر أو غير مباشر ، وهي أيضا سنوات من الدمار والخراب في حرب تشن في الأراضي العربية ، ولاشك أنها ستكون لها انعكاسات على الأجيال الحالية واللاحقة ،ولا تستثني منها حتى الأجنة في أرحام الأمهات .
والغريب في الأمر ،والمخجل بالنسبة للدول العربية و حكامها، هو العجز الدائم على إيجاد حلول عربية للأزمات ، و الاضطرار(إن كان هناك اضطرار فعلي) إلى الاستنجاد بأمريكا وحلفائها ، أمريكا : المحتل الذي اتهمته المقاومة العراقية الحقيقية وبالحجج الدامغة بإثارة النزعات الطائفية لتقسيم العراق وإضعافه ، وتدبير عدد كبير من العمليات الإرهابية التي ذهب ضحيتها المئات من الأبرياء العراقيين المدنيين وغيرهم (1)
. وتشير التصريحات الأولى أن هذه الحرب ستستغرق على الأقل ثلاث سنوات .
العملية التي تحضر لها أمريكا دفاعا على العراق، كما تزعم هي وحلفاؤها ، ومن خلاله على شعوب المنطقة ، ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ، هي شبيهة بمن يعبث ، ويقضي بالكامل على المناعة الطبيعية والمكتسبة لشخص، ويدعي بعدها أنه صادق في معالجته من الأمراض الانتهازية التي أصابته نتيجة ذلك .
فالذي قام بحل جيش العراق الباسل ، الذي شكل مند تأسيسه في 6 يناير 1961 رمزا لأمن الشعب العراقي واستقراره ، وعزته وكرامته ، ومناعته ، وساهم إلى جانبه في كل الأحداث والمحن التي عاشها ، لا يمكنه أن يدعي الدفاع على العراقيين وسلامتهم وأمنهم .
فرغم انتهاء الحرب التي شنتها أمريكا وحلفاؤها سنة 2003 ، قام الاحتلال بحل الجيش العراقي، و في عملية انتقامية غير مسبوقة قام بتدمير ترسانة هامة من الدبابات والمدرعات العراقية الصالحة والتي فاق عددها ثمانية آلاف (2) ، دفع فيها الشعب العراقي تكاليف باهظة ، وسمح الاحتلال لعصابات التهريب ببيع قطعها ، وتصديرها لدول الجوار كأجزاء بالية ، وقام بنزع سلاح الجيش حتى لا يهدد الاحتلال والحكومات التي صممها على مقاسه .
ويشير عضو الجيش العراقي السابق العقيد الركن سعيد حسني فيشير، إلى أن عدة إطراف اشتركت في مآمر ة تدمير وحل الجيش العراقي البطل ، لأنه شكل خطرا على أطماعها ومصالحها في المنطقة العربية ، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل ، وحتى بعض أحزاب الحكومة العراقية المدفوعين من الدول المعادية للعراق ، ونصبت محله خليطا وهنا، وغير متجانس ، من أفراد مليشيات الأحزاب العراقية ، باسم الدفاع المدني ، ثم الحرس الوطني ، من أجل تعزيز مواقعها في السلطة ، مثل مليشيات البشمركة التابعة للأحزاب الكردية ، وقوات بدر ، ومسلحي الوفاق والمؤتمر ، هذه الأطراف تدين بالولاء للأحزاب وللسلطة وليس للوطن .
والمتتبع لعناصر الجيش العراقي السابق الذين طلبوا الانضمام (للجيش الجديد) وهم قلة ، يعرف انه تم انتقاؤهم على أسس طائفية فا لضباط الذين زكتهم أ حزاب شيعية تم الحفاظ على رتبهم السابقة كضباط ، أما الذين زكاهم الحزب الإسلامي أ و المستقلون تم قبولهم على قلتهم كجنود ومراتب فقط . لهذا فضلوا المقاومة على العودة إلى الجيش .
تفاخر الشعب العراقي بالجيش مند تأسيسه واعتبره رمزا لسيادة العراق و أمنه، ووحدته ، ومن أقدم جيوش القرن العشرين النظامية وأقواها
. شارك مند تأ سيسه في 6مارس 1961 ، أي في بداية قيام الدولة العراقية الحديثة ، إلى جانب الشعب العراقي في مختلف الظروف سواء في الثورات والانتفاضات الداخلية أو في حماية الوطن من الأطماع الخارجية الكثيرة ، وساهم في معارك العرب التاريخية ضد الكيان الصهيوني حيث لعب دورا هاما في معادلة الصراع العربي ـ الصهيوني .
وأشار اللواء المتقاعد هلال السمري ، في ذكرى تأسيس هذا الجيش قائلا إن الجيش العراقي لم يكن في يوم من الأيام تابعا روحيا لأحد إلا للشعب العراقي وقضاياه ، وقال إنه الجيش الوحيد في العالم الذي تحدى الجيش الأمريكي الذي ترتجف الحكومات والجيوش من مجرد ذكر اسمه، وخاض ضده معارك ضارية في عامي 1991 ـ 2003 وأ لحق به خسائر فادحة عملت الولايات المتحدة على إ خفائها عن الجميع، رغم الفارق الكبير في الأسلحة والإمكانيات التكنولوجية ، والدعم المفتوح . وكسر حاجز الخوف وحطم نظرية الأمن الإسرائيلي عندما ضرب إسرائيل عام 1991 بأكثر من 30 صاروخ دون أ ن تتمكن من منعها من إصابة أهدافها .
لا أريد هنا الاسترسال في الأمجاد والانتصارات التي حققها الجيش العراقي سواء كجيش نظامي عراقي ، أوبعد حله، كأفراد مقاومة أذهلت الاحتلال الأمريكي بإبداعاتها في مجال حرب العصابات التي شنتها ضده ، فيكفي أنه لم يعرف لحد الآن تركيبة المتفجرات المتحكم فيها عن بعد ، والتي فتت أحدث الدبابات الأمريكية بقوتها ، ولم تستطع رداراته الإحساس بها واكتشافها ، وأكتقي بالتساؤلات التالية :
1 ـ هل كانت ستقوم قائمة لداعش في العراق وتتوسع تنظيميا فيه ، لو كان الجيش العراقي، الذي فرط فيه العرب وأسلموه للاحتلال، بتجربته الكبيرة وترسانته الحربية الهامة قائما ؟
2 ـ أين نخوة الجيوش العربية والحكام العرب ، وشعوبهم تردد يوميا في احتجاجاتها شعار » يكفينا ، يكفينا من الحروب ، أمريكا ، أمريكا عدوة الشعوب » ، ونضرائهم يستنجدون بأمريكا وبالدول الامبريالية التي لا يحركها سوى النفط العربي ومنه العراقي ، وسائر الثروات العربية ، ومصالح شعوبها ، وهاجس تفوق ربيبتهم المدللة ،الكيان الصهيوني ؟
3ـ متى يستوعب الحكام ، والحكومات العربية درس دول أمريكا اللاتينية ، التي تحررت من التبعية وهيمنة الامبريالية الأمريكية ، حتى أصبح عدد منها، لاستقلالية قراراته ، وكأنه ينوب عن العرب والمسلمين في قضاياهم وطرد سفراء الكيان الصهيوني، ونعته بنعوت تجرمه دوليا ، ومناصرة كافة القضايا الإنسانية العادلة ؟
المفتاح
1ـ كتاب حقيقة ما يجري في العراق ، أسرار وخفايا المقاومة العراقية ، لعادل الجوجرى .دار الكتاب العربي دمشق ـ القاهرة : يشير الكتاب إلى مجموعة من التفجيرات والعمليات الإرهابية في العراق ويعطي الدلائل على أن الاحتلال هو من نفذها ، كما يفضح التدخل الصهيوني السافر في العراق .
2 ـ نفس المرجع الصفحة 100 .
Aucun commentaire